أدانت إحدى المحاكم التونسية المدون “أيمن بن عمار” المعروف بأعماله الاستقصائية حول رموز النظام السابق، بتهمة “تكوين عصابة مفسدين بنية إلحاق الضرر بأشخاص”، وذلك بعد أن أسقطت عنه نفس المحكمة التهم التي تقدمت بها النيابة العامة والمتمثلة في “تكوين عصابة إرهابية ومحاولة تفجير مبنى إذاعة خاصة”.
والدليل الوحيد الذي اعتمدت عليه المحكمة لإدانة أيمن يتمثل في شهادة صحفية تعمل في الإذاعة قالت فيها إن أيمن طلب منها تزويده بمعلومات عن مالك الإذاعة، رجل أعمال اسمه “الناجي المهيري”، كما عرض عليها أن تقوم بوضع جهاز تسجيل صوتي في مكتبه الخاص حتى يتمكن أيمن والفريق العامل معه من الحصول على معلومات حول “ملفات فساد” متعلقة بمالك الإذاعة.
والغريب في تفاصيل هذه المحاكمة، هو أن النيابة العامة ارتكزت على نفس الدليل – شهادة الصحفية – لتوجيه تهم الإرهاب ومحاولة التفجير لأيمن بنعمار، مثيرة بذلك تساؤلات عن علاقة “جهاز التسجيل” بالمتفجرات وعن علاقة العمل الصحفي الاستقصائي بالأعمال الإرهابية، مانحة في نفس الوقت الكثير من المصداقية لموقف أيمن بن عمار الذي نفى عن نفسه التهم وقال بأنها سياسية وتهدف إلى إسكاته ومنعه من مواصلة عمله الاستقصائي.
وأيمن بن عمار هو من مدوني الثورة التونسية، واشتهر اسمه كمدون أو صحفي استقصائي بعد قيامه بتحقيق حول مقتل فتاة تونسية قالت الرواية المتداولة إنها ألقت بنفسها من شقة أحد فنادق العاصمة وقالت الرواية التي وصل إليها أيمن ودعمها بشواهد مختلفة إنها قُتلت بسبب حصولها على معلومات مهمة حول أحد أحزاب المعارضة التونسية اليسارية التي كانت تنشط فيها.
وأما ناجي المهيري، فهو أحد أكبر رجال الأعمال في تونس، حيث يمتلك عددًا من الفنادق ومصانع الأثاث، ويقدر عدد العاملين في مصانعه بالآلاف، ويتمثل التحقيق الذي كان أيمن يسعى إلى جمع المعلومات لصالحه في عدد من القضايا العالقة التي تقدم بها مواطنون منذ فترة طويلة واتهموا من خلالها “ناجي المهيري” بتزوير وثائق رسمية وافتكاك أراضيهم واستغلالها لتوسعة مصانعه في مناطق مختلفة.
ويقول المدافعون عن أيمن إن ناجي المهيري هو أحد رجال الأعمال المعروفين بدعمهم سابقًا للرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي أطاحت به الثورة، كما يقول الكثيرون من نشطاء الثورة إن مجموعة رجال الأعمال هذه والتي يترأسها “كمال اللطيف”، الملقب بـ “صانع الملوك”، عملت في الفترة الماضية – ومازالت إلى الآن – على إفشال التجربة الديمقراطية في تونس وإيقاف عملية الانتقال السياسي.
وشهدت تونس في الصيف الماضي أحداث ساخنة وصراعات حامية بين قوى الثورة والقوى المضادة للثورة، انتهت مؤخرًا إلى المصادقة على الدستور التونسي التوافقي وإلى استقالة الائتلاف الحكومي وتكليف حكومة كفاءات بإدارة المرحلة التي ستسبق الانتخابات العامة التي ستقام نهاية هذا العام، كما أعلنت رئاسة الجمهورية وعلى لسان الرئيس المنصف المرزوقي أن الدولة تمكنت في المرحلة الماضية من إفشال عدد من المحاولات الانقلابية التي تورط فيها “أمنييون” و”عسكريون” و”سياسيون”.