دخلت أرتالُ وزارتَي الدفاع والداخلية السوريتين إلى مدينة بصرى الشام الواقعة في ريف درعا الشرقي، بعد تدخل لجنة إصلاح من وجهاء المحافظة، بغية حلّ التوترات الأمنية التي شهدتها مدن وبلدات الريف الشرقي بين الحكومة السورية من جهة، واللواء الثامن (الفيلق الخامس) بقيادة أحمد العودة من جهةٍ أخرى.
محافظة درعا، جنوبي سوريا، شهدت خلال اليومين الماضيين توتراتٍ أمنية، عقب حوادثَ منفصلةٍ، حادثتين نتيجة خلافاتٍ عشائريةٍ تسببتا في مقتل سيدةٍ ورجل، بينما أُصيب عنصرٌ من قوى الأمن العام بجروحٍ خطيرة، بالإضافة إلى إصابة القيادي السابق في الجيش السوري الحر، بلال الدروبي.
ودفعت وزارتا الداخلية والدفاع أرتالًا أمنيةً وعسكريةً إلى ريف درعا الشرقي صباح الجمعة، بهدف ضبط الأمن وتعزيز الاستقرار، حسب ما نشرت محافظة درعا على معرّفاتها الرسمية، إلا أن مراقبين اعتبروها خطوةً تهدف إلى تقويض نشاط اللواء الثامن (الفيلق الخامس)، الذي يقوده أحمد العودة، بسبب علاقاته المضطربة مع الإدارة السورية الجديدة.. فهل تتجه دمشق نحو تقويض نفوذ العودة في الجنوب؟
كيف انفجرت التوترات؟
انفجرت التوترات الأمنية في محافظة درعا، جنوبي سوريا، بعد إصابة القيادي بلال الدروبي، في 10 نيسان/ أبريل الجاري، نتيجة إطلاق النار عليه أثناء محاولة اغتياله من قبل عناصر حاجزٍ يتبع “اللواء الثامن”، أثناء مروره بواسطة سيارةٍ رفقة زوجته وأطفاله.
وكان الدروبي قائدًا لكتيبة حافظ المقداد في بصرى الشام، لكن في عام 2018، انضم إلى اللواء الثامن بقيادة أحمد العودة، وبعد سقوط نظام الأسد، انفصل عن العودة، وانضم إلى الجيش السوري التابع لوزارة الدفاع السورية، بشكلٍ مستقلٍّ عن العودة.
وكشفت مصادر محلية لـ”نون بوست”، أن الدروبي استطاع استقطاب عناصرَ من الفيلق الخامس، بهدف الانضمام إلى وزارة الدفاع، ما أثار غضب الأخير العودة، واعتبرها خطوةً تهدف إلى شقّ الصفّ في منطقة بصرى الشام التي يسيطر عليها الفيلق الخامس، ما دفعه إلى اعتقال الدروبي، واتهامه بالاتجار بالمخدرات.
ورغم محاولة صفحات مقرّبة من اللواء الثامن تحميل مسألة اعتقال الدروبي للأمن العام التابع لوزارة الداخلية السورية، إلا أن صفحاتٍ أخرى نشرت تسجيلًا مصوَّرًا يُظهر تعرّض الدروبي للاعتقال من قبل عناصر اللواء الثامن أثناء وجود عائلته، التي تعرّضت لاعتداءاتٍ لفظيةٍ وتهديداتٍ مباشرةٍ من قبل العناصر.
تصاعد التوترات الأمنية في المنطقة دفع كلًّا من وزارتي الدفاع والداخلية السوريتين إلى إرسال أرتالٍ عسكريةٍ وأمنيةٍ إلى مدينة بصرى الشام، وبلدات المسيفرة، صيدا، السهوة، الجيزة، في ريف درعا الشرقي، بحثًا عن مطلوبين من الفيلق الخامس.
وأوضح المكتب الإعلامي في درعا، نقلًا عن إدارة الأمن العام، أن الاعتداء الذي استهدف بلال الدروبي وعائلته، نُفّذ من قبل مجموعةٍ خارجةٍ عن القانون، ممن لم يخضعوا لعمليات التسوية، ما دفع قوات الأمن العام إلى ملاحقة المعتدين في منطقة بصرى الشام، في إطار بسط سلطة الدولة.
