انسحبت أحزاب سياسية سورية من تحالف المواطنة السورية المتساوية – تماسك، بُعيد ساعات من إعلان كيانات سياسية وتجمعات مدنية تأسيس جسم سياسي جديد في العاصمة دمشق في 22 مارس/أذار الجاري، بهدف فتح حوار مع الإدارة السورية الجديدة وإعادة صياغة دستور جديد للبلاد.
ولادة تحالف تماسك الذي يطالب بنظام حكم لامركزي، ويدعو إلى مؤتمر وطني عام يستند إلى القرار الأممي 2254، رغم سقوط نظام الأسد؛ بالتزامن مع التطورات السياسية التي تشهدها الساحة السورية، في ظل تحضيرات لطرح تشكيلة حكومية جديدة، اعتبر خطوة مريبة، فما قصة التحالف؟ وما تأثيره في الساحة السياسية السورية؟
تحالف تماسك
أطلقت قوى سياسية ومدنية اجتماعية في دمشق تحالفًا سياسيًا تحت مسمى “تحالف المواطنة السورية المتساوية”، واسم مختصر “تماسك”، بهدف فتح حوار مع الإدارة السورية، وتنظيم جلسات حوارية متواصلة بين القوى السياسية والمدنية، لإعادة صياغة دستور جديد بغية تحقيق “دولة مدنية ديمقراطية تعددية”، حسب البيان التأسيسي.
وجاء في البيان الذي صدر بعد اجتماع ضم 34 كيانًا سياسيًا وتجمعًا مدنيًا في فندق الأرميتاج في دمشق في 22 مارس/آذار الجاري: “إن القوى السياسية والمنظمات المدنية والاجتماعية الموقعة على البيان.. ترى أن المهام الملقاة على عاتق السوريين خلال هذه المرحلة تتطلب استلهام روح وفكرة الآباء الأوائل لسورية، قادة الثورة السورية الكبرى، الذين ترفعوا عن الانتماءات الضيقة ما قبل الوطنية..”
وحدد البيان ستة مهام وطنية، وهي، “تصليب وحدة سورية أرضًا وشعبًا في ظل دولة واحدة وجيش وطني واحد ينحصر فيه حمل السلاح”. و”الحفاظ على السلم الأهلي والدفاع عنه عبر محاصرة العقليات الثأرية وخطابات الكراهية وتجريم التحريض الطائفي”، فضلًا عن إنكار جرائم النظام الساقط.
إضافةً إلى “إنقاذ الغالبية الساحقة من السوريين من الفقر المدقع وتأمين سبل الحياة الكريمة عبر إعادة إقلاع الاقتصاد الوطني”، والعمل بكل الأشكال المتاحة من أجل استعادة الأراضي السورية المحتلة، و”حل القضية الكردية حلًا ديمقراطيًا وطنيًا عادلًا”، كما اعتبر أن قضية المرأة السورية، وحقوقها وقضية الشباب ودورهم، من القضايا السورية الأساسية.
كما طالب البيان، بالتحضير لصياغة الدستور الجديد بما يصب في سورية دولة مدنية ديمقراطية تعددية، يحقق دستورها صيغة متطورة للعلاقة بين اللامركزية التي تضمن ممارسة الشعب لسلطته المباشرة في المناطق، والمركزية في الشؤون السياسية (الخارجية، الدفاع، الاقتصاد)، وذلك، “بالاستفادة من روحية القرار الأممي 2254”.
ووقعت على البيان التأسيسي كل من “جبهة التغيير والتحرير”، و”مجلس سوريا الديمقراطية”، و”التيار الثالث لأجل سوريا”، و”حزب الإرادة الشعبية”، و”حركة التجديد الوطني”، و”تيار مواطنة”، و”تجمع التشكيليين السوريين المستقل”، و”المبادرة الوطنية في جبل العرب”، و”مركز المواطنة المتساوية”، و”تجمع سوريا الديمقراطية”.
كما وقع “حزب التحالف الوطني الديموقراطي السوري”، و”حركة التغيير الديمقراطي”، و”ملتقى الحوار الوطني”، و”حزب البعث الديمقراطي”، و”حركة الشغل الديمقراطي”، وحزب العمل الشيوعي”، و”تجمع شباب سوريا الأم”، والطريق الوطني السوري”، و”تجمع الشباب الديمقراطي”، و”حزب الشباب الوطني السوري”، و”منظمة نيسان”.
بالإضافة إلى “حزب التضامن العربي الديمقراطي”، و”الحزب الديمقراطي التقدمي الكردستاني في سوريا”، و”التيار المدني الديمقراطي”، و”النادي التفاعلي صحنايا”، و”حزب الانتماء السوري الديمقراطي”، و”تجمع مواطنة”، و”الحركة الشبابية السياسية”، و”تيار طريق التغيير السلمي”، و”رابطة الصحفيين السوريين”، و”الحزب الشيوعي السوري”، و”الحزب السوري القومي الاجتماعي”، وفق وثيقة متداولة اطلع عليها “نون بوست”.
