عيد الفطر في سوريا هذا العام مختلف عن أي عيد سابق، حيث يوحي المشهد في عموم المناطق على اختلاف واقعهم ببهجة العيد وفرحته، فهو العيد الأول بعد التحرير وسقوط الأسد ونظامه.
ورغم كل المنغصات المادية التي تعيشها الأسر السورية، إلا أن ذلك لم يمنع مظاهر التحضير للعيد التي كانت واضحة وجلية لمن يزور الأسواق، وخاصة الأسواق المركزية في المدن الكبرى، كسوق الحميدية في دمشق، والأسواق التي تتفرع منه كسوق البزورية وسوق العصرونية وغيرها.
ويمكن القول، إن الناس بالمجمل لن تتخلى عن طقوس العيد، ولكن الظرف الاقتصادي الحالي فرض أساليبًا مختلفة عما اعتادوا عليه، فالأسر السورية مع نهاية شهر رمضان، أعادت ترتيب أولوياتها المالية، وبعد أن استحوذ الطعام على الحصة الأكبر من الميزانية طيلة شهر رمضان، بات التخطيط حاليًا موجهًا للاستعداد لعيد الفطر، ولا يخفى على أحد أن سوريا تعايش اليوم أزمة اقتصادية ليست وليدة اللحظة، بل كانت نتيجة لتراكمات السنين الماضية وما خلفته من إرهاق اقتصادي انعكس على المواطن ومعيشته.
وعشيّة عيد الفطر، تُتداول أسئلة حول تكلفة الاستعداد له، وكيف تلبيّ الأسرة السورية -التي تمكنت خلال العقد المنصرم من التكيف مع مختلف الظروف- احتياجاتها في ظل ظرف اقتصادي صعب وشح مادي، أيضًا هل ساعد انفتاح الأسواق السورية، وتنوع العرض من السلع بأسعار مختلفة وتنافسية، هل ساعد ذلك الأسرة السورية في تلبية متطلباتها؟ وماذا عن دور المنحة المالية التي أصدرتها الرئاسة السورية في تحريك الأسواق؟
تعسر مادي
بالرجوع إلى العام الماضي، كانت التكلفة التقديرية لتلبية كسوة العيد للأسرة السورية المكونة من 5 أفراد تصل إلى نحو 5 ملايين ليرة، بحسب ما ذكرته جمعية حماية المستهلك في دمشق وريفها على لسان أمين سرها عبد الرزاق حبزه، الذي أكد في حديثه لموقع “نون بوست” أن التكلفة لم تتغير هذا العيد أيضًا، حيث أصبح العيد عبئًا على المواطن السوري، في ظل عدم سد الفجوة الكبيرة بين دخله ومتطلبات معيشته، كون المواطن كان متعسرًا ماديًا قبل العيد، وهذا التعسر لا يزال ملازمًا له.
ونوه إلى أن أسعار المواد والسلع انخفضت بنحو 20%، ولكن هذا الانخفاض لم يطل السلع المرتبطة بمستلزمات العيد من ألبسة وحلويات وغيرها، حتى أن انخفاض أسعار السلع لم يسعف المواطن ولم يساعده، كونه لا يملك دخلًا كافيًا لسد احتياجاته، ومن يتجول في الأسواق يجد أن هناك حركة كبيرة من المواطنين، وازدحام، ولكن في حقيقة الأمر لا يوجد حركة بيع وشراء إلا في الحد الأدنى، رغم توفر كل المواد التي لم تكن موجودة أيام النظام السابق، نتيجة انفتاح الأسواق.
حبزه تحدث عن أسعار الألبسة، وأكد أنها لا تزال مرتفعة ولم تنخفض رغم ما يتم إعلانه من عروض وتخفيضات، مستهجنًا ذلك بقوله: لا نعلم سبب استمرار ارتفاع أسعارها حتى الآن ولماذا لم تنخفض كما انخفضت بقية السلع، فمثلًا إكساء الطفل يكلف بين المليون والمليون ونصف ليرة سورية حسب عمره، أي الأسرة التي لديها 3 أطفال تحتاج إلى نحو 4 ملايين ليرة كحد وسطي حتى تستطيع شراء ملابس لهم، مشيرًا إلى أن ارتفاع الأسعار دفع بسوق الألبسة للجمود وعدم الإقبال عليه من المواطنين.
