كأن فلسطين تهمة.. القصة الكاملة لخلية “التخريب” في الأردن

منذ إعلان السلطات الأردنية اعتقال خلية قالت إنها كانت تخطط “لأعمال تخريب داخل المملكة”، سارع الإعلام الرسمي والأمني إلى تأطير القضية ضمن رواية “حماية الأمن الوطني”، في وقت تشير فيه الوقائع والوثائق إلى أن نشاط الخلية ارتبط أساسًا بمحاولات دعم المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، لا بتهديد الأردن أو زعزعة استقراره.
هذا التناقض بين البيان الرسمي والمعطيات الفعلية يعكس حساسيةً متصاعدةً لدى النظام الأردني تجاه تنامي الحراك الشعبي المناصر لغزة، وتصاعد الدعوات إلى مراجعة العلاقات مع الاحتلال، وامتداد التأييد الشعبي للمقاومة إلى ساحات الداخل.
وبين محاولات الشيطنة والاحتواء، والتواطؤ الإعلامي الإقليمي، وتخاذل بعض القوى السياسية، يتكشف مشهد داخلي مأزوم يعيد طرحَ سؤال الهوية والدور، ويكشف هشاشةَ خطاب “الاستقرار” حين يُبنى على نفي الالتزام الوطني بقضية فلسطين.
تفكيك رواية الأردن حول اعتقال الخلية
في منتصف أبريل/نيسان 2025، أعلنت المخابرات الأردنية “إحباط مخطط تخريبي كبير” واعتقال 16 شخصًا زعمت تورطهم في أعمال تهدِّد الأمن الوطني وتستهدف الاستقرار داخل المملكة، لكن الوقائع القانونية، كما وردت في لائحة الاتهام الرسمية ومحاضر التحقيق، تروي قصةً مختلفةً تمامًا.
تكشف وثائق النيابة ومحاضر المحكمة أن التهم الأساسية الموجَّهة إلى المعتقلين تتعلق بحيازة أسلحة ومواد متفجرة، وتخزينها بقصد تهريبها إلى الضفة الغربية المحتلة، بالتنسيق مع جهات فلسطينية محسوبة على المقاومة، وتحديدًا مع حركة “حماس”، ولم تُشِر لائحة الاتهام إلى أي نشاط يستهدف الأراضي الأردنية أو النظام السياسي القائم فيها، بل أكدت أن الهدف من السلاح أن يدعم جهودَ المقاومة الفلسطينية.
رواية رسمية تُناقض محاضر الاتهام.. ما قصة اعتقال 16 شخصًا بتهمة تصنيع صواريخ ومسيّرات في #الأردن؟ pic.twitter.com/ADwDRkqyxm
— نون بوست (@NoonPost) April 16, 2025
ووفق مزاعم المخابرات الأردنية، فإن المخططات شملت “تصنيع صواريخ بأدوات محلية وأخرى جرى استيرادها من الخارج لغايات غير مشروعة، وحيازة مواد متفجرة وأسلحة نارية وإخفاء صاروخ مُجهَّز للاستخدام، ومشروع لتصنيع طائرات مسيَّرة، بالإضافة إلى تجنيد وتدريب عناصر داخل المملكة وإخضاعها للتدريب بالخارج”.
في واحدة من أبرز القضايا المنسوبة إلى المعتقلين، اتُّهم أحمد عايش بحيازة صاروخ “كاتيوشا” قالت السلطات إنه كان معدًّا للتهريب إلى الضفة، وتفيد لائحة الاتهام بأن مدى الصاروخ يتراوح بين 8 إلى 12 كيلومترًا، وفق تقرير الخبرة الفنية، غير أن السلطات الأردنية قدَّمت رواية مغايرة للإعلام، ادَّعت فيها أن مدى الصاروخ لا يتجاوز 3 كيلومترات، في محاولة لصياغة سردية تفيد بأن الخلية كانت تخطِّط لاستهداف قواعد الاحتلال القريبة من الحدود الأردنية، وبالتالي تحميلها تهمةَ تهديد الأمن الأردني.
