ترجمة وتحرير: نون بوست
من الصعب تصديق أن “إسرائيل” كانت قبل 18 شهرًا في خطر داهم. فالدولة اليهودية المحاطة بالأعداء والتي تتشاحن مع حليفها الرئيسي في واشنطن وتترنح بعد هجوم حماس الذي تسبب في أكثر الأيام دموية في تاريخ البلاد، بدت ضعيفة ومرتبكة.
أما الآن، على النقيض من ذلك، فإن “إسرائيل” في حالة من التوسع. فهي لا تزال تقاتل – من حين لآخر في لبنان وسوريا، وبشكل أكثر ديمومة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، ومرة أخرى، على نطاق أوسع، في غزة، حيث انهار وقف إطلاق النار الذي ترعاه الولايات المتحدة.
ولكن “إسرائيل” هذه المرة تقاتل بشروطها الخاصة وبدعم أمريكي كامل. قد تعتقد أن ذلك يجعلها آمنة مرة أخرى، لكن تفوقها العسكري المتجدد يأتي مع خطر التوسع المفرط والصراع المرير في الداخل، وبينما تمضي حكومتها قدمًا في غطرستها، فإنها تخاطر بتحويل تلك الغطرسة إلى كارثة.
كان التحسن في أمن “إسرائيل” ملحوظًا. فمنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، هاجمت “إسرائيل” حركة حماس وأدى العمل العسكري في لبنان إلى قطع رأس حزب الله، وتآكل نفوذ إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط حيث انهار وكلاؤها في غزة ولبنان وسوريا. تصدت “إسرائيل” لوابل من الصواريخ الإيرانية الضخمة بمساعدة أمريكا، وردّت بالهجوم على الدفاعات الجوية الإيرانية.
مع ذلك، استخلصت الحكومة الإسرائيلية استنتاجين مقلقين من هذا النجاح. الأول هو أن الأساليب الوحشية تجدي نفعًا. فبعد أن قتلت عشرات الآلاف من المدنيين في غزة، عادت الحكومة الإسرائيلية لحجب المساعدات وقطع الخدمات الأساسية في انتهاك للقانون الدولي، وهي تستعد لاحتلال جديد في غزة في إطار ما قد يتحول إلى عملية برية ضخمة.
تكتسب الخطط المخزية للتطهير العرقي رواجًا متزايدًا بتشجيع من رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لـ”الاستيلاء“ الأمريكي على غزة وإعادة توطين سكانها حيث وافقت الحكومة الإسرائيلية على إنشاء وكالة للمغادرة ”الطوعية“ للفلسطينيين.
ومنذ العام الماضي، انخرطت في عملية ضم فعلي سريع للضفة الغربية بحكم الأمر الواقع، ووسعت المستوطنات الإسرائيلية، وأجبرت عشرات الآلاف من الفلسطينيين على ترك منازلهم، وسمحت للمستوطنين المتطرفين بالعربدة بلا رادع بينما تتسارع الخطى نحو الضم الرسمي.
أما الاستنتاج الثاني الذي توصلت إليه الحكومة فهو أنها بعد انهيار الردع في 7 أكتوبر/ تشرين الأول يجب أن تحمي نفسها من خلال إنشاء مناطق عازلة وضرب التهديدات المتصورة في أقرب وقت ممكن. فالجيش يهاجم لبنان، حتى لو أدى ذلك إلى تشويه سمعة الجماعات اللبنانية التي تعمل على إبعاد حزب الله عن السلطة.
وبدلاً من الانتظار لرؤية ما إذا كانت الحكومة الجديدة في دمشق قادرة على لملمة شتات سوريا من جديد، تقوم “إسرائيل” بقصفها. وهذا المنطق نفسه يمكن أن يؤدي إلى توجيه ضربة وقائية ضد إيران لمنعها من امتلاك سلاح نووي بعد أن أصبحت دفاعات الجمهورية الإسلامية أضعف مما كانت عليه منذ عقود بعد القصف الإسرائيلي.
هذا مسار محفوف بالمخاطر بالنسبة ل”إسرائيل” سواءً في المنطقة أو مع الفلسطينيين أو في الداخل. ففي المنطقة، ستواجه إسرائيل صعوبة في الحفاظ على هيمنتها العسكرية إذا ما طالبت قواتها بالكثير من المهام؛ فجيشها مكون من المواطنين من جنود الاحتياط الذين يخدمون في لحظات الخطر الوطني، والجنود الذين لديهم عائلات يعتنون بها وأعمال يديرونها لا يمكنهم أن يعيشوا حياتهم إذا تم استدعاؤهم للخدمة العسكرية بشكل دائم.
