صادق مجلس الشيوخ الأميركي، بأغلبية 53 مؤيدًا مقابل 46 معارضًا، الأربعاء التاسع من أبريل/نيسان الجاري، على تعيين مايك هاكابي، سفيرًا للولايات المتحدة لدى “إسرائيل”، وهو الاختيار الذي كان قد استقر عليه الرئيس دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية نوفمبر/تشرين الأول الماضي، والذي قال في تصريحات صحفية له بعد الانتهاء من جلسة التصديق إنه “سيكون سفيرًا عظيمًا لإسرائيل”، متوقعًا له “تحقيق النجاح” في مهمته.
وهاكابي شخصية معروفة للداخل الأمريكي والإسرائيلي على حد سواء، إذ له باع طويل في مجال السياسة والإعلام والدين، فهو قس إنجيلي في المقام الأول، وحاكم ولاية مخضرم سياسيًا، وداعم مخلص للكيان الإسرائيلي وأجندته الاستيطانية، وأحد الصقور المتشددة في التعاطي مع حقوق الشعب الفلسطيني وعدو حل الدولتين.
مسيحي إنجيلي سبق أن تحدث عن "حق إلهي" لإسرائيل في #الضفة_الغربية.. مجلس الشيوخ الأميركي يصادق على تعيين مايك هاكابي سفيرا للولايات المتحدة لدى إسرائيل
التفاصيل: https://t.co/YcUhrDLwHd pic.twitter.com/pAoav982sf
— Aljazeera.net • الجزيرة نت (@AJArabicnet) April 10, 2025
قال عنه وزير خارجية الاحتلال، جدعون ساعر، إنه “صديق قوي لإسرائيل، وسيساهم بشكل فريد وكبير في تعزيز التحالف المتين بين الولايات المتحدة وإسرائيل”، فيما اعتبر وزير المالية اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، اختياره لهذا المنصب بأنه “خبر ممتاز لدولة إسرائيل” واصفًا إياه بأنه “رجل ذو قلب صهيوني”، وأنه يتطلع للعمل معه من أجل “تعزيز الأهداف المشتركة من أجل مستقبل أفضل لكلا البلدين”.
أما المجلس الإقليمي للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية (يشع) فبعث برسالة دافئة للسفير الأمريكي الجديد قال فيها “نعتبركم شريكًا حقيقيًا لشعب إسرائيل وحقه التاريخي والثابت في العيش في أرض الكتاب المقدس، في يهودا والسامرة (التسمية التوراتية للضفة الغربية) وغور الأردن”.. فماذا نعرف عن هاكابي الذي قوبل تعيينه سفيرًا لأمريكا في تل أبيب بكل تلك الحفاوة والتفاؤل؟
داعم لإسرائيل وخادم للأجندة الصهيونية
دومًا ما يضع هاكابي الصهيونية والمسيحية في بوتقة واحدة، إذ عُرف بأنه صهيوني مسيحي متدين، ويؤمن أيديولوجيا وعقديًا أن “أرض إسرائيل” هي حق للشعب اليهودي، ولا يمكن لأي أحد بما فيهم الفلسطينيون منازعة اليهود في هذا الحق المطلق، وعليه فهو يعتبر فلسطين “ليست كيانًا شرعيًا” ويرفض بشكل قاطع فكرة حل الدولتين.
وبدأت إرهاصات دعم هاكابي المبكر لـ”إسرائيل” منذ ثمانينات القرن الماضي، حين كان ينظم رحلات سياحية مسيحية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، مؤكدًا خلالها على دعمه الكامل لأنشطة الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، ورغم أنه رجل دين مسيحي، إلا أنه كان يتجنب خلال تلك الرحلات زيارة مدينة بيت لحم مسقط رأس المسيح، نظرًا لأن سكانها فلسطينيون بشكل كامل تقريبًا.
في مقابلة له مع شبكة “سي إن إن” عام 2017 قال هاكابي: “هناك بعض الكلمات التي أرفض استخدامها، لا يوجد شيء اسمه الضفة الغربية، هناك يهودا والسامرة (الاسم الذي يطلقه اليهود على الضفة الغربية)، لا شيء اسمه استيطان (غير قانوني) هناك مجتمعات وأحياء ومدن”.
