بعد 23 عامًا على الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وسقوط نظام صدام حسين، لا يزال الجواز العراقي يتذيل قائمة جوازات السفر العالمية مع عدد محدود من الدول التي يستطيع المواطن العراقي الدخول إليها دون تأشيرة “فيزا”.
ووفق مؤشر “هينلي” لجوازات السفر، احتل العراق المركز الثالث كأسوأ جواز في العالم بعد أفغانستان وسوريا، حيث جاء في المرتبة 104 بإمكانية الوصول إلى 31 وجهة دون تأشيرة من أصل 227 وجهة حول العالم، في الوقت الذي احتل فيه الجواز السنغافوري المرتبة الأولى عالميًا مع قدرة الدخول إلى 195 وجهة دون الحاجة لتأشيرة.
وتعد شركة هينلي للاستشارات العالمية للمواطنة والإقامة، ومقرها لندن، صاحبة المؤشر الأقوى لتتبع قوة جوازات السفر حول العالم، وذلك باستخدام بيانات حصرية من اتحاد النقل الجوي الدولي (IATA).
ورغم مرور كل هذه السنوات منذ عام 2003، ورغم مجيء 6 رؤساء وزراء و5 دورات برلمانية منتخبة، لم تفلح الدبلوماسية حتى الآن في تحسين وضع الجواز العراقي وهو ما يثير أسئلة عديدة حول الأسباب.
وغالبًا ما تأتي قوة جواز السفر لأي دولة وحرية السفر دون تأشيرة نتيجة علاقات دبلوماسية قوية تتمتع بها الدولة مع بقية دول العالم، وهو ما يحتم على الحكومة العراقية القيام بحملة علاقات دولية واسعة لأجل تحسين ترتيب الجواز العراقي.
أسباب عديدة
هناك العديد من الأسباب التي تقف خلف ضعف ترتيب الجواز العراقي على المستوى العالمي، وهو ما يؤكده الباحث السياسي رياض العلي، الذي يشدد على أن أهم تلك الأسباب هو الوضع الأمني للبلاد منذ عام 2003 وحتى الآن، وموجات العنف التي شهدتها البلاد طيلة السنوات السابقة، لا سيما السنوات التي سبقت استعادة القوات العراقية المناطق التي كان يسيطر عليها مقاتلو تنظيم داعش عام 2017.
وفي حديثه لـ “نون بوست”، بيّن العلي أنه، وبالإضافة للأسباب الأمنية، يضاف الوضع الدبلوماسي للبلاد والأزمات السياسية التي يشهدها، وقوة السفارات العراقية حول العالم وجهودها في تحسين صورة البلاد على المستوى الدولي.
ويذهب في هذا المنحى عضو لجنة العلاقات الخارجية السابق في مجلس النواب ظافر العاني، الذي أكد وجود عدة عوامل تحدد قوة الجواز في أي دولة، مبيّنًا أن الترتيب العالمي لتصنيف أي جواز يقاس بعدد الدول المسموح بدخولها بدون تأشيرة، أو التي تمنح تأشيرتها بإجراءات مبسطة، وهو ما يعتمد على عوامل عديدة من بينها الاستقرار الداخلي لأي دولة.
وفي حديث صحفي، أوضح العاني أن بعض الدول تتشدد في منح التأشيرة لما أطلق عليها بـ”الدول القلقة”، تحسبًا من الهجرة، إضافة إلى الاعتبارات الأمنية في منح التأشيرة لمواطني الدول التي ينتشر فيها العنف خوفًا من انتقال الإرهابيين أو المتطرفين إليها.
كما يؤشر العاني عاملًا لا يقل أهمية عما سبق، ويتمثل بالتعامل بالمثل، حيث إن الدول التي تتشدد في منح التأشيرة، كما في الوضع العراقي، تواجه بالمعاملة بالمثل، وهو ما يحتم على الحكومة العراقية إجراء إصلاحات داخلية، ومن ثم التوجه لتنظيم اتفاقيات أو مذكرات تفاهم ثنائية مع دول العالم.
أما الرئيس الأسبق للجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب عبد الباري زيباري، فقد أكد من جانبه أن هناك مشكلات قانونية وأمنية وسياسية تتحكم بوضع الجواز العراقي بين جوازات دول العالم الأخرى، وفق قوله، لافتًا إلى أن هناك بعض الدول التي تلجأ لعقد اتفاقيات مع بعضها البعض لأجل رفع تأشيرة الدخول، مبيّنًا أن هذا الأمر يمكن أن تتجه إليه الحكومة العراقية من خلال عقد مذكرات تفاهم بينية مع الدول الأخرى.
مشكلة الجوازات الدبلوماسية
تُصنَّف جوازات السفر في العراق إلى 4 أنواع وفق القانون، وهي الجواز العادي والدبلوماسي والخاص وجواز الخدمة، إذ يتم منح جواز السفر العادي للمواطنين العراقيين ويكون نافذًا لمدة 8 سنوات، مع إمكانية تجديده وفق الضوابط والشروط المحددة.
