ترجمة وتحرير: نون بوست
أيهما كان الأكثر رعبًا؟ الانتظار المؤلم الذي استمر أسبوعًا كاملًا، والصمت بعد اختفاء زملائنا، حيث كنا نشك في الأسوأ ولكننا كنا نأمل في شيء مختلف؟ أم تأكيد العثور على الجثث بعد سبعة أيام؟ أم التفاصيل المروعة لكيفية العثور عليهم وكيف تم قتلهم؟
لقد تم سحق سيارات الإسعاف الخاصة بهم ودُفن بعضها جزئيًا. وعلى مقربة منهم كانت جثثهم مدفونة أيضًا، بشكل جماعي، في الرمال. وكان زملاؤنا الشهداء لا يزالون يرتدون سترات الهلال الأحمر الخاصة بهم. في الحياة، كانت تلك السترات تشير إلى مكانتهم كعاملين في المجال الإنساني، وكان من المفترض أن تحميهم. أما في الموت، فقد أصبحت تلك السترات الحمراء أكفانهم.
كان ضباط الإسعاف مصطفى خفاجة وصالح معمر وعز الدين شعث، والمتطوعون في الإسعاف محمد بهلول ومحمد الحيلة وأشرف أبو لبدة ورائد الشريف ورفعت رضوان أشخاصًا طيبين. إلى جانب زميلهم في الهلال الأحمر الفلسطيني، ضابط الإسعاف أسعد النصاصرة – الذي لا يزال مفقودًا – والعاملين في المجال الطبي والإنساني من منظمات أخرى، كانوا في سيارات الإسعاف، يهرعون للقيام بعملهم.
إن غزة بعد انهيار وقف إطلاق النار، مكان خطير بالطبع، لكن هؤلاء الرجال لم يكونوا متهورين. فقد كانوا يعتقدون أن مركباتهم التي تحمل شعار الهلال الأحمر ستوضح من هم ومن داخلها وما هدفهم. كانوا يعتقدون أن القانون الإنساني الدولي يعني شيئًا ما، وأن العاملين في الرعاية الصحية سيكونون محميين. وكانوا يفترضون أن ذلك يعني أنهم لن يكونوا هدفًا، ولكنهم كانوا مخطئين. للأسف، كانوا مخطئين بشكل مأساوي ومروع.
لذا، أكتب هذه الرسالة وأنا أتوسل إليكم؛ اجعلوا ذلك الافتراض صحيحًا مرة أخرى. لقد كانت تلك الوفيات في غزة – رغم فظاعتها – جزءًا من اتجاه متزايد. فالمزيد والمزيد من عمال الإغاثة الإنسانية يُقتلون في جميع أنحاء العالم، ويجب العمل على تغيير هذا الاتجاه.
وبصفتي الأمين العام لاتحاد إنساني عالمي، وهو شبكة من 191 جمعية للصليب الأحمر والهلال الأحمر تضم أكثر من 16 مليون موظف ومتطوع، فإنني معتاد على التعامل مع الصدمات. إن مساعدة الناس على الاستعداد للأزمات ثم التعامل معها عندما تحدث هو ما يفعله موظفونا. وفي الوقت الحالي، يساعد آلاف من زملائنا من الصليب الأحمر في ميانمار الناس في تلبية احتياجاتهم الفورية بعد الزلزال. وفي روسيا وأوكرانيا، يساعد أعضاؤنا الأشخاص المتأثرين من كلا الجانبين في النزاع.
تستطيع فِرَقنا على مساعدة الناس في التعامل مع الصدمات. لكن لا يجب أن يتعرضوا لها بسبب ما يقومون به، وهو ما ينص عليه القانون الإنساني الدولي. يجب حماية العاملين في مجال الصحة والإغاثة الإنسانية، ولذلك يرتدون الشارات. ومع ذلك، وفقًا لقاعدة بيانات أمن عمال الإغاثة، فإنهم يتعرضون للقتل بأعداد متزايدة. ففي سنة 2023، بلغ هذا العدد 280 شخص؛ حيث فقدت شبكتنا 18 منهم في تلك السنة أثناء تأدية واجبهم – بما في ذلك ستة من جمعيتنا الوطنية في إسرائيل، منهم ماغين دافيد أدوم، في ذلك اليوم المروع في أكتوبر/ تشرين الأول.
