ترجمة وتحرير: نون بوست
من المقعد الأمامي لشاحنة “جي إم سي” سوداء اللون، كان ماهر زيواني، قائد الجيش السوري المشرف على هذا الجزء من الحدود مع لبنان، يتصل باللاسلكي ليتحقق من سلامة المسار الترابي الممتد إلى الحدود. لكن قبل أن يتلقى ردًا، مرّ مقاتلون سوريون على دراجة نارية مسرعة أمام نافذته وهم يصرخون محذرين.
صرخ أحدهم: “حزب الله، حزب الله. حزب الله أطلق النار على أحد رجالنا!”.
تبعتهم سيارة ملطخة من الداخل بالدماء، وقال الجنود إن دورية تعرضت لإطلاق نار.
كانت القوات الحكومية السورية تحاول في الأسابيع الأخيرة خنق طرق التهريب التي تعبر الحدود الوعرة مع لبنان التي يبلغ طولها 233 ميلًا، كانت هذه الطرق هي آخر ما تبقى من “الجسر البري” – وهي شبكة تجتاز عرض سوريا – الذي يستخدمه إيران والميليشيات المتحالفة معها لنقل الأسلحة والأموال والمخدرات والوقود، وساعدت هذه الطرق في دعم حكومة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد وشكلت دعمًا حيويًا لحليف النظام القوي، جماعة حزب الله اللبنانية المسلحة، بما في ذلك في مواجهتها مع إسرائيل.

أما اليوم، اختلفت الصورة بشكل كبير بعد أن أطاح المسلحون الإسلاميون بالأسد في ديسمبر/ كانون الأول، مما شكل انتكاسة كبيرة لقوة إيران الإقليمية وعزلها إلى حد كبير عن حزب الله.
من مراكز التهريب الحدودية مثل حوش السيد علي، التي كانت لا تزال مشتعلة نتيجة الاشتباكات عندما زارها الزيواني الشهر الماضي، إلى قواعد الميليشيات الشيعية المهجورة في مدينتي القصير وتدمر اللتين دمرتهما الحرب شرقًا، أصبحت نقاط العبور التي كانت تستخدمها إيران ووكلاؤها في حالة يرثى لها.
وكشفت رحلة صحفية قام بها صحفيو واشنطن بوست مؤخرًا إلى هذه النقاط، التي كانت ذات يوم نقاطًا حيوية في شبكة التهريب، أدلة كثيرة على خروجهم منها على عجل.
لكن مع انهيار نفوذها الإقليمي، بدأت إيران الآن تتطلع إلى ما هو أبعد من حلفائها التقليديين، بما في ذلك الجماعات الإسلامية السنية المتطرفة، في جهود للحفاظ على خطوط الإمداد وزعزعة استقرار الحكومة الجديدة التي يرأسها الرئيس المؤقت أحمد الشرع، حسبما حذر مسؤولون أمنيون في أوروبا والمنطقة. ويُعد هذا من بين التحديات العديدة التي يواجهها الشرع في الوقت الذي يحاول فيه التعامل مع تدخل القوى الخارجية المتنافسة وتوحيد سوريا.
اشتباكات على الحدود اللبنانية
لقد أفسحت هيمنة إيران التي كانت ذات يوم بلا منازع على الممرات الاستراتيجية في سوريا المجال لنظام جديد غير مؤكد.
فبعد أن ضربت القوات الإسرائيلية حزب الله في لبنان في الخريف الماضي، لا يزال الحزب يسعى جاهدًا لتجديد مخزونه من الأسلحة وجلب الأموال لتعويض أنصاره التقليديين في بيروت وجنوب لبنان الذين فقدوا ممتلكاتهم في الصراع.
وقال الزيواني: “إنهم يحاولون فتح ثغرات”، في إشارة إلى محاولات العشائر المتحالفة مع حزب الله للاحتفاظ بطرق التهريب.
