ترجمة عبدالرحمن عياش – نون بوست
منذ نهاية يوليو 2013، كان المعتقلون يؤخذون هناك معصوبي الأعين، ما يزال هناك أكثر من 400 معتقل في سجن العزولي العسكري بعيدًا عن أعين القضاء في أوضح مثال على حملة القمع الذي اسمته منظمة العفو الدولية مع منظمة هيومان رايتس ووتش في بيان مشترك بـ “قمع على نطاق لم يسبق له مثيل في تاريخ مصر الحديث”.
هؤلاء السجناء هم بين أكثر من 16000 من السجناء السياسيين الذين اعتقلوا منذ الانقلاب العسكري في الصيف الماضي، لكن ما يميز سجناء العزولي عن غيرهم هي الطريقة التي تم بها احتجازهم خارج النظام القانوني في مصر في ظروف تسمح لسجانيهم بالتصرف دون خوف حتى من العواقب المفترضة!
يقول أيمن، وهو رجل في منتصف العمر تم اعتقاله في سجن العزولي في نهاية 2013 وأحد القلائل الذين تم الإفراج عنهم “رسميًا: “أنت لست هناك!”، وتابع “إنه ليس مثل السجون العادية، ليست هناك وثائق تقول أنك هناك، إذا قُتلت في العزولي، لن يعرف أحد”.
سجن العزولي لا يُرى من قبل المدنيين، إنه يقع داخل معسكر ضخم للجيش المصري، في مقر مترامي الأطراف للجيش الثاني الميداني في الإسماعيلية، وهي مدينة تبعد 62 ميلاً شمال شرق القاهرة، لكننا نعرف أن مئات المدنيين محتجزون في طابقه الثالث والأخير في زنازين ضيقة مزدحمة!
وفقًا لثلاثة من السجناء السابقين، قابلتهم الغارديان كل على حدة، فإن الغالبية العظمى من معتقلي العزولي هم من السلفيين، الذين يشتبه تورطهم أو معرفتهم بخصوص الهجمات التي استهدفت الجيش المصري بعد فض اعتصامات مؤيدي محمد مرسي بشكل وحشي في أغسطس 2013، العديد منهم من سكان شمال سيناء، لكن مع ذلك، يضم السجن سجناء من جميع أنحاء البلاد.
هناك من بين المعتقلين كذلك من يشتبه في انتمائهم لجماعة الإخوان المسلمين، ومن شاركوا في احتجاجات طلابية، وأقلية يُعتقد أنهم اعتقلوا بشكل عشوائي ولا ينتمون إلى أي حركات أو تنظيمات، وقال الثلاثة الذين قابلناهم إن هناك طفل واحد على الأقل سجن هناك، كما أن اثنين منهما قالا إن “هناك صحفيً معتقل”.
الذين قابلناهم اتفقوا أنه تم إلقاء القبض عليهم بدون أدلة، وتم تعذيبهم لكي يعترفوا بمعلومات يمكنها أن تبرر اعتقالهم.
“المسألة أن الكثيرين من هؤلاء الذين اعتقلوا في العزولي يتم القبض عليهم بشكل عشوائي أو بدليل شديد الضعف، ثم تستخدم المخابرات التعذيب لمعرفة ما إذا كانوا يشاركون فعليًا في أعمال العنف” يقول محمد المسيري، الباحث المصري بمنظمة العفو الدولية، والذي قاد تحقيقًا موسعًا بخصوص سجن العزولي.
بالنسبة لخالد، وهو ناشط شاب، بدأ الجنود في تعذيبه قبل أن يصل حتى إلى السجن. اعتُقل أثناء ذهابه إلى عمله، ويؤكد أنه تعرض للضرب والصعق بالكهرباء من قبل الجنود ورجال الشرطة العسكرية في مساحة مسوّرة في مكان مفتوح لعدة ساعات قبل اقتياده إلى العزولي.
“لقد استخدموا صاعقين كهربيين” يقول خالد، ويضيف “لقد أحضروا منشفة مبللة ووضعوها على وجهي لكتم أنفاسي في الوقت الذي استمر فيه الجنود بضربي”.
“بعد أربع ساعات من الضرب والتعذيب، تورم وجهي ولم أعد أستطيع الرؤية، وقد أحدثوا بفكي جرحًا قطعيًا كان عميقًا بما فيه الكفاية ليضع فيه أحد الجنود أصبعه”.