محاضر التحقيق التي جرى تداولها عبر وسائل الإعلام تُظهِر بوضوحٍ أن القضية تعود إلى متابعات بدأت منذ العام 2021، وأن بعض عناصر الخلية كانوا يعملون على تهريب الذخائر ومعدات قتالية إلى الضفة الغربية، ولم يثبت وجود نشاط داخل الأردن يمس استقراره، كما أن محكمة أمن الدولة لم تبدأ جلساتها على الرغم من جاهزية لوائح الاتهام منذ أكثر من عام، في مؤشر على وجود حسابات سياسية وراء توقيت الكشف عن الملف.
في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنه كان من المفترض أن يتم إنهاء الملف قضائيًّا في أواخر العام 2024 بعد أن توصلت قناة اتصال بين حركة “حماس” والمخابرات الأردنية إلى تفاهم يقضي بإغلاق الملف مقابل اعتبار مدة التوقيف كافيةً للحكم.
لكن نجاح دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية دفع عمَّان إلى التراجع عن التفاهم، وفتح الملف من جديد، في ما يبدو أنه محاولة لإعادة تسويق القضية ضمن خطاب “مكافحة الإرهاب”، استجابةً للضغوط الأمريكية أو لاستباق التغيرات السياسية القادمة في الإقليم.
بذلك، يتحوَّل ملفٌّ كان في جوهره مرتبطًا بدعم المقاومة الفلسطينية إلى قضية أمن داخلي مفتعلة، يُراد من خلالها إرسال رسائل في غير سياقها، وتصفية حسابات تتجاوز حدودَ العدالة والوضوح.
الحدود الأردنية – الفلسطينية: شريان تهريب أم خط مواجهة؟
في السنوات الأخيرة، تحوَّلت الحدود الأردنية – الفلسطينية إلى ساحة صامتة للصراع الخفي بين المقاومة الفلسطينية من جهة، والتحالف الأمني الأردني – الإسرائيلي من جهة أخرى، في ظل تزايد ملحوظ في عمليات تهريب السلاح والمعدات القتالية إلى الضفة الغربية المحتلة.
تشير البيانات الإسرائيلية إلى تصاعد مضطرد في حجم الأسلحة التي تُضبَط على امتداد هذه الحدود، ففي العام 2020 تم ضبط 143 قطعة سلاح، وارتفع الرقم إلى أكثر من 500 قطعة موزَّعة على 25 عملية تهريب في العام 2022، ثم إلى أكثر من 415 قطعة في خلال 16 عملية فقط في العام 2023.
وما خُفي أعظم، إذ تُقدِّر المصادر الإسرائيلية أن ما يُهرَّب بنجاح يصل إلى مئات القطع الأخرى، ويتوزع داخل مدن الضفة الغربية وحتى الأراضي المحتلة عام 1948. وعلى الرغم من أن معظم هذه الأسلحة مصنَّفة ضمن الفئة الخفيفة، مثل المسدسات والبنادق الهجومية، إلا أن تقارير ميدانية وثَّقت محاولاتٍ لتهريب صواريخ مضادة للدروع، وقذائف صاروخية، وعبوات ناسفة.
ويؤكد أحد ضباط شرطة الاحتلال أن حجم ما يُضبَط لا يمثِّل سوى “غيض من فيض”، بما يعني أن تدفُّق السلاح إلى التنظيمات الفلسطينية في الضفة بات يصل إلى معادلات أكثر تعقيدًا من ذي قبل.
تشكِّل منطقة الأغوار –الممتدة على 240 كيلومترًا من أصل 360 هي كامل الحدود الأردنية مع فلسطين– أبرزَ نقاط التهريب، نظرًا إلى طبيعتها الجغرافية الوعرة، وضعف التغطية الأمنية في بعض قطاعاتها، إلى جانب تقلص عدد الكتائب البرية في جيش الاحتلال، إذ تُستخدَم في عمليات التهريب فتحاتٌ في السياج الحدودي، أو نقاط ميتة لا تغطيها كاميرات المراقبة والمجسات والأبراج العسكرية تغطيةً كافية.