وتحولت جهود قوات الزيواني لقطع طرق التهريب إلى اشتباكات مميتة، وقال السكان إن أشدها وقع الشهر الماضي، عندما واجهت العشائر المحلية في المنطقة الحدودية القوات الحكومية السورية، وقُتل ثلاثة جنود سوريين، وردت القوات السورية بدخول قرية حوش السيد علي التي قالوا إنها كانت قاعدة للعمليات ضد قواتهم، ودفعت القوات السورية بآلاف التعزيزات إلى المنطقة، معظمها من محافظة إدلب شمال سوريا التي طالما كانت معقلاً للمسلحين الإسلاميين الذين أطاحوا بالأسد.
وقال الجيش اللبناني أيضًا إنه شارك في الهجوم، ردًا على قصف داخل أراضيه، وقال حزب الله إنه لم يشارك.
وقال حايد حايد، المحلل السوري في تشاتام هاوس الذي يتتبع طرق التهريب العابرة للحدود الوطنية: “من الصعب جدًا رسم خط فاصل واضح بين العشائر وحزب الله. هناك تعاون واضح وقوي بينهما”.
وحتى بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار، لا يزال أزيز الرصاص يدوي في هواء حوش السيد علي. إلى أي مدى يثق الزيواني في قدرة الجيش اللبناني على تأمين الحدود؟ قال وهو ينظر إلى القوات اللبنانية من بعيد: “ولا حتى 1 بالمئة”.
مراكز أسلحة حزب الله
أصبحت المنطقة المحيطة بالحدود اللبنانية مركزًا حيويًا لحزب الله على مدار الحرب الأهلية السورية التي استمرت 13 عامًا، ومركزًا لتصنيع المخدرات وبوابة لنقل الأسلحة والقوى العاملة. وخلال عملياتها في القرى الحدودية، اكتشفت قوات الحكومة السورية 15 مصنعًا لتصنيع الكبتاغون، وهو مخدر شبيه بالأمفيتامين، استفاد من مبيعاته كل من نظام الأسد وحزب الله، وقدّر مسؤولو الأمن المحليون قيمة هذه التجارة بعشرات الملايين من الدولارات.
في مدينة القصير، على بُعد ستة أميال فقط من الحدود اللبنانية، تحولت المنطقة الصناعية بأكملها إلى موقع تخزين أسلحة ضخم، يغطي مساحة تقارب 50 ملعبًا لكرة القدم، وقد أدت الغارات الجوية الإسرائيلية إلى تحطيم مصاريع نوافذ المباني، وكانت صناديق الذخائر واضحة للعيان.
وقال سامر أبو قاسم، رئيس الأمن العام في القصير، مشيرًا إلى صناديق خشبية كبيرة: “هذه صواريخ إيرانية”، وتناثرت بقايا ذخائر أخرى على الأرض. وأضاف: “كانت هذه منشأة مركزية لهم، جميع هذه المحلات كانت مخازن أسلحة”.
استُخدم مبنى قريب، كان مدرسةً سابقًا، كقاعدة تدريب لحزب الله، تناثرت في فناءه طلقات كرات الطلاء الناتجة عن التدريبات، وكانت الطائرات المسيرة ملقاة على الدَرَج فوق صناديق ذخيرة. وأتاحت الوسائل التعليمية التي تُركت على عجل لمحةً عن أسلوب حزب الله التربوي، بما في ذلك كيفية إعداد المقاتلين لخطط المعارك.
ومع تقدم المقاتلين الإسلاميين بقيادة الشرع العام الماضي من شمال سوريا، جمع مسلحو حزب الله الذين تجمعوا في المدينة أمتعتهم وغادروا دون قتال، وفقًا لسكان محليين.
وقال أحمد عبد الحكيم عمار، رئيس أمن القصير ومحيطها: “لقد كانت خسارة فادحة لهم”. وأضاف أن المنطقة أصبحت بالنسبة لحزب الله “هرمل الثانية”، في إشارة إلى معقل الحزب في سهل البقاع اللبناني.
مخزونات أسلحة حزب الله في سوريا
ومع ذلك، لا تزال عناصر من الشبكة الإيرانية في سوريا نشطة، لا سيما تلك المرتبطة بحزب الله، بحسب حايد. وقال إن الحكومة السورية الجديدة اعترضت أكثر من عشر شحنات متجهة إلى لبنان.
وأسفرت إحدى هذه المداهمات، التي أعلنت عنها وزارة الداخلية السورية في يناير/ كانون الثاني، عن العثور على صناديق من الطائرات المسيرة مخبأة في شاحنة من علف الحيوانات.
