استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي، القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، صلاح البردويل (66 عامًا)، وزوجته، فجر الأحد 23 أذار/مارس الجاري، إثر غارة جوية إسرائيلية قصفت خيمته في منطقة المواصي غرب خانيونس، جنوبي قطاع غزة، أثناء قيامهما الليل، ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك، حسب بيان نعيه الصادر عن الحركة.
وقالت حماس في البيان إنّ الشهيد صلاح البردويل: “كان علمًا من أعلام العمل السياسي والإعلامي والوطني، ورمزًا في الصدق والثبات والتضحية، لم يتخلّف يومًا عن واجب أو موقف أو ساحة من ساحات الجهاد وخدمة القضية، وبقي ثابتًا على درب المقاومة حتى نال شرف الشهادة في أحبّ الليالي إلى الله”، مضيفة أن “دماءه ودماء زوجته وسائر الشهداء الأبرار، ستبقى وقودًا لمعركة التحرير والعودة، وأن هذا العدو المجرم لن ينال من عزيمتنا ولا من ثباتنا”.
صور تظهر جنازة عضو المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد صلاح البردويل وزوجته الذي اغتالهم الاحتلال في قصف على خانيونس#ألبوم pic.twitter.com/GVgbo9dfoB
— قناة الجزيرة (@AJArabic) March 23, 2025
يعد البردويل رابع قيادي من المكتب السياسي للحركة يُغتال منذ استئناف قوات الاحتلال لعملياتها العسكرية مرة أخرى فجر الثلاثاء 18 آذار/مارس الجاري، حيث سبقه كل من: ياسر حرب، الذي ارتقى في قصف في جباليا شمال القطاع، واستُشهد خمسة من أبنائه خلال المواجهات مع الاحتلال؛ ومحمد الجماصي (أبو عبيدة)، الذي استُشهد مع زوجته نسرين، وثلاثة من أبنائه، واثنين من أحفاده؛ بالإضافة إلى عصام الدعليس، رئيس متابعة العمل الحكومي، الذي قُتل في قصف على منزله بمخيم النصيرات، إلى جانب ثلاثة من أبنائه واثنين من أحفاده.
سقوط هذا العدد الكبير من قيادات الصف الأول التنفيذي في الحركة أثار الكثير من التساؤلات حول دوافع الاحتلال من وراء سياسة الاغتيالات تلك التي بدأ يرتكز عليها بقوة منذ عودة عملياته العسكرية مرة أخرى، ثم التساؤل الأكثر حرجا: كيف وصلت أيادي المحتل لتلك القيادات رغم الفشل في ترقبها طيلة 470 يومًا من الحرب التي كان فيها جيش الاحتلال يطوق القطاع من كافة جوانبه؟
من القادة العسكريين إلى المدنيين
منذ اليوم الأول للحرب، وضع جيش الاحتلال قادة المقاومة العسكريين، وبعض كبار النخبة السياسية، هدفًا محوريًا له، فجيّش كل قدراته وإمكانياته الاستخباراتية والمعلوماتية، بمساعدة الاستخبارات الأمريكية والأوروبية، للوصول إليهم، وبالفعل وبفضل استراتيجيات التعقب تارة، والخيانة والتآمر تارة أخرى، استطاع إيقاع العديد منهم.
البداية كانت بنائب رئيس حركة حماس في لبنان، صالح العاروري، والذي ارتقى إثر استهدافه بطائرة بدون طيار في الضاحية الجنوبية لبيروت، في كانون الثاني/يناير، ثم رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية، الذي اغتيل بعبوة متفجرة زُرعت في مكان إقامته بمقر للضيافة تابع للحرس الثوري في طهران في تموز/يوليو، حين كان يشارك في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.
