ترجمة وتحرير: نون بوست
تُظهر صورته في الكتاب السنوي لعام 1924 شابًا جادًا بشعر أسود ممشطًا إلى الخلف يرتدي نظارات رفيعة وعلى وجهه تعابير متوترة. تحب جامعة جورج تاون تسليط الضوء على تسو، الذي تخرج من كلية الخدمة الخارجية الناشئة، باعتباره رمزًا لمؤهّلات الجامعة العالمية وتاريخها في التعامل الإيجابي مع الصين.
نحن لا نعرف الكثير عن تسو بخلاف صورته في الكتاب السنوي، ولكن رغم الاختلافات في الظروف والجنسية واللحظة التاريخية والمعاملة من قبل الحكومة الأمريكية، إلا أن هناك تشابهًا أساسيًا بين أوزتورك وتسو: كلاهما رمزان لمحاولة الولايات المتحدة تحقيق التوازن بين رغباتها المتضاربة في الانخراط مع العالم وحماية نفسها منه.
منذ أوائل مارس/ آذار، صعّدت إدارة ترامب من هجومها على الطلاب الأجانب وغير الأمريكيين في الكليات والجامعات الأمريكية في برنامج شمل إلغاء التأشيرات، واتهام هؤلاء الطلاب بالتواطؤ مع الجماعات الإرهابية، واعتقالهم في وضح النهار، ومحاولة ترحيلهم – وبعضهم يخوض معارك قضائية. وتدعي الإدارة الأمريكية أنها تعمل على تطهير الجامعات من “الأشخاص الذين يدعمون الحركات التي تتعارض مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة”، مستهدةً بشكل خاص أولئك الذين تتهمهم بدعم حماس على الرغم من أن بعض المعتقلين لديهم صلات طفيفة بالاحتجاجات التي اندلعت العام الماضي بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس.
لكن الموجة الأخيرة من الاعتقالات وإلغاء التأشيرات، وإن كانت تثير المخاوف بشأن مبادئ حرية التعبير وحرية التجمع، إلا أنها ليست سوى أحدث وأشد المراحل توترًا في تاريخ طويل من الشك تجاه الطلاب الأجانب. فعلى مدى قرن من الزمان، ظل العديد من صانعي السياسات الأمريكيين في حيرة من أمرهم بشأن ما إذا كان هؤلاء الطلاب يُمثلون فرصةً لغرس القيم الأمريكية أم تهديدًا للأمن القومي.
ازداد عدد الطلاب الأجانب الوافدين إلى الولايات المتحدة خلال القرن التاسع عشر. في ذلك الوقت، رأت الدول غير الأوروبية الساعية إلى تعزيز وجودها في التعليم الأمريكي مصدرًا قيّمًا للتدريب، وقد قامت سلالة تشينغ الصينية برعاية رحلات للالتحاق بالمدارس الأمريكية لعدة دفعات من النخب الشابة التي كانت ترغب في العودة إلى بلادها حاملين معارف متقدمة. (كان ليانغ تون ين، آخر وزير خارجية في عهد أسرة تشينغ الحاكمة، راميًا في فريق بيسبول للرجال من أسرة تشينغ يُدعى “اأوريانتلز” في جامعة ييل). وفي عام 1882، تخرجت سوتيماتسو أوياما من كلية فاسار، وأصبحت أول امرأة يابانية تحصل على شهادة جامعية أمريكية، وقد قدِمت إلى الولايات المتحدة ضمن بعثة إيواكورا، وهي مبادرة من حكومة ميجي للتعلم من الغرب والتحديث.
شهد عدد الطلاب الأجانب زيادة حادة خلال أوائل القرن العشرين. ففي عام 1928، كان هناك 9113 طالبًا أجنبيًا في الجامعات الأمريكية. وبحلول عام 1966، كان هناك أكثر من 100000 طالب أجنبي. في أعقاب الحرب العالمية الثانية، أرسلت موجة جديدة من البلدان التي كانت في طور التحرر من الاستعمار والبلدان النامية طلابها إلى مؤسسات التعليم العالي في الولايات المتحدة، والتي كان تدريبها التقني ومواردها ذات المستوى العالي جذابة للغاية بالنسبة لشباب العالم.
