ترجمة وتحرير: نون بوست
استُقبل سقوط نظام الأسد في ديسمبر/ كانون الأول 2024 باحتفالات واسعة في معظم أنحاء الشرق الأوسط. كما تم استقباله بارتياح، ولكن بمزيج من القلق والارتباك. فقد شكل سقوط النظام ضربة كبيرة للتحالف الذي تقوده إيران ضد إسرائيل، حيث تم إزاحة العضو الوحيد المتبقي في التحالف وقطع طريق الإمدادات من إيران إلى حزب الله في لبنان. ولكن في نظر المسؤولين الإسرائيليين، أثار ذلك احتمالين مقلقين: إما أن تتفكك سوريا، مما يمنح طهران فرصة ثانية لاستعادة نفوذها، أو أن يظهر محور إسلامي سني تدعمه تركيا ليحل محل المحور الإيراني.
وفي هذا السياق، أبدى المسؤولون الإسرائيليون شكوكًا كبيرة بشأن خلفية أحمد الشرع، الرئيس السوري المؤقت، والمجموعة التي يقودها، “هيئة تحرير الشام”، التي كانت مرتبطة بتنظيم القاعدة قبل أن تنفصل عن الحركة الجهادية العالمية في سنة 2016. ولعدة سنوات قبل أن تقود الهجوم الثوري الذي أطاح ببشار الأسد، كانت “هيئة تحرير الشام” تسيطر على منطقة شبه مستقلة في محافظة إدلب الشمالية الغربية، حيث كانت نقاط الجيش التركي على الحدود الجنوبية تساعد في صد قوات النظام. ولم تكن هيئة تحرير الشام بالضرورة قريبة جغرافيًأ من أنقرة، لكنها كانت أقرب إلى تركيا من أي دولة أخرى.
ونظرًا لهذه الاحتمالات، سعت إسرائيل إلى التأكد من أن سوريا الجديدة لن تشكل أي تهديد مادي. وفي اليومين التاليين للإطاحة بنظام الأسد، شنت إسرائيل ما يقرب من 500 غارة جوية، دمرت خلالها جزءًا كبيرًا من الأسلحة والمخزونات العسكرية السورية، بما في ذلك الأسلحة الكيميائية وفقًا للتقارير. بالإضافة إلى ذلك، أرسلت إسرائيل قوات برية متمركزة في هضبة الجولان المحتلة إلى عمق الأراضي السورية، داخل المنطقة العازلة التي تمتد على 235 كيلومترًا مربعًا، والتي تم تأسيسها بموجب اتفاق فك الاشتباك بين البلدين في سنة 1974.
ومنذ ذلك الحين، أنشأ الجيش الإسرائيلي تسع نقاط عسكرية في القرى، وأقام نقاط تفتيش، ونفذ دوريات، وأجرى مداهمات، وأطلق النار على السوريين الذين احتجوا على توغله. كما اتخذت إسرائيل موقعًا جديدًا على الجانب السوري من جبل الشيخ، حيث يمكن لجنودها مشاهدة كل من دمشق ووادي البقاع في لبنان. وقد أشار مسؤولون إسرائيليون كبار إلى أن وجود إسرائيل هناك سيكون غير محدد المدة.
إضافةً إلى هذه المنطقة العازلة الجديدة والمناطق الإضافية التي تقوم قواتها الآن بدوريات فيها، أعلنت إسرائيل عن نيتها إقامة “منطقة منزوعة السلاح” أوسع تمتد عبر جنوب سوريا. وقد تواصلت إسرائيل مع الأقلية الدرزية في جنوب غرب سوريا، داعيةً الدروز للعمل في هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل، ووعدت بحمايتهم من الهجمات داخل سوريا. وكانت إسرائيل أيضًا تضغط على إدارة ترامب لاستخدام العقوبات القاسية التي فرضتها الولايات المتحدة على نظام الأسد المُخلوع، والتي لا تزال سارية، كأداة ضغط على الحكومة الانتقالية في سوريا. وتريد إسرائيل أن تربط واشنطن رفع هذه العقوبات، إلى جانب عقوبات أخرى مفروضة على هيئة تحرير الشام نفسها، بموجب تصنيفها كمنظمة إرهابية، بشروط صارمة.
