زهران علوش.. سيرة فكرية وميدانية لقائد “جيش الإسلام”

في ليلة شتوية باردة عام 2015، جلس القائد الكاريزمي لأقوى فصائل الثورة السورية وأكثرها تنظيمًا، داخل غرفة عمليات سرية تحت الأرض في ضاحية أوتايا بقلب الغوطة الشرقية، يراقب عبر أجهزة اللاسلكي تحركات قوات نظام الأسد، كان يدرك تمامًا أن الغارات الجوية قد تستهدفه في أي لحظة.
وبينما التف رفاقه حوله يناقشون خطط الهجوم المرتقب على مواقع قوات الأسد و”حزب الله” في منطقة المرج بالغوطة الشرقية، ترددت أصوات الانفجارات في الأرجاء، ممتزجة برائحة البارود التي ملأت الهواء، وفجأة دوى انفجار هائل هزّ المكان، لتحترق غرفة العمليات وتتحول إلى كتلة من اللهب والدخان.
لم تكن تلك ضربة عشوائية، بل غارة جوية دقيقة نفذتها القوات الروسية بعد محاولات متكررة من النظام وحلفائه لاستهداف زهران علوش، القائد الأعلى للقيادة العسكرية في الغوطة الشرقية. فمن هو زهران علوش؟ وما هي أبرز ملامحه الفكرية؟ وكيف تحولت مسيرته من السلفية العلمية إلى تشكيل وقيادة جيش الإسلام؟
نواصل في ملف “الجهادية السورية” الذي ينشره “نون بوست”، البحث في سيرة قادة جهاديين سوريين تركوا أثرًا عميقًا على الحركة الجهادية محليًا وعالميًا، مستعرضين البيئة التي نشأوا فيها، والمنعطفات التاريخية والسياسية التي أسهمت في تكوينهم النفسي وشكلت أفكارهم وشخصياتهم.
النشأة والتكوين
لطالما كانت الغوطة منطقة فريدةً بفضل بموقعها الاستراتيجي وجمالها الطبيعي، إذ وصفها المؤرخون عبر العصور بأنها من أجمل وأجود المناطق، إلا أنها في ظل حكم آل الأسد، تحولت إلى ضواحٍ مكتظة وأحياء تعاني من الفقر والتهميش، والأسوأ من ذلك، محاولة النظام تدمير النسيج المجتمعي المتماسك للغاية والمتصل بعضه ببعض من خلال مصادرة أراضي وإنشاء طوق عسكري وتوطين العلويين الذي يستقدمهم من الساحل في مشاريع سكانية تأسست لتكون كحزام أمني حول مدن وبلدات الغوطة.
الأمر الذي حول الغوطة إلى جزر معزولة وأجج مشاعر السخط الشعبي، لا سيما في المدن السنية المحافظة مثل دوما، التي تعد مركز الغوطة الشرقية، والمعروفة بتقاليدها العريقة ولقبها “مدينة المآذن”، كما أنها واحدة من المناطق النادرة في سوريا التي ينتشر فيها المذهب الحنبلي.
ولد زهران علوش عام 1971 في دوما، إحدى أكبر مدن الغوطة الشرقية بريف دمشق. ترعرع في كنف أسرة معروفة بتدينها، حيث كان والده عبد الله علوش، أحد أبرز رموز السلفية في المنطقة، وفي أوائل ثمانينيات القرن الماضي، كان يخطب في مسجد التوحيد في دوما، وفي عام 1985 سُمح له بافتتاح فرع لمعهد الأسد لتحفيظ القرآن في دوما.
لكن وجدت عائلة علوش نفسها لاحقًا في صراع مع السلطات وبعض رجال الدين المنافسين في دوما، ورغم أن علوش الأب لم يُعتقل، إلا أنه تعرض لمضايقات أمنية متكررة واستُدعي للاستجواب عدة مرات، بل وصل الأمر إلى إتلاف كتبه أمامه، وفي إحدى تلك المرات، قال له أحد رجال الأمن بسخرية: “لو أن محمدًا موجود الآن، لحلق لحيته، والتحق بحزب البعث”، أمام هذا القمع، قرر مغادرة سوريا نهائيًا في منتصف التسعينيات واستقر في السعودية.
سار زهران على خطى والده، فبدأ رحلته في دراسة العلوم الإسلامية منذ صغره، حيث تعلم على يدي أبيه أولًا، وقضى مرحلته الدراسية الأولى في حمص التي تعلق بها وأحبها بشدة حتى أنه قال: “شربت من ماء العاصي ونشأت نشأتي الأولى في مدارس حمص”.
