أثار المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، جدلًا واسعًا بتصريحاته التي أدلى بها حول الوضع في غزة، وتأثيره على الأوضاع الداخلية في كلٍّ من السعودية ومصر.
جاءت هذه التصريحات خلال مقابلة له مع الإعلامي الأمريكي اليميني الشهير تاكر كارلسون، والتي نُشرت على صفحاته الرسمية بمنصّات التواصل الاجتماعي، حيث ناقش ويتكوف الأبعاد السياسية والاقتصادية للأزمة في غزة، وتأثيرها على الاستقرار في الشرق الأوسط، خاصة على الدول العربية الكبرى مثل مصر والأردن والسعودية.
وخلال المقابلة، سُئل المبعوث الأمريكي – المقرّب من الرئيس دونالد ترامب – عن تأثير الوضع في غزة على الأوضاع الداخلية في الأردن ومصر والسعودية، فأجاب بقوله: “أعتقد أن الملك عبد الله في الأردن قام بعمل رائع، فعلًا رائع، من خلال التصرّف وإيجاد وسيلة للتعامل مع حالة عدم الاستقرار هذه، وفي بعض النواحي كان محظوظًا”، في إشارة إلى تعامل المملكة مع التحديات السياسية التي أفرزتها الأوضاع في غزة.
رسائل بين السطور
انتقل ويتكوف بعد ذلك للحديث عن الوضع في مصر، محذّرًا من تأثير الأزمة في غزة على الأوضاع الداخلية، قائلًا: “أعتقد أن مصر في الواجهة.. أعتقد أن كل الأمور الجيدة التي حصلت بعد الانتخابات، بسبب القضاء على نصر الله والسنوار، كل هذه الأمور الجيدة يمكن أن تُعكس إذا خسرنا مصر”.
وأضاف: “ما حدث في سوريا كان مصدر بيانات ضخم عن المنطقة، أعني أن التخلّص من الأسد كان أمرًا ضخمًا ولم يتوقع أحد ذلك. لكن مصر… أود أن أقول إن البيانات في مصر تشير إلى معدل بطالة ضخم.. نحو 45% بطالة، لا يمكن لدولة كهذه أن تستمر. وهم (المصريون) مفلسون بصورة كبيرة، وبحاجة إلى الكثير من المساعدة”.
ولفت المبعوث إلى أن التحديات الاقتصادية تتفاعل مع التوترات الاجتماعية الناجمة عن الأزمة الفلسطينية، مما يتسبّب في “عاصفة مثالية” تهدّد الاستقرار الداخلي. كما تطرق المبعوث الأمريكي إلى المملكة العربية السعودية، مشيرًا إلى أهمية حلّ قضية غزة في سياق التطبيع المحتمل للعلاقات بين السعودية و”إسرائيل”.
تصريحات مبعوث ترامب للشرق الأوسط تأتي في إطار ممارسة ضغوط على مصر لقبول مخطّط تهجير سكان غزة وإلا فإن التكلفة ستكون سقوط النظام
وقال: “لديهم (السعوديون) نسبة هائلة من الشباب، والجميع يراقب تصرفهم بشأن غزة. هو قائد عظيم (محمد بن سلمان)، لكن الوضع ليس سهلًا، لذا لا بدّ من حلّ في غزة كي نصل إلى التطبيع، وإذا حصل التطبيع، فكل شيء سيكون على ما يرام”.
واعترف المبعوث بأن حركة حماس تمثّل فكرة لا يمكن القضاء عليها، قبل أن يستدرك قائلًا: “لا يمكن أن تكون جزءًا من إدارة غزة مستقبلًا”، مبيّنًا أنه لا يعتقد بإمكانية التخلّص من حماس، كونها فكرة أيديولوجية وليست مجرد تنظيم سياسي.
وعن رؤيته للحركة، قال ويتكوف: “لا أعتقد أنهم منغلقون أيديولوجيًا، وعندما تفهم أنهم يريدون الحياة، حينها تستطيع التحدث معهم بطريقة أكثر فاعلية”.
معونة أمريكا إلى الجحيم!
حظيت المقابلة التي جرت بين كارلسون وويتكوف – وهما حليفان بارزان للرئيس الأمريكي دونالد ترامب – بتفاعل واسع على منصّات التواصل الاجتماعي، نظرًا للتصريحات غير المتوقعة التي أدلى بها الملياردير الأمريكي المقرّب من ترامب منذ ثمانينيات القرن الماضي.