وفي ذات الشهر أعلنت حكومة الاحتلال اغتيال قائد قوات القسام، محمد الضيف، إثر غارة استهدفت عناصر للمقاومة في خان يونس، وصولا إلى رئيس المكتب السياسي للحركة يحيى السنوار، الذي ارتقى إثر اشتباكات عنيفة بينه وبين جيش الاحتلال في منطقة تل السلطان في رفح في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
يمثل عدد منهم عصب العمل الحكومي في القطاع.. اغتال جيش الاحتلال عدداً من كبار المسؤولين السياسيين في حركة حماس وحكومتها وأجهزتها الأمنية في قطاع غزة خلال العدوان الذي شنّه اليوم وأنهى حالة الهدوء في القطاع المحاصر والمُدمر.
إليك التفاصيل: https://t.co/t2s0Mq9MN4 pic.twitter.com/d1nrfkZWOl
— العربي الجديد (@alaraby_ar) March 18, 2025
وهكذا ظلت آلة الاغتيال الإسرائيلية محصورة في دائرة القيادات العسكرية الميدانية، وبعض رموز النخبة السياسية، حتى إبرام اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني/ يناير الماضي.
وما أن عادت رحى الحرب للدوران مرة أخرى بعد تملص المحتل من التزامات بقية مراحل الاتفاق، مكتفي بمرحلته الأولى فقط، حتى وسّعت إسرائيل دائرة الاستهدافات لتشمل إلى جانب القيادات العسكرية، قادة العمل المدني والإنساني، ومسؤولي الإدارة والتنظيم في حكومة غزة.
فإلى جانب استهداف الأعضاء الأربعة للمكتب التنفيذي للحركة، اغتالت عددًا من المسؤولين في القطاعين الحكومي والأمني، منهم رئيس متابعة العمل الحكومي عصام الدعليس، ووكيل وزارة العدل بالقطاع المستشار أحمد الحتة، ووكيل الداخلية اللواء محمود أبو وطفة، والمدير العام لجهاز الأمن الداخلي اللواء بهجت أبو سلطان، في تحول دفع للتساؤل عن أهداف حكومة نتنياهو من هذا التحول اللافت في استراتيجية الاغتيالات المتبعة.
تقويض سلطة حماس
يذهب المزاج العام للمحللين والمراقبين للمشهد، بما فيهم قادة حماس أنفسهم، أن هذا التوسع في سياسة الاغتيالات التي تجاوزت القادة العسكريين إلى المدنيين، يأت في سياق محاولة الكيان المحتل خلق حالة من الفراغ الإداري والأمني بالقطاع، يستهدف من خلالها تقويض سلطة الحركة، بما يخدم رؤيته بشأن اليوم التالي للحرب.
ويستعرض مدير عام مكتب الإعلام الحكومي في القطاع، إسماعيل الثوابتة، أربعة أهداف رئيسية يسعى جيش الاحتلال لتحقيقها من وراء منهجية الاغتيالات تلك، أولها :إضعاف المنظومة الحاكمة، فمن خلال تصفية القيادات المسؤولة عن إدارة القطاع، يسعى الاحتلال إلى شلّ المؤسسات المدنية والخدمية، وإرباك منظومة الحكم، كذلك إيجاد فراغ إداري وأمني، حيث يستهدف الاحتلال تعطيل المؤسسات الحكومية وإضعاف قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، مما قد يؤدي إلى فوضى إدارية وأمنية.
أما ثالث الأهداف بحسب الثوابتة فهي تفكيك المنظومة الأمنية من خلال اغتيال القادة الأمنيين، حيث يهدف الاحتلال إلى زعزعة الاستقرار وإضعاف قدرة الأجهزة الأمنية على ضبط الجبهة الداخلية.
أما الهدف الرابع فيتمثل في محاولة إثارة الفوضى وإرباك المجتمع من خلال استهداف المسؤولين، حيث يسعى الاحتلال إلى إفقاد المواطنين الثقة بالمؤسسات الحكومية وإحداث اضطرابات تؤدي إلى زعزعة استقرار الجبهة الداخلية.
وما زالت "حماس" تطلق الصواريخ وتصوّرها!
بعد حرب عالمية لمدة 16 شهرا، ما زالت حركة مقاومة مُحاصرة في إقليم صغير مُحاصر، تطلق الصواريخ وتصوّر الإطلاف بحرفية عالية.