واصل علوش تعليمه من خلال الدراسة المسجدية على يد نخبة من علماء الدين في دمشق، أبرزهم الشيخ عبد القادر الأرناؤوط والشيخ شعيب الأرناؤوط، وشيخ قراء دمشق الشيخ كريم راجح. وإلى جانب اهتمامه بالعلم، كان شغوفًا بالرياضة، وحقق بطولتين في الكاراتيه على مستوى الجمهورية، ويذكر علوش أنه واجه أول تجربة له مع أجهزة الأمن وهو لا يزال في سن المراهقة عام 1987.
ورغم تفوقه في الثانوية وحصوله على مجموع يؤهله للالتحاق بكليات الهندسة أو الطب، فضل دراسة الشريعة عن قناعة، فالتحق بكلية الشريعة جامعة دمشق واختار تخصص الفقه الإسلامي، لكنه لم يستمر في الجامعة سوى عام واحد، إذ لم يجد مناهجها ملائمة لتطلعاته.
ولذا سافر إلى السعودية للالتحاق بجامعة المدينة المنورة، حيث تتلمذ هناك على يد كبار المشايخ السلفيين مثل ابن باز، وابن عثيمين، والألباني، وتأثر بالأخير بشكل خاص، وكثيرًا ما استشهد بأقواله، معبرًا عن إعجابه بسعة علمه وحكمته، كما توج تعليمه بحصوله على درجة الماجستير من جامعة المدينة المنورة في العلوم الإسلامية. ومع مرور الوقت، وطد علاقاته بالدعاة والمفكرين السلفيين في الخليج.
ثم في أواخر تسعينيات القرن الماضي، عاد علوش إلى سوريا، تزوج واستقر في حياة بدت هادئة، ثم اتجه للعمل في القطاع الخاص، وتباينت الروايات حول نشاطه المهني، إذ تشير بعض المصادر إلى إدارته متجرًا لبيع العسل، بينما يؤكد آخرون أنه أسس شركة للتطوير العقاري.
بغض النظر عن نشاطه التجاري، انخرط علوش بعمق في الدعوة السلفية كما يروي والده، حيث أشرف على حلقات دراسية وساهم في طباعة وتوزيع الكتب السلفية المحظورة، ولاقت ندواته الدينية في الغوطة اهتمامًا متزايدًا من الشباب، مما أكسبه لقب “الشيخ زهران”.
لم يكن هناك شك في عداء علوش لنظام الأسد وتحالفه مع إيران، ومع ذلك، كان خلال تلك الفترة يميل إلى السلفية العلمية ويركز على تصحيح المعتقدات، متجنبًا الخوض في العمل السياسي، وفضل تكريس جهوده للنشاط الدعوي، ويرى معاذ الخطيب أن علوش يمثل امتدادًا طبيعيًا للمدرسة السلفية الدمشقية.
لم يكن علوش جزءًا من التيار السلفي الجهادي الذي انتشر في سوريا بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وبحكم انتمائه للسلفية العلمية، اعتبر تنظيم القاعدة جماعة منحرفة، لكنه كغالبية السوريين، تعاطف مع المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي في العراق دون أن يكون له دور مباشر في القتال هناك. كما كان يتابع الأحداث المزلزلة التي مر بها العالم الإسلامي، كاحتلال أفغانستان وحرب الشيشان.
رغم ذلك، تعرض علوش لتهديدات متكررة بالاعتقال بسبب أنشطته السلفية، معتبرًا ذلك اضطهادًا ممنهجًا من النظام لدعاة المنهج السلفي في سوريا، ويروي أنه تلقى تحذيرًا صريحًا من أحد كبار ضباط الاستخبارات بأن الطائفة السنية لن يُسمح لها بممارسة دعوتها بحرية. وفي أحد لقاءاته مع رئيس قسم التحقيق في الأمن السياسي بريف دمشق، قال له بوضوح: “الدعوة إلى التوحيد ممنوعة في سوريا”. تركت هذه الكلمات أثرًا بالغًا في نفسه، حتى أنه بعد سنوات، توعد بتدمير جهاز الأمن السياسي.
وفي ظل الضغوط الأمريكية وتصاعد قلق النظام من تنامي التيار السلفي الجهادي، اعتُقل علوش عام 2009 خلال حملة قمع واسعة، ووجهت إليه تهمة حيازة سلاح، إلا أن الدافع الأساسي لاعتقاله كان نشاطه في الدعوة السلفية، ويقول علوش:
“كانت الجريمة التي أوقفت فيها تدريس كتابين، كتاب تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، وكتاب صحيح مسلم”.
بعد تنقله بين عدة سجون، انتهى به المطاف في سجن صيدنايا، وهناك احتك بعدد من السجناء الإسلاميين والجهاديين الذين قاتلوا في حرب العراق، ما منحه فرصة للتعرف عن قرب على توجهات مختلفة داخل التيار السلفي، ويحكى علوش أنه دخل في نقاشات حادة مع أشخاص يميلون لفكر تنظيم القاعدة في سجن صيدنايا، وكان اعتراضه الأساسي عليهم أنهم لا يدرسون الفقه.