انسحاب وإخلاء مسؤولية
لم تمض ساعات على إعلان بيان التأسيس، ليعلن كل من “الحزب الشيوعي السوري”، و”الحزب السوري القومي الاجتماعي”، انسحابهما من تحالف “تماسك”، بينما نفت كل من “حركة التجديد الوطني السوري”، و”رابطة الصحفيين السوريين” انضمامهما للتحالف.
وأوضح “الحزب الشيوعي السوري” عبر بيان مقتضب على صحيفته الرسمية “نضال شعب”، على منصة “فيسبوك”، أن انسحابه من التحالف نتيجة تبني القرار الأممي 2254، كونه ناتج عن “صفقة بين دول استعمارية دون الالتفات لإرادة الشعب السوري”، وأشار، إلى أن “الحزب يرفض أن يُشرك اسمه بنشر الأوهام حول أنّ السلطة الظلامية الاستبدادية يمكن أن تقوم بإجراءات لصالح الجماهير الكادحة”.
أما “الحزب السوري القومي الاجتماعي” فقد أرجع خروجه من تحالف “تماسك”، خلال بيان، إلى بعض البنود المتعلقة بـ”حل القضية الكردية”، مشيرًا إلى، أن رؤيته لمستقبل سوريا لا تتوافق مع بعض التوجهات المطروحة داخل “تماسك”، خصوصاً فيما يتعلق بشكل النظام السياسي وإدارة التنوع “القومي” في البلاد.
كما أكد المتحدث باسم “حركة التجديد الوطني السوري”، في منشور على الصفحة الرسمية في منصة “فيسبوك”، أن الحركة ليست ضمن الكيانات السياسية الموقعة على مخرجات بيان تأسيس تحالف “تماسك”.
وفي السياق، نفت “رابطة الصحفيين السوريين التي تتخذ من العاصمة الفرنسية، باريس، مقرًا لها، انضمامها لتحالف تماسك، واعتبرت خلال بيان توضيحي أن مشاركة مكتبها في دمشق ضمن الاجتماع التأسيسي للتحالف كان بصفة شخصية وليس ممثلًا عن الرابطة.
ورغم الانسحابات وإخلاء المسؤولية من قبل أربعة كيانات، إلا أن تحالف “تماسك” لم يصدر أي بيانات توضيحية حول مسألة الانسحابات، واقتصرت إجراءاته على تعديل أسماء الكيانات الموقعة على البيان التأسيسي ليصل عدد الموقعين إلى 30 كيانًا وفقًا لما نشرته صفحة تحالف تماسك على منصة فيسبوك.
مواقفهم من الثورة السورية
رفضت الكيانات المنضوية في تحالف “تماسك” تسمية نفسها بالمعارضة أو الموالاة، وإنما أصرت أن دورها يقتصر على المشاركة في بناء سوريا الجديدة، في حين برزت بين قائمة الكيانات الموقعة أحزاب وتيارات سياسية متعددة تندرج معظمها بين “العلمانية” و”القومية” و”الكردية”.
ولعل أبرزها “مجلس سوريا الديمقراطية”، الذراع السياسي لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، “قسد”، التي يقودها، مظلوم عبدي، الذي عقد اتفاقًا مع رئيس سوريا، أحمد الشرع، في 10 من مارس/أذار الجاري بهدف توحيد الأراضي السورية من خلال ضم المكونات العسكرية والسياسية والمدنية في المناطق التي تسيطر عليها “قسد” شمال شرق البلاد ضمن كوادر الدولة الجديدة.
كما ضم “حزب الإرادة الشعبية”، أحد مكونات “جبهة التغيير والتحرير”، الذي يتزعمه قدري جميل، المدعوم من قبل روسيا، إذ كان يعتبر الحزب أن نظام الأسد الضامن الوحيد لوحدة الأراضي السورية، ويعارض أي تدخل خارجي في سوريا، ويرى أن الفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن يحمي سوريا من ” المشاريع التي تستهدف وحدتها وسيادتها الوطنية ووجودها”.
ونشط الحزب في مشاركته عبر “منصة موسكو” في “هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية”، بينما 31 أغسطس/آب 2020 وقع الحزب مذكرة تفاهم مع “مجلس سوريا الديمقراطية” تضمنت خارطة طريق للحل السياسي كما نصت على أن حمل السلاح ينحصر بقوات الأسد وأن “قوات سوريا الديمقراطية” يجب أن تكون جزء منها وفق آليات يتم التوافق عليها، حسب موقع “الذاكرة السورية”.