بالإضافة إلى ذلك، لا تزال “إسرائيل” تعتمد على أمريكا في استعراض قوتها، لكن ترامب ليس حليفًا يمكن الاعتماد عليه – خاصة إذا ما طال أمد الحرب ضد إيران، وحتى لو استمر دعمه، فقد يعود الديمقراطيون إلى السلطة في عام 2029، وسيكونون أقل تسامحًا مع ضم الضفة الغربية.
وأخيرًا، سيؤدي استمرار الضربات الإسرائيلية في جميع أنحاء المنطقة إلى رد فعل شعبي عنيف وسيعكس القادة العرب تدريجيًا عداء شعوبهم. وبمرور الوقت، قد يُهدد ذلك تحالفات إسرائيل الإقليمية، سواءً مع مصر والأردن أو مع العديد من الدول العربية الأخرى التي أبرمت معها اتفاقيات إبراهيم.
أما بالنسبة للفلسطينيين، فلا يمكن ل”إسرائيل” أن تلغي ببساطة توقهم إلى وطنهم، فبعد هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول يعارض معظم الإسرائيليين إقامة دولة فلسطينية أو دمج الفلسطينيين كمواطنين كاملي المواطنة داخل “إسرائيل”، لكن الخيارات الأخرى لها تداعيات وخيمة، فالضم الرسمي للأراضي الفلسطينية سيؤدي إما إلى تطهير عرقي، أو إلى خلق أفراد غير مواطنين بدون حقوق كاملة، أو إلى مزيد من حبس الفلسطينيين في دويلات صغيرة غير قابلة للحياة. وإذا تم سن هذه السياسات، فسيكون ذلك إهانة للقيم الإنسانية.
قد يكون التوسع المفرط أشد ضررًا على الداخل الإسرائيلي، فقد كان ينبغي لصدمة 7 أكتوبر/ تشرين الأول أن توحّد المجتمع الإسرائيلي لكن البلاد تعاني من حالة انقسام شديد.
تؤيد أغلبية واضحة من الإسرائيليين المفاوضات مع حماس والانسحاب من غزة من أجل إعادة الرهائن المتبقين هناك إلى الوطن، ويعتقدون أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يواصل الحرب لاسترضاء اليمين المتشدد الذي يحتاج إلى دعمه لمنع حكومته من الانهيار، ويتساءل جنود الاحتياط في الجيش على نحو متزايد عما إذا كانوا يخوضون حرباً من أجل المصلحة الوطنية أم لمصلحة أقلية تتمتع بالنفوذ.
يأتي ذلك في الوقت الذي تظهر فيه الحكومة حرصًا مزعجًا على التراجع الديمقراطي باستخدام تكتيكات عدوانية للحد من استقلالية المؤسسات الإسرائيلية. فقد صادق مجلس الوزراء في الأيام الأخيرة على إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) والنائب العام، وقد أثار كلا القرارين خلافًا شديدًا، وصادف أن المسؤولين متورطان في التحقيقات مع مساعدي نتنياهو بشأن مزاعم الكسب غير المشروع وغيرها من التجاوزات.
وفي قلب الأزمة الإسرائيلية هناك حملة يشنها الصهاينة المتدينون الذين يرون أن المؤسسات العلمانية في البلاد تحبط رؤيتهم ل”إسرائيل” كدولة تضم الأراضي التوراتية في غزة والضفة الغربية، أو يهودا والسامرة – كما يسمون الأراضي الفلسطينية.
قد تبدو “إسرائيل” قوية لكن جيشها متعب وسياستها منقسمة. كما أن الجزء الأكثر ديناميكية في الاقتصاد الإسرائيلي، وهو القطاع التكنولوجي، كان يهدد قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول بالانتقال إلى الخارج بسبب استياء العاملين فيه من الانقسامات السياسية وتآكل سيادة القانون، وقد ينفذون تلك التهديدات يوماً ما.
لقد اعتمدت “إسرائيل” لسنوات عديدة على حليفها الأمريكي ليخبرها متى تتوقف عن القتال. ومع وجود ترامب في البيت الأبيض، انتهت تلك الأيام وتحتاج “إسرائيل” الآن إلى ممارسة ضبط النفس.
المصدر: إيكونوميست