وإذا استمرت إسرائيل في هذا النهج دون أن تحد من تحركاتها العسكرية على الأقل، أو تلين من خطابها، أو تضيف دبلوماسية فعالة، فإنها تخاطر بدفع سوريا نحو أحد السيناريوهات التي تقول إنها ترغب في تجنبها، وهي إحداث فوضى يمكن لإيران و/أو المتطرفين الجهاديين استغلالها، أو دفع الحكومة الجديدة في دمشق نحو التقارب مع أنقرة.
زعزعة استقرار متعثر
وتُظهِر الأحداث التي جرت على أطراف دمشق في أواخر فبراير/ شباط هشاشة المرحلة الانتقالية في سوريا بعد الأسد، وحدود قدرة إسرائيل على تشكيل الديناميكيات السورية. وفي 28 فبراير/ شباط، تصاعدت التوترات في جرمانا، إحدى الضواحي التي يقطنها الدروز جزئيًا في دمشق (على بعد 60 كم من الحدود الإسرائيلية السورية)، حيث تتمتع الفصائل الدرزية المسلحة بدرجة من النفوذ. وبلغت سلسلة من المشادات بين هذه الفصائل وقوات الأمن التي شكلتها الحكومة المؤقتة حديثًا باشتباك مسلح أسفر عن مقتل أحد ضباط الأمن. وفي اليوم التالي، شنّت قوات الأمن مداهمات أسفرت عن مقتل مدني، مما زاد من حدة التوترات.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي إن الدروز في خطر من “نظام إرهابي إسلامي متطرف”، معلنًأ عن نية إسرائيل في الدفاع عنهم، وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن سكانًا دروزًا مجهولين قد ناشدوا للحصول على مثل هذه الحماية. لكن عددًا من الدروز المؤثرين سرعان ما تنصلوا من أي طلب من هذا القبيل. وفي غضون يوم، توصلت دمشق إلى تفاهم مع الفصائل الدروزية وقادة مدينة السويداء، التي يقطنها غالبية درزية، مما أسهم في تهدئة الوضع.
ومن المرجح أن تتكرر مثل هذه الحوادث مع خروج سوريا من أكثر من عقد من الحرب الأهلية، وردود إسرائيل بزعزعة استقرارها المتعثر أصلًا. إن رسائلها إلى الدروز، إلى جانب التعبير عن دعمها للأقلية الكردية التي أنشأت منطقة شبه مستقلة في شمال شرق سوريا، قد تضر بمكانة هذه المجموعات داخل المجتمع السوري الذي يعارض بشكل عام التدخل الإسرائيلي. إن عداؤها تجاه دمشق يمكن أن يُفسر على أن إسرائيل تسعى لإبقاء سوريا ضعيفة ومفككة وفوضوية.
لقد كان لدى إسرائيل تسوية مؤقتة مع الأسد – على غرار تلك التي عقدتها مع الأنظمة في مصر والأردن وبعض دول الخليج العربي، والتي تفرض الاستقرار بما يتماشى مع المصالح الإسرائيلية – لكنها بوضوح لا ترى السلطات الجديدة في سوريا بالطريقة نفسها. لقد دعا وزير الخارجية الإسرائيلي إلى إنشاء سوريا ذات نظام فيدرالي، تتكون من مناطق تتمتع بالحكم الذاتي، وهو ما يعد صدى لنهجها الطويل الأمد (على سبيل المثال، تجاه لبنان) الذي يسعى إلى إضعاف خصومها من خلال تشجيع تقسيمهم إلى مناطق عرقية وطائفية على حساب الدولة المركزية.