ولفت إلى أن الكثير من الأسر السورية كانت تعتمد خلال فترة رمضان والعيد على الحوالات الخارجية، ولكن أيضًا هذا العام شهد انخفاضًا في سعر الحوالات لنحو الثلث، أما الذين يعتمدون على الرواتب، فأمامهم خياران لا ثالث لهما، إما اللجوء إلى البالة، أو إعادة تدوير الألبسة بين الأقارب أو أفراد الأسرة نفسها.
وعن الحلويات التي تعتبر من أهم طقوس عيد الفطر، أكد حبزه أن أسعارها لم تنخفض أبدًا، مستدركًا بالقول: نستغرب من بائعي الحلويات تمسكهم بأسعار مرتفعة لمنتجاتهم رغم انخفاض كل مدخلات الإنتاج الخاصة بالحلويات، فحوامل الطاقة انخفضت وتوفرت المواد الأولية بكثرة وغابت عوائق الإنتاج التي كانت سابقًا، ورغم ذلك بقيت أسعار الحلويات على حالها مرتفعة.
فمثلًا كيلو “النمورة” سعره اليوم 100 ألف ليرة سورية، “والمعروك” تراوح سعره ما بين 3 آلاف وصولًا إلى 7 آلاف، ومنها أنواع تباع بـ 20 ألف ليرة، وكيلو الشوكولا تراوحت أسعاره ما بين 70 ألف ليرة وصولًا إلى 150 ألف ليرة لبعض الماركات، حتى كيلو السكاكر الشعبية وصل إلى 50 ألف ليرة.
البسطات لمواجهة الغلاء
الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الجبالي، بيّن في حديث لـ”نون بوست”، أن الأسرة السورية تواجه تحديات اقتصادية متزايدة خلال فترة العيد، حيث تتطلب التحضيرات نفقات كبيرة تشمل الملابس، الحلويات، ومتطلبات أخرى في ظل تآكل قيمة الدخل وارتفاع الأسعار، ما يجعل تلبية هذه الاحتياجات عبئًا ثقيلًا.
وعن أساليب الأسرة في مواجهة متطلبات العيد مع ضعف الدخل، قال الجبالي: لجأت العديد من الأسر السورية إلى الشراء من البسطات، بسبب ارتفاع أسعار الملابس في المحال التجارية، حيث تكون الأسعار أقل رغم التحديات المرتبطة بالجودة والتنوع، كما لجأت الاسرة إلى تقليل الكميات المشتراة، فتعمد بعض الأسر إلى شراء كميات أقل من الحلويات أو تحضيرها في المنزل لتقليل التكاليف، كما تعتمد بعض الأسر على الجمعيات الخيرية، حيث تستفيد من المساعدات المقدمة من الجمعيات الخيرية لتلبية احتياجات العيد.
وبين الجبالي أن المتتبع لحركة الأسواق السورية، يجد أنها ضعيفة من حيث المبيعات، فجميع البائعين يشكون (قلة الحركة) وهذا يبدو صحيحًا في ظل عزوف العديد من المواطنين عن الشراء بسبب الفجوة الكبيرة بين الدخل والأسعار المرتفعة، مستدركًا بقوله: انفتاح الأسواق وزيادة التنافسية قد يسهمان في توفير خيارات بأسعار أقل، إلا أن ذلك يتطلب سياسات اقتصادية تدعم زيادة العرض وتخفيض التكاليف وزيادة الدخل للمواطنين.
المنحة ليست حلًّا
الجبالي لفت إلى أنه في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها السوريون تشكل المنحة المالية التي أصدرتها الرئاسة السورية، بصيص أمل لكثير من الأسر خاصة مع قدوم العيد وما يحمله من نفقات إضافية تفوق قدرة الكثيرين، فالمنحة مهما كان مقدارها تساهم في سد جزء من الاحتياجات الأساسية، سواء في شراء الملابس للأطفال أو تأمين بعض الحلويات، كما أنها تساعد في تخفيف الضغط النفسي عن الأسر التي تعاني من قلة الموارد مما يجعلها قادرة على إدخال بعض مظاهر البهجة إلى بيوتها ولو بحدود بسيطة.
لكن في المقابل لا يمكن اعتبار المنحة أكثر من إجراء إسعافي مؤقت، إذ تبقى الحاجة ملحّة إلى حلول اقتصادية أعمق تعالج الأسباب الجذرية لارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية ، لذا من الضروري أن تترافق هذه المنح مع سياسات تدعم الإنتاج المحلي وتحدّ من التضخم وترفع القدرة الشرائية للمواطنين بشكل مستدام.