ويذكر رفاق علوش في السجن كيف خاض مناظرات مع الغُلاة وبعض الشخصيات التكفيرية، وعبر في رسائله عن رفضه لأفكارهم، خاصة فيما يتعلق بمسائل الحاكمية وشروط وموانع التكفير، وخلال عامين من الاعتقال، حظي باحترام السجناء وأقام علاقات وثيقة مع شخصيات أصبحت لاحقًا قادة لفصائل مسلحة كبرى، مثل أحرار الشام.
وكما سيظهر بعد ذلك، فتجربة السجن، شكلت نقطة تحول أساسية في حياة علوش، إذ أعادت تشكيل نظرته للعمل الإسلامي، ويبدو أن هذه التجربة أسهمت في تطوير مهاراته القيادية، كما أن قسوة السجن والانتهاكات التي شهدها عمّقت عداءه للنظام، فقد علوش تعرض للتعذيب وفقد الكثير من وزنه خلال فترة اعتقاله.
وبعد ثلاثة أشهر من اندلاع الثورة، أفرج النظام عن عدد من السجناء الإسلاميين، بينهم زهران علوش، شكل هذا القرار نقطة تحول، حيث برز علوش وحسان عبود وأحمد عيسى الشيخ كقادة لأكبر التنظيمات الجهادية في سوريا، وتوثق صورة شهيرة اجتماعهم بعد الإفراج عنهم.
من الدعوة إلى القتال: جيش الإسلام
سرعان ما انتفضت الغوطة، وشهدت المناطق المعروفة مثل جوبر، دوما، برزة، القابون، وحرستا وكفربطنا موجة احتجاجات متصاعدة، وبحلول صيف 2011، أصبحت الغوطة الشرقية مركزًا رئيسيًا للمظاهرات، ومع تصاعد قمع النظام وسقوط مئات الضحايا، لجأت مجموعات صغيرة إلى حمل السلاح ضد النظام، وغالبًا ما اتخذت اسم الجيش السوري الحر.
بعد خروجه من السجن، عاد علوش إلى بلدته، وتفاعل سريعًا مع الأحداث، وانخرط في الثورة الناشئة في دوما، يحكي أنه لعب دورًا إعلاميًا في توعية المتظاهرين، موضحًا الأحكام الشرعية المتعلقة بالاحتجاجات السلمية وحرمة إتلاف الممتلكات العامة والخاصة، كما قدم التوجيهات والإرشادات للمحتجين.
رجال دوما في عين العاصفة 1-4-2011
لكن مع تصاعد القمع وتزايد مشاهد القتل، لم يعد قادرًا على الوقوف مكتوف اليدين، فاقتنع بأن الكفاح المسلح هو السبيل الوحيد لحماية المدنيين وإسقاط النظام، وبرر خياره بالقتال ضد النظام بقوله: “التاريخ الأسود للطائفة النصيرية التي ينتمي إليها النظام، أثبت أنها لم ترتدع عبر التاريخ إلا بالقتال”.
لم يكن علوش يمتلك في ذلك الوقت سوى خبرة في المجال الدعوي، لكنه سيكتسب الخبرات العملية تدريجيًا من خلال التجربة والممارسة. وفي البداية، انضم علوش إلى كتيبة أبو عبيدة بن الجراح، أول فصيل مسلح في الغوطة الشرقية ضمن صفوف الجيش الحر، لكنه لم يجد في العمل تحت راية الجيش الحر ما يحقق رؤيته، لذلك، تواصل مع أصدقائه لتأسيس فصيل مسلح مستقل في دوما يحمل هوية سلفية واضحة، وأطلق عليه اسم “سرية الإسلام. يقول علوش:
“حال خروجي من السجن عملت على تأسيس قوة عسكرية لمحاربة النظام كان اسمها في بدايتها سرية الإسلام”.
في بداياته، ضم الفصيل عددًا من طلاب العلم وعلماء الدين المقربين من علوش، وأوضح علوش أنه واجه تحديات متعددة، أبرزها عزوف أهل العلم عن الانخراط في الجهاد، إلى جانب تردد الوجهاء وأصحاب الأموال في تبني العمل العسكري. مع ذلك سرعان ما توسع تنظيم علوش، وجذبت قدراته الخطابية القوية ونبرات صوته المؤثرة ولغته البسيطة، العديد من الشباب.
ووفقًا لأستاذ الدراسات الأمنية والعسكرية عمر عاشور، الذي التقى علوش في تركيا، فقد اجتمع الأخير بأبو محمد الجولاني أواخر عام 2011، وخلال اللقاء، عرض الجولاني على علوش الانضمام إلى “جبهة النصرة”، إلا أن علوش لم يكن على دراية كافية بتوجهات الجولاني أو خلفياته آنذاك، وعندما استفسر عن حجم قواته، أخبره الجولاني بأنه يقود 30 مقاتلًا، بينما كان علوش يقود نحو 300 مقاتل، الأمر الذي دفعه إلى رفض العرض.
