ترجمة وتحرير: نون بوست
صرّح مسؤول في مجلس الإسماعيليين بطرطوس، في فبراير/ شباط، قائلًا: “قبل ديسمبر/ كانون الأول، كنا نتشارك المخاوف ذاتها مع العلويين تجاه هيئة تحرير الشام”. غير أنه الآن، وبعد مرور ثلاثة أشهر فقط على أول تواصل بين هيئة تحرير الشام والقيادة الإسماعيلية في سوريا، “تبدو الحكومة الجديدة أكثر احترامًا للمجتمع الإسماعيلي، كما أنها تتمتع بعلاقة خاصة معه”.
وأكد مسؤولون إسماعيليون آخرون في منطقتي سلمية بحماة وقدموس بطرطوس هذه الرؤية. هذه الطائفة الصغيرة، التي ترتبط بشكل فضفاض بالإسلام الشيعي، وجدت نفسها فجأة في علاقة مميزة مع المسؤولين في الحكومة الجديدة بسوريا، على الأقل على المستوى المحلي، سواء في المجال السياسي أو الأمني.
في منطقة قدموس بطرطوس، خضعت هذه العلاقات لاختبار حقيقي خلال موجة العنف التي اجتاحت الساحل السوري هذا الشهر. فالمدينة ذات غالبية إسماعيلية، بينما تحيط بها قرى ذات أغلبية علوية. وقد أدى تركز الإسماعيليين في هذه المنطقة مقارنةً بأجزاء أخرى من الساحل، إلى تطورات سياسية وأمنية فريدة وإيجابية منذ منتصف ديسمبر/ كانون الأول.
وفي هذا السياق، أُجريت مؤخرًا مقابلات مع عدة ناشطين إسماعيليين في المدينة، إلى جانب مدني علوي من قرية مجاورة، للوقوف على طبيعة هذه الديناميكيات وتأثيرها على المنطقة قبل أحداث الأسبوع الماضي وأثناءها وبعدها.
كما هو الحال في العديد من مناطق سوريا، أدى الانهيار السريع لحكم الأسد إلى فراغ في السلطة لفترة وجيزة داخل قدموس. كردّ فعل، بادرت المدينة إلى تشكيل مجلس محلي من الإسماعيليين (لا يجب الخلط بينه وبين المجلس الإسماعيلي، وهو هيئة مدنية قائمة منذ فترة طويلة في المناطق ذات الأغلبية الإسماعيلية) لإدارة شؤون المدينة والحفاظ على الاستقرار مع القرى العلوية المجاورة.
ووصف أحد الناشطين تلك الفترة قائلًا: “بعد سقوط الأسد، لم تكن هناك حكومة ولا أمن، لذا قبل وصول الحكومة الجديدة، أنشأنا هذا المجلس المحلي وبدأنا بتنظيم شؤون المدينة، كالمحافظة على المرافق الحكومية والمستشفيات، وغيرها من الأمور”.
واستمر المجلس في أداء هذا الدور حتى بعد وصول المسؤولين الحكوميين، ويوضح ناشط آخر: “نحن ندير مدينتنا بالتعاون معهم. كل المسائل الإدارية واللوجستية والأمنية يتم تنسيقها معهم”.
في إطار هذه الجهود، سارع المجلس إلى عقد اجتماعات مع زعماء القرى العلوية المجاورة. وأوضح أحد الناشطين: “بعد سقوط الأسد، قمنا بجولة في القرى العلوية، وأكدنا ضرورة فتح صفحة جديدة والتعاون من أجل بناء دولة جديدة مع هذه الحكومة الجديدة”.
ومع وصول قوات الأمن إلى قدموس في 18 ديسمبر/ كانون الأول، تطور دور المجلس الإسماعيلي ليصبح حلقة وصل بين القرى والمسؤولين الأمنيين الجدد، إضافة إلى مواصلة دعم الإدارة والخدمات داخل المدينة.
وأوضح أحد الناشطين: “حاولنا إقناع القوات الأمنية بإنشاء نقاط تفتيش داخل جميع القرى العلوية وتزويد السكان بالسلاح لحماية أنفسهم”. وبالفعل، خلال أسبوع واحد، بدأت الشرطة الجديدة في قدموس بإنشاء نقاط تفتيش داخل 30 إلى 40 قرية علوية حول المدينة، وفقًا لأحد الناشطين الإسماعيليين، حيث تولى سكان تلك القرى مسؤولية تأمينها، وتم توزيع ما يقارب 80 بندقية عليهم (فيما أشار ناشط إسماعيلي آخر إلى أن عدد القرى العلوية التي حصلت على نقاط تفتيش خاصة بها لم يتجاوز ثماني قرى فقط).
