“شام كاش”… إصلاح إداري أم هيمنة مالية بغطاء حكومي؟

على مدى الأيام الماضية أثار قرار وزير المالية السوري في الحكومة الجديدة محمد يسر برنية بتسليم رواتب الموظفين والعاملين في القطاعات العامة عبر تطبيق “شام كاش” واعتماده كوسيله رسمية لصرف الرواتب اعتبارا من أيار المقبل، شكوكًا واسعة بين الأوساط الشعبية السورية.
المخاوف جاءت نتيجة مخاطر التطبيق الأمنية، التي تتعلق بخصوصية البيانات، وغياب الشفافية، والاحتكار في شركات محددة دون أخرى، واقتطاع أجور رمزية من المستخدمين.
ورغم رؤية الحكومة بأن الخطوة تهدف إلى تخفيف الازدحام عبر المصارف الحكومية وتقليل عناء العاملين في القطاع العام من خلال تسهيل عمليات تسليم رواتب الموظفين، خلال الوقت الراهن، إلا أنها تثير الشكوك حول ملفات فساد عبر احتكار تسليم الرواتب بشركات خاصة لحساب جهات منتفعة.
قرار قديم فعله الوزير الجديد
في يناير/كانون الثاني الماضي، أصدر مصرف سوريا المركزي تعميمًا إلى جميع المؤسسات المالية في توجيه الموظفين والعاملين في الدوائر الحكومية لتحميل التطبيق الالكتروني “شام كاش” على هواتفهم المحمولة وفتح حساب مالي عليه من أجل استلام رواتبهم الشهرية.
وبعد أيام من استلامه حقيبة وزارة المالية أصدر برنية تعميمًا في 10 من أبريل/نيسان الجاري، وجه أوامر لمحاسبي الإدارة في الجهات العامة ذات الطابع الإداري، والمديرين الماليين في الجهات ذات الطابع الاقتصادي بإصدار قوائم الصرف الخاصة برواتب وأجور العاملين وايداعها في حساب “شام كاش” المفتوح لدى المصرف السوري المركزي.
وأكد التعميم على رفع أوامر الصرف إلى جانب إرفاق ملف “إكسل” يتضمن (الاسم الكامل – رقم الحساب- المبلغ الصافي) وفق نموذج محدد قبل تاريخ 20 أبريل نيسان الجاري، على أن يستلم العاملون في القطاع العام مرتباتهم خلال مايو/أيار القادم من خلال حسابهم عبر التطبيق من مكاتب شركتي الفؤاد للصرافة، والهرم للصرافة.
من جانبه أوضح معاون وزير المالية لشؤون الموازنة السياسية والمالية، صالح العبد، أن “الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية رفعت بالفعل القوائم التي تتضمن حسابات شام كاش للموظفين، بعد أن قدم العاملون بيانات حساباتهم إلى المديرين الفرعيين في مؤسساتهم، الذين بدورهم وجهوها إلى وزارة التنمية الإدارية والمحاسبين المعنيين”، حسب ما نقلت وكالة “سانا”.
وأضاف العبد أن العاملين الذين لم يتمكنوا من فتح حساب على شام كاش أو تنزيل التطبيق، لأسباب تتعلق بكبر السن أو عدم امتلاك هواتف ذكية أو عدم الإلمام باستخدام التطبيقات، فإن رواتبهم ستُصرف مباشرة عبر محاسبي الإدارة في الجهات التي يعملون بها، بعد تحويل قيمة الرواتب من حسابات شام كاش إلى محاسبي الإدارة المعنيين.
وحسب الرؤية الحكومية، يساهم تطبيق “شام كاش” في تفادي الازدحام الكبير على الصرافات ومشكلة عدم توفر السيولة، مما يسهل عملية استلام الرواتب، من أقرب مركز للحوالات ومن أي مدينة أو محافظة دون التقيد بمركز محدد، والتقيد بالعطل الرسمية، فضلًا عن تقديم خدمة الدفع ضمن المحال التجارية.
وكانت مراكز المصارف الآلية في عموم المحافظات السورية شهدت ازدحامًا شديدًا خلال تسليم الرواتب، نتيجة قلتها المصارف في مراكز المدن وتقنين السحب اليومي من الصراف، بسبب سياسة تجفيف السيولة التي اتبعها المركزي، إضافةً إلى مشاكل تقنية ترتبط في توفر الانترنت والكهرباء.
هل التطبيق موثوق؟
واجه القرار ردود أفعال متباينة من الموظفين السوريين، الذين باتوا مجبرين على تحميل التطبيق وتفعيل حسابات خاصة بهم بغية استلام مرتباتهم الشهرية مطلع الشهر المقبل، كونه غير مستخدم لدى غالبيتهم ويفتقر للعديد من الوسائل التقنية والقانونية والمؤسساتية.
وفي ظل الضرورة الملحة لتحميل التطبيق واجه المستخدمون عناءً في الحصول عليه، لأنه غير موجود في متجر “غوغل” ولا “أبل ستور”، وإنما يجب تحميله بطرق غير تقليدية على أجهزة الهواتف من موقع التطبيق، ما يحمله مخاطر أمنية في البيانات كونه تطبيق يتعلق بالحوالات والعمليات المالية.