ومع نهاية عام 2011، بسطت المعارضة المسلحة سيطرتها على أجزاء واسعة من دوما وشرق دمشق. ورغم أن النظام أرسل دباباته واستعاد بعض المناطق في يناير 2012، إلا أن المواجهات سرعان ما تحولت إلى حرب مدن، ونجحت الفصائل المحلية في طرد قوات النظام بحلول أواخر عام 2012.
ومنذ ذلك الوقت، شهدت “سرية الإسلام” توسعًا كبيرًا، إذ زاد عدد مقاتليها وباتت واحدة من أقوى الفصائل في الغوطة الشرقية، وفي خطوة لإبراز قوتها، قرر علوش تغيير اسمها إلى “لواء الإسلام”. وفي 18 يوليو/تموز 2012، لفت “لواء الإسلام” الأنظار محليًا ودوليًا بإعلانه المسؤولية عن اغتيال عدد من كبار قادة النظام في دمشق، من بينهم صهر بشار الأسد، اللواء آصف شوكت، ووزير الدفاع داوود راجحة.
بدأت الفصائل الأصغر بالانضمام إلى “لواء الإسلام”، الذي تبنى توجهًا سلفيًا ودعا إلى إقامة دولة إسلامية، ورفع مقاتلوه العلم الأسود، وقدموا أنفسهم كجماعة جهادية مستقلة. ورغم استمرار تعاون علوش مع فصائل الجيش السوري الحر، فقد سعى إلى توسيع تنظيمه، مستقطبًا عشرات الفصائل الصغيرة. وفي سبتمبر/أيلول 2013، أعلن عن تغيير اسم “لواء الإسلام” إلى “جيش الإسلام” بعد اندماج قرابة خمسين فصيلًا تحت قيادته.
وضع علوش ثلاثة أسس رئيسية لجيشه، الأول كان الأساس العقدي من خلال الدورات الشرعية والتوجيه الديني، والثاني تعزيز اللياقة البدنية، بينما تمثل الثالث في التدريب العسكري التخصصي، بما في ذلك فنون القتال واستخدام الأسلحة، وأسس لكل جانب مؤسساته المتخصصة، ويُقال إن “جيش الإسلام” ضم ما يقارب 60 كتيبة عسكرية متخصصة.
بعد وقت قصير من تأسيس “جيش الإسلام”، أصبح أقوى قوةٍ معارضةٍ على بُعدِ كيلومترات من العاصمة، ولعب علوش دورًا رئيسا في المعارك ضد النظام، وتمكن من فرض سيطرته على مساحات واسعة في ريف دمشق. كما ساهم في تأسيس الجبهة الإسلامية، وشغل منصب قائدها العسكري.
وبفضل موقعها الاستراتيجي على أطراف العاصمة، شكلت الغوطة الشرقية تهديدًا وجوديًا للنظام، لطالما اعتبر الأسد علوش أكبر تحدٍ مباشر لسيطرته على العاصمة. وتشير عدة تقارير إلى أن نجاح علوش بين عامي 2012 و2015 يعود إلى دعم السعودية لجيش الإسلام، لكن يبدو أن هذا الادعاء مبالغًا فيه من قبل منافسيه.
في الواقع، تلقى علوش أموالًا من مصادر متعددة، ولا يوجد دليل قاطع على تلقيه دعمًا مباشرًا من الرياض، لقد اعتمد بشكل أساسي على شبكاته الدينية ودعم الدعاة السلفيين في الخليج والمغتربين السوريين، بجانب فرض عمولات على شاحنات معبر الوافدين كمصادر رئيسية للتمويل، كما موّل بنفسه العديد من المشاريع المختلفة، وينفى علوش تحقيق أي أرباح من معبر الوافدين، بينما أكد قادة فصائل منافسون عكس ذلك.
وفي الحقيقة، واجه علوش تحديات مالية ولوجستية، لا سيما بعد الضغط الأمريكي على دول الخليج لكبح جماح جامعي التبرعات الإسلاميين، وهو الأمر الذي اضطر علوش إلى اقتراض المال من التجار المحليين، وزُعم أنه أصبح مثقلًا بالديون.
وفي مقابلته مع صحيفة ماكلاتشي، نفى علوش تلقيه أي أسلحة من الخارج، مؤكدًا أن ترسانته العسكرية تتألف من أسلحة محلية وغنائم استولى عليها من قوات النظام، وأوضح أن الولايات المتحدة منعت وصول شحنة أسلحة مضادة للطائرات قادمة من ليبيا، مضيفًا: “تواصلنا معهم مرارًا، لكننا أدركنا أن الإدارة الحالية تمنعنا من الدفاع عن أنفسنا”.