كما ضمت قائمة الموقعين، حزب العمل الشيوعي حيث حضر من قياداته كل من صفوان عكاش وحسيبة عبد الرحمن ويوسف عبدلكي، إضافةً إلى عدد من الأحزاب والتجمعات السياسية من محافظة السويداء، ولعل أبرزها، “حزب الانتماء السوري الديمقراطي”، وأمينه العام رجا الدامقسي، إضافةً إلى”حزب الشباب الوطني السوري”، الذي تأسس عام 2012، وحصل على ترخيص رسمي من قبل النظام السابق، وأمينه العام، نبيل مرهج.
تؤكد شبكة “السويداء 24” أن فرع “حزب الشباب الوطني السوري” في محافظة السويداء جنوبي سوريا، جند مواطنين سوريين من محافظة السويداء للقتال في ليبيا، بدعم من إحدى الشركات الأمنية الروسية، إضافةً إلى تجنيد الشباب للقتال في تدمر إلى جانب ميليشيات، سهيل الحسن، بالتنسيق مع ميليشيا مغاوير البادية التابعة للمخابرات العامة فرع 221.
كما ضمت القائمة تجمعات سياسية ناشئة بعد سقوط نظام الأسد، مثل “تجمع سوريا الديمقراطية” الذي تأسس في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وهو واحد من مكونات “تجمع القوى الوطنية الديمقراطية في محافظة اللاذقية”، التي تضم كلًا من الحزب الشيوعي السوري، حزب البعث الديمقراطي، فرع اللاذقية في هيئة التنسيق، الحزب الشيوعي السوري، التيار المدني الديموقراطي، الحزب الشيوعي السوري الموحد، حزب الإرادة الشعبية.
إضافةً إلى “حزب البعث الديمقراطي”، المعارض لنظام الأسد، حيث انضم لـ “هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي” عام 2011، ويعتبر الحزب الحل في سوريا سياسيًا، وفق بيان جنيف (1) وقرار مجلس الأمن 2254، ويمتلك ممثل له ضمن “مجلس سوريا الديمقراطية”، “مسد”، حسب موقع “الذاكرة السورية”.
البعث من جديد؟
خطوة الكيانات السياسية في تأسيس تحالف جديد أثارت جدلًا واسعًا، بسبب وجود أحزاب وكيانات سياسية داعمة للنظام السابق، ومقربة منه، لا سيما أن معظم الموقعين على البيان التأسيسي كانوا تحت مظلة “الجبهة الوطنية التقدمية” التي كان يقودها “حزب البعث العربي الاشتراكي” في سوريا.
ويرى الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جعفر البرغش، أن سوريا بحاجة إلى معارضة وطنية واقعية، لأن المعارضة الحقيقية يجب أن تكون عامل ضغط إيجابي لتحسين أداء الحكومة، وليس مجرد وسيلة لتطيلها أو جرّ البلاد إلى صراعات جديدة.
وقال خلال حديثه لـ “نون بوست”: “إن جوهر مطالب تحالف “تماسك” تتمحور حول اللامركزية الفدرالية، وهو يجمع بين أهداف أطرافه؛ لكن في ظل المرحلة الانتقالية التي تمر بها سوريا، لا تزال هناك فجوة كبيرة في الثقة بين مختلف مكونات المجتمع، وبين ما يُسمى بالمعارضة والحكومة، لذلك، فإن الأولوية الآن يجب أن تكون لرتق هذا الصدع، لا لتعميقه بمشاريع تزيد الانقسام”.
وأضاف، أن اللامركزية الفدرالية تشكل خطرًا حقيقيًا على وحدة سوريا، خاصة في هذه الفترة، لأنها قد تكون الخطوة الأولى نحو التقسيم وأي عملية ديمقراطية تُطرح اليوم ستكون غير واقعية، لأن كل مكوّن سيدعم ممثليه بناءً على الانتماء وليس على الكفاءة أو المصلحة الوطنية، خاصة أن شعبنا بطبيعته عاطفي، وبعد هذا الانتصار، من الصعب الحديث عن مشاريع تتطلب استقرارًا طويل الأمد.
وتابع، أن المعارضة اليوم بحاجة إلى إعادة ترتيب أولوياتها، والتركيز على أهداف واقعية، مثل الحفاظ على وحدة سوريا، والمساهمة في رفع العقوبات، وإعادة الحياة إلى طبيعتها بكل أشكالها أما المحاولات الحالية لفرض أجندات غير مناسبة للواقع السوري، فهي لا تعدو كونها نفخًا في بالون مثقوب.
ختامًا.. رغم أن فكرة تأسيس تحالفات سياسية جديدة لاقت آمالًا لدى السوريين في عودة الحياة السياسية في البلاد، بعد سقوط نظام الأسد، إلا أن أهداف تحالف “تماسك” أثارت تحفظات السوريين، كونها تتلاقى مع دعوات انفصالية، أو اعتماد نظام حكم لامركزي مما يسهم في تقسيم البلاد، فضلًا عن كون أطياف في التحالف كان على علاقة وطيدة بنظام الأسد وحزب البعث.