ترجمة وتحرير نون بوست
نشرت صحيفة الغارديان البريطانية مقالاً للكاتب “ريتشارد سيمور” يناقش فيه توني بلير الذي دعا الغرب مؤخرًا للتدخل في العراق، وذكر الكاتب أن بلير يبدو مثيًرا للشفقة وهو ينفي العلاقة الوثيقة بين قراره احتلال العراق مع جورج بوش وبين الحالة المزرية التي تعيشها البلاد حاليًا.
ويقول الكاتب إن “الاستعمار الأخلاقي” الذي يمثل بلير أحد رموزه يقدم نفسه على أنه يؤمن إيمانًا عميقًا، ويبشر دومًا بالديمقراطية كوسيلة نهائية للخلاص، وهو ما يصفه الكاتب بأنه أسطورة الاستعمار الأخلاقي!
ويعرض الكاتب لبعض آراء “الليبراليين” في بريطانيا مثل المذيع جون سنو، الذي يقول “يخبرنا التاريخ مرارًا وتكرارًا أن الفاشية العنيفة المتطرفة التي تتغذى بالتطرف الديني لم يتم احتواءها على الإطلاق سوى بالطغاة العلمانيين، تمامًا كما هو الحال في ليبيا، وكما هو الحال في العراق، اقطع رأس الطاغية، وسينهار كل شيء”!
ولتوضيح ما يعنيه ذلك التصريح، فإن المذيع يقول إن الديكتاتورية جيدة في حالتهم “أي العرب”، وسيئة في حالتنا “أي الغربيين”، وأن أكثر ما يمكن أن يأمله العرب والمسلمون هو أن يمتلكوا “نخبة مستنيرة” تقمع تلك الفاشية!
إذا كان جون سنو على حق، فإن ذلك يعني أنه يفترض أن الشيء الوحيد الذي يجب على الولايات المتحدة أن تفعله هو إحضار ديكتاتور طاغية جديد على رأس السلطة.
من المفارقات أن ذلك الطرح قريب للغاية مما يقوله توني بلير ورفاقه! بلير مدح الديكتاتور مبارك أثناء الثورة المصرية واصفًا إياه بأنه يتصف بـ “الشجاعة الهائلة، وأنه قوة كبيرة من أجل الخير”. موقف بلير كان التحذير من “الفراغ” الذي تحدثه الثورة، كما كان دومًا يفضل الديكتاتوريين في المنطقة، لقد كان على علاقة رائعة بالديكتاتور الليبي معمر القذافي، وبالديكتاتور عبد الله بن عبدالعزيز والنظام السعودي.
بلير ربما يكون الأكثر تشددًا في الدفاع عن الديكتاتورية في المنطقة، لكنه ليس الوحيد! نائب الرئيس الأمريكي “جو بايدن” وقف من أجل الدفاع عن مبارك أثناء اعتصام التحرير، ونفى أن يكون مبارك “ديكتاتورًا”، وشدد على أنه “حليف لنا”، وبالمثل، تطول قائمة من دعموا القذافي بذلك النوع من الدعم.
وبالنظر إلى تلك الأيديولوجية، فإن بلير ورفاقه من المحافظين الجدد في الولايات المتحدة ليسوا ديموقراطيين، لكنهم “ليبراليين”، وهذا يعني أنهم لن يدعموا الديمقراطية في الشرق الأوسط إلا إذا جاءت بالشرعية للأنظمة الرأسمالية الليبرالية التي تفتقد للشرعية الشعبية! ومثلما قال أحدهم عندما سُئل عن دعمه للديكتاتور بينوشيه: “إننا نفضل الديكتاتورية على الديمقراطية التي تفتقر لليبرالية”.
وفي هذا الإطار يمكن فهم الصمت الغربي، أو الدعم المباشر في أحيان كثيرة، للإطاحة بالإسلاميين من السلطة في الدول العربية بعد وصولهم إليها جراء انتخابات ديمقراطية، هذا تحديدًا ما حدث في مصر.
المشكلة – حسب الكاتب – في تلك الأيديولوجية، ليست في أنها لا تؤمن بخيارات الجماهير التي ستأتي بخيار يقبله الغرب، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم ثقتها بالديمقراطية على الإطلاق.
إن مشكلة توني بلير وغزو العراق ليست في إزالتهم لطاغية، لكن لأنهم مثلوا هم أنفسهم طغيانًا جديدًا، لقد احتاج العراق لحظة “التحرير” خاصته، لا “لحظة الفلوجة” وقت الغزو، و”لحظة الموصل” وقت داعش!
المصدر: الغارديان