وفي السنة الماضية، تم تسجيل مقتل 382 عاملًا إنسانيًا، وهو رقم قياسي. ومن بينهم، كان 32 عضوًا من جمعياتنا للصليب الأحمر أو الهلال الأحمر، بما في ذلك 18 من جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وتم قتل ثمانية آخرين أثناء عملهم في السودان؛ إن هذه السنة تبدو أنها ستكون الأسوأ.
لا يمكننا السماح بأن تصبح هذه الوفيات – أو أي من هذه الهجمات – أمرًا عاديًا. يجب علينا رفض أي رواية تقول إنها حتمية أو جزء من مخاطر العمل. أنا ممتن للغضب السياسي والإعلامي والإلكتروني بشأن مقتل عمالنا في الشهر الماضي، وأنا أشارك ذلك، ولكن يجب علينا جميعًا أن نذهب أبعد من ذلك.
أولًا، يجب أن نرى نفس الاهتمام عندما يُقتل أي عامل إنساني، بغض النظر عن مكان أو زمان وقوع الحادث. ففي كثير من الأحيان ما يتم تجاهل الاهتمام عندما يكون العامل من المجتمع المحلي الذي يخدمه، مقارنةً بالاهتمام الكبير الذي يُعطى عندما يُقتل عامل “دولي”.
ثانيًا، يجب علينا أن نطالب الحكومات بتغيير سلوكها وسلوك من يتبعونها. فمهما كانت الظروف، فإن الدول تتحمل مسؤولية قانونية لحماية جميع المدنيين، بما في ذلك العاملين في المجال الإنساني. ويجب أن تكون هناك عواقب ملموسة لأولئك الذين يرتكبون جريمة قتل – سواء كان ذلك عن عمد أو تهور – ضد العاملين في المجال الإنساني الذين يحاولون تقديم المساعدة.
ثالثًا، تتحمل الحكومات الأخرى مسؤولية ممارسة الضغط الدبلوماسي والسياسي على نظرائها.
هذا الأسبوع؛ سافر قادة جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني من الضفة الغربية إلى نيويورك لإطلاع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والمطالبة بمزيد من الحماية للعاملين في المجال الإنساني. وفي جنيف، جعلتُ “حماية الإنسانية” محورًا رئيسيًا في تواصلي مع الحكومات، سواء علنًا أو سرًا.
ولكن في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، نحن نخطو بحذر. فالحياد والموضوعية هما جوهر عملنا، وهي مبادئ دستورية وأساسية في منظمتنا، والخروج عنهما قد يعوق عملنا. فمهمتنا هي إدارة العواقب، وليس إلقاء اللوم على الأسباب. وحتى في الظروف المروعة مثل تلك التي شهدناها الشهر الماضي، أو قبل 18 شهرًا في إسرائيل، لا أنا ولا منظمتنا نلقي اللوم على الأشخاص أو الجماعات أو المؤسسات أو الحكومات. ستلاحظون أنني لم أفعل ذلك في هذا المقال، حتى وإن كان آخرون في هذا الموقع وفي أماكن أخرى يفعلون ذلك بالضبط.
لماذا؟ لأننا نؤمن بالتمسك بمبادئنا كما نطالب الآخرين بالتمسك بالقوانين، وخاصة القانون الإنساني الدولي. ونأمل أن تعني التزاماتنا بالحياد والموضوعية أن صوتنا يحمل وزنًا أكبر عندما نطالب بالعدالة.
ونحن نطالب بالعدالة بالفعل. ففي غزة، يجب السماح للمحققين المستقلين بالوصول وتوفير التفاصيل الكاملة عما حدث قبل أسبوعين من يوم الأحد، مهما كان ذلك مزعجًا لأولئك الذين يملكون هذه المعلومات. يجب أن يكون هناك احترام لأولئك الذين لقوا حتفهم من خلال فرض عواقب على من قتلهم؛ فالإفلات من العقاب في أي مكان يؤدي إلى انتشار هذا الأمر في أماكن في شبكتنا في جمهورية الكونغو الديمقراطية وسوريا. لقد حزنّا على فقدهم، ومن خلال صندوق العائلة الحمراء المدعوم من الاتحاد الأوروبي تحدث فارقًا هو إذا تم تغيير موجة عدم الاحترام للقانون الإنساني الدولي.
أنا غاضب. لكنني أيضًا متعب من الشعور بالغضب، فيجب حماية العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية، من أجل الإنسانية بكل بساطة.
المصدر: الغارديان