ترجمة وتحرير: نون بوست
أثار اعتقال أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول والمنافس الشعبي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، صدمة في تركيا، الدولة العضو القوية في حلف الناتو، وفي مدينة تضم 16 مليون نسمة تقع بين قاراتي أوروبا وآسيا.
تم اعتقال إمام أوغلو، عضو حزب الشعب الجمهوري المعارض، الذي تفوق على حزب العدالة والتنمية الحاكم بقيادة أردوغان في الانتخابات العامة العام الماضي، يوم الأربعاء بتهم مساعدة وتمويل الإرهاب، وبالتحديد حزب العمال الكردستاني، إضافة إلى ارتباطه بالجريمة المنظمة. جاء الاعتقال قبل أيام من إعلان ترشيح إمام أوغلو لرئاسة حزب الشعب الجمهوري يوم الأحد المقبل.
اتهمت قيادة حزب الشعب الجمهوري بأن اعتقال إمام أوغلو، إلى جانب احتجاز أكثر من 100 شخص آخر، يشكل “انقلاباً” مدفوعاً بدوافع سياسية، وقد أثار هذا التحرك انتقادات محلية ودولية، بما في ذلك من فرنسا وألمانيا.
من جانبه، شدد وزير العدل التركي، يلماز تونج، على أن “سيادة القانون” تم احترامها بالكامل طوال العملية القضائية، داعياً وسائل الإعلام إلى “التحلي بالهدوء أثناء انتظار نتائج التحقيق”، وذلك في تصريحات صحفية نشرتها مجلة نيوزويك.
وأضاف تونج: “من غير المناسب إصدار تقييمات حول التحقيقات التي بدأت دون الاطلاع الكامل على ملف القضية والدعاوى والأدلة.” وتابع قائلاً: “من الخطير وغير الصحيح تشويه التحقيقات التي يجريها القضاء المستقل والمحايد أو وصفها بتعبيرات مثل الانقلاب.”
كما أشار إلى أن “الانخراط في نشر معلومات مضللة بشأن التحقيقات، والدعوة للاحتجاجات في الشوارع، وإطلاق تصريحات مغلوطة للجمهور أمر غير مقبول على الإطلاق”.
بدوره، قال فخر الدين ألطون، رئيس دائرة الاتصال في رئاسة الجمهورية التركية، إن “بعض الأوساط، خصوصاً مسؤولي الأحزاب المعارضة، يحاولون تقويض نزاهة التحقيقات بدوافع سياسية وأيديولوجية”، وذلك في تصريحات نشرتها نيوزويك.
وأوضح ألطون قائلاً: “لقد شهدنا أيضاً اتهامات غير منطقية ضد رئيسنا في إطار تقييمات سياسية وأيديولوجية تتجاهل محتوى وتفاصيل التحقيق الجاري.”
وأضاف: “سنقف بحزم ضد هذه المحاولات التي تهدف ليس فقط إلى الإضرار باستقلال قضائنا الذي يمارس سلطاته نيابة عن الأمة التركية، بل أيضاً إلى التشكيك في رئيسنا.” وتابع قائلاً: “سنواصل حماية الحقوق القانونية لرئيسنا ضد هذه الحملات التشويهية الأيديولوجية.”
وتواصلت مجلة نيوزويك مع حزب الشعب الجمهوري للحصول على تعليق.
لماذا هذا مهم؟
على الرغم من فوز أردوغان على زعيم حزب الشعب الجمهوري السابق، كمال كليجدار أوغلو، في انتخابات الرئاسة لعام 2023، فقد نجح الحزب المعارض الأول، الذي يقوده حالياً أوزغور أوزيل، في تقديم تحدٍ غير مسبوق لقيادة أردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية الذي استمر لعقدين من الزمن.
وبرز الدفاع الواسع لحزب الشعب الجمهوري عن إسطنبول، المدينة التي ينحدر منها أردوغان، حيث تولى إمام أوغلو قيادتها لأول مرة في 2019، ليضع إمام أوغلو في دائرة الضوء كمرشح محتمل في انتخابات 2028.
غير أن صعود إمام أوغلو واجه تحديات قانونية، حيث ألغت السلطات التركية فوزه في انتخابات 2019، ليتم تنظيم انتخابات ثانية فاز فيها مجدداً. بعد ذلك، سعت السلطات إلى منعه من ممارسة السياسة بعد أن أدين في 2022 بإهانة المسؤولين الانتخابيين بتسميتهم “بالحمقى” في 2019.
ورغم أن الحظر لم يدخل حيز التنفيذ بعد بسبب استئنافه، تم توجيه اتهامات جديدة إلى إمام أوغلو الشهر الماضي، تتعلق بمحاولته التأثير على محاكمة مرتبطة بالتحقيقات ضد حزب الشعب الجمهوري.
