ترجمة وتحرير: نون بوست
في الوقت الذي يعلن فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، باسم الحرب ضد حركة حماس، عن توسيع الهجوم الدموي على قطاع غزة، بدأت تظهر بوادر تململ داخل الجيش الإسرائيلي. فبعد احتجاجات قادها طيارون احتياطيون، بدأ التململ يتحول إلى حركة متنامية داخل صفوف الجيش.
في وقت تتسارع فيه الأحداث منذ هجوم حركة حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بدأت رياح العصيان تهب داخل صفوف الجيش الإسرائيلي. في هذا السياق، تتعمد حكومة بنيامين نتنياهو خلط الأمور بين الحق في الدفاع ضد الإرهاب وحق الانتقام من الشعب الفلسطيني.
لم يكن شهر آذار/ مارس الماضي، في أعماق وعي الكثير من المدنيين والعسكريين، شهرًا عاديًا في سياق الحرب. فقد فقدت المعركة شرعيتها الأخلاقية لدى فئات واسعة، بعد خرق الهدنة التي كانت سارية في غزة منذ كانون الثاني/ يناير، وهو خرق اعتُبر غير مبرر ولا يمكن الدفاع عنه.
في هذا السياق، بدأت تظهر حالات رفض للخدمة العسكرية هنا وهناك، وهي تطورات لم تغفل عنها الصحافة الإسرائيلية، التي نقلت هذه المواقف في العديد من المناسبات، ما يشير إلى تصاعد الشكوك والانقسامات حتى داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه.
في ظل هذا السياق المتأزم، وقّع قرابة ألف من المتقاعدين والاحتياطيين في سلاح الجو الإسرائيلي على نداء يدعو إلى إعطاء الأولوية القصوى لتحرير الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس، حتى لو اقتضى ذلك إنهاء الحرب في غزة.
ونُشر هذا النداء، في شكل رسالة مفتوحة، يوم الخميس العاشر من نيسان/ أبريل في عدد من الصحف، حيث أكد الموقعون فيه بوضوح: “لا يمكن استعادة الرهائن بأمان إلا من خلال اتفاق، في حين أن الضغط العسكري يؤدي في المقام الأول إلى مقتلهم وتعريض جنودنا للخطر”.
ولفتت الأنظار بشكل خاص جملة وردت في الرسالة تقول: “الحرب تخدم في المقام الأول مصالح سياسية وشخصية، لا مصالح أمنية”. ولم تمر هذه العبارة، التي تنطوي على اتهام مبطن لسياسات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته ذات التوجه اليميني المتطرف، دون ردّ.
في اليوم نفسه، ورداً على الرسالة، أعلنت قيادة الجيش — بتكليف رسمي — أن الموقعين سيكونون موضع إقصاء، حيث جاء في بيانها: “كل من وقع من جنود الاحتياط النشطين على هذه الرسالة لن يُسمح له بمواصلة الخدمة”.
وفي تصعيد إضافي، صدر بيان عن مكتب رئيس الوزراء يؤكد الموقف ذاته بلهجة حادة: “الرفض هو رفض، سواء أُعلن بشكل صريح أو جاء بلغة ملطّفة”. وأضاف البيان: “التصريحات التي تُضعف قوات الدفاع الإسرائيلية وتمنح أعداءنا القوة في وقت الحرب، لا تُغتفر”.
واستأنف الجيش الإسرائيلي في 18 آذار/ مارس غاراته الجوية ثم هجومه البري على قطاع غزة، بزعم إجبار حركة حماس على الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين الذين لا يزالون محتجزين لديها.
وجاء هذا التصعيد رغم أن الهدنة، التي كانت سارية من 19 كانون الثاني/ يناير حتى 17 آذار/ مارس، قد أفضت إلى إطلاق سراح 33 رهينة إسرائيليًا – بينهم ثماني جثامين – مقابل إفراج إسرائيل عن نحو 1800 أسير فلسطيني.