وقال حايد: “هناك مخزون ضخم في سوريا يحاول حزب الله نقله إلى خارجها. إنهم يعرفون مكانها، وهم يعملون مع شبكات سورية لإخراجها”.
وللقيام بذلك، يجب على حزب الله أن يتفادى الضربات الجوية الإسرائيلية، وقد دُمر الجسر الذي يربط حوش السيد علي بلبنان – وهو أحد خطوط الإمداد الرئيسية لحزب الله – بغارة جوية خلال حرب إسرائيل مع حزب الله، وواصلت إسرائيل قصف المخزونات في سوريا.
وقال فيليب سميث، الخبير في شؤون الميليشيات الشيعية، إنه من المرجح أن تكون بعض الشبكات العابرة للحدود لا تزال تعمل.
وأضاف: “في ظل الحالة شبه الفوضوية في سوريا، لن يكون من الصعب عليهم العبور في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة ترسيخ نفسها وتتعامل مع الكثير من المشاكل الداخلية. لقد اندمجوا مجددًا في محيطهم؛ ومن المحتمل أن يكون العمل مع شبكات أكثر تركيزًا على الأنشطة الإجرامية هو أسلوب عملهم الفعلي”.
شكوك حول إيران
إلى جانب جهود التهريب، اتهم مسؤولون سوريون إيران أيضًا بالسعي إلى زعزعة استقرار الحكومة الجديدة، بما في ذلك المساعدة في تأجيج العنف الأخير على طول الساحل، عندما تحولت الهجمات المنسقة التي شنها موالون للأسد على قوات الأمن السورية إلى عنف طائفي.
لم يقدم المسؤولون السوريون تفاصيل تدعم مزاعمهم، وصرح مسؤولان أمنيان أوروبيان بأنه لا يوجد دليل على دور إيراني مباشر في الهجمات المنسقة ضد القوات السورية.
غير أن المسؤولين الأوروبيين قالوا إن إيران كانت تحاول بدلًا من ذلك إثارة الاضطرابات من خلال حشد المتطرفين السنة، بمن فيهم المسلحون التابعون لتنظيم الدولة الإسلامية، ضد الحكومة السورية الجديدة.
وقال أحد المسؤولين: “نرى تدخلًا إيرانيًا هناك”. ولم يخض المسؤولون، الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة مسائل أمنية حساسة، في التفاصيل.
وأُلغيت زيارة مقررة في أواخر مارس/ أذار لوزيري الداخلية الألماني والنمساوي إلى دمشق فجأةً بسبب تهديد ملموس من جهات تابعة للنظام السابق ضد دبلوماسيين، وفقًا لمسؤول أمني ودبلوماسي غربي.
على مر السنين، عززت إيران مجموعة واسعة من الجماعات التابعة لها لخدمة مصالحها. على سبيل المثال، دربت إيران مقاتلين من جبهة البوليساريو المتمركزة في الجزائر، وهي جماعة مسلحة تقاتل من أجل استقلال الصحراء الغربية عن المغرب، وتحتجز قوات الأمن السورية الجديدة المئات منهم، وفقًا لمسؤول إقليمي ومسؤول أوروبي ثالث.
وفي تدمر، موطن الآثار الآسرة لإحدى أهم مدن العالم القديم، ساعد سقوط نظام الأسد في الكشف عن حجم الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا.
كُتبت عبارة “الموت لأمريكا” على جدار فندق سابق كان يُستخدم لإيواء مئات المقاتلين من لواء الفاطميين، وهو ميليشيا من الشيعة الأفغان نُشِرت لدعم المصالح الإيرانية في سوريا. وقال جنود في تدمر إن المدينة، الواقعة على مفترق طرق صحراوي استراتيجي، أصبحت في جوهرها مجمعًا عسكريًا ضخمًا. واليوم، انتهت قوات الأمن من تطهير المدينة ومحيطها من الأفخاخ والألغام، لكن سيطرتها تبدو واهية.
وقال زاهر السليم، 40 عامًا، وهو متطوع في المجلس المدني المحلي: “سيطرة الدولة معدومة”.
المصدر: واشنطن بوست