ويصف المسؤولون الإسرائيليون إنشاء منطقة عازلة واسعة داخل سوريا كخطوة وقائية. لقد اعتبرت إسرائيل وجودها في هضبة الجولان، التي احتلتها في سنة 1967 وضمّتها بشكل غير قانوني في سنة 1981، أمرًا بالغ الأهمية لأمنها. واليوم، أصبح مفهوم الأمن هذا أكثر اتساعًا. فمنذ هجمات حماس 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، اعتمد المسؤولون الإسرائيليون عقلية تقيم المخاطر بناءً على القدرة والإمكانات بدلاً من الإجراءات السابقة أو النوايا المعلنة، مما يسمح باتخاذ إجراءات عسكرية استباقية بحرية أكبر على طول حدود البلاد أو خارجها.
وأضاف المسؤولون الإسرائيليون أن الأهداف الرئيسية لإسرائيل هي ضمان عدم تشكيل سوريا تهديدًا لها أو لجيرانها مثل الأردن، وحماية الأقليات، والتعاون في القضاء على الأسلحة الكيميائية المتبقية في نظام الأسد، ومنع نقل الأسلحة من إيران إلى حزب الله. إن احتلال أو فرض منطقة منزوعة السلاح في جنوب سوريا يسمح لإسرائيل بتعزيز هذه المطالب.
الشكوك الإسرائيلية
يعتقد صانعو السياسات الإسرائيليون أن التشكيك في القيادة السورية الجديدة مبرَّر. فهم لا يعتقدون أن هيئة تحرير الشام قد تخلت عن ماضيها الجهادي. ويشكون في أن البراغماتية الظاهرة التي يظهرها الشارعة ناتجة فقط عن الحاجة الملحة للوقود والقمح ونهاية العقوبات التي تمنع الحكومة المؤقتة من إنعاش الاقتصاد.
وقد تكون هذه الشكوك مفهومة؛ بل إن بعض يشاركونها فيها. ولكنهم يغفلون عن كيفية تطور هيئة تحرير الشام على مدار العقد الماضي، حيث قطعت علاقاتها مع تنظيم القاعدة، وخاضت معارك شرسة مع كل من القاعدة وتنظيم الدولة، وأعادت تموضع نفسها كجماعة إسلامية وطنية سورية بحتة تركز على محاربة الأسد وإدارة الأراضي التي تسيطر عليها في شمال غرب سوريا. وأثناء حكمه لإدلب، أصبح الشرع يميل بشكل متزايد نحو التوافق مع الأقليات، حيث تواصل مع المسيحيين والدروز، وعرض عليهم الحماية، وأعاد فتح الكنائس وإعادة الممتلكات التي كانت قد صادرتها الفصائل المتمردة. غير أن المسؤولين الإسرائيليين يعتقدون أنه عندما يأتي الأمر إلى الحسم، فإن الحكام الجدد في دمشق سيكونون غير قادرين، أو ربما غير راغبين، في السيطرة على العناصر الجهادية التي ما زالت موجودة في البلاد. ويشيرون، كدليل على ذلك، إلى أعمال العنف التي حدثت في أوائل مارس/ آذار في المناطق الساحلية السورية، حيث ارتكبت القوات الموالية للحكومة فظائع ضد المدنيين، وكانت الغالبية العظمى منهم من الأقلية العلوية، ردًا على هجوم منسق شنه متمردون موالون للأسد أسفر عن مقتل ضباط أمن حكوميين.
ومن الجدير بالذكر أن المسؤولين الإسرائيليين يعبرون عن قلقهم بشأن ضعف الحكومة السورية الحالي وقوتها المستقبلية الافتراضية، مما يعزز الانطباعات بين الآخرين أن إستراتيجية إسرائيل غامضة. لقد كانت معظم أفعال إسرائيل حتى الآن تهدف إلى عرقلة دمشق في توحيد السلطة في جميع أنحاء البلاد، خشية أن تتحول حكومة سورية أقوى في النهاية إلى عدو. ومع ذلك، فإن المسؤولين الإسرائيليين حذرون أيضًا من أن السلطات السورية الجديدة قد تكون غير قادرة على التفوق على الجماعات الجهادية والمجموعات الموالية لإيران – أو حتى العدد الأصغر بكثير من مقاتلي حماس والجهاد الإسلامي الذين تم الإفراج عنهم (بالإضافة إلى عدد لا يحصى من المدنيين السوريين) من سجون الأسد.