تشير التحليلات الإسرائيلية أيضًا إلى أن مصدر بعض الأسلحة التي تهرَّب إلى الضفة يتمثل بلبنان وسوريا، حيث يمر السلاح من مخيمات اللاجئين، مرورًا بجنوب سوريا، ثم الأردن، في سلسلة تهريب معقدة. وقد برز في هذا السياق تنفيذ “إسرائيل” عمليات اغتيال لقادة فلسطينيين من مخيمات لبنان، وصفتهم مصادر عبرية بأنهم على صلة “بمسارات التهريب الممتدة نحو الضفة”.
في مواجهة هذه الظاهرة، لجأ الاحتلال إلى إحياء مشروع قديم لبناء جدار حدودي على امتداد الحدود الشرقية، وهو مشروع تعطَّل لعقود بسبب الكلفة الباهظة وخلافات داخلية، لكن الحديث عنه تجدَّد في صيف العام 2023 عقب إحباط محاولة تهريب واسعة.
بموازاة ذلك، كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن خطة إسرائيلية شاملة لتعزيز مراقبة الحدود مع الأردن، تشمل نشر رادارات وكاميرات وطائرات دون طيار، وإنشاء “الكتيبة الشرقية” المتخصصة، إلى جانب تجديد الحواجز الدفاعية على طول الخط الحدودي الممتد من “إيلات” إلى الحمة السورية، وقدَّر تقرير الصحيفة تكلفة الخطة بين 2.5 و4 مليارات دولار.
كل ذلك يجري في وقتٍ تعترف فيه “إسرائيل” بأن مقابل كل عملية إحباط ناجحة ثمة ثلاث إلى خمس عمليات تهريب ناجحة، ما يعني أن “الحدود الصامتة” لم تعُد كذلك، بل أضحت معبرًا ناشطًا ضمن معركة طويلة بين إرادة المقاومة الفلسطينية، وتكتلات أمنية تسعى إلى خنق الضفة الغربية وعزلها عن أي إمداد خارجي.
شيطنة الحراك الشعبي وتكميم الصوت المقاوم
منذ الأيام الأولى لـ”طوفان الأقصى”، بدا واضحًا أن الحراك الشعبي الأردني المؤيِّد لغزة والمقاومة الفلسطينية تجاوَز بكثير السقوفَ السياسيةَ الرسمية، فاحتشد الآلاف أمام سفارة الاحتلال في عمَّان، وتحوَّل مسجد الكالوتي إلى نقطة ارتكاز متجددة لكل تحرك تضامني، لكن هذا الزخم الجماهيري واجهه النظام الأردني بقدرٍ عالٍ من الحساسية والارتياب، لم يلبث أن تجلَّى في سلسلة إجراءات سياسية وأمنية وإعلامية لاحتواء الحراك وشيطنته.
سبقت إعلانَ اعتقال “الخلية التخريبية”، التي زُعم أنها تعمل لصالح “حماس”، حملةٌ أمنيةٌ استهدفت نشطاء سياسيين وشبابًا منخرطين في الفعاليات الميدانية، إلى جانب تحريض إعلامي واسع شنته صحف محلية ومنابر خليجية ضد منظِّمي التظاهرات، وصلت إلى حد الربط بينهم وبين محاور إقليمية معادية، مثل إيران وتنظيم داعش، وفق ما جاء في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنترست” وعممته قناة “الحرة” الأمريكية.
أعرب التقرير بوضوح عن القلق الأميركي من اتساع رقعة الاحتجاجات في الأردن، والتي لم تقتصر على المطالبة بوقف العدوان الإسرائيلي، بل طرحت شعاراتٍ سياسيةً تطالِب بإغلاق السفارة الإسرائيلية، وإلغاء معاهدة “وادي عربة”، وقطع العلاقات الاقتصادية مع الاحتلال.