وعمّق خرق الهدنة الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي، الذي لم تتوقف مشاعره المشروعة عقب أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 عن أن تُستغل سياسيًا من قِبل سلطة تزداد تمسكًا بسياسات الانتقام الدموي. غير أن هذه السياسات، بدلاً من أن تعزز الإجماع الوطني، بدأت تُثير الريبة وتُضعف الثقة. وتجلى هذا التباين بوضوح في التفاعلات المتباينة مع الرسالة المفتوحة التي وجهها طيارون احتياطيون ومتقاعدون من سلاح الجو.
وقال أحد الموقعين المجهولين في تصريح لموقع صحيفة “يديعوت أحرونوت” الناطقة بالإنجليزية: “لا يتعلق الأمر برفض أو تحدّ، وليس موجهاً ضد الجيش”. وفقاً لهذه الصحيفة، لم يتم تصنيف النداء داخل الجيش على أنه تصرف متمرد أو عصيان رسمي، حيث لم يتلقَّ أي من الموقعين أوامر مباشرة كان قد رفض الامتثال لها.
من ناحية أخرى، اعتبرت صحيفة إسرائيل هيوم المجانية — وهي الصحيفة الأكثر توزيعاً في إسرائيل — أن هذه الرسالة، التي نُشرت رغم الانتقادات، كتبت من قبل “محرّضين” و”عملاء للفوضى”، وهدفها الوحيد هو “تشويه سمعة أبطال سلاح الجو” و”ممارسة ضغط سياسي غير مبرر ضد الحكومة”.
وتضمن جزء من رسالة مفتوحة أطلقها احتياطيون من وحدة 8200 للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: “نحن قلقون من تآكل قوة الاحتياط وارتفاع معدلات عدم التقدم للخدمة، ونعرب عن قلقنا بشأن العواقب طويلة المدى لهذا الاتجاه”.
وعلى الرغم من الدعاية الإعلامية وضغوط الجيش، يبدو أن حركة الوعي المتزايد، التي قد تكون تمهيداً لاحتمالية العصيان، قد بدأت تنتشر. ففي يوم الجمعة 11 نيسان/أبريل، نُشرت رسالة أخرى في وسائل الإعلام الإسرائيلية، حيث عبّر حوالي 250 من احتياطي وحدة الاستخبارات العسكرية 8200 عن دعمهم للطيارين الذين كانوا قد عبروا عن مواقفهم في اليوم السابق.
وجاء في الرسالة: “نحن نتفق مع البيان الجاد والمقلق الذي يقول إن الحرب في الوقت الحالي تخدم في المقام الأول مصالح سياسية وشخصية، وليس مصالح أمنية”.
إلى متى سيتمكن بنيامين نتنياهو من الاكتفاء بتوجيه الاتهامات إلى “الفوضويين” الذين يسعون إلى “الإطاحة بالحكومة”؟ خصوصاً بعد أن انضمّ بعض قدامى المحاربين في البحرية إلى المطالب بإنهاء العمليات العسكرية ضد غزة، إلى جانب أطباء من الاحتياط الذين عبروا عن موقفهم المماثل.
“العصيان المدني”
في صحيفة هآرتس، خرج غاي بيرل، الجندي في وحدة التمريض، إلى دائرة الضوء ليشهد بقوة على رفضه خرق الهدنة في شهر آذار/ مارس الماضي. حيث قال: “كان من المقرر إبادة الأطفال الأبرياء وعائلات بأكملها في غزة مرة أخرى، فقط من أجل تجنب مواجهة النظام الإسرائيلي مع التحديات التي ستظهر له بمجرد نهاية القتال الفعلي”.
وفي مقالته التي نُشرت في هآرتس ذهب بيرل إلى حد قول: “حكومة من المجرمين لعبت على رغبة الانتقام لدى الشعب وزادت من حدتها، بهدف الهروب من مسؤولياتها وتعزيز سلطتها الخاصة”.
بعد تغريمه بسبب هذه التصريحات رغم توقعه أنه سينتهي به المطاف في السجن، اختتم غاي بيرل مقاله قائلاً: “لا ينبغي لأحد التعاون مع مثل هذا النظام. وسيلة مقاومتنا الأكثر قوة – وربما الوحيدة التي قد يكون لها تأثير – هي رفض الخدمة العسكرية، مرفوقة بالعصيان المدني”.
المصدر: ميديابارت