وأشار كثير من المعلّقين إلى أن تصريحات مبعوث ترامب للشرق الأوسط تأتي في إطار ممارسة ضغوط على مصر لقبول مخطّط تهجير سكان غزة، وإلا فإن التكلفة ستكون سقوط النظام من خلال تكثيف الضغوط الاقتصادية وخفض أو إيقاف المساعدات.
وكان ترامب قد ألمح سابقًا إلى أن المساعدات المالية الأمريكية لكلٍّ من مصر والأردن قد تُوقف في حال رفضتا استقبال فلسطينيين من غزة. جدير بالذكر أن الولايات المتحدة تقدّم لمصر، منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، مساعدات سنوية تُقدّر بحوالي 2.1 مليار دولار، منها 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية تشمل تزويد الجيش المصري بأسلحة متطورة، فيما تُخصّص 800 مليون دولار كمساعدات تنموية.
في المقابل، لفت آخرون إلى الجزء الذي قال فيه ويتكوف إن “أي تغيير في مصر سيؤدي إلى عكس كل الأمور الجيدة التي حصلت عليها واشنطن بعد الانتخابات، مثل القضاء على السنوار”، معتبرين أن ذلك يُعد إشارة واضحة إلى أن النظام الحاكم في مصر يخدم مصالح الولايات المتحدة، وأن سقوطه سيمثّل خسارة كبيرة لها.
نفسي أفهم هما داعمين السيسي شافوا كلام ستيف ويتكوف مبعوث ترامب للشرق الأوسط عن الوضع في مصر تهديد ازاي ؟
يعني حرفيا الراجل بيقول هنخسر كل حاجة لو حصل أي تغيير مصر .. حرفيا
ففين التهديد حد يشاور عالتهديد
— Mohamed Abbas (@mohammad_abas) March 22, 2025
أما الإعلاميون المؤيّدون لنظام السيسي، فقد وجّهوا انتقادات حادّة لتصريحات المبعوث، من بينهم نشأت الديهي، الذي قال إن المطوّر العقاري ويتكوف لم يقرأ التاريخ، ولا يعرف الجغرافيا، ولا يفهم طبيعة وتعقيدات المنطقة، ولم يُدرك الدور المصري في الإقليم.
ووجّه الديهي رسالة مباشرة إلى ويتكوف، قال فيها: “مصر ليست دولة مفلسة، ولتذهب معونتكم إلى الجحيم. مصر لا تعاني من نسبة بطالة 45٪ كما قلت كذبًا أو جهلًا، وعليك أن تتصل بصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن لتعلم أن نسبة البطالة في مصر لا تزيد عن 6٪. نظام الحكم في مصر مستقر وراسخ وقوي أكثر مما تتخيّل، رغم كلّ الصراعات المحيطة به. فنحن لسنا دولة قصّ ولصق، أو جمهورية من جمهوريات الموز في حدائقكم الخلفية”.
غير أن معلّقين آخرين، من بينهم محمد فؤاد، أوضحوا أن نسبة البطالة يُقصد بها الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عامًا، القادرين على العمل والراغبين فيه والباحثين عنه، لكنهم لا يجدون فرصة عمل، مشيرين إلى أن هذه الفئة تشمل أيضًا حديثي التخرّج.
ويتكوف لم يتحدث عن البطالة بشكل عام هو ذكر دلالة عجيبة شوية. قال: “معدل البطالة سن ١ ل٢٥”. انا مش فاهم يقصد ايه لأن مش دارج استخدام التقسيم الديموغرافي ده لقياس البطالة!
لو يقصد معدل بطالة الشباب فهي ١٩٪ (رقم ٥٦ عالميا) لو يقصد معدل حديثي التخرج فهو ٤٦،٢٪ طبقا لوزارة التخطيط https://t.co/USXbHhnowP pic.twitter.com/bGlFHzgpcQ
— Mohamed A. Fouad (@MAFouad) March 22, 2025
وقال الصحفي المصري فراج إسماعيل إن “حديث ويتكوف عن بيانات أو فورمات ما جرى في سوريا، وسقوط الأسد الذي لم يكن متوقّعًا، وربطه بالوضع الاقتصادي في مصر، يُعد تهديدًا مبطّنًا للقاهرة، يُنذر بأنه بدون إنقاذ مالي عاجل، لن تستطيع الدولة البقاء”.
وأضاف: “ويتكوف يُرسل رسالة مبطّنة للقاهرة، تُلوّح بالعصا والجزرة؛ الفوضى والغرق في نموذج البيانات أو الفورمات السورية هو البديل المباشر لرفض تهجير سكان غزة”.