وعبّر المسؤولون الإسرائيليون أيضًا عن قلقهم علنًا بشأن النفوذ المتزايد لتركيا وتأثيرها على الحكومة السورية الجديدة. فبينما كانت هيئة تحرير الشام تحكم إدلب، كانت لديها علاقات متذبذبة مع أنقرة، التي اعتمدت تصنيف مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لها كمنظمة إرهابية وفضلت دعم فصائل المعارضة المتنافسة.
وقامت القوات التركية بإنشاء طوق حول المحافظة ليس لحماية هيئة تحرير الشام بحد ذاتها، بل كجزء من اتفاق مع روسيا، حليف الأسد، للحفاظ على هدوء الجبهة الشمالية الغربية ومنع تدفق المزيد من اللاجئين السوريين إلى تركيا. لكن بعض المسؤولين الإسرائيليين، مثل كثيرين آخرين، يبالغون في تقدير درجة الدعم التركي لهيئة تحرير الشام، حتى أنهم يعتقدون أن أنقرة دبرت استيلاء هيئة تحرير الشام على دمشق. فقد عززت الأحداث التي تلت سقوط الأسد تلك الانطباعات الخاطئة؛ فبعد أيام، اجتمع كبار المسؤولين الأتراك، الذين كانوا في غاية السعادة، مع الشرع في العاصمة السورية، ومنذ ذلك الحين تبادلت الدولتان سلسلة من الزيارات الرفيعة المستوى.
وتراقب إسرائيل أيضًا التطورات في شمال شرق سوريا، حيث تمارس قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بقيادة الأكراد قدرًا من الحكم الذاتي. بالنسبة لتركيا، تعُتبر قوات سوريا الديمقراطية عدوًا؛ حيث دعمت أنقرة الميليشيات التي أضعفت المكاسب الإقليمية التي حققتها قوات سوريا الديمقراطية أثناء هجوم الثوار على دمشق. لكن الولايات المتحدة تدعم قوات سوريا الديمقراطية، وهي شريك رئيسي في التحالف الذي شكلته لتحطيم بقايا تنظيم الدولة.
وتخشى إسرائيل أن يقوم الرئيس دونالد ترامب بإرباك التوازن الدقيق في شمال شرق سوريا من خلال سحب القوات الأمريكية، كما هدد مرارًا بالقيام بذلك خلال ولايته الأولى. قد يكون من المحتمل أن يفعل ذلك بشكل أكبر بعد الاتفاق التاريخي في 10 مارس/ آذار بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق، الذي تعهدت فيه الجماعة الكردية بقيادة قواتها بدمج هياكلها المدنية والعسكرية في هياكل الدولة المركزية بحلول نهاية السنة. وفي هذه الحالة، قد تتمكن أنقرة من توسيع نطاق نفوذها، مما يعمق مخاوف إسرائيل من أن منافسًا قويًا – عضو في حلف الناتو أيضًا – يمارس تأثيرًا كبيرًا في دولة مجاورة.
وفي غضون ذلك، فإن الإجراءات العسكرية لإسرائيل وتوسعها ودعواتها للحفاظ على العزلة الاقتصادية لسوريا تزيد من اعتماد دمشق على أنقرة كوزن موازن محتمل، مما يثير مزيدًا من التساؤلات حول ما إذا كانت أفعال إسرائيل تخدم أهدافها.