وبحسب رواية متداولة بين نشطاء المعارضة، فُرضت على علوش شروط صارمة مقابل الحصول على الدعم، مما دفعه عمليًا إلى رفضها، شملت هذه الشروط الامتناع عن استهداف مواقع داخل دمشق، والتخلي عن التصنيع العسكري، والواقع أن علوش أكد مرارًا رفضه لأي إملاءات خارجية.
القائد الأعلى للغوطة الشرقية
منذ سيطرة المعارضة على الغوطة الشرقية، واجهت صعوبات في إنشاء إدارة فعالة، إذ أدى غياب سلطة مركزية إلى تولي كل فصيل إدارة شؤونه بالطريقة التي يراها مناسبة. وهنا سعى علوش إلى تنظيم الأوضاع في الغوطة الشرقية عبر إنشاء هيكل سياسي وقضائي موحد لإدارة هذه المناطق والحد من النزاعات بين الفصائل.
ففي منتصف عام 2014، شارك علوش في تأسيس”مجلس القضاء الموحد”، وهو هيئة قضائية تضم علماء الشريعة، وتولت إدارة الشؤون المدنية وتطبيق الأحكام الشرعية عبر نظام قضائي مركزي. حظي المجلس بتأييد الفصائل الرئيسية في الغوطة، وسعى علوش إلى ترسيخه كأعلى سلطة شرعية في المنطقة.
وبالنظر إلى الفوضى التي عمت مناطق أخرى، يرى المحللون أن “المجلس القضائي في الغوطة الشرقية” كان أنجح تجربة قضائية أطلقتها قوى المعارضة. وعند سؤاله عن تطبيق الشريعة في المناطق التي يسيطر عليها، أكد علوش أن جيش الإسلام لا يتدخل في السلطة القضائية، مشيرًا إلى أن لديهم ممثلين في المجالس القضائية التي تضم شيوخًا وقضاة من مختلف التوجهات.
أيضًا أنشأ علوش مكتبًا خاصًا لتشجيع الانشقاق عن جيش النظام، وكان الوحيد الذي تبنى هذه الفكرة آنذاك. كما بدأ بتنفيذ أنشطة خدمية مدنية، شملت توفير الكهرباء للعديد من المستشفيات والمساجد والمدارس، وتأمين المياه، كما أنشأ مجموعة من المؤسسات الإغاثية والطبية، إضافة إلى هيئات أمنية قامت بدور أشبه بالشرطة.
إضافة إلى تأسيس سلسلة من الهيئات الشرعية والمعاهد العلمية والمدارس عبر جمعيات خيرية مثل “عدالة” و”اقرأ”. ويقول علوش: “نقوم بجهود دعوية متنوعة تتجلى في إنشاء كثير من المعاهد الدعوية، إضافة لتمكين الخطباء وطلبة العلم من حَمَلة المنهج السلفي”.
في الواقع، تمكن علوش من إنشاء تنظيم مؤسسي مرتبط بمرجعية سياسية وقضائية واضحة، وهو ما يدل على المواهب التنظيمية التي تمتع بها. وتشير بعض الدراسات إلى أن مجلس قيادة علوش شمل 27 مكتبًا إداريًا، من بينها مكاتب متخصصة في الخدمات المدنية، والتصنيع الحربي، والإعلام. مع ذلك يرى البعض أن هذه المؤسسات لم تكن مجرد خدمات، بل أدوات لتعزيز السيطرة على المجتمع في الغوطة.
أيضًا أسس علوش كيانًا عسكريًا موازيًا لمجلس القضاء الموحد، وهو “القيادة العسكرية الموحدة للغوطة الشرقية”، التي ضمت عدة فصائل، منها أجناد الشام، فيلق الرحمن، وأحرار الشام، وتولى قيادتها بنفسه. وبحلول أوائل 2015، تمكن من فرض سيطرة جيش الإسلام على معظم الفصائل المحلية، ما ساهم في توحيد المؤسسات العسكرية والقضائية. وفي العام ذاته، أصدر قرارًا يمنع تشكيل أي فصائل جديدة في الغوطة الشرقية.
ثم في أبريل 2015، حضر علوش حفل تخريج أكثر من 1700 مقاتل ضمن الدورة السابعة عشرة للإعداد الجهادي في الغوطة الشرقية تحت راية جيش الإسلام، تقدم الجنود بزيهم الرسمي في استعراض منظم أمام منصة جلس عليها علوش محاطًا بمساعديه، جاء العرض بأسلوب يحاكي الجيوش النظامية، بينما أضفى عليه علوش طابعًا حماسيًا، مرددًا بصوت جهوري: “اليوم يتآمر العالم علينا”.