كما أن قرار جامعة إسطنبول يوم الثلاثاء بإلغاء شهادته بسبب مسألة تقنية قد أضعف فرصه في الترشح للرئاسة، نظراً للمتطلبات القانونية التي تفرض على المرشحين تقديم مؤهلات دراسات عليا صالحة.
أما اعتقال إمام أوغلو المفاجئ في مداهمة للشرطة في مقر إقامته في إسطنبول في اليوم التالي فقد ألقى بظلال من الشك حول مستقبله السياسي. التهم التي تشير إلى محاولته تشكيل تحالف مع منظمة كردية مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، الذي يقود تمرداً في تركيا منذ عقود، تحمل تداعيات خطيرة بموجب القانون التركي.
وقد ربط المسؤولون الأتراك هذه الجماعة بآلاف الوفيات منذ عام 1984، وآخرها الهجوم الذي وقع في تشرين الأول/ أكتوبر على مقر صناعات الطيران التركية في ضواحي أنقرة، والذي أسفر عن مقتل خمسة أشخاص حسب التقارير.
وكانت الحكومة التركية قد وقعت اتفاقية وقف إطلاق نار تاريخية مع حزب العمال الكردستاني في وقت سابق من هذا الشهر، إلا أن الاشتباكات استمرت على الحدود مع سوريا بين القوات التركية والميليشيات المتحالفة والفصائل الكردية، بما في ذلك قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة. كما تصنف الولايات المتحدة حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية.
وقد أشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأردوغان، وقال في كانون الأول/ ديسمبر إن تركيا “ستحمل مفتاح سوريا” بعد سقوط الرئيس السوري بشار الأسد. وفي ظل قيادة أردوغان، لعبت تركيا أيضاً دوراً محورياً في الدبلوماسية المتعلقة بالحرب بين روسيا وأوكرانيا وغيرها من النزاعات من شمال إفريقيا إلى جنوب القوقاز.
ما يجب معرفته
يعد حزب الشعب الجمهوري أقدم حزب سياسي في تركيا، وقد تأسس على يد مصطفى كمال أتاتورك، الذي أسس الجمهورية التركية الحديثة من بقايا الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.
ترأس حزب الشعب الجمهوري تركيا لما يقرب من ثلاثة عقود، حتى هُزم بشكل حاسم أمام الحزب الديمقراطي في عام 1950. ومنذ ذلك الحين، لم يتمكن الحزب من استعادة قيادة الحكومة، رغم أنه أصبح منذ بداية هذا القرن أكبر قوة معارضة لأردوغان، الذي تولى رئاسة الوزراء في 2003 ثم الرئاسة في 2014.
يُعتبر أردوغان، الذي يُعد الأكثر تأثيراً في تاريخ تركيا منذ أتاتورك، قد عزز سلطاته التنفيذية ورفع مكانة تركيا كقوة إقليمية متوسطة، قادرة على موازنة العلاقات الدبلوماسية بين الشرق والغرب. ورغم ذلك، يواجه تحديات اقتصادية كبيرة، أبرزها التضخم المرتفع وتراجع قيمة العملة.
ولطالما اتهمت أحزاب المعارضة في تركيا إدارة أردوغان بقمع المعارضين تحت ذريعة محاربة الأنشطة المهددة للأمن، حيث أقالت السلطات واعتقلت عشرات الآلاف من الأشخاص بعد محاولة الانقلاب العسكرية في 2016، التي قيل إنها مرتبطة بحركة الزعيم الديني المنشق فتح الله غولن الذي توفي في تشرين الأول/ أكتوبر في بنسلفانيا بعد أن عاش في المنفى منذ عام 1999.
ومؤخراً، ومع دعوات لإجراء انتخابات وطنية مبكرة، اتخذت السلطات التركية إجراءات ضد عدد من قادة المعارضة، بما في ذلك اعتقال أوميت أوزداغ، زعيم حزب النصر اليميني المتطرف، في كانون الثاني/ يناير بتهم التحريض على الكراهية وتنظيم أعمال شغب ضد المهاجرين. وقد اعتبر أوزداغ أن هذه التهم تحمل دوافع سياسية.
من جانبه، رفض إمام أوغلو نزاهة التحقيق الذي أدى إلى اعتقاله يوم الأربعاء، مؤكداً في بيان عبر وسائل التواصل الاجتماعي: “لا يمكن إسكات إرادة الشعب من خلال الترهيب أو الأفعال غير القانونية. أنا ثابت في موقفي، موكلاً نفسي ليس فقط إلى 16 مليون نسمة من سكان إسطنبول، بل أيضاً إلى 86 مليون مواطن تركي وكل من يدافع عن الديمقراطية والعدالة حول العالم.”