مع ارتفاع عدد الطلاب غير الأمريكيين في الجامعات الأمريكية، بدأت واشنطن تنظر إلى وجودهم بعين ناقدة. بدءًا من خمسينيات القرن الماضي، دعمت الولايات المتحدة وشجّعت الطلاب الأجانب على الالتحاق بجامعاتها خاصة من خلال برنامج فولبرايت، الذي أقره الرئيس جون كينيدي في عام 1961، والذي يقدم منحة للمواطنين الأجانب للدراسة أو إجراء البحوث في الولايات المتحدة، ويدعم المواطنين الأمريكيين للدراسة والتدريس والبحث في الخارج. واليوم، يأتي حوالي 4000 طالب إلى الولايات المتحدة كل عام للدراسة في إطار برنامج فولبرايت.
وكما جادل المؤرخ بول كرامر، لم يكن دعم الحكومة الأمريكية للطلاب الأجانب محض هبة خيرية: فمع احتدام الحرب الباردة، كان يُنظر إلى هؤلاء الطلاب على أنهم فرصة للقوة الناعمة، فقد كان بإمكان الطلاب القدوم إلى الولايات المتحدة والتأثر بالتعليم فيها ونشر الأفكار الأمريكية في بلدانهم الأصلية عند مغادرتهم. وكان يُنظر إلى طلاب الدراسات العليا على أنهم مصدر مهم للعمالة الماهرة، خاصة عندما كان التنافس الجيوسياسي يولي أهمية كبيرة لتجنيد أفضل المهندسين والعلماء والحفاظ على التقدم التكنولوجي على السوفييت.
وسّعت واشنطن نطاق هذا التفكير القائم على القوة الناعمة ليشمل مجموعات أخرى أيضًا: فبداية من عام 1949 وطوال فترة الحرب الباردة، قامت الحكومة الأمريكية بتدريب جنود أجانب في الولايات المتحدة من خلال برنامج المساعدة العسكرية، وجلبت العديد من الزوار إلى البلاد من خلال برنامج تبادل الأشخاص، بل ودرّبت معلمين من الدول النامية في المدارس الأمريكية.
لكن في الواقع لم ينبهر جميع الزوار والطلاب الأجانب بما رأوه في الولايات المتحدة. فقد كان سيد قطب، المنظر المصري الذي عُرف فيما بعد بترويجه للجهاد، طالب دراسات عليا في الولايات المتحدة من عام 1948 إلى عام 1950، وعاد مستاءً بشدة مما رآه من ابتذال وانحلال أخلاقي في المجتمع أمريكي. وكانت العنصرية مشكلة أخرى. فقد أشار بارك جونغ إن، وهو ضابط كوري جنوبي كان يتدرب في قاعدة فورت بينينغ الأمريكية في الخمسينيات، إلى أن “التمييز ضد السود في المنطقة الجنوبية” كان “مقيتًا للغاية”، وشعر البيت الأبيض بالحرج من الحوادث البارزة التي تعرض فيها كبار الشخصيات الأجنبية للتمييز.
سعت الكتيبات الإرشادية للطلاب الأجانب في بعض الأحيان إلى التقليل من أهمية قضية العرق. جاء في كتيب إرشادي لوزارة الدفاع عام 1959 للمتدربين العسكريين الأجانب: “ربما سمعتم العديد من القصص عن… ثرائنا الفاحش، وفقرنا المدقع، والتمييز ضد الأقليات العرقية أو الدينية، قد تجدون بعض الحقيقة في هذه التقارير، ولكن الظروف الفعلية ربما لم توصف بشكل مناسب”.