كما توعّدت إدارة الأمن العام بأنها لن تتهاون مع أيّ محاولةٍ لزعزعة استقرار المنطقة، ودعت جميع المطلوبين إلى تسليم أنفسهم، مُشيرةً إلى أن فرص تسوية الأوضاع ما زالت متاحةً أمام الجميع.
في المقابل، أُطلقت نداءات في مساجد بلدات ريف درعا الشرقي، ظهرَ الجمعة، تُطالب عناصر الفيلق الخامس بتسليم سلاحهم، تنفيذًا لقرارِ وزارةِ الدفاعِ السوريةِ بحلّ فصيل الفيلق الخامس في درعا، بينما نفّذت قوى الأمن العام عمليات دهمٍ واعتقالاتٍ طالت عددًا من المطلوبين في الجيزة، والمسيفرة، وصيدا، وصادرت كمياتٍ من الأسلحة، فيما فرضت حصارًا على منطقة بصرى الشام (معقلِ الفيلقِ الخامس)، قبل توصلها إلى اتفاقٍ من قبل لجنةِ إصلاحٍ مكوّنةٍ من وجهاءِ درعا.
إدارةُ الأمن العام أكدت، خلال تصريحٍ نقله المكتب الإعلامي في درعا، الوصول إلى اتفاقٍ بين قوى الأمن العام ووجهاءِ منطقة بصرى الشام، يقضي بتسليم جميع المطلوبين إلى الجهات المختصة، لا سيما في حادثة الاعتداء التي طالت الدروبي، بهدف تعزيز الاستقرار وبسط سلطة الدولة.
بينما نقل “تجمع أحرار حوران”، عن مصادر أمنية، أن الأمن العام استلم سلاح عناصر اللواء الثامن سابقًا من مختلف مدن وبلدات محافظة درعا، لافتًا إلى توصل الأطراف إلى اتفاق يقضي بسحب السلاح الخفيف والثقيل من معقل اللواء الثامن في مدينة بصرى الشام شرق درعا.
الفيلق الخامس وعلاقته مع الدولة السورية
لمعرفة تفاصيل أكثر عن الفيلق الخامس، لا بد من العودة إلى عام 2014، عندما تشكّل ككتيبة عسكرية محلية في مدينة بصرى الشام، تحت مسمى كتيبة “شباب السنة” بقيادة أحمد العودة، وتتبع لجيش اليرموك ضمن فصائل (الجيش الحر)، واستطاعت بالاشتراك مع فصائل أخرى تحرير مدينة بصرى الشام من نظام الأسد عام 2016.
ويعد أحمد هيثم العودة، من مواليد 1981، رأس الهرم في اللواء الثامن، ويُكنى بأبي حمزة، وكان مسؤولًا عن قيادة الفصيل منذ تشكيله، ويحمل إجازة جامعية في الأدب الإنكليزي، حيث عمل مدرسًا قبل انخراطه في العمل المسلح خلال الثورة السورية.

فيما بعد، تحوّلت الكتيبة إلى ألوية، فأصبحت “ألوية شباب السنة”، وانضم الفصيل إلى الجبهة الجنوبية، تحت غرفة تنسيق الدعم المشتركة (الموك)، التي خاضت معارك ضد نظام الأسد وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لكن مع اشتداد تصعيد روسيا ونظام الأسد البائد في الجنوب السوري عام 2018، انخرط الفصيل في اتفاقية تسوية ومصالحة مع نظام الأسد، برعاية روسية، إلى جانب عدد من الكتائب والألوية التي كانت تقاتل في صفوف المعارضة السورية آنذاك.
على إثرها، اتُّهم أحمد العودة بالخيانة بسبب تسليم محافظة درعا لروسيا ونظام الأسد، باعتباره أكبر فصيل كان يسيطر على المنطقة الشرقية؛ لكن مع انتهاء عام 2018، تحوّل اسم “ألوية شباب السنة” إلى اللواء الثامن، التابع للفيلق الخامس، الذي بات يُعرف بالذراع العسكري الروسي في الجنوب السوري.