كيف يقضي السجناء يومهم داخل العزولي؟
يستيقظ السجناء بين 3 و6 صباحًا، وتُعطى كل زنزانة (فيها 23 شخصًا) خمس دقائق لاستخدام الحمام الذي يحتوي على أربعة مراحيض وأربعة أحواض، مما يعني أنه يترك لكل سجين أقل من دقيقة واحدة للاغتسال واستخدام المرحاض، وإذا استغرق أحدهم وقتا طويلاً فإنه يتعرض للضرب الوحشي، ونتيجة لذلك فإن بعض المعتقلين يمتنعون عن تناول الطعام بالأساس لتوفير الوقت داخل المرحاض كل صباح.
الإفطار في السابعة صباحا: يقدم للسجناء خبزًا أو بسكويت مع المربى وأحيانًا الصراصير! الغداء في الثانية مساءً ويقدمون فيه الأرز النيء مخلوطًا ببعض الأرز المطبوخ، وهناك ما يمكن إطلاق عليه لفظ “الخضروات”، وهو قرنبيط مسلوق في الغالب، إما مع الكثير من الملح أو بغير ملح على الإطلاق، وفي ثلاثة أيام في الأسبوع، يقدمون دجاجًا لا يصلح للاستهلاك الآدمي “لكننا نضطر لتناوله حتى يمكننا الحفاظ على ما تبقى من طاقتنا”، يقول خالد، أما العشاء عادة ما يتكون من الفول أو العدس.
داخل الزنازين، يقول أيمن، هناك دلو للبول وعدد قليل من البطانيات لأكثر من 20 معتقلا ليتشاركوا فيها، في الحقيقة لم تكن هناك حاجة كبيرة لها، فحتى في أشهر الشتاء، كان الوقت حارًا للغاية، وكان الناس يرتدون ملابسهم الداخلية، لأنه لا توجد تهوية على الإطلاق في المكان.
يقول خالد إنه كان ملقى تحت مقعد السيارة العسكرية وذراعاه مقيدان خلفه، “لقد كانت أسوأ تجربة مررت بها على الإطلاق”، ويتابع “لقد وُضعت على الفور في زنزانة في الطابق الثالث، حيث توضع الغالبية العظمى من السجناء المختفين”.
وقال اثنان من الناجين إنهم تعرضوا للضرب لدى وصولهم من قبل “لجنة الاستقبال”، وهي تجربة مكررة في العديد من السجون المدنية كذلك.
يقول أيمن “عندما وصلنا إلى السجن، غطوا أعيننا، أخذوا الأشياء الثمينة من الجميع، وأحذوا الأحزمة وأي شيء يمكن أن يشبه الحبل، كما أخذوا الأدوية، وبعد ذلك بدأوا في الضرب! لقد كانوا يضربوننا بالعصي وخراطيم المياه وبقبضاتهم بعد أن صفونا أمام الجدار، لقد استمرت تلك الحفلة عشر دقائق”.
“بعد ذلك صفونا ومشينا إلى الطابق الثالث، ظلوا يضربوننا أثناء السير، وعندما كشفوا أعيننا في الطابق الثالث بدأوا في ضربنا مرة أخرى”، السجان في الطابق الثالث، ويسمى “جاد”، ظل يهددنا “إذا نظر أحدكم من النافذة، أو إذا أحدث أحدكم أي ضجة، فإننا سنضربكم!”، ثم ضربونا لبعض الوقت بقبضاتهم في وجوهنا، وبعد الضرب وضعونا في الزنزانة”.
الطابقين في الأسفل كانا عادة ما يستخدمان لاحتجاز الجنود الذين يخضعون لمحاكم عسكرية، لكن منذ يوليو عام 2013، وُضع المعتقلون السياسيون في الطابق الثالث، في نحو عشرة زنازين كانت تحتوي كل منها على ما بين 23 و28 سجينًا.
يمكن للطابق الثالث أن يحتمل أكثر من 300 معتقل، وهو عادة عدد المعتقلين هناك، إن لم يكن أعلى من ذلك.
تعتقد منظمة العفو الدولية أن هناك حوالي 20 معتقلاً تم الإفراج عنهم تمامًا، وآخرون تم نقلهم إلى سجون مدنية واتهموا بتهم تتعلق بالإرهاب بعد اعترافات انتزعت منهم بعد التعذيب.