سباق مع الزمن
في الوقت الحالي، وبعد أن فقدت سوريا الجزء الأكبر من عتادها العسكري، فإنها لا تمتلك سوى قدرة ضئيلة، إن وجدت، على إلحاق الضرر بإسرائيل، حتى لو أرادت ذلك، وهي تؤكد أنها لا ترغب في ذلك. وينشغل السوريون بإعادة بناء بلدهم المدمر جراء الحرب وتسوية العلاقات بين الدولة والمجتمع. وقد أشار القادة الجدد، سرًا وعلنًا، إلى أن سوريا تحت حكمهم لن تكون نقطة انطلاق لشن هجمات على أي دولة مجاورة، بما في ذلك إسرائيل. وقد صرح الشرع بأن سوريا ستستمر في الالتزام باتفاقية فك الاشتباك لسنة 1974، وطلب من القوى الخارجية ضمان عودة إسرائيل، التي انتهكت تلك الاتفاقية، إلى الالتزام بها أيضًا. ودعا إسرائيل إلى وقف غاراتها الجوية في سوريا وسحب قواتها من الأراضي السورية الأخرى التي استولت عليها منذ سقوط الأسد.
ويعود إحجام القيادة السورية الجديدة عن مواجهة إسرائيل إلى إدراكها لاختلال توازن القوى بين البلدين، وإلى قناعتها بعدم جدوى مثل هذه المواجهة. كما أن أولوياتها الرئيسية تتمثل في تحقيق الاستقرار الداخلي وإنعاش الاقتصاد. وتشكل إقامة علاقات بناءة مع طيف واسع من الفاعلين الإقليميين والدوليين، وتجنب المشاكل مع الخصوم السابقين، ركائز أساسية في هذه الاستراتيجية. ومن غير المرجح أن يتغير ميزان القوى لصالح سوريا حتى لو تعافت بشكل جيد من الدمار الذي لحق بها على مدى أكثر من عقد.
ومع ذلك، تواصل إسرائيل محاولاتها الواضحة لتقويض الشرع، مما قد يخاطر بإبقاء سوريا غارقة في حالة من عدم الاستقرار. كما أن سعيها إلى كسب تأييد الأقليات، مثل الدروز في الجنوب أو الأكراد في الشمال الشرقي، ينطوي على مخاطر تأجيج التوترات الطائفية إلى حد اندلاع صراع مفتوح. وبينما قد تفضّل إسرائيل سوريا ضعيفة وممزقة على أخرى قوية يقودها إسلامي مدعوم من تركيا، فإن هذا السيناريو يحمل في طياته مخاطر أمنية عليها أيضًا. فمن الواضح أنه قد يفسح المجال أمام إيران لاستغلال الفراغ عبر تمكين جماعات مسلحة مرتبطة بالنظام السابق وإعادة تفعيل طرق نقل الأسلحة إلى لبنان.
قد تؤدي الإجراءات الإسرائيلية الأخرى التي تقوض المرحلة الانتقالية الهشة في سوريا إلى نتائج عكسية. فقد طلب مسؤولون إسرائيليون من إدارة ترامب الإبقاء على العقوبات وتصنيفات الإرهاب الأجنبي، لتجنب تقديم ما وصفه أحد المسؤولين الإسرائيليين بـ”الوجبة المجانية” للحكومة المؤقتة. وتريد إسرائيل من واشنطن أن تربط رفع العقوبات والتصنيفات بعملية تدريجية ومتسلسلة، تُلزم دمشق باتخاذ خطوات ملموسة تثبت التزامها بحماية الأقليات وضمان الأمن.
ومع ذلك، فإن هذه العملية ستستغرق وقتًا، في حين أن الشرع يخوض سباقًا مع الزمن. فالاقتصاد السوري ينهار، ما أدى إلى تفاقم النقص الحاد في الغذاء والمأوى والطاقة. ويزداد نفاد صبر السوريين من أوضاعهم المعيشية القاسية، مما يغذي الانتقادات للسلطات الجديدة ويؤجج الانقسامات. أما العنف الذي شهده الساحل في أوائل مارس/ آذار، فيشكل تذكيرًا مروّعًا بما قد يواجهه البلد في ظل قيادة ضعيفة تفتقر إلى الدعم الخارجي.