وحسب الموقع الرسمي للتطبيق فإنه يتاح استخدامه على جميع أنواع الهواتف المحمولة، ويسعى إلى توفير منصة موثوقة وآمنة تتيح للمستخدمين إجراء المعاملات المالية بسهولة ومرونة، لإدارة الأفراد شؤونهم المالية بكفاءة وشفافية.
في المقابل، تضمنت الشروط والاحكام التي حددها الموقع أنه يجب على المستخدم الموافقة عليها للبدء باستخدام تطبيق “شام كاش” كونها ملزمة قانونيًا بين “بنك شام” والمستخدم، في حين لم يتطرق عن حقوق المستخدم والخصوصية وحماية البيانات.
ويعرف تطبيق “شام كاش” بأنه محفظة إلكترونية، تتبع لـ “بنك الشام” وهو شركة صرافة وحوالات مالية ضخمة، كانت تقدم خدمة تسليم رواتب الموظفين في مناطق سيطرة “حكومة الإنقاذ السورية” التي كانت مسيطرة على إدلب وريف حلب الغربي، ولم يكن مرتبطًا بالنظام المصرفي كالبنك المركزي السوري.
ونشأ “بنك الشام” بعد تحويل شركة “الوسيط” للحوالات المالية في إدلب، عام 2018، التي كانت تديرها “هيئة تحرير الشام”.
وكانت مهام عمل البنك تندرج حينها على استقبال الحوالات المالية الخاصة بشركة “وتد للبترول”، بالتعاون مع الكازيات، إلى جانب شراء العملة الأجنبية، فضلًا عن إدارة سوق الصرافة والنقد ضمن مناطقها.
وكانت تدار شركة الوسيط للصرافة من قبل شخصيتين، الأولى، تدعى أبو هاجر الشامي، والثانية، أبو ليلى، ويتبعان لـ “هيئة تحرير الشام في إدلب”، حيث قاما بتحويل شركة الصرافة إلى بنك الشام الذي اتخذ من “البنك الصناعي سابقًا” مقرًا له، حسب شبكة شام الإخبارية.
حسب المتخصص في أمن المعلومات وحماية الخصوصية، حسن الخطيب، فإن أي تطبيق يمكن تحميله عبر متاجر التطبيقات ولا يرتبط مباشرة بالبنك الذي يصدره من خلال فريق تكنولوجي يعمل لدى البنك نفسه، لا يمكن اعتباره تطبيق موثوق.
وبناء على ذلك يؤكد الخطيب أن تطبيق شام غير موثوق خاصة أنه يرتبط في “بنك الشام” الذي حتى الآن لا يعتبر بنكا رسميا معترفا به.
وفي حديث لـ”نون بوست” يقول الخطيب: “من غير الواضح إذا ما كان المطورين للتطبيق يعملون كفريق لدى بنك شام، وبالتالي فإن بيانات المستخدمين لا يتم حفظها لدى البنك نفسه، بل لدى فريق ثالث غير معروف للمستخدمين، وليس واضح كيف يتم تأمين بيانات المستخدمين ومعالجتها، ومن يحق له الاطلاع عليها، وبالتالي قد يكون هناك جهات أخرى تطلع على البيانات، غير الدولة لذلك يعد تطبيقًا غير آمنًا بالنسبة للمستخدمين”.
وأضاف أنه من المفترض أن يكون لدى البنك تطبيق وفريق تكنلوجيا معلومات خاصة به وملزم في التوقيع على كل البروتوكولات الحكومية، ويحاسب قانونيًا في حال سرب المعلومات لجهات أخرى.
وأكد الخطيب أنه يمكن تسريب المعلومات عبر تطبيق شام، لأن المبرمجين قادرين على تسجيل المكالمات والوصول إلى الكاميرا في حال طلب التطبيق إذن الوصول إليهما عند تنزيله، رغم معرفة الحكومة بذلك، وبالتالي هي المسؤولة عن حماية بيانات المستخدمين، لأن المواطن السوري ليس في موضع رفاهية حتى يمتنع من تنزيل التطبيق على جواله.
ويحمل الخطيب مسؤولية الحل للحكومة وليس الموظف، لأنها الجهة المخولة في إيجاد بدائل آمنة تستعين ببنك واضح، كالمصرف المركزي السوري مثلًا، وتخصيص فريق تكنلوجيا خاص به وتحفظ معلومات المواطنين والأشخاص المستفيدين بطرائق تستند للمعايير الدولية لحفظ بيانات المستخدمين.
ورغم خطورتها في سوريا حاليًا أقل من بلدان أخرى تكون حكومتها رقمية بالكامل، إلا أن سوريا تتجه لتكون حكومة رقمية، وبالتالي اختراق معلومات الأشخاص يمكن أن تتحكم بحياتهم المالية والاجتماعية والسياسية، لذلك على الحكومة السورية البدء في العمل على حماية بيانات المواطنين وخصوصيتها وفقًا للمعايير الدولية، حسب الخطيب.