خلال تلك المقابلة كان قد تحدث أيضًا عن ضم معظم الأراضي الفلسطينية للكيان الإسرائيلي، وأنه لا وجود للفلسطينيين، إلا أنه حين سُئل خلال جلسة الاستماع، التي عقدها السيناتور الديمقراطي كريس فان هولين، لتأكيد ما يقصده من تلك التصريحات، نفى هاكابي دعمه طرد الفلسطينيين، وقال “لم أُشر أبدا، ابدا، إلى أن هذا كان جزءا من ذاك، أشرت ببساطة إلى التفويض التوراتي الذي يعود إلى عهد إبراهيم، قبل 3500 عام”.
وكان له دور محوري في تجييش الشارع الأمريكي لدعم خطوة نقل السفارة الأميركية إلى القدس، عبر حملاته الإعلامية والمجتمعية التي روج من خلالها لهذا القرار الذي كان يواجه انتقادات حادة حينها، وكان من المدافعين عن اتفاقيات أبراهام وأحد أبرز المحفزين لتوسعة رقعتها، مُعتبرًا أنها خطوة محورية نحو تحقيق السلام في الشرق الأوسط.
يدين بالولاء التام لترامب، فهو بمثابة الأب الروحي له، وخلال جلسة استماع عقدت له أكد أنه سيلتزم بتنفيذ سياسته ولن يعمل وفق معتقداته الشخصية، حتى حين تحرك الرئيس الأمريكي لوقف إطلاق النار في غزة من خلال الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، وخرقته إسرائيل بعد ذلك، أيد هاكابي القرار التزامًا بتوجه الرئيس، لكنه في الوقت ذاته تعهد بتقديم دعم كامل لتل أبيب، بما في ذلك تسريع شحنات الأسلحة إليها.
قسّ مٌبشر
يعود مايكل دورسي وايلز هاكابي المولود في 24 أغسطس/آب 1955 في مدينة هوب بولاية أركنساس في الولايات المتحدة، لأسرة متوسطة الحال، فوالده كان يعمل رجل إطفاء، فيما كانت تعمل والدته، ماي، موظفة في إحدى شركات النقل، وهو ما دفعه نحو الدراسة الدينية التي حاول والداه من خلالها أن يكون له حيثية في المجتمع الضيق داخل مدينة هوب التي وٌلد فيها.
التحق بالثانوية العامة بداية ثمانيات القرن الماضي، حيث مثّل مدرسته في برنامج “بويز ستيت” بأركنساس، وهو برنامج تعليمي سنوي في الولايات المتحدة يهدف إلى تعليم طلاب المدارس الثانوية عن الحكومة والسياسة عبر محاكاة نظام الحكم، ثم تزوج مبكرًا في سن 19 عامًا من زميلته في الثانوية جانيت ماكين، حيث أنجب منها 3 أبناء، من ضمنهم السياسية سارة هاكابي التي تولت منصب حاكم ولاية أركنساس يوم 10 يناير/كانون الثاني 2023، وهي أول امرأة تشغل هذا المنصب في تاريخ الولاية.
بعد حصوله على الثانوية، وكان أول فرد في عائلته يكمل تعليمه الثانوي، التحق هاكابي بجامعة أواتشيتا المعمدانية في مدينة أركاديلفيا بمقاطعة كلارك، عام 1972، متخصصًا في العلوم الدينية مع فرع ثانوي في الخطابة، وأنهى دراسته في فترة عامين ونصف العام وتخرج عام 1975.
استهل حياته المهنية مديرًا للاتصالات في منظمة تابعة لعالم الاقتصاد “جيمس روبنسون”، قبل أن يلتحق بعد ذلك بمعهد ساوثويسترن المعمداني في مدينة فورت وورث بولاية تكساس، حيث مكث فيه عاما أكاديميا واحدا، ليتخرج منه عام 1980 قسًا معمدانيًا لدى كنيسة إيمانويل المعمدانية في مقاطعة جيفرسون، ليدخل بعدها مجال التبشير والإعلام الديني.
انتقل بعدها إلى كنيسة “بيتش ستريت المعمدانية” في تكساركانا، عام 1986، وظل يخدم بها حتى عام 1992، وفي تلك الفترة اُنتخب هاكابي رئيسًا لاتحاد أركنساس المعمداني، وأثناء رئاسته تلقى دعوات عدة للترشح لأحد المناصب السياسية، ليبدأ محطة جديدة مهمة في حياته، حيث الدخول إلى عالم السياسة والبرلمان.
سياسي مُشاغب
دخل هاكابي عالم السياسة عام 1992 حين دٌفع من بعض المقربين منه للترشح لمجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري ضد السيناتور الديمقراطي دايل بمبرز، الذي نجح في حسم المعركة من الجولة الأولى بحصوله على 60% من الأصوات، لكنها التجربة التي استفاد منها القس المُبشر ودفعته لإعادة حساباته لاحقًا.