أما جواز السفر الخاص فيُمنح للمسؤولين في السلك الإداري ضمن وزارة الخارجية، وتحديدًا لمن يتم انتدابهم إلى الخارج في مهمات رسمية مؤقتة لا تتجاوز 6 أشهر، بناءً على طلب كتابي من الوزير المختص.
وفيما يتعلق بجواز السفر الدبلوماسي، فإنه يُمنح إما من قبل رئيس مجلس الوزراء أو وزير الخارجية، حيث يخصص للوزراء وأعضاء مجلس النواب والعاملين في السلك الدبلوماسي، وذلك لتسهيل أدائهم للأعمال ذات الطابع المهم والتي تصب في مصلحة الدولة.
أما النوع الرابع وهو جواز الخدمة، فإنه يخصص لكبار الضباط في الجيش والشرطة وكبار الشخصيات العسكرية والأمنية، حيث يمنح عند تكليفهم بمهام رسمية كالمشاركة في دورات تدريبية أو مؤتمرات أو ورش عمل خارج البلاد.
وبالإضافة لمجمل العوامل التي تمنع الجواز العراقي من التقدم في سلّم التصنيف الدولي، يؤكد نواب في البرلمان العراقي أن هناك مشكلة كبيرة أدت بالجواز العراقي لهذا الحال، لا سيما حالة الجدل التي رافقت تصويت البرلمان العراقي في كانون الثاني/ يناير الماضي على التعديل الأول لقانون جوازات السفر رقم (32) لسنة 2015، والذي توسع في منح الجوازات الدبلوماسية، للمسؤولين وعائلاتهم بشكل دائم، وهو ما اعتبره البعض تجاوزًا لأولويات القضايا الملحة التي تواجه البلاد.
وجاء هذا التعديل ضمن جدول أعمال الجلسة الأولى من الفصل التشريعي الأول للدورة الانتخابية الخامسة، حيث يرى النائب البرلماني حيدر طارق الشمخي، إن الجواز الدبلوماسي يعد الأهم في قانون جوازات السفر، حيث إن الجواز الدبلوماسي أو جواز الخدمة وجِد لمنحه للمكلف بالخدمة العامة، كعضو البرلمان الذي يمثل الشعب، أو للوزير الذي يمثل الحكومة والدولة، لكن منحه لنائب أو وزير سابق وغيرهم يؤدي إلى تراكم أعداد كبيرة من حاملي هذا النواع من الجوازات بما يقلل من قيمته، وفق قوله.
في السياق، يقول الباحث في الشأن القانوني عمار الشمري إن تعديل البرلمان العراقي لقانون جوازات السفر رقم (32) لعام 2015، وتضمينه منح جواز السفر الدبلوماسي لرؤساء الرئاسات الثلاث (الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة البرلمان) وأفراد عوائلهم بأثر رجعي ومستقبلي، يشكل انتهاكًا صريحًا لمبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة 14 من الدستور، الذي يحظر التمييز بين المواطنين، وفق قوله.
ويتابع الشمري حديثه ليؤكد أن هذا التعديل يتعارض مع اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، التي حددت منح جوازات السفر الدبلوماسية للشخصيات التي تخدم الإنسانية والعلماء والمخترعين والمؤلفين البارزين، لأجل تيسير سفرهم، وليس توريث جواز السفر الدبلوماسي وتحوله لمكسب عائلي.
خطوات ضرورية
يتجاوز عدد جوازات السفر الدبلوماسية في العراق 35 ألف جواز، وتؤكد وزارة الداخلية العراقية منحها نحو 4 آلاف جواز دبلوماسي خلال عام واحد فقط.
ويرى الباحث القانوني مصطفى العبيدي ضرورة توجه الحكومة والبرلمان لاتخاذ خطوات عديدة لتحسين تصنيف الجواز العراقي، ومنها تقليص عدد الجوازات الدبلوماسية.
ويتابع العبيدي -في حديثه لنون بوست- أنه لم يتبق من عمر البرلمان سوى 7 أشهر، وبالتالي، فإن الدورة البرلمانية الحالية التي عدلت قانون جوازات السفر ووسعت من منح الجواز الدبلوماسي لا يمكن لها أن تتراجع عن قرارتها، وهو ما يحتم على البرلمان القادم – الذي ستجري الانتخابات التشريعية لانتخابة في 11 من تشرين الثاني/ نوفمبر القادم- تعديل قانون الجوازات ووضع ضوابط دقيقة لمنحه.
كما أن على الحكومة العراقية العمل على توسيع علاقاتها الدبلوماسية وعقد مذكرات تفاهم لأجل زيادة عدد الدول التي يسمح فيها للعراقي بالدخول إليها دون الحصول على التأشيرة، مع ضرورة إجراء السفارات العراقية لحملة علاقات عامة واسعة النطاق لأجل نقل صورة البلاد الأمنية التي تحسنت كثيرا في السنوات الأخيرة وبث التطمينات لمختلف دول العالم، لا سيما في أوروبا وشرق آسيا ودول شمال أميركا، وفق العبيدي.