وبالتزامن مع هذا الإجراء، تم إنشاء مجلس أمني إسماعيلي داخل مدينة قدموس، حيث تطوع نحو 30 شابًا إسماعيليًا، زودتهم الشرطة بالسلاح، للمساعدة في تعويض النقص الحاد في القوى الأمنية، وهو ما كان يحدّ بشدة من قدرة الأجهزة الأمنية على فرض السيطرة في مختلف أنحاء البلاد.
بدأ إسماعيليو قدموس تواصلًا أوليًا مع هيئة تحرير الشام عبر مبادرات فردية، وذلك بعد انطلاق هجوم الهيئة في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني. وقال أحد النشطاء: “كنا نريد التأكد من أن تسليم مدينتنا سيتم بشكل سلمي”.
ومنذ ذلك الحين، حافظت الطائفة الإسماعيلية على علاقات جيدة مع القوات الأمنية والعسكرية المنتشرة في المنطقة. وأضاف الناشط نفسه: “أول مجموعة مسلحة وصلت إلى هنا تعاملت معنا بشكل إيجابي للغاية، حيث نسقنا معهم لحماية المدينة، وبالتالي لم يترددوا في تزويدنا بالأسلحة لمساعدتهم في تأمينها. استمر الوضع على هذا النحو لمدة ثلاثة أشهر دون أي مشاكل، حتى أن ريف قدموس العلوي كان جزءًا من هذه العملية”.
إلا أن الأوضاع في قدموس بدأت بالتوتر لأول مرة في 28 فبراير/ شباط عندما اختُطف متطوعان إسماعيليان في الأمن وقُتلا على يد مسلحين تابعين للنظام السابق، بالقرب من نقطة تفتيش يديرها علويون في قرية كاف الجاع، وعُثر على جثتيهما لاحقًا في اليوم نفسه.
يروي أحد الناشطين: “كنا قد حذرنا المكتب الأمني هنا من المخاطر، لكنهم لم يأخذوا الأمر على محمل الجد، ربما لم يدركوا مدى خطورة الوضع”. ومع تصاعد التمرد المسلح ضد النظام السابق على طول الساحل، قُتل في 6 مارس/ آذار عضو في المجلس الإسماعيلي المحلي وضابطان أمنيان حكوميان عند نقطة تفتيش أخرى يديرها علويون في ميدان العتيق، بينما كانوا في طريقهم إلى البلدة للاجتماع مع قادتها المحليين.
بحلول المساء،”كان نحو 1500 رجل مسلحين بمختلف أنواع الأسلحة، بما في ذلك الأسلحة الثقيلة، قد حاصروا المدينة”. ووفقًا لثلاثة مصادر محلية، جاء المتمردون من الريف، خاصة من قرية حمام واصل، وطالبوا بتسليم قوات الأمن الحكومية وتسليم المدينة للمتمردين.
يصف أحد الناشطين المشاركين في المفاوضات الموقف قائلًا: “قالوا لنا: سندخل قدموس ونذبحكم جميعًا إن لم تسلموا لنا المسؤولين الأمنيين لنقتلهم”، مؤكدًا في الوقت ذاته أن أيًا من سكان المدينة العلويين لم يدعم المتمردين.
في مواجهة هذا التهديد، لجأ الإسماعيليون مجددًا إلى مشايخ ومخاتير العلويين الذين تعاملوا معهم خلال الأشهر الأربعة الماضية. وبحلول صباح 7 مارس/ آذار، تمكنوا من التفاوض على خروج آمن لـ 20 ضابط شرطة إلى مصياف، التي كانت لا تزال تحت سيطرة الحكومة، مع ضمان استمرار إدارة الإسماعيليين للمدينة.
يقول أحد الناشطين: “بقينا لمدة يومين نحمي مدينتنا من جميع الجهات”. ووفقًا لأحد السكان، بدأ الإسماعيليون بتلقي مئات الرسائل عبر تطبيق واتساب من أرقام محلية، تتضمن تهديدات لهم ولعائلاتهم بسبب “وقوفهم إلى جانب الحكومة”.