أليس هذا أقرب إلى الإعجاز؟!
إنها إرادة الإيمان التي لن يكسرها الغُزاة مهما عربدوا، ومن ورائهم رمز الجنون في واشنطن. pic.twitter.com/Gkc0diLTQl
— ياسر الزعاترة (@YZaatreh) March 20, 2025
ويتفق معه في هذا الطرح القيادي في حركة حماس محمود مرداوي الذي يرى أن الاغتيالات استهدفت بالدرجة الأولى القيادة المسؤولة عن إدارة شؤون السكان من توزيع للمواد الغذائية والحفاظ على الأمن وإدارة ملفات العلاج وسفر المرضى، وأن لذلك دلالة تتمثل في محاولة جيش المحتل تولي عملية توزيع الغذاء والوقود والمواد الإغاثية بنفسه، بما يتوافق مع ما طرحه رئيس أركان جيش الاحتلال، إيال زامير، ومن قبله رئيس الأركان السابق، هيرتسي هاليفي، لكنه فشل ويحاولون اليوم إنجاحه بشكل أو بأخر.
ويرى مرداوي أن مثل هذا التوجه “يهدف إلى إيجاد حالة من الفوضى والإرباك، تتيح لقطاع الطرق واللصوص الذين يتحصنون في مناطق سيطرة جيش الاحتلال ممارسة السرقة على مستويات فردية وجماعية، وإيجاد بيئة مناسبة لما يطلق عليه اليوم التالي للحرب، تمنح العدو القدرة على إنشاء إدارة مدنية تحت احتلال عسكري تدير شؤون غزة”.
وإلى جانب ذلك، فهناك بعد استراتيجي – بحسب القيادي في الحركة- للتوسع في آلة الاغتيالات الإسرائيلية “يركز على اليوم التالي الذي يتم تصميمه لغاية نزع سلاح المقاومة، وإخضاع الشعب الفلسطيني، وتحقيق تطلعات اليمين الديني المتطرف بضم أجزاء من غزة وإعادة الاستيطان”
كيف تم التوصل إليهم؟
منذ بداية الحرب في تشرين أول/أكتوبر 2023 وحتى دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في كانون الثاني/يناير 2025 ، أي قرابة 470 يومًا وأكثر من 15 شهرًا، اغتالت قوات الاحتلال 13 عضوًا من المكتب السياسي لحماس، في مقابل اغتيالها أربعة أخرين في الفترة من 18 – 23 أذار/مارس الجاري، أي في غضون 5 أيام فقط، وفي حال إضافة العديد من القادة في بقية الفصائل التي طالتهم آلة الاغتيالات الإسرائيلية فإن المعدل قد يصل إلى أكثر من قيادي في اليوم.
وهنا التساؤل: كيف وصل الاحتلال لهؤلاء القادة والمسؤولين في حماس وغيرها بعد استئناف الحرب بهذه السهولة حتى يتم إيقاعهم بتلك الدقة؟
حرصت المقاومة بشتى فصائلها منذ بدء المعركة على الالتزام بكافة معايير الحيطة والحذر، والتزام السرية عبر أنظمة القيادة اللا مركزية، وهو ما أجهض مساعي الاحتلال على مدار أشهر طويلة في التوصل إلى الكثير من هؤلاء القادة، ومن كان يسقط منهم كان إما عن طريق الصدفة حيث التواجد في مناطق الاشتباك دون الاستهداف المخطط له سلفًا، أو عن طريق الوشاية والخيانة من قبل البعض، فيما كانت الاختراقات الأمنية لجسد الفصائل في أضيق حدودها.
لكن ما أن هدأت الأمور بدخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، استشعر الكثير من المسؤولين والعناصر المقاتلة بأن الحرب قد انتهت، أو شارفت على الانتهاء، ومن هنا تخلى البعض عن جزء من الحيطة، فبدأت الاتصالات عبر الهواتف الجوالة للاطمئنان على الأهل والأبناء خاصة بعد أشهر طويلة لم تشهد أي اتصالات من أي نوع ما بين عناصر ومسؤولي الفصائل وذويهم، ومن هنا جاءت الثغرة.