التعذيب المنهجي لسجناء العزولي يأخذ مكانه في مبنى منفصل، المعروف باسم S1 .. وهو على بعد عدة دقائق بالسيارة من السجن، هناك حوالي 10 سجناء يؤخذون إلى هناك في منتصف كل يوم، عندما ينادون على أسمائهم، يسمح لهم بالخروج من زنازينهم ليتم تعصيب عيونهم ويصطفون في خط واحد.
قال كل الناجين إنه عند هذه النقطة يتم تعرضهم للضرب، ثم يقادون من الطابق السفلي إلى حافلة صغيرة حيث يتعرضون للضرب مرة أخرى، ومن هناك يتحرك السجناء في رحلة قصيرة إلى المبنى S1 حيث عادة ما يقادون إلى سلالم خشبية لمكتب في الدور الأول، وهناك ينتظر السجناء معصوبي الأعين قبل أن ينادى عليهم ليؤخذوا واحدًا تلو الآخر إلى غرفة مجاورة.
عندما نودي خالد لأول مرة في أول يوم له في العزولي، يتذكر، كيف أنه سمع الصوت المخيف للضابط وهو يعبث بولاعته عدة مرات قبل أن يبدأ في طرح سلسلة من الأسئلة حول تنظيم الاحتجاجات.
“وبعد ذلك بدأ التعذيب” .. “لقد دعا الضابط رجال الشرطة العسكرية وأمرهم بخلع ملابسي حتى غدوت عاريًا سوى من ملابسي الداخلية، لكنه قال، كل ملابسك، قلت “لا”، وعندها أمرهم بإدخالي، بدأت في إعطائه بعض الأسماء، لكنه شعر أني أكذب، فأمر رجال الشرطة بجعلي عاريًا تمامًا، وبدأت الصدمات الكهربائية في كل مكان في جسدي، كانت الصدمات في كل مكان، خاصة في المناطق الأكثر حساسية، في شفتي، في الأماكن حيث الأعصاب، خلف الأذنين، والشفتين، وتحت الإبطين والكتفين”.
وبعد الصدمات الكهربائية، قيدوا يدي خالد وراءه، ويؤكد أنه عُلق من يديه عاريًا في إطار النافذة، وهي تقنية تعذيب معروفة باسم طريقة Balango، وهو ما تركه يعاني آلامًا مبرحة، وبعد ساعتين ونصف لاحقتين، اقتيد إلى الأسفل وعاد إلى الزنزانة.
اثنان من السجناء السابقين حكوا تجارب مماثلة، واحد منهم يقول إنه رُبط في وضع مختلف، والآخر قال إنه سُمح له بارتداء ملابسه بينما كان يتم صعقه بالكهرباء! وهو صلاح، شاب في العشرينات من عمره.
يقول صلاح “سألني الضابط إن كنت أعرف بعض الأسماء في قائمة قرأها عليّ .. لكني قلت لا، وعندها صعقني، قلت أنا لا أعرفهم، أنا لا أبقى كثيرًا في مسقط رأسي، واستمر في صعقي فوق ملابسي لكن في خصيتي، كنت جالسًا على الأرض، وكان يجلس على طاولة صغيرة، وكانت يديه تمتد بالصاعق إلى خصيتي”.
لا يمكن للضحايا أن يعرفوا على وجه اليقين من كان مسئولاً عن تعذيبهم، لكن الثلاثة يعتقدون أن من قاد التحقيق كان ضابطًا في المخابرات العسكرية، وهو القسم الذي كان يقوده عبد الفتاح السيسي، رئيس مصر الجديد حتى عام 2012، وكان يشارك في التعذيب أفراد مما يعرفه المصريون باسم “أمن الدولة”.
أحد الذين قابلتهم الغارديان قال إنه وصل إلى العزولي من قبل أمن الدولة، الذين اعتقلوه قبل أن يسلموه إلى الجيش.
“أحمد حلمي” وهو محام يمثل أحد سجناء العزولي السابقين، قال إنهم يتعرضون للتعذيب من قبل المخابرات العسكرية حتى يعترفوا بارتباطهم بأعمال إرهابية، ثم يتم نقلهم إلى مكاتب أمن الدولة حيث يُطلب منهم تكرار هذه الاعترافات أمام النيابة، يؤكد معتقلون مدنيون سابقون أنهم قابلوا سجناء من العزولي في هذه المرحلة من سجنهم.
وإذا كرروا اعترافاتهم كما أُمليت عليهم أو كما اعترفوا بها في العزولي، فإنهم يظهرون في السجن المدني، حيث التعذيب أقل انتظامًا وحيث يُسمح لهم بزيارات من المحامين والأقارب، وإذا لم يعترفوا – بالضبط – كما يريد جلادوهم، فإنهم يعادون إلى العزولي للمزيد من التعذيب.