تجاوب كبير في #الأردن بعد دعوة الناطق باسم القسام #أبو_عبيدة للشعب الأردني بالتحرك على المستوى الشعبي، حيث بدأت الليلة تحركات شبابية بالمئات تجاه سفارة الاحتلال، والحديث عن حراك كبير سيكون غدا الجمعة تجاه الحدود.#الأردن_كابوس_الاحتلال pic.twitter.com/31MZpqVVrS
— محمد المدهون (@mohamed_mdn) November 23, 2023
كما زاد من توتر النظام الأردني الدعوات المباشرة من الناطق باسم كتائب القسام “أبو عبيدة” للأردنيين إلى تصعيد كل أشكال الحراك الشعبي، والتي أكد فيها أن “الأردنيين كابوس الاحتلال”، والتي كانت تقابَل باستجابة على الفور، إذ خرجت تظاهرات حاشدة في اتجاه سفارة الاحتلال، الأمر الذي واجهته السلطات بحملات شيطنة منظمة.
في المقابل، دأبت وسائل إعلام أردنية وخليجية على إطلاق حملات منسقة ضد الحراك الشعبي، حمَّلت فيها حركةَ “حماس” مسؤوليةَ ما وصفته بـ”محاولات إشعال الفوضى” في الأردن، ووصفَت دعواتِها للجماهير الأردنية بـ”التحريض على زعزعة الاستقرار”، وقد حذرت وسائل الإعلام المنخرطة في الحملات مما أسمته “اختراقات إخوانية للحراك الشعبي”، فيما ذهبت بعض المقالات إلى حد الادعاء بأن “حماس أعلنت الحرب على الأردن”.
ليس اللافت في هذه الحملات الطابع الاتهامي الممنهج فقط، بل التجاهل المتعمَّد للطبيعة العفوية والوطنية لكثير من المتظاهرين أيضًا، ممن لا ينتمون لأي تيار سياسي، ولا حتى يؤيدون “حماس” أو جماعة الإخوان المسلمين، لكنَّهم خرجوا بدافع أخلاقي وإنساني رافض لمشهد الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
تجلَّت حساسية النظام كذلك في مواقف أخرى، من بينها رفض استقبال الأسير الأردني عمار حويطات الذي ورد أسمه في قوائم صفقة التبادل، ما أدى إلى رفضه الإبعاد عن وطنه وتفضيله البقاء في سجون الاحتلال، هذا إضافة إلى ملاحقة أقارب الأردنيين من منفِّذي العمليات الفدائية، والذي اتهمتهم السلطات بمساعدة ذويهم في تنفيذ العمليات، أو التستر على نواياهم.
كل ذلك، كشف عن معادلة حساسة في الداخل الأردني، بين نظام حريص على تقديم نفسه شريكًا في “الاستقرار الإقليمي” ومكافِحًا “للإرهاب” ضمن المنظومة الغربية، في مقابل شارع ما يزال يَعُدُّ أن القضية الفلسطينية ليست شأنًا خارجيًّا، بل مسألة وطنية وهوية، وامتدادًا طبيعيًّا لوجدان الأردنيين وتاريخهم السياسي والشعبي.
الإخوان المسلمون في الأردن وحسابات البقاء
وسط العاصفة التي أحدثها بيان المخابرات الأردنية بشأن “خلية تخريبية” مرتبطة بدعم المقاومة الفلسطينية، سارعت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن إلى نفي أية صلة لها بالمعتقلين، مؤكِّدةً أن ما حدث “أعمال فردية لا علم للجماعة بها”.
جاء هذا النفي على الرغم من أن البيان الحكومي أشار صراحة إلى انتماء بعض أفراد الخلية للجماعة، ما وضع الأخيرة أمام اختبار حقيقي بين نبض قاعدتها الشعبية، ومصالحها السياسية في البقاء ضمن “الهامش المسموح” من النظام.