وإذا لم تعدّل إسرائيل نهجها تجاه سوريا ما بعد الأسد، فإنها تخاطر بتحويل دولة تبدو مستعدة للتفاهم إلى خصم قد يتبنى موقفًا أكثر حدة ضد سياساتها. إن استمرار العدوان الإسرائيلي، ومحاولات “نزع السلاح” من جنوب سوريا، والتدخل في السياسة السورية، قد يدفع الحكومة المؤقتة إلى موقف أكثر دفاعية، ويزيد من احتمالية تعميق تعاونها العسكري مع تركيا لردع أي توسع إسرائيلي إضافي. وحتى الآن، لم تسفر محاولات إسرائيل لاستمالة أقليات سوريا عن نتائج ملموسة، إذ اقترب كل من القادة الدروز وقوات سوريا الديمقراطية علنًا من دمشق بدلًا من الابتعاد عنها. وأحدث مؤشر على ذلك هو الاتفاق الذي وُقّع في 10 مارس/ آذار بين الشرع وقوات سوريا الديمقراطية.
إعادة النظر في إستراتيجية “إسرائيل” تجاه سوريا
ومن الأفضل لإسرائيل أن تنظر إلى الواقع الجديد في سوريا باعتباره فرصة إستراتيجية. فللمرة الأولى منذ عقود، تفتقر إيران إلى النفوذ في دمشق، التي باتت خاضعة لقيادة معادية لطهران وتسعى بحماس إلى بناء علاقات مع الغرب والدول المجاورة. ومع ذلك، قد يؤدي الإبقاء على العقوبات الأميركية الخانقة إلى فتح المجال أمام عودة التدخل الإيراني.
وبدلًا من معارضة تخفيف العقوبات عن سوريا، قد يكون من الأفضل لإسرائيل أن تحثّ الولايات المتحدة على تبنّي نهج أكثر فاعلية وتحديد معايير واضحة يجب على سوريا تحقيقها، بما في ذلك الالتزام باتفاقية فك الاشتباك لسنة 1974، وتجديد التأكيد على التزامها بأمن المنطقة، فيما يتعلق بإسرائيل. وعلاوة على العقوبات، تمتلك الولايات المتحدة وسائل ضغط إضافية كبيرة على دمشق، تشمل نفوذها على تمويل إعادة الإعمار الدولي، بالإضافة إلى قدرتها على إلغاء تصنيفات الإرهاب أو إعادة فرضها إذا رأت ذلك مناسبًا.
ويمكن لإسرائيل أن تقترح على واشنطن ربط هذه الضغوط بالتزامات واضحة من دمشق، مدعومة بإجراءات ملموسة، للقضاء على أي تهديد من داخل سوريا للدول المجاورة. كما يمكن لإسرائيل أن تعمل مع الولايات المتحدة والشركاء الأوروبيين لضمان إجراء عمليات تفتيش منتظمة وتفكيك أي بقايا لقدرات النظام السابق في مجال الأسلحة الكيميائية تحت إشراف دولي.
علاوة على ذلك، يمكن أن يسهم التنسيق مع الولايات المتحدة والأردن في معالجة المخاوف الأمنية التي قد تواجهها إسرائيل في جنوب سوريا بشكل أكثر فاعلية، مستفيدة من الوجود العسكري الأمريكي في قاعدة التنف العسكرية شرقي البلاد كجزء من هذه الإستراتيجية. وسيكون هذا النهج الدبلوماسي أفضل بكثير من المسار الحالي، الذي يزيد من خطر تحول سوريا ما بعد الأسد إلى دولة فاشلة، مما سيُلحق الضرر بالجميع، بما في ذلك إسرائيل.
المصدر: مجموعة الأزمات الدولية