بحلول السبعينيات، تفاقم الخلاف بين جناحي السياسة الخارجية والأمن القومي للحكومة الأمريكية فيما يتعلق بالطلاب الدوليين. وبينما أدى التقارب بين الولايات المتحدة والصين إلى المزيد من برامج التبادل، أجرى مكتب التحقيقات الفيدرالي فحوصات أمنية على طلاب الدراسات العليا الصينيين. قال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي آنذاك ويليام ويبستر، في إشارة إلى طلاب التبادل، في مقابلة عام 1979: “إذا لم يأتوا كعملاء تجسس، فإنهم يأتون كجامعي معلومات استخباراتية”. وقد ساد المزيد من الذعر في الثمانينيات، عندما وصفت التغطية الصحفية الطلاب الأجانب بأنهم “طوفان“، وجادل البعض بأن استقطاب الطلاب الأجانب ذوي المهارات العالية كان ناجحًا للغاية مما أدى إلى تآكل المواهب “المحلية“.
مع ذلك، خلال التسعينيات، كان يُنظر إلى وجود الطلاب الأجانب على أنهم فرصة لواشنطن. فقد أتاحت أحداث مثل مذبحة ميدان تيانانمن لإدارة جورج بوش الأب فرصة لإظهار الولايات المتحدة كملجأ آمن للطلاب الدوليين، كما زاد سقوط الاتحاد السوفيتي من حماس الجهود المبذولة للتأثير على الطلاب السوفييت السابقين.
كانت هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 هي التي أثارت بشكل كبير شكوكا حول الطلاب الأجانب باعتبارهم تهديدًا. دخل العديد من الخاطفين إلى الولايات المتحدة أو مكثوا فيها بتأشيرات طلابية. في السنوات التي تلت ذلك، طبّقت دائرة الهجرة والتجنيس، الجهة التي سبقت دائرة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك، نظام معلومات الطلاب وتبادل الزوار الذي سمح بمشاركة المعلومات وتتبع الطلاب الأجانب بكفاءة. ومع زيادة متطلبات التأشيرات والفحص والإجراءات الفيدرالية الجديدة المعمول بها، انخفض عدد الطلاب الأجانب المسجلين في الولايات المتحدة لأول مرة بين عامي 2002 و2005.
تعافت معدلات الالتحاق بالجامعات لكنها تراجعت مرة أخرى في عهد الرئيس دونالد ترامب في ولايته الأولى بعد “حظر المسلمين” سيئ السمعة، وهو أمر تنفيذي صدر عام 2017 يحظر دخول مواطني سبع دول ذات أغلبية مسلمة. كما أعطت إدارة ترامب إشارات عديدة بأن الطلاب الأجانب يشكلون تهديداً للأمن القومي وغير مرحب بهم. في عام 2020، أصدر ترامب أمرًا تنفيذيًا بإلغاء تأشيرات الدخول لأكثر من 1000 طالب دراسات عليا صيني وحاول إلغاء برنامج التدريب العملي الاختياري، وهو حافز يمنح حاليًا أكثر من 276.000 طالب أجنبي القدرة على العمل في الولايات المتحدة بعد التخرج.
تصوير الطلاب الأجانب على أنهم تهديد أمر أكبر من ترامب. على سبيل المثال، واصلت إدارة بايدن في البداية مبادرة وزارة العدل الأمريكية الخاصة بالصين، التي بدأت في عام 2018 وانتهت في عام 2022، والتي كانت تهدف إلى تحديد هوية الجواسيس الصينيين في الولايات المتحدة. لكن جهود واشنطن لمكافحة التجسس كان لها تحيز عنصري واضح مما يعني أن البرنامج فشل إلى حد كبير في تحقيق أهدافه في اصطياد الجواسيس، واستهدف في كثير من الأحيان العلماء والباحثين والعلماء الآسيويين والآسيويين الأمريكيين، مما عرضهم إلى خسائر كبيرة في حياتهم المهنية ومعيشتهم. كما دفع العلماء الصينيين إلى مغادرة الولايات المتحدة، حيث ارتفعت حالات المغادرة بنسبة 75 بالمئة بين عامي 2018 و2024.