في بيانها، شدَّدت الجماعة على “تمسكها بالخط الوطني ونهجها السلمي”، وأكدت أن “أمن الأردن واستقراره فوق كل اعتبار”، وأن “الحوار والتكامل بين مؤسسات الدولة والمجتمع هو السبيل لمواجهة التحديات”، لكن هذا الخطاب الرسمي بدا في تناقض صارخ مع الروح الجماهيرية التي سادت الشارع الأردني منذ انطلاق “طوفان الأقصى”، إذ تبنَّى آلاف الشبان خطابًا واضحًا في دعم المقاومة، والمطالبة بإلغاء معاهدة “وادي عربة”، وطرد سفير الاحتلال، ووقف كل أشكال التطبيع.
كشف البيان أن قيادة الجماعة قد اختارت النأي بنفسها عن الحراك الشعبي المتفاعل مع المقاومة، وتنكرت لنبض شبابها، الذي كان حاضنًا لكل ميادين التضامن ومظاهرات الكالوتي، ولفكرة أن دعم المقاومة واجب وطني وأخلاقي لا يقبل التفاوض.
لم يكن هذا الموقف إلا امتدادًا لسياسة الجماعة في السنوات الأخيرة، التي غلبت فيها نهج التكيُّف مع المزاج الرسمي، والحفاظ على المساحة السياسية المحدودة التي يُسمَح لها بالتحرك ضمنها، بعد أعوام من محاولات الإقصاء والملاحقة.
غير أن هذا التموضع، الذي اختارت فيه الجماعة أن تحافِظ على مكتسباتها المحدودة عوضًا عن الالتصاق بقضايا الأمة، قد لا يفضي إلى ما تأمله من أمان سياسي، فالواقع يشير إلى أن النظام الأردني يستثمر في “أمننة” الداخل وتصعيد نبرة المواجهة مع كل مَن يُظهِر ميلاً إلى التمرد على الخطاب الرسمي، ومهما حاولت الجماعة التبرؤ من أي نشاط لا يلبي معايير النظام، فإن الرسائل الصادرة من السلطات في المملكة واضحة: “لا حماية لأحد، والنجاة في الولاء الكامل”.
عطفًا على السياق كله، فإنه في اللحظة التي يتحول فيها الدفاع عن الخلية –التي تؤكد محاضر التحقيق أن دورها كان دعم الضفة الغربية– إلى تهمة، وتتحول فيها شعارات المقاومة إلى “خطر على السيادة”، فإن اختيارات القوى الفاعلة تصبح محدَّدةً إما بالالتحام مع وجدان الشارع، وإما بالانكفاء خلف جدران المساوَمة والتردُّد.
وفي هذا الإطار، ما لم تعِ الجماعة وغيرها من القوى السياسية الأردنية أن وظيفتها التاريخية تنبع من قدرتها على تمثيل وجدان الأمة لا مصالحها التنظيمية الضيقة، فإنها ستجد نفسها شيئًا فشيئًا خارج المعادلة، بينما يحتل الشباب المُخلِص المكانةَ التي فرَّغتها التنظيماتُ المترددة.
على الجانب الآخر، وعلى الرغم من محاولات النظام الأردني تغليف إجراءاته الأخيرة بغلاف “الأمن القومي”، فإن الوقائع تكشف عن سعي حثيث إلى ضبط المشهد الداخلي ضمن حسابات إقليمية وأولويات أمنية تتجاوز دعم فلسطين والمقاومة، وتتماهى مع ضغوط الحلفاء الغربيين.
نظرًا لأن الحدود النشطة مع فلسطين، والحراك الشعبي الحي، ودعوات المقاومة إلى التفاعل، وضعت النظامَ أمام مشهد معقد، حاول تجاوُزَه بتسويق خطاب التخريب وشيطنة الفعل المقاوم، فيما اختارت قوى سياسية، مثل الإخوان المسلمين، التموضعَ الآمنَ على حساب نبض الشارع.
هكذا، تَظهر الأزمة الحقيقية لا في خطرٍ داهم على الدولة، بل في اتساع المسافة بين السلطة وجمهورها، وفي العجز عن استيعاب حقيقة أن دعم فلسطين لم يَعُد مجرد شعار، بل معيارًا للشرعية الوطنية والالتصاق بالضمير العام.