أدى المحافظ الجديد لمصرف سورية المركزي، الدكتور عبد القادر حصرية، القسم لتوليه منصبه أمام الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع في القصر الرئاسي في العاصمة، دمشق، في 7 من أبريل/نيسان الجاري.
وعُيّن حصرية حاكمًا لمصرف سورية المركزي خلفًا لميساء صابرين، التي قدمت استقالتها من منصبها في 27 مارس/آذار الماضي، بالتزامن مع استعدادات إعلان التشكيلة الوزارية الجديدة لإدارة المرحلة الانتقالية التي يفترض أن تمتد إلى خمسة سنوات متتالية.
وحكمت صابرين مصرف سورية المركزي خلال مرحلة تسيير الأعمال لمدة ثلاثة أشهر عقب سقوط نظام الأسد، تعهدت خلالها بتعزيز استقلالية المصرف بعد سيطرة الفساد في عهد نظام الأسد عليه لسنوات طويلة، إلا أن معظم قراراتها اتسمت بإعادة تدوير السياسات النقدية للأسد البائد، لا سيما سياسة تجفيف السيولة.
ويتطلع السوريون إلى إعادة فاعلية البنك المركزي عبر تعزيز استقلاليته بهدف تحقيق استقرار سعر صرف العملة السورية، وضبط وتنظيم عمل المصارف، والتشجيع على الاستثمار والنمو الاقتصادي، وإدارة السياسة النقدية في البلاد ما يعزز حالة الاستقرار الاقتصادي.. فهل يستطيع حاكم مصرف سورية الجديد رسم سياسات جديدة؟
حاكم مصرف سورية المركزي
ينحدر عبد القادر حصرية المولود في دمشق عام 1961 من عائلة دمشقية عريقة، لأن والده عزة محمد خير حصرية الذي ولد في عام 1914 وتوفي في عام 1975من أهم رواد الصحافة السورية، ومؤسس جريدة “العلم”.
وتعلم حصرية في مدارس دمشق، حيث درس المرحلة الابتدائية في مدرسة إبراهيم هنانو، بينما درس المرحلتين الإعدادية والثانوية في ثانوية الثقفي، ولاحقًا انضم إلى كلية إدارة الأعمال في “الجامعة الأمريكية في بيروت”، حيث حاز على درجتي البكالوريوس والماجستير من كلية إدارة الأعمال في الجامعة ذاتها.
وتنقل خلال حياته الدراسية بين عدة كليات وجامعات سورية وعربية ودولية، حيث نال ليسانس من كلية الحقوق في “جامعة دمشق”، والبكالوريوس في علم الكمبيوتر من “الجامعة اللبنانية الأمريكية”، إضافةً إلى ماجستير في القانون من كلية “أوسفوود للحقوق” في كندا، ودرجة الدكتوراه في أطروحته التي تناولت أسواق المال في تمويل الإسكان من “جامعة دراهم” في المملكة المتحدة، حسب موقع “من هم“.
بينما تخصص حصرية في برامج اقتصادية تخصصية، حيث درس برنامج السياسات الضريبية والإدارة الضريبية في كلية كينيدي في “جامعة هارفارد” وبرنامج تمويل الإسكان وتطوير أسواق المال في كلية وارتون في “جامعة بنسلفانيا” بالولايات المتحدة الأمريكية، إضافةً إلى برنامج التمويل العقاري في “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” في ولاية كامبريدج في الولايات المتحدة.
قرار رئاسي بشأن تعيين حاكم لمصرف سوريا المركزي#رئاسة_الجمهورية_العربية_السورية pic.twitter.com/o9hYgBoJE5
— رئاسة الجمهورية العربية السورية (@G_CSyria) April 7, 2025
ويحمل حصرية شهادات مهنية دولية، منها محاسب قانوني معتمد (CPA) من “هيئة البورد في كاليفورنيا”، وشهادة مدقق داخلي معتمد (CIA) من معهد المدققين الداخليين” في فلوريدا. واختصاصي تقييم معتمد (CSVA) من The International Association of Certified Valuation Specialists.
نشاط وخبرة مهنية
امتلك حصرية خبرة كبيرة في الاستشارات المالية والتدقيق، كما نشط في تنظيم اللوائح المصرفية في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط، إضافةً إلى صياغة قوانين مصرفية في سوريا، مثل قانون المصارف الإسلامية، وقانون شركات الصرافة، وقانون التأجير التمويلي، وقانون مصرف سورية المركزي.