أحمد حلمي يمثل بعض المحتجزين الذين نقلوا من العزولي إلى سجون مدنية، يقول حلمي إن بعضهم اعترفوا أنهم ارتكبوا عددًا من الجرائم، لكن بسبب الطريقة التي نُزعت بها الاعترافات، من المستحيل أن يتأكد من تلك التهم.
يقول حلمي: “لا يمكنك معرفة ما إذا كان هؤلاء ارتكبوا هذه الجرائم أم لا، تحت التعذيب يمكنك الاعتراف بأي شيء! ومن الواضح أن بعضهم اعترفوا بذلك بسبب التعذيب فقط”.
أم أحد المعتقلين في سجن العزولي، والذي نُقل إلى سجن مدني الآن، تقول إن ابنها “عمر” استغرق 4 أيام من التعذيب، وثلاث زيارات للنيابة قبل أن يعترف بما يريدوه أن يعترف به! تقول إنها كانت تخشى أن يكون قد مات أثناء وجوده في العزولي، ولو حدث ذلك فلن تستطيع الوصول إليه بأي شكل!
تقول إنها وجدت عمر عندما ظهر في سجن رسمي بعد أسابيع تلت ذلك، “لقد كان جلد أنفه على عظمه، وكان هناك قطع بعمق الأصبع في عنقه جاء بسبب تعرضه للضرب بعصا معدنية، وكان هناك جرحين كبيرين في معصميه من التعليق”.
وتضيف أم عمر “لقد صعقوه بالكهرباء في كل مكان حتى خصيتيه، وقال لي إنهم هددوا باغتصابه وأنهم كانوا يعلقونه عاريًا طوال الوقت، كما تم منعه من الحمام لمدة ستة أيام وأبقوه معصوب العينين لمدة عشرة أيام”، وتتابع “لقد سألني إذا كنا قد زرناه سابقًا في السجن، لأنهم كانوا قد هددوه باعتقال قريباته واغتصابهن وتصويرهن”!
لقد قال الثلاثة الذين تحدثنا معهم إنهم لم يتم تعذيبهم في S1 كما حدث مع عمر ومعتقلين آخرين، لكن مع الوقت، كان الضباط يفقدون اهتمامهم بهم، وهو ما قد يفسر بشكل جزئي، قرار الإفراج عنهم في النهاية.
ولتلخيص الفارق بين سجن العزولي والسجون المدنية سيئة السمعة مثل سجن العقرب في القاهرة، يقول حلمي “العقرب هو سجن رسمي تحت إشراف النيابة العامة، إنه مرئي!، أما العزولي فإنه في منطقة عسكرية يحظر على المدنيين دخولها، وعندما نطلب من النيابة المدنية أن يحققوا في ما يحدث للمعتقلين داخل العزولي، يقولون إنهم لا يملكون أي ولاية قضائية تمكنهم من دخول تلك المنطقة، ولذلك فالعزولي هو المكان المثالي حيث تستطيع المخابرات العسكرية أن تستغرق ما تشاء من الوقت لتعذيب الناس دون رقابة”.
في العزولي، يتعرض السجناء للتعذيب المنهجي فيما يفتقرون حتى لأي تعويض قانوني، حتى لو بشكل افتراضي!
محمد المسيري يقول “إنه يعطيك فكرة عن مدى ثقة قوات الأمن بقدرتها على الإفلات بما تفعل”، ويتابع “إنهم لا يهتمون بسيادة القانون، الذين يحتجزون الناس لأكثر من 90 يومًا ويعرضونهم للتعذيب المستمر بدون أي إشراف قضائي، هذه الممارسات ضربة مدمرة لحقوق المعتقلين على النحو المنصوص عليه بموجب القوانين المصرية والدولية”.
أحد الضباط الكبار اعترف بوجود سجن العزولي، لكنه لم يرد خلال أسبوعين على طلب الرد على ادعاءات المعتقلين، كما رفض السماح لنا بزيارة السجن.
خالد، أحد الناجين الثلاثة يلخص “حياتك كلها هناك مجرد حياة في مقبرة، لا أحد يعرف عنك أي شيء ولا عن مكان وجودك”.
ساعد في التقرير مانو عبدو، كما تم تغيير أسماء كل المعتقلين.
المصدر: الغارديان