في الوقت نفسه، أنتج مكتب التحقيقات الفيدرالي في عهد الرئيس جو بايدن أفلامًا وثائقية عن التجسس الصيني وصور العلماء الصينيين في الولايات المتحدة على أنهم جواسيس. كما أدلى مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق كريستوفر راي بشهادته أمام الكونغرس حول ما وصفه السيناتور آنذاك ماركو روبيو بأنه “خطر التجسس المضاد الذي يشكله الطلاب الصينيون على الأمن القومي الأمريكي”. وقد أدت هذه الجهود المبذولة لدق ناقوس الخطر بشأن الطلاب الصينيين باسم الأمن القومي إلى إلحاق ضرر كبير بصورة الولايات المتحدة كمكان يرحّب بالطلاب ذوي المهارات العالية لمواصلة التعليم أو العمل.
ازدادت وتيرة الخطاب الذي يصور الطلاب الأجانب باعتبارهم تهديدًا خلال السنوات الأخيرة بسبب الاحتجاجات في الجامعات ضد الحرب بين إسرائيل وحماس. وقد صرّحت المدعية العامة المستقبلية بام بوندي في عام 2023، التي وصفت الاحتجاجات الواسعة بأنها “مؤيدة لحماس”، بأن الطلاب الذين يدعمون حماس في الجامعات الأمريكية “يجب إخراجهم من بلادنا، أو يجب أن يقوم مكتب التحقيقات الفيدرالي باستجوابهم على الفور”. وبعد توليها منصبها، قالت بوندي إنه “يجب طرد” الطلاب الأجانب إذا كانوا يهددون سلامة الطلاب الأمريكيين.
لكن كما أظهرت اعتقالات إدارة ترامب لطلاب الدراسات العليا مثل أوزتورك، فإن المعايير التي يشكل بموجبها الطالب الأجنبي تهديدًا غير واضحة بشكل خطير. فبعد احتجاز أوزتورك، ادعى متحدث باسم وزارة الأمن الداخلي أنها شاركت في أنشطة داعمة لحماس جون يقدم أدلة تثبت ذلك، دون أن يوجّه لها أي تهم حتى الآن.
إن سياسات إدارة ترامب الحالية تمثل تصعيدًا جديدًا ضد الطلاب الأجانب، لكنها ليست بأي حال من الأحوال الطلقات الافتتاحية لهذا الصراع. فقد كافحت الولايات المتحدة لعقود من الزمن لتقرر ما إذا كان الطالب الأجنبي ممرا لنفوذها مثل واي هينغ تسو، أو تهديد لأمنها مثل رميساء أوزتورك. لكن الحقيقة هي أن أيًا من هاتين الفئتين الجامدتين لا تنطبق على أي منهما.
لنكن واضحين، الطلاب الأجانب ليسوا تهديدًا؛ فالطلاب الأجانب البعيدين عن أوطانهم وعائلاتهم – والخاضعين لإلغاء تأشيراتهم في حال ارتكابهم لجريمة – هم مساهمون أساسيون في مجتمعاتهم الأكاديمية والمحلية. وطالما أن الطلاب الأجانب يأتون إلى الولايات المتحدة، فإن الحقيقة العالمية الوحيدة هي أن طبيعتهم الداخلية لم تتناسب أبدًا مع القوالب النمطية.
ويبدو أنه من غير المرجح أن تأخذ إدارة ترامب هذا الدرس على محمل الجد. في المستقبل المنظور، سيُطرح على الطلاب الأجانب في الجامعات في جميع أنحاء البلاد سؤال لا إجابة له: أي نوع من الطلاب أنت؟
المصدر: فورين بوليسي