وطور نموذج التمويل العقاري، من جهة وتنظيم مهنة خبراء التقييم العقاري من جهة أخرى، إضافةً إلى تطبيق التقارير المالية والدولية في القطاع المصرفي والشركات، كما عمل على تطوير الأطر التنظيمية للقطاع المصرفي وتعزيز كفاءة السياسات النقدية، فيما شارك في وضع اللوائح التنظيمية في “هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية”، و”سوق دمشق للأوراق المالية”.
وعلى الصعيد الدولي، فقد تعاون مع “البنك الدولي” في وضع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والإطار المؤسسي لهذه الشركة، كما قدم استشارات إصلاح المصرف السوري المركزي بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP).
حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية يؤدي القسم أمام رئيس الجمهورية السيد أحمد الشرع إيذاناً بتسلمه مهامه رسمياً#رئاسة_الجمهورية_العربية_السورية pic.twitter.com/WTPqoSr5bh
— رئاسة الجمهورية العربية السورية (@G_CSyria) April 7, 2025
مهنيًا، شغل حصرية عضوية مجالس إدارة، عدة هيئات ومؤسسات سورية، منها “هيئة التمويل العقاري، و”المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية”، و”المؤسسة العامة للإسكان”، و”هيئة الاستثمار والتطوير العقاري”، إضافةً إلى شغل منصب نائب رئيس مجلس الإدارة برئاسة الأمير الوليد بن طلال في مشروع فندق فورسيزونز في دمشق، فضلًا عن مساهمته في مشروع “البوابة الثامنة” مع “شركة إعمار” الإماراتية، ومشروع تكرير السكر في حسياء مع “شركة كارغيل العالمية”.
ونشط حصرية في المجال المؤسسات حيث يعتبر المؤسس والشريك الإداري في شركة “حصرية ومشاركوه للاستشارات المالية”، وشريكًا دوليًا في “شركة إرنست ويونغ” العالمية في الشرق الأوسط لأكثر من عشرين عاماً، حيث نشط في الاستشارات المالية والضريبية للشركات العالمية والمستثمرين في مجالات التمويل البنية التحتية، والاستثمار العقاري والقطاع النفطي، كما شغل منصب مدير تدقيق فى شركة “أرثر أندرسن” العالمية.
ونشط حصرية في عضوية عدة مؤسسات مهنية، كالمعهد الكندي لعضوية مجلس الإدارة “ICD”، والمعهد الأميركي لمدققي الحسابات “AICPA”، و”جمعية المحاسبين القانونيين” في سوريا، و”الجمعية الدولية للمدققين الداخليين”، والمعهد الدولي لتقييم الأعمال.
وشغل عضوية اللجنة المالية في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في جنيف، لمدة ثلاث سنوات بين 2012 و2015، ولاحقًا تولى رئاسة اللجنة المالية العالمية وعضوية مجلس إدارة الاتحاد لمدة ثلاثة سنوات أيضًا بين 2016 و2019.
وشارك في تأسيس “المنتدى الاستراتيجي السوري” بالتعاون مع خبراء ومستشارين سوريين في الداخل والخارج، وشغل منصب رئيس مجلس الأمناء، كما يعد كاتبًا منتظمًا في مجال سياسات الإصلاح الاقتصادي وتطوير أسواق المال، حيث ينشر مقالات وتحليلات متخصصة تركز على تعزيز البيئة الاستثمارية ودعم التنمية الاقتصادية المستدامة.
مهمة شاقة في اقتصاد عاجز
يساهم المصرف المركزي في استقرار الاقتصاد السوري من خلال استقرار سعر صرف العملة الوطنية، وتقليل التضخم ودعم القوة الشرائية، إضافةً إلى إدارة السياسات النقدية، بهدف تحقيق الاستقرار المالي والنقدي.
بالإضافة إلى الإشراف على القطاع المصرفي، من خلال تنظيم عمل المصارف والمؤسسات المالية لضمان الاستقرار المالي، وصك وطباعة العملة، وتعزيز النمو الاقتصادي من خلال خلق بيئة استثمارية فعالة، فضلًا عن إدارة الاحتياطات من العملات الأجنبية.
وفي الحالة السورية تعتبر إدارة المصرف المركزي حملًا ثقيلًا في ظل التركة الاقتصادية التي خلفها الأسد البائد، ما يضيق على تنفيذ القرارات، ويعرقل مشاريع تطوير وإصلاح الترهل والعجز الاقتصادي في البلاد، فهل يستطيع حصرية رسم ملامح جديدة في إدارته لمصرف سورية المركزي؟
وعلق الاتحاد الأوروبي العقوبات عن 6 كيانات سورية، في فبراير/شباط الماضي، من بينها مصرف سوريا المركزي، بهدف تخفيف العقوبات عن دمشق، وتشجيع الانتقال السياسي، في حين، حذفت المملكة المتحدة (بريطانيا) 24 كيانًا سوريًا من قائمة العقوبات من بينها بنك سورية المركزي، بينما لا تزال عقوبات الولايات المتحدة الأمريكية.