من جهته، أدان وزير العدل يلماز تونج أي محاولات لربط التحقيق مباشرة بأردوغان، مشيراً إلى أن التحقيق يتم بواسطة “قضاء محايد ومستقل”. وقال تونج: “محاولة ربط التحقيقات القضائية برئيسنا هو عمل من قلة الأدب والإهمال. في بلدنا، فصل السلطات – التشريعية، التنفيذية، والقضائية – هو مبدأ أساسي، والقضاء لا يتلقى أوامر من أحد.”
وأضاف: “الهجوم على القضاء أو تهديد المسؤولين القضائيين أو إهانتهم أمر غير مقبول تماماً في دولة قانون ديمقراطية.” واعتبر أن “التصرف بحس سليم هو السبيل الأمثل، بدلاً من الانخراط في أفعال تهدف إلى التدخل في التحقيقات التي تُجرى من أجل تحقيق العدالة.”
وذكر تونج أن إمام أوغلو يخضع حالياً للتحقيق من قبل مكتب التحقيق في الجرائم الإرهابية بشبهة “مساعدة منظمة إرهابية بالتعاون” ومن قبل مكتب التحقيق في الجرائم المنظمة بشبهة “القيام بجرائم ضمن منظمة إجرامية تهدف إلى تحقيق مكاسب مالية، بما في ذلك الرشوة، والاختلاس، وتلاعب العروض، والاحتيال المشدد، والحصول غير القانوني على بيانات شخصية.”
ماذا يقول الناس؟
قال زعيم حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزال، في بيان عبر وسائل التواصل الاجتماعي يوم الأربعاء: “اتخاذ القرارات باسم الشعب، واستخدام القوة لاستبدال إرادة الشعب أو عرقلتها هو انقلاب. هناك حالياً قوة تسعى لعرقلة إرادة الأمة في اختيار الرئيس المقبل. نحن نواجه محاولة انقلاب ضد رئيسنا المقبل…”
وأضاف: “شعبنا يحب دولته، ولكن إذا حاول أحدهم استغلال الدولة ضد مصلحة الأمة، فإن الأمة لن تسمح بذلك. القوة الحقيقية تكمن في الشعب، وفي النهاية، الشعب هو من يحقق النصر. ستظل الأمور كما هي، نحن لن نستسلم. وفي النهاية، إرادة الشعب ستنتصر، وتركيا ستفوز.”
من جانبه، صرح وزير العدل التركي، يلماز تونج، في تصريحات صحفية نشرتها “نيوزويك” يوم الأربعاء: “في مرحلة التحقيق، سيتم فحص الادعاءات وطلبات الدفاع والأدلة، وبمجرد رفع سرية الإجراءات، سيتم الكشف عن الحقائق المادية بشفافية أمام الجمهور”.
وأضاف: “لهذا السبب، من غير المناسب إصدار أحكام مسبقة — سواء لصالح أو ضد المتهمين — دون معرفة تفاصيل التحقيق. يجب أن نتذكر أنه في دولة القانون، افتراض البراءة والحق في تجنب الوصمة غير المستحقة هما مبدآن أساسيان.”
وأوضح قائلاً: “الثقة في القضاء التركي أمر بالغ الأهمية، حيث يضمن النظام القضائي الوصول الكامل إلى سبل الانتصاف القانونية. من أجل تحقيق العدالة بشكل كامل، تقع على عاتقنا جميعاً مسؤولية متابعة العملية بهدوء واحترام القرارات القضائية”.
بدوره، قال مدير دائرة الاتصال في رئاسة الجمهورية التركية، فخر الدين ألطون، في تصريحات نشرتها “نيوزويك” يوم الأربعاء: “نؤكد مرة أخرى على ضرورة احترام جميع القرارات التي يصدرها القضاء المستقل من جميع شرائح المجتمع. وفي هذه العملية، نؤكد أن دائرة الاتصالات ستواصل نضالها ضد المعلومات المضللة”.
وأضاف: “نحث مواطنينا على التعامل بحذر مع المحتوى غير المؤكد والمشبوه، ودعم هذه الجهود من خلال الاعتماد على البيانات الرسمية من المؤسسات والسلطات، كما كان الحال دائماً.”
ماذا سيحدث بعد ذلك؟
أعلن قياديو حزب الشعب الجمهوري عزمهم على إجراء الانتخابات التمهيدية الرئاسية يوم الأحد كما هو مقرر، رغم اعتقال مرشحهم المحتمل.
ومع ذلك، حتى في حال تم اختيار إمام أوغلو كمرشح الحزب، فإنه يواجه تحديات قانونية كبيرة وحظراً محتملاً من تولي المناصب العامة. في الوقت نفسه، قد يواجه أردوغان تصاعداً في الاحتجاجات من قبل أنصار حزب الشعب الجمهوري الذين يرون في قيادته اتجاها متزايداً نحو الاستبداد.
المصدر: نيوزويك