في تلك المرحلة، كان علوش في ذروة نفوذه داخل الغوطة الشرقية، إلا أن ملامحه حملت آثار التقدم في العمر، ونبرة صوته عكست شيئًا من الحسرة، لقد ازدادت الضغوط عليه لدرجة اضطراره إلى تناول الأدوية.
في الواقع، لم يكن علوش منعزلًا، بل كان قريبًا من الناس، يلتقي بهم ويجيب بعفوية على أسئلتهم، بجانب محاولته احتضان الشباب الصغار وتوعيتهم، وقد رأى أنصاره فيه قائدًا شجاعًا وقويًا، يشارك مقاتليه لحظاتهم السعيدة بحضور حفلات زفافهم، ويعيش بينهم في ساحات المعارك، متفقدًا بنفسه خطوط المواجهة. بالنسبة للكثيرين، كان علوش رمزًا للصمود، بفضل قدرته على الدفاع عن الغوطة الشرقية وإرساء قدر من الاستقرار فيها، رغم الحصار والقصف المستمر.
جولة زهران علوش على جبهة حوش الفارة بريف دمشق
لكنه واجه تحديات متصاعدة، سواء على المستوى الاقتصادي، أو بسبب الانقسامات بين الفصائل، والخلافات الأيديولوجية، والصراعات السياسية، وخاصة سعي بعض الفصائل إلى تشكيل تحالفات لموازنة نفوذه.
وقد وجهت إلي علوش انتقادات لاذعة بسبب أسلوبه في إدارة المناطق الخاضعة لسيطرته، حيث اتُهم بتوسيع نفوذه من خلال تعيين المقربين منه في المناصب الإدارية، والتربح من الوقود والمواد الغذائية عبر إحكام سيطرته على ما عُرف بـ”اقتصاد الأنفاق”. لكن علوش نفى تحقيق أي مصلحة اقتصادية له في هذه التجارة.
إضافة إلى قمع معارضيه، خصوصًا بعد ورود تقارير عام 2014 عن ممارسات تعذيب في سجن التوبة بدوما الذي يشرف عليه جيش الإسلام. يُتهم علوش من قبل الكثيرين باختطاف أربعة نشطاء في حقوق الإنسان بينهم رزان زيتونة. ينفي علوش احتجازهم، ويجادل بأنه سهل دخول زيتونة إلى الغوطة الشرقية، على حد تعبيره “لماذا نأتي بها ثم نختطفها؟” وحسب “معاذ الخطيب” فقد تواصل بنفسه مع علوش بشأن رزان، وأقسم علوش أنه لا علاقة له باختطافها.
زهران علوش نعمل على حل مسألة الأنفاق لرفع الحصار
في الحقيقة، أصاب الحصار الحياة في الغوطة الشرقية بالشلل، حيث عانى السكان من نقص حاد في الغذاء والرعاية الطبية، تشير أماني بلور في مذكراتها إلى أنه خلال عام 2015، ارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل حاد، وانتشر الجوع، واستغل التجار وقادة جيش ومخابرات الأسد الحصار لجني الثروات.
وشهدت الغوطة الشرقية احتجاجات متكررة، حيث نزل المتظاهرون إلى الشوارع متهمين علوش باحتكار المواد الغذائية وبيعها بأسعار باهظة، في وقت كان السكان يعانون من المجاعة جراء الحصار الذي فرضه النظام.
وفي صيف عام 2015، أصبحت العلاقات بين علوش والسكان متوترة، ففي نظر خصومه، لم يكن علوش زعيمًا ثوريًا، بل أمير حرب، غير أن علوش اعتبر هذه المظاهرات دليلًا على حرية التعبير وتقبل الآراء المختلفة، مؤكدًا أن السبب الأساسي يكمن في التجار الذين استغلوا ارتفاع الأسعار الناتج عن الحصار.
تطور فكر علوش
تميز علوش بحضور إعلامي بارز، وعكست خطاباته ومقاطع الفيديو التي سجلها رؤيته للعالم وتصوره لمستقبل البلاد، ورغم التداخل بين أدواره الشرعية والسياسية والعسكرية، إلا أنه كان في تطور مستمر، وسعى في سنواته الأخيرة إلى تقديم خطاب سياسي أكثر نضجًا، كما أجرى عدة مقابلات مع وسائل إعلام غربية. ويؤكد “معاذ الخطيب” أن علوش شهد تطورات فكرية في أواخر حياته.
كان علوش يؤمن بأهمية الحوار مع مختلف القوى، سعيًا للوصول إلى توافقات مشتركة تضمن إشراك الجميع في القرارات الميدانية والإدارية والسياسية، كما حافظ على تواصل مع بعض الحكومات الأجنبية وقادة المعارضة، وقد عبر عن ذلك بقوله: “العلاقة التي نسعى إلى بنائها مع الجميع هي تلك التي تصون مصالحنا ومبادئنا”.