ويرى الباحث الاقتصادي، يونس الكريم، أن الخلفية العلمية لحصرية، بعيدة عن السياسات النقدية، وخاصة ملف النقد السوري في فترة تعتبر بالغة الحساسية تحتاج إلى معرفة واسعة بالسياسات النقدية الدولية للبنوك المركزية، بينما تخصصه كان في إدارة الأعمال، وعمل في القطاع الخاص، وغير قادر على إدارة البنك المركزي، كونه لم يعمل في مؤسسات حكومية بنكية ما يجعله بعيدًا عن تفاصيل العمل.
واعتبر أن تعيين حصرية جاء بسبب قرابته مع رجل الأعمال، نبيل الكزبري، الذي يقيم في النمسا، في محاولة لجره إلى ممارسة دوره في الشأن السوري، بهدف فتح قنوات تواصل مع البنوك الدولية، والاتحاد الاوروبي على وجه الخصوص والاستفادة من تخفيف العقوبات، إضافةً إلى أن النمسا كانت تطبع العملة السورية.
ويكون الكزبري، شقيق والدة حصرية (خاله)، وهو رجل أعمال سوري يقيم في النمسا، يتمتع بعلاقات دولية قوية، حيث حصل على عدة أوسمة شرف من دول، النمسا وفنلندا بسبب مساهماته الاقتصادية.
وينشط في عدة مجالات استثمارية، فهو مؤسس ورئيس “الغرفة التجارية العربية النمساوية”، وشريك مؤسس في عدة شركات سورية، مثل “بنك الشام” و”الشركة السورية للصناعات الورقية”، بالإضافة إلى نشاطه الاستثماري في الاتصالات، العقارات، السياحة.
وقال الكريم خلال حديثه لـ “نون بوست”: “يوجد تحديات تعيق عمل حصرية حاكمًا للمصرف المركزي، تكمن في القدرة على فرض الاستقلالية عن السلطة السياسية، في ظل بسبب هيمنة النظام الاقتصادي السابق، نتيجة وجود، صابرين، كنائب لحاكم المصرف، والهيئات الجديدة التي تخضع لسيطرة اشخاص مقربين من الحكومة.
وأضاف، أن صعوبة فرض سياسات نقدية في ظل الفوضى النقدية في سوريا، بسبب عدم توفر الاحتياطات النقدية المحلية أو الأجنبية، ووجود شركات صرافة تنافس المركزي، وتطبق سياسات موافقة لمصالحها، إضافةً إلى عدم وجود أدوات في تطبيق الاستقلالية على الشارع بسبب الأوضاع الأمنية.
وأوضح أن حصرية يتبنى النظام الاقتصادي الحر مع بقاء مؤسسات الدولة الرئيسية بيد الدولة، وهذا عكس تطلعات حكومة تسيير الأعمال السابقة، والانتقالية الحالية، ما يعيق قدرته على فرض رؤية البنك المركزي، ويضعه في موقف حرج أمام الوعود التي قطعتها الحكومة بخصوص زيادة الرواتب، وتخفيض الضرائب، ما يثير التساؤل حول قدرة المركزي على تمويل احتياطاته؟
وأشار إلى أن حاكم المصرف الجديد يستطيع تحسين الاقتصاد إذا سعى لبناء بنية بنكية متقدمة مستقلة، وهذا يكمن في قدرته على إزالة التحديات السابقة، إضافة إلى العقبات التي بنيت في عهد حكام المصرف المركزي، وهنا لا بد من اتخاذ قرارات أكثر صرامة بخصوص تداول العملات الأجنبية واستقرار سعر صرف الليرة السورية، والصرافة، وحل مشكلة انهيار القدرة الشرائية، واتاحة التعامل بالدولار في المعاملات العقارية بطرق تعيد بناء احتياطات المركزي.
ختامًا.. رغم تحسن سعر صرف الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية، وفي مقدمتها الدولار الأمريكي، لا تزال الليرة فاقدةً لقيمتها الشرائية، كما أنها تشهد تخبطًا وفروقًا بين أسعار الصرف الرسمي، وغير الرسمي (الأسواق الموازية) ما يضاعف الأعباء المعيشية والاقتصادية على السوريين، فهل نشهد سياسة جديدة للبنك المركزي تسهم في استقرار الاقتصاد السوري؟