توسعة دور شركات الصرافة
رغم أن قرار وزارة المالية السورية يهدف إلى تخفيف الازدحام وتقليل أعباء قبض الرواتب من المصارف الحكومية، إلا أنها تفسح المجال أمام فجوة كبيرة بين القطاعين العام والخاص، وتفسح المجال أمام الاحتكار.
ويرى الباحث الاقتصادي، يونس الكريم، أن الاعتماد على شركات صرافة محدودة الانتشار للقيام بدور حيوي، يضاعف من الأزمة بدلًا من تخفيفها، لذلك لا بد من إعادة النظر في القرارات والآليات التنفيذية بغية ضمان تحقيق الكفاءة المنشودة من الخدمة المقدمة.
ويقول الكريم لـ”نون بوست”: “أن شركتي الفؤاد والهرم للصرافة والحوالات المالية ستقدم خدمة استلام الرواتب مقابل اقتطاع أجور رمزية تصل إلى 5 ليرات من كل ألف ليرة سورية، ورغم صغر العمولة النقدية فإنها تشبه العمولات البنكية التي تلتهم سنتات صغيرة لكنها تتراكم مع الوقت، وبالتالي تحقيق أرباح عالية سنويًا بشكل غير مشروع لصالح فئات محددة على حساب أخرى”.
ويضيف أن القرار سيساهم في توسعة دور شركات الصرافة التي ستتحول إلى كيانات تقوم بمهام المصارف التقليدية، وبالتالي معارضة قانون إحداث شركات الصرافة رقم 24 لعام 2006، وتحويلها إلى شركات تقوم بدور البنك المركزي.
وتنص الفقرة (ج) من المادة (9) في قانون رقم (24) المتعلق في إحداث شركات الصرافة 2006 مساعدة مصرف سوريا المركزي في تحويل الأموال بناءً على طلب الأفراد داخل الأراضي السورية، لا سيما المناطق التي تفتقر إلى فروع بنكية، في المقابل، يفقد قرار وزارة المالية أهمية القانون.
خطوة بديلة ذات أثار سلبية
يعتقد الكريم أن إعادة تدوير الأموال واستخدامها خلال فترة انتظار تتراوح بين يومين وستة أيام، ستكون كافية للتحكم في السيولة النقدية وبالتالي خلق طبقة رجال أعمال، وكسر أخرى، مما يؤدي إلى تهميش الدور التقليدي للدولة وخلق نظام موازي يُضعف الهيكل الوظيفي لكل من وزارة المالية والاقتصاد.
ويضيف، أن القرار يساهم في تراجع الثقة بين المؤسسات المالية الحكومية والمواطنين على حساب صعود الشركات الخاصة، وبالإضافة إلى تهميش دور الدولة فإنه سيسهم في تعميق عزلة الاقتصاد السوري من خلال ارتباط شركات صرافة مثل الهرم والفؤاد بانتقادات دولية في ظل عهد نظام الأسد البائد، فضلًا عن دور القرار في إعادة رسم صورة ذهنية معينة في السيطرة على الموارد المالية السورية من قبل فئات محددة.
ويتفق الباحث الاقتصادي، أدهم قضماتي، في ضرورة أن يكون تسليم الرواتب عبر قنوات رسمية تابعة للدولة ومؤسساتها حتى لا يكون هناك احتكار بطريقة أو أخرى، وإنما تكون تحت رقابة شفافة ذات تبعية قانونية ومؤسساتية، تضمن من خلالها حقوق المواطنين في استلام رواتبهم دون استغلال أو انتفاع لأي جهة كانت.
وقال قضماتي لـ “نون بوست”: “إنه يمكن أن تكون خطة بديلة لتسيير فترة قصيرة، كحل إسعافي، لكن غير ممكن أن تكون دائمة لأنه على الرغم من أن الرسم غير باهظة إلا أنها أعلى من المعقول، ما يعيدنا إلى هدف الشركات الخاصة في تحقيق الربح وليس تقديم الخدمة”.
وأضاف، أنه يجب الاسراع في إعادة الخدمة عبر القنوات الرسمية، لأنها تساعد على التحكم في النقد وتفرض رقابة أوسع، كما أنها تشجع المواطن السوري في التعامل مع البنوك والمؤسسات الحكومية، بشكل يجعل من دور الخدمات المصرفية أقوى وأوسع من صرف الرواتب فقط ورفد جزء من العمولة للمصرف المقدم للخدمة مع تقليل هامش الأجور.
ختامًا.. الشكوك المثيرة حول اتخاذ تطبيق “شام كاش” كوسيلة لدفع رواتب الموظفين العاملين في القطاعات العامة السورية لاعتباره أحد الحلول التي يمكن استخدامها في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة جراء العقوبات التي تقوض جهود الدولة في توسعة دور المصارف الحكومية من خلال إعادة تأهيلها وتنظيمها أمنيًا، يضع الحكومة السورية في محطة تحمل المسؤولية تجاه حماية بيانات ومعلومات الخصوصية للمواطنين إلى جانب الحفاظ على اقتصاد البلاد.