#زهران_علوش قال لي في حج 1435 ونحن في مكة:
“إن عشنا سننتصر على الطاغية وإن أكرمنا الله بالشهادة فنحن انتصرنا وتركنا جيلا لا يعرف سوى النصر”.— أنور مالك (@anwarmalek) December 25, 2015
يرى علوش أن السياسة الشرعية تقوم على مزيج من المبادئ ومراعاة المصالح، ويؤكد أن منهجه يستند إلى الإسلام الذي يقوم على أسس العدل والإنصاف. ومع ذلك، لم يحدد بوضوح الأهداف التي يسعى لتحقيقها أو الآليات التي ينوي اتباعها للوصول إليها.
لكنه حدد أولوياته بتخليص البلاد من جميع أشكال الديكتاتورية والإرهاب وأعرب عن تفضيله لأن يختار السوريون بأنفسهم شكل دولتهم بعد سقوط النظام، مؤكدًا: “نريد إقامة دولة تضمن حقوقنا”، مع انتقاده لما وصفه بالتمييز الطائفي ضد الأغلبية السنية، وقال إنه يفضل حكومة تكنوقراطية غير طائفية تُمثل تنوع الشعب السوري، كما أعرب عن رغبته في المشاركة في النظام السياسي لسوريا بعد رحيل الأسد.
ويؤكد علوش أن هويتهم تنبع من كونهم سوريين يحملون مشروعًا ثوريًا، مشددًا على أن تحالفاتهم وخصوماتهم تحددها مواقف الأطراف من الثورة والنظام، أما عن الراية، فيوضح أن فصيله لديه راية خاصة تحمل اسمه، لكنها لا تحل محل علم الاستقلال السوري. والحقيقة أن علوش منذ البداية لم يعترض على رفع راية العلم السوري الثوري.
وفي حين تعرض علوش لانتقادات بسبب موقفه من العلمانية والديمقراطية ووصفه الأخيرة بأنها نظام فاسد، بجانب خطابه تجاه العلويين والشيعة وما يسميهم بجحافل رافضة العالم ومجوس العصر، لكنه أوضح أن هذه التصريحات ناجمة عن الضغط النفسي الذي تعرض له جراء حصار النظام للغوطة والهجوم الكيماوي. وأضاف: “نحن تحت الحصار، جميعنا نعاني من ضغوط نفسية”.
لم يكن حصار الغوطة والهجوم الكيماوي وحدهما ما أثر على علوش، بل لعب التدخل الإيراني ودعم الميليشيات الشيعية، مثل حزب الله اللبناني والجماعات العراقية دورًا محوريًا في تصعيد موقفه. كما أن الفتاوى الصادرة عن آيات الله في إيران، التي صبغت الصراع بصبغة دينية، دفعته إلى تشديد خطابه وإضفاء بعد ديني وتاريخي على المواجهة. ويروي علوش أن بعض المقاتلين الشيعة قالوا له: “جئنا من بغداد لنذبحكم في دمشق”.
مع ذلك، أكد علوش أن العلويين جزء لا يتجزأ من النسيج السوري، مشددًا على أن المحاسبة يجب أن تقتصر على المتورطين في سفك الدماء، كما أوضح أن التعايش مع الأقليات في سوريا هو واقع تاريخي ممتد، نافيًا أي نية لفرض سلطته أو إقامة دولة إسلامية بالقوة، وأشار إلى أن البلدات المسيحية في الغوطة لم تتعرض لأي أذى، وأن الكنائس ظلت سالمة، وفي الحقيقة، أكد بعض المسيحيين هناك أن علوش لم يعترض على أنشطتهم، وكان يدعم توجهًا وطنيًا.
أيضًا خاض علوش معارك فكرية على جبهات متعددة ضد خصوم متنوعين، أبرزهم تنظيم داعش، الذي اعتبره انحرافًا عن الإسلام وتهديدًا للثورة، ولم تقتصر انتقاداته على داعش فحسب، بل امتدت إلى بعض رموز التيار الجهادي، حيث وجه انتقادات لاذعة لأبي قتادة والمقدسي، محملًا إياهما مسؤولية ما اعتبره انحرافات داخل التيار الجهادي، حتى وصل به الأمر إلى التهجم عليهما بعبارات قاسية.
وحتى آخر أيامه، لم يعتبر علوش نفسه جزءًا من المدرسة السلفية الجهادية كما يتم تصنيفه، وكان يرى أن أبرز إشكاليات هذه المدرسة يكمن في جهلها بالسياسة الشرعية وعدم فهمها للواقع وإدراكها المحدود لسياسات الدول.