ومع انتشار الأخبار عن المجازر التي ارتكبتها القوات الموالية للحكومة ومدنيون سنّة على طول الساحل، سادت حالة من الخوف في أوساط الإسماعيليين في قدموس، وسط شائعات عن قرب دخول الفصيل المسؤول عن بعض أسوأ الجرائم في بانياس إلى المنطقة.
في هذه الأثناء، أفاد زعماء إسماعيليون بأنهم كانوا على اتصال مستمر مع القوات الأمنية الحكومية، التي أكدت لهم أنها أبلغت القادة العسكريين الآخرين بوضع الطائفة الإسماعيلية، وتسعى لضمان عدم دخول أي فصائل متطرفة إلى المنطقة.
وفي وقت مبكر من 9 مارس/ آذار، دخلت قوات الأمن العام وفصيل عسكري موالٍ للحكومة كان متمركزًا في بانياس إلى قدموس. وعلى الطريق، تعرضت قرية حطانية العلوية لهجوم من إحدى هذه الوحدات، حيث أُضرمت النيران في نحو عشرة منازل وأُعدم 14 شخصًا.
لم يتمكن أي ممن تحدثت إليهم من تحديد ملابسات الهجوم أو الجهة المسؤولة عنه، لكن العديد من العلويين فروا من قراهم في ذلك اليوم، ولجأوا إلى الغابات المجاورة خشية أن تمتد المجازر التي شهدتها مناطق أخرى في ريف بانياس إلى منطقتهم.
وعندما وصلت الفصائل القادمة من بانياس إلى أطراف قدموس، بدأوا بمهاجمة بعض منازل الإسماعيليين، غير أن تدخل ضباط الأمن العام الذين دخلوا المدينة حديثًا حال دون استمرار الهجوم. ومع ذلك، شهدت المدينة حالة من التوتر الشديد، قبل أن تعود الأوضاع إلى الهدوء لاحقًا، وفقًا لجميع من تمت مقابلتهم.
أدى وصول قوات الأمن واستعادة العلاقات بين الإسماعيليين والقوات الأمنية إلى تهدئة المخاوف التي سادت خلال الأيام الأربعة السابقة. ومع ذلك، تفاقم الغضب داخل الطائفة الإسماعيلية تجاه العلويين الذين هددوا مدينتهم. وأوضح أحد الناشطين: “نشعر بخيبة أمل لأننا وضعنا ثقتنا بهم، ومع ذلك قام بعضهم بقتل أهلنا، ولذلك فمن الطبيعي أن نشعر بالخيانة”.
منذ 9 مارس/ آذار، شرعت قوات الأمن الحكومية في دعوة المزيد من الإسماعيليين للانضمام إلى صفوفها، حيث تم توزيع أسلحة جديدة على المجندين وبدأ صرف رواتب لهم. حتى الآن، التحق نحو 60 فردًا، ومن المتوقع دمجهم رسميًا في وزارة الداخلية قريبًا.
وفي سياق موازٍ، استأنف المجلس الإسماعيلي دوره كوسيط، حيث أقامت قوات الأمن نقاط تفتيش حول القرى العلوية وبدأت مفاوضات مع قادتها لتسليم الأسلحة والمطلوبين. وتضمنت أولى الخطوات التي قادها مجلس قدموس التفاوض على السماح للنساء والأطفال العلويين بمغادرة القرى قبل أي عمليات عسكرية، لكن في النهاية لم تُنفَّذ أي عمليات.
عمل المجلس على إقناع زعماء العلويين بالانخراط في المفاوضات، بما في ذلك ترتيب اجتماع بين وجهاء الطائفة العلوية وضباط الأمن في قدموس يوم 12 مارس/ آذار. وفي 16 مارس/ آذار، تم تسليم نحو 600 قطعة سلاح من 10 قرى.
وفقًا لمصدر مطلع، عرض المسؤول على منطقة قدموس (الذي يشغل أيضًا منصب مدير الأمن العام والشرطة في المنطقة) عفوًا عامًا عن المقاتلين، شريطة تسليم 30 إلى 40 شخصا من القيادات المحلية الرئيسية للتمرد. رفضت القرى هذا العرض حتى الآن.
