ترجمة وتحرير نون بوست
كما لو أن خطر القتل لا يكفي! على الصحفيين الذين يعملون في مصر الآن أن يواجهوا التهديد بالسجن، القتل، أو الإصابة الخطيرة أثناء تأدية عملهم. الأمر لا يتعلق بالحكم على صحفيي الجزيرة بالسجن من سبع لعشر سنوات، فنحن – الصحفيون – معتادون على تلك المعاملة في دول العالم الثالث.
لكن الأمر يتعلق بأن نعتبر ذلك أمرًا طبيعيًا أثناء تأدية عملنا في تلك المنطقة من العالم، وهي واحدة من أكثر المناطق تاريخية وعراقة واكتظاظًا بالسكان، فالسجن بالنسبة للصحفيين جريمة تمامًا كالاغتصاب في الحرب، جريمة خسيسة لا يجب أن نعتادها أبدًا!
كان متوقعًا أن يتم الإفراج عن محمد فهمي، باهر محمد، والأسترالي بيتر غريستي صباح أمس، لكن يبدو أن “العدالة” و”مصر” ليس لديهما الكثير من القواسم المشتركة! والمشكلة الأكبر أن القادة الغربيون لا يهتمون كثيرًا بذلك.
جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي، أثار قضية الصحفيين الثلاثة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل تسليم ما يقرب من نصف مليار دولار من المساعدات لمصر يوم الأحد، حصل السيسي على النقود، ولم يفعل شيئًا من أجل الصحفيين المظلومين، وعندما طالب الأستراليون السيسي بالتدخل، أعطاهم محاضرة عن استقلال القضاء المصري! آه، هذا القضاء المستقل هو الذي حكم بالإعدام على 300 من الإخوان المسلمين لإشباع شهوته للدماء الشهر الماضي!
لكن دعونا ننظر إلى ما يحدث في الخليج لنفهم أكثر، قناة الجزيرة التي ينتمي إليها الصحفيون هي مشروع للسياسة الخارجية القطرية، وقطر تدعم الرئيس المنتخب محمد مرسي، الذي أطاح به السيسي من السلطة في الصيف الماضي، وفي ضربة واحدة فقدت مصر 10 مليار دولار من الأموال القطرية، وهو ما يجعل 500 مليون دولار من كيري شيئا يُعتد به في مصر.
السعوديون تدخلوا بالطبع، كما يتدخلون الآن في العراق، لسداد ديون مصر، في الوقت الذي يترك فيه السيسي سلفيي مصر المقربين من السعودية بلا قمع كبقية الأطياف السياسية في البلاد، لكن كيف تعاقب القطريين المزعجين؟ اعتقل صحفييهم، والتهمة جاهزة بالطبع: مساعدة الإرهابيين!
اكتب هذه الكلمات الآن، وعلى مكتبي رصاصة من حرب الجيش اللبناني مع منظمة التحرير الفلسطينية، وشظايا مدفعية إسرائيلية وقطعة كبيرة من صاروخ أمريكي أُطلق على قرية درزية عام 1983، أحد المعتقلين الصحفيين حوكم بتهمة حيازته رصاصة! بالمنطق ذاته، أظن أن هذا يجعلني مذنبًا ومتهمًا بمساعدة الإرهابيين في نظر كل من لبنان، إسرائيل والولايات المتحدة!!
الصحفيون يموتون في ساحات القتال، ويُستهدفون في مواطن النزاع، ويُغتالون في جميع قارات العالم، وفي بعض الأحيان، شخص مسكين مثل فرزاد بازوت، والذي كان يعمل لصالح صحفية الأوبزرفر، اتُهم أنه جاسوس وتم شنقه، كانت حينها بأوامر من صدام حسين، وعندها غضبنا للغاية قبل أن نفتر بعد بعض الوقت، ربما ننفق الكثير من الوقت خوفًا على حياة صحفيينا الغربيين، لكننا ننسى أن هناك مئات من الصحفيين والمصورين العرب، في مصر وسوريا والعراق وليبيا وأي دولة عربية تحلو لك، يدفعون حياتهم ثمنًا للمهنة التي نشاركهم فيها، إنهم تحت رحمة تلك الأنظمة، بما فيها نظام إيران غير العربي كذلك.
لكن الحكام المستبدين في الشرق الأوسط لا يفعلون لصحفييهم سوى ما يفعله قادتنا لنا! ألم يقل وفد الولايات المتحدة لصدام حسين قبل غزوه للكويت إن مشكلته هي الصحفيين؟ ألم يقتل الأمريكيون زملاءنا في العراق دون أن يطرف لهم جفن؟ ألم يقتل الإسرائيليون الصحفيين ومساعديهم دون عقاب؟ ومتى سمعنا الأمريكيين أو البريطانيين يشتكون من ذلك! اعتقادي أن السيسي سيفرج عن صحفيي الجزيرة الثلاثة، وعندها سنشكره من أعماق قلوبنا .. قلوبنا الغربية.