ورغم التوتر المستمر في علاقته بجبهة النصرة، حاول في البداية تصويرها كخلافات يمكن تسويتها بالحوار والاحتكام للشريعة، ومع ذلك، أكد في العديد من مقابلاته أن الخلافات مع النصرة كانت جوهرية على المستوى الفكري.
في الواقع، كان علوش من أشد خصوم داعش ومن أول من اتخذ القرار بقتالهم، إذ اتهمهم بالعمالة للنظام، وخاض ضدهم معارك فكرية مبكرة. في خطاباته، حذر مقاتليه من خطر داعش، واصفًا إياههم بالخوارج والعصابة المنحرفة، كما اتهمهم بإفساد الجهاد في أفغانستان والجزائر والعراق، ومحاولتهم الآن تدميره في سوريا.
واستشهد علوش بمقتل أبو المقدام كمثال على وحشية التنظيم، قائلًا: “أنزلوه من السيارة وكبلوا يديه إلى الخلف، ورموه أرضًا على وجهه، ثم وضعوا أصابعهم في عينيه وذبحوه من الوريد إلى الوريد”.
وقد تصاعدت المواجهات بين الطرفين مع تزايد نفوذ داعش في الغوطة الشرقية عام 2014، وخلال شتاء وربيع 2014-2015، قاد علوش حملة لاستئصال مقاتلي داعش من عدة أحياء من الغوطة الشرقية، وكان حريص على أن يكون في نقاط الاشتباك ضد داعش.
واجه علوش اتهامات من بعض الجهاديين بأنه يتبنى توجهًا وطنيًا ويعترف بحدود سايكس بيكو، لكنه دافع عن نفسه مؤكدًا أن نضاله موجه لخدمة الإسلام، لا ضمن إطار كفاح وطني مسلح، مضيفًا: “النظرة القومية لا تعنينا”. ورغم ترحيبه بالمجاهدين من مختلف الدول لدعم قضيته، إلا أن جيشه كان يتألف بالكامل من مقاتلين سوريين.
اغتياله وتداعياته
في وصيته، حثّ علوش جنوده على العمل من أجل الإسلام وسوريا، مؤكدًا: “نحن في الحرب جيش الإسلام، وفي الدعوة نداء الإسلام، الجيش ليس جيش زهران علوش، ولا جيش دوما، ولا جيش الغوطة، بل هو جيش لكل المسلمين”. واختتم وصيته بالقول: “أنا رح أطلع من هون مطمئن أنو في ناس تحمل الإسلام”.
بعد وقت قصير من محاولة جيش الإسلام كسر حصار الغوطة الشرقية وسيطرته على تلال استراتيجية مطلة على دمشق خلال معركة الله غالب التي قادها علوش، قُتل في نفس اليوم الذي ولد فيه 25 ديسمبر 2015 إثر غارة جوية روسية استهدفت مقر قيادته في الغوطة الشرقية.
لولًا تدخلنا لسقطت دمشق خلال أسبوعين
مات علوش عن عمر ناهز 44 عامًا، وعُرض جثمانه ملفوفًا في كفن ووجهه سليم، وسرعان ما سارع خصومه السابقون إلى رثائه واصفين إياه بالشهيد، متجاوزين الخلافات التي ميزت علاقتهم به خلال حياته.
وفي ليلة 25 ديسمبر/كانون الأول، نشر كبار قادة جيش الإسلام مقطع فيديو يرثون فيه “قمر الجهاد”، وأعلنوا تعيين القائد الميداني أبو همام البويضاني خلفًا لعلوش، ورغم أن الأخير كان من المخضرمين في دوما، إلا أنه واجه صعوبة كبيرة في ملء الفراغ الذي تركه علوش، إذ من الواضح أن جيش الإسلام كان متمركزًا بشكل كبير حول علوش.
سارعت الفصائل من الصفين الثاني والثالث إلى ملء الفراغ الذي خلفه اغتيال علوش، مما أدى إلى تجدد الصراعات التي أسفرت عن تبعات كارثية، كما تلاشت آمال توحيد المنطقة، وازدادت حالة الإحباط بين المدنيين الذين شعروا بأن الفصائل أصبحت منشغلة بصراعاتها الداخلية أكثر من تركيزها على مواجهة تهديدات النظام وروسيا.
وانخرط جيش الإسلام في سلسلة صراعات مع فصائل أخرى تتنافس على توسيع نفوذها، في الوقت ذاته، كثف النظام عملياته العسكرية لاحتلال المنطقة، وهو ما تحقق في النهاية عام 2018.
في مطلع أبريل 2018، استهدفت قوات الأسد معقل جيش الإسلام في دوما بهجوم بالأسلحة الكيميائية، وبعد أيام، توصل الفصيل إلى اتفاق مع روسيا يقضي بانسحابه من المنطقة، لينتقل مقاتلوه وعائلاتهم إلى ريف حلب.