تعقيدات المشهد الأمني تتزايد مع استمرار وجود فصيل عسكري شبه مستقل في المنطقة. وحسب شهادة أحد السكان العلويين، ارتكب هذا الفصيل انتهاكات متكررة، بما في ذلك تسيير دوريات ليلية في قريتين وإطلاق النار بشكل عشوائي، بحجة “فرض حظر التجول”.
كما فرض الفصيل قيودًا على تنقل المركبات العلوية بين القرى، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في المناطق الأكثر تضررًا. وتشير تقارير محلية إلى تورط هذا الفصيل في مجازر سابقة في بانياس، مما يعزز مخاوف المجتمع العلوي من التعامل مع السلطات.
أكد ناشطان إسماعيليان في قدموس استمرار هذه الانتهاكات: “كل يوم، نذهب (الإسماعيليون وقوات الأمن العامة) للتحدث مع الفصيل، ونطالبهم بوقف إطلاق النار العشوائي واحتجاز الأشخاص بشكل تعسفي”. لكن الفصيل لا يستجيب.
ووفقًا للنشطاء، فإن المشكلة تكمن في أن قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية تفتقر إلى السلطة على هذا الفصيل الذي يخضع نظريا لوزارة الدفاع. مع ذلك، بذل مسؤول منطقة قدموس أقصى جهوده لمساعدة القرى العلوية. وفقًا لأحد السكان العلويين، فقد أرسل المسؤول مركبات الأمن العام به لمرافقة قوافل المساعدات بين القرى عبر نقاط التفتيش التي يسيطر عليها الفصيل.
وأوضح أحد النشطاء الإسماعيليين: ” المسؤول شخص نزيه للغاية بالنسبة لنا وللعلويين. لقد بذل جهودًا كبيرة لإيقاف الفصائل، ويسعى جاهدًا لمساعدة العلويين حيث أمكنه ذلك. في الواقع، هو يساعدهم أكثر من الإسماعيليين نظرًا لأن الانتهاكات تحدث في مناطقهم. جميع جهوده مركزة هناك، لأن الوضع في المدينة مستقر”.
رغم الحملات المكثفة التي أطلقها الإسماعيليون منذ 8 ديسمبر/ كانون الأول، فإن أحداث الأسبوع الماضي أسفرت عن تعميق التوترات بينهم وبين العلويين. وصف أحد العلويين من الريف الوضع قائلًا: “كأن الفصائل ليست كافية، حيث تضغط علينا الطائفة الإسماعيلية أيضا. يستمرون في الادعاء بوجود متمردين في قريتنا، بينما أقسم لك أنه لم يكن أحد قادرًا على مغادرة منزله خوفًا منذ سقوط النظام”.
هذه الديناميكيات بين الإسماعيليين والعلويين والحكومة تسلط الضوء على التحديات الكبيرة التي يواجهها الحوار العلوي-السوري في المستقبل. حتى كطرف “ثالث”، واجه الإسماعيليون صعوبة في كسب ثقة جيرانهم العلويين بالكامل. ومع ذلك، فإن دورهم كوسطاء أسفر عن نتائج إيجابية، ويجب النظر إليه كنموذج قابل للتكرار في مناطق أخرى من البلاد.
تمثل قدموس أيضًا مثالًا مهمًا على تعقيدات بناء الحوكمة بعد الأسد، وكيفية دمج الأقليات في الهياكل الإدارية الحكومية الجديدة. فالعنف والانقسام بين معظم مكونات المجتمع العلوي والحكومة في دمشق لا يعكسان ما يحدث مع الأقليات الأخرى.
فقد تم دمج الإسماعيليين في قدموس وسلمية ومصياف بشكل كبير في الهياكل الأمنية والإدارية المحلية. وفي خطوة تعكس مكانتهم في ظل الوضع الجديد، تعهد الزعيم الروحي للإسماعيليين، رحيم آغا خان، في 17 مارس/ آذار بتقديم 100 مليون دولار لإعادة إعمار سوريا خلال العامين المقبلين، مما يعكس المكانة التي تحظى بها الطائفة الإسماعيلية داخل الحكومة الجديدة بعد أربعة أشهر فقط من أول اتصال لهم مع هيئة تحرير الشام. ينبغي على دمشق البناء على هذا الأساس، وضمان تمثيل الإسماعيليين بشكل كامل في الحكومة المركزية أيضًا.
المصدر: سيريا ريفيزيتد