بحسب مصادر مطلعة تحدثت إلى “نون بوست” فإن كثيرًا من القادة، العسكريين والساسة، الذين ارتقوا خلال الأيام الخمسة الماضية لم يستخدموا هواتفهم النقالة الشخصية منذ بداية الحرب، وأن أول استخدام لها كان في أيام المرحلة الأولى من الاتفاق، وهو ما ساعد الاحتلال في التوصل إلى أماكنهم ومن ثم تعقبهم بسهولة والإيقاع بهم لاحقا بعد استئناف الحرب.
مع العلم أن كثيرًا من عناصر المقاومة – التي على قيد الحياة أو تلك التي ارتقت- كانت مجهولة الهوية بالنسبة للشارع الفلسطيني، حتى لدى أقربائها، كنوع من التكتم الاستخباراتي، ومن أبرز تلك النماذج المتحدث الرسمي باسم سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين ناجي ماهر أبو سيف، المعروف بـ “أبو حمزة” والذي لم يكن معروفا لأحد إلا القليل، وفوجئوا بهيئته حين ارتقى شهيدًا في غارة إسرائيلية على قطاع غزة فجر الثلاثاء الماضي.
وتضيف تلك المصادر أن مشاهد تسليم الأسرى لم تمر هكذا اعتباطيًا على استخبارات الاحتلال التي كانت تترقب كل مشهد على حده، وتتفقد ملامح الحاضرين والمشاركين جيدًا، سواء من عناصر المقاومة أو المواطنين العاديين خاصة الذي دارت أحاديث بينهم وبين بعض العناصر، بما يعني معرفتهم بهم جيدًا، وهو ما سهل التوصل إليهم فيما بعد.
ومن هنا جاءت الغارات الإسرائيلية الأخيرة بصورة مفاجئة وبدون مقدمات، حتى لا يأخذ المستهدفون حذرهم، في خطأ تكرر مرارًا وتكرارًا في بيروت وجنوب لبنان وفي طهران، دون الاستفادة منه بالشكل الكاف، وهو ما أدى في نهاية الأمر إلى سقوط هذا الكم من المسؤولين والقادة والعناصر المقاومة في ساعات قليلة..
رواية أخرى تشير إلى أن الاحتلال كان على دراية بأماكن تواجد المسؤولين الحكوميين المدنيين، فهم من يديرون الأوضاع على الأرض محليًا، ومعروفين بالنسبة للجميع، غير أن استهدافهم بالنسبة له لم يكن هدفا محوريًا بداية الحرب، إذ كان التركيز منصبًا على القادة العسكريين وفقط.
غير أنه وبعد إصرار حماس وبقية الفصائل على التمسك بثوابتها في المفاوضات ورفض التركيع والانبطاح لشروط وإملاءات نتنياهو وترامب، اضطر جيش المحتل لتكثيف الضغوط على حماس والجهاد وغيرهما من خلال تفكيك بنيتها التنظيمية المدنية، عبر اغتيال كبار مسؤوليها، وهي الرواية التي يقلل البعض من فرضيتها، ممن يميلون إلى أن نتنياهو وجيشه لو كانت لديهم القدرة على إيقاع المزيد من الخسائر في صفوف المقاومة لما ترددوا بعد الخسائر التي تلقوها وعجزهم عن تحقيق أهداف الحرب المعلنة سلفًا.
على كل حال فإن ما حدث، أيا كانت خلفياته ودوافعه، جرس إنذار شديد اللهجة للمقاومة، ورسالة قاسية ذات كلفة باهظة نسبيًا، تدفع حماس ورفيقاتها في درب النضال لإعادة ترتيب المشهد مجددًا، واستعادة التماسك سريعًا قبل انفراط العقد، وتجنب سيناريو حزب الله اللبناني، وتفويت الفرصة على دولة الاحتلال توظيف الوضع الراهن كورقة ضغط تجبر الحركة على الانصياع لشروط الانبطاح على طاولة المفاوضات.