وفي ذات العام كانت الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي فاز فيها بيل كلينتون، الذي كان في ذلك الوقت حاكمًا لولاية أركنساس، ليصبح نائب الولاية جيم غاي تاكر، حاكمًا لها خلفا لكلينتون الذي أصبح رئيسًا للبلاد، لتُجرى انتخابات خاصة على منصب نائب الحاكم الذي كان شاغرًا، ليفوز بها هاكابي ليصبح الجمهوري الوحيد الذي شغل منصبًا على مستوى الولاية.
واجه نائب الولاية الجمهوري عراقيل وتحديات كبيرة من الديمقراطيين الذين كانوا يهيمنون على دوائر صنع القرار في الولاية، لكنه وبفضل خبراته كرجل دين ودبلوماسي مُحنك استطاع تعزيز مكانته ليفوز مجددًا في الانتخابات التي جرت على مقعد نائب الحاكم عام 1994 بنسبة 58% من الأصوات.
وفي عام 1996 قرر هاكابي الترشح لمجلس الشيوخ مرة أخرى، لكن شهدت الساحة حينها تطورات دراماتيكية بعد إدانة حاكم أركنساس، جيم تاكر، بتهم احتيال جنائي، دفعته للاستقالة، ليفتح الطريق أمامه لتولي منصب حاكم الولاية في 15 يوليو/تموز من نفس العام، ليصبح الحاكم الـ44 لولاية أركنساس من عام 1996 وحتى عام 2007، وبهذا أصبح أول حاكم جمهوري ينتخب لفترتين متتاليتين في تاريخ الولاية، وأيضا ثالث حاكم جمهوري لأركنساس منذ حقبة إعادة الإعمار (1865-1877).
في عام 2007 فكر في الترشح للانتخابات الرئاسية بعد الإنجازات التي حققها على مستوى ولايته الحاكمة، ونجاحه في تكوين قاعدة شعبية من الأنصار والداعمين، وبالفعل استطاع الفوز في بعض الولايات، غير أنه في المجمل فشل في الحصول على الأصوات المطلوبة لنيل بطاقة الترشح عن الحزب الجمهوري، ليعلن انسحابه رسميًا من السابق في مارس/أذار 2008 بعدما بات جون ماكين المرشح الأقرب عن الحزب.
بعد انسحابه مباشرة توجه هاكابي إلى المجال الإعلامي، حيث عمل محللًا سياسيًا لدى قناة “فوكس نيوز”، كما قدم برنامجا حواريًا في سبتمبر/أيلول 2008 بعنوان “هاكابي”، وفي العام التالي مباشرة قدّم برنامجًا إذاعيًا بعنوان “تقرير هاكابي” ثم برنامج ثالث في 2012، هذا بخلاف تجربة أخرى لاحقة في شبكة “تي بي إن” عام 2017.
ومع ذلك لم يتخلى عن حلمه الرئاسي، ليعيد ترشحه مرة أخرى عام 2015، لكن سرعان ما انسحب بعدما مُني بخسائر قوية واتسم أدائه العام بالضعف مقارنة بالتجربة الأولى في 2007، في ظل المنافسة الحزبية الشرسة التي شهدتها الساحة وقتها، ليعلن دعمه الكامل للمرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي فاز في انتخابات عام 2016
وظل هاكابي داعما لترامب خلال ولايته الأولى، وأحد المقربين منه حتى بعد خسارته في انتخابات 2020 أمام المرشح الديمقراطي جو بايدن، واستمر هذا الدعم حتى انتخابات 2025 حيث كان ضمن الحملة الرئاسية وفريق الداعمين للرئيس الأمريكي الذي رأى بضرورة أن يكون له دور في إدارته الجديدة، ليعلن في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 ترشيحه لمنصب سفير الولايات المتحدة لدى “إسرائيل” في حال فوزه في تلك الانتخابات، وهو ما حدث بالفعل.
أخيرًا.. قد يكون هاكابي أول شخص غير يهودي يتولى منصب سفير أمريكا في “إسرائيل” منذ عام 2011، لكنه وكما وصفه سموتريتش “رجل ذو قلب صهيوني”، يجيد الخلط -الأقرب للانصهار- بين الدين والسياسة، فهو ممثل موضوعي لجيل الإنجيليين البيض، واختيار يتماشى شكلًا ومضمونًا مع المزاج العام المتطرف لاختيارات ترامب لإدارته الجديدة التي يهمين عليها الفكر اليميني المتشدد، والحمائية المطلقة.