وأصبح اللواء الثامن يتلقى دعمًا روسيًا منفصلًا عن قوات نظام الأسد، بأجور شهرية تصل إلى 200 دولار لكل عنصر، وبات يخرج في مناوبات إلى جانب قوات نظام الأسد في ريف اللاذقية ومحافظات أخرى.
لكن في عام 2021، تحوّلت تبعية اللواء الثامن من الفيلق الخامس إلى فرع الأمن العسكري (265) التابع لنظام الأسد، بعدما عزمت روسيا إلغاء أي وجودٍ لأي فصيل محلي مسلح خارج عن تبعية سلطة نظام الأسد آنذاك، لتنخفض أجور المقاتلين في صفوفه.
ومنذ سقوط نظام الأسد البائد بقي الفيلق الخامس موضع جدل، ما تسبب في انفلات السلاح نتيجة عدم تسليم الأسلحة للدولة السورية، رغم انضمام جزء من قواته إلى قوى الأمن العام، ووزارة الدفاع، مع بقاء نفوذه العسكري في معقله ضمن ريف درعا الشرقي، فيما اتصفت علاقته بالدولة السورية بالمضطربة نتيجة ارتباطه السابق في روسيا وقنوات تمويله.
هل تسعى دمشق إلى تقويض الفيلق الخامس؟
رغم وصول الأطراف إلى اتفاقٍ ضمني، وسط محاولات الاستقطاب الإعلامي، إلا أن توجّه وزارتي الدفاع والداخلية السوريتين إلى جنوبي سوريا يهدف إلى بسط وتعزيز سيطرة الدولة، ما يشير إلى محاولة تقويض سلطة الفيلق الخامس في درعا والجنوب السوري، من خلال تسليم السلاح الخفيف والثقيل والمطلوبين.
ويرى الباحث، عرابي عبد الحي عرابي، أن تشكيل الفيلق الخامس بدعم روسي، كان جسر عبور يهدف إلى تفكيك الفصائل آنذاك، وتمكين الكتل الفاسدة لتتشابك مع النظام ضمن بُنى أمنية موالية له، لكن الفصيل بقي يتمتع بهامش من الاستقلالية بقيادة أحمد العودة في الجنوب السوري رغم سقوط النظام.
وقال في حديثه لـ “نون بوست”: “إن الاستقلالية التي تمتع بها الفيلق الخامس، تحوّلت إلى كونه رهينًا لجهات غير داعمة للحكومة الحالية من جهة، وجعلت الفصيل أشبه ما يكون بكتلة لها مصالح وسلوكيات غير متوافقة مع الدولة السورية”.
وأضاف أنه من غير الدقيق اختزال تحركات دمشق في درعا إلى “مطاردة مطلوبين” فقط، بل يبدو أن هناك استراتيجية أعمق لإعادة هندسة المشهد الأمني والسياسي في الجنوب، تتضمن تقليص نفوذ الفاعلين المحليين مثل أحمد العودة، وفرض واقع أمني مركزي أكثر صرامة. لكن هذا التحرك يبقى محفوفًا بالمخاطر، إذ إن الجنوب لا يزال حساسًا، وأي توغل أمني واسع قد يعيد إشعال بؤر الصراع.
وأوضح أن هناك مساعي لتقويض نفوذ الفيلق الخامس، لأسباب تتعلق بإعادة فرض السيادة الأمنية المركزية في الجنوب، خاصة أن الفيلق قد يتحوّل إلى ثغرة تستغلها جهات خارجية للضغط على الحكومة وإثارة القلاقل. كما أن التحركات تأتي في إطار الرد على الفوضى الأمنية وسلوكيات الانفلات في درعا، في محاولة لإظهار قدرة الدولة على استعادة الاستقرار.
ختامًا.. تبدو التوترات الأمنية في درعا من صالح الإدارة السورية الجديدة، للتدخل ميدانيًا وفرض واقع سيطرة جديد، تستطيع من خلاله التخلص من حالة انفلات السلاح، الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى إثارة الفوضى، ويفسح المجال أمام تدخلات خارجية، في ظل المساعي المتواصلة من دول إقليمية تسعى إلى تقويض جهود الإدارة السورية في فرض الاستقرار.