وأكد أن “الجزرة” تتمثل في حزمة مساعدات مالية ضخمة، كثمن لإعادة رسم البيانات بخصوص التوطين في سيناء، وقد تمتد إلى قناة السويس نفسها، أسوةً بقناة بنما، ملمحًا إلى أن “إعادة رسم البيانات أو الفورمات تُركّز حاليًا على نظرية هدم الدولتين الإقليميتين المتماسكتين جيوسياسيًا وبشريًا، وهما تركيا ومصر”.
من جهته، يرى الباحث السياسي خليل العناني أن كلام ويتكوف لا يحمل أي نوع من التهديد للنظام المصري، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، خلافًا لما يحاول أنصار السيسي الترويج له لحاجةٍ في أنفسهم، مؤكدًا أنه يُعبّر عن خوف حقيقي، وربما رعب، داخل الدوائر السياسية والاستخباراتية الأمريكية من سيناريو سقوط النظام نتيجة لتداعيات ما يجري في قطاع غزة عليه، باعتباره أهم حليف لأمريكا في المنطقة.
ويضيف أن كلام ويتكوف ليس بجديد، فالجميع يدركه، لكن الفارق الوحيد أنه جاء على لسان أعلى مسؤول أمريكي معني حاليًا بالمنطقة.
وزير خارجية غير مُعلَن؟
ذكرت شبكة “سي إن إن” في تقرير حديث لها أن وزير الخارجية ماركو روبيو يواجه تحدّيًا متزايدًا من مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، مشيرةً إلى أن نشاط الرجلين خلال الشهرين الماضيين يثير تساؤلات حول موقع كلٍّ منهما داخل الدائرة المقرّبة من الرئيس ترامب.
ونقلت الشبكة عن مصادرها أن روبيو كان مدركًا تمامًا لما هو مقبل عليه حين تولّى منصبه وزيرًا للخارجية، وكان يعلم أن العمل مع ترامب لن يكون سهلًا، بالنظر إلى سجله الحافل بإقالة كبار المسؤولين، كما حدث مع وزير خارجيته السابق خلال ولايته الأولى ريكس تيلرسون، ومستشاره السابق للأمن القومي جون بولتون.
وأضافت أن السيناتور السابق روبيو سعى لتولي منصب كبير الدبلوماسيين الأميركيين بعد خسارته فرصة أن يكون نائب ترامب لصالح جي دي فانس، غير أنه لم يكن يتوقّع أن يُواجه خطر التهميش لصالح أحد أقرب أصدقاء ترامب، وهو مطوّر العقارات والملياردير ستيف ويتكوف.
وخلال الشهرين الأولين من إدارة ترامب، تراجع روبيو في بعض الجوانب عن واجهة المشهد الدبلوماسي لصالح ويتكوف، الذي اتسع نطاق عمله إلى ما هو أبعد من منصبه الرسمي كمبعوث خاص إلى الشرق الأوسط.
وقد كان ويتكوف لاعبًا رئيسيًا في ملفات بارزة تناولتها إدارة ترامب، من بينها اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ومفاوضات إنهاء الحرب في أوكرانيا، وصفقة عودة المواطن الأميركي مارك فوجل من روسيا، بعد أن سافر بنفسه إلى موسكو لإتمام المفاوضات.
ووصف مصدر مطّلع لـ”سي إن إن” ويتكوف بأنه يجوب العالم مؤديًا دور وزير الخارجية الفعلي، مشيرًا إلى أنه يتمتّع بميزة فريدة لا يملكها سواه: ثقة ترامب المُطلقة.
وبالتالي، يمكن القول إن تصريحات ويتكوف الأخيرة تُعبّر بوضوح عن وجهة نظر ترامب نفسه، نظرًا للصداقة الوثيقة والقديمة التي تجمع بينهما، كما يُرجَّح أن المقابلة أُعدّت مسبقًا بعناية، خصوصًا أن كليهما – الضيف والمذيع – مقرّبان من الرئيس الجمهوري.
وتبقى التساؤلات قائمة حول تصريحات ويتكوف وأهدافها، في ظل ما تضمّنته من مواقف تبدو متناقضة، مثل إبداء الخوف من سقوط نظام السيسي لما قد يُمثّله من خسارة للمكاسب التي حققتها واشنطن وحليفتها “إسرائيل” مؤخرًا، مقابل ما فُهم من تهديد مبطّن وجزرة سياسية موجّهة للنظام المصري، من خلال الحديث عن تفاقم الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع نسبة البطالة، والحاجة إلى تكثيف المساعدات الدولية لتجنّب سيناريو السقوط.