حل “اللواء الثامن”.. كيف يغيّر المعادلة في الجنوب السوري جذريًّا؟

في خطوة تعكس تحوّلًا لافتًا في إدارة الملف الأمني في محافظة درعا جنوب سوريا، تمكنت الحكومة السورية من معالجة أحد أبرز الأعباء الأمنية التي أرّقتها منذ تسلّمها زمام الحكم في سوريا بعد سقوط النظام.
فقد جرى الإعلان عن حل “اللواء الثامن” التابع لـ”الفيلق الخامس” المدعوم من روسيا في عهد النظام البائد، والذي نشأ آنذاك ضمن تفاهمات دولية وإقليمية أعقبت اتفاق المصالحة في الجنوب السوري عام 2018.
إعلان حلّ اللواء
إعلان “اللواء الثامن” بقيادة أحمد العودة حلّ نفسه بشكل رسمي، جاء على خلفية قتل عناصر سابقين في اللواء القياديَّ العسكري بلال المقداد، المعروف بـ”بلال الدروبي”، والذي سبق له أن قاد محاولة انقلاب فاشلة إلى جانب قياديين آخرين، على أحمد العودة عام 2015.
مقتل الدروبي أدى إلى توترات واسعة في مدينة بصرى الشام، حيث خرجت مظاهرة غاضبة طالبت بتسليم المتورطين في قتل الدروبي، بالتزامن مع حشد اللواء قواته في المدينة، ومنع دخول رتل لإدارة الأمن العام، قبل أن يفضي اجتماع كان يدور في قلعة المدينة بين قادة اللواء وممثلين عن الأمن العام ووزارة الدفاع السورية، إلى دخول الرتل دون أي مواجهات عسكرية وانتشار نقاط أمنية حكومية داخل المدينة، وتفكيك مقرات اللواء.
وجاء في نص بيان حل اللواء الذي تلاه المتحدث باسم اللواء المقدم محمد الحوراني، “نحن أفراد وعناصر وضباط ما يعرف سابقًا باسم (اللواء الثامن) نعلن رسميًا عن حل هذا التشكيل بشكل كامل، وتسليم جميع مقدراته البشرية والعسكرية إلى وزارة الدفاع في الجمهورية العربية السورية، وتكليف النقيب محمد القادري بمهمة التنسيق المباشر مع الجهات المعنية لإتمام عملية الانتقال والتسليم بسلاسة”.
وحسب “تجمع أحرار حوران”، فإن قوات وزارة الدفاع والأمن العام تسلمت عددًا من مقرات قوات اللواء الثامن في مدينة بصرى، بعد وضع عناصر مشتركة بين الحكومة السورية واللواء، ولا سيما في القلعة والفندق، أهم مقرات اللواء داخل المدينة.
كما جرى تسليم سجنين لقوى الأمن العام ووزارة الدفاع في المدينة، كان فيهما 14 سجينًا، بينهم 4 مسجونين بتهم أمنية و10 آخرون بتهم جنائية.
يشير العميد عبد الله الأسعد رئيس مركز رصد للدراسات الإستراتيجية، إلى أن الحكومة السورية كانت تتعامل مع الجنوب السوري بشكل حساس جدًا نتيجة وجود اللواء الثامن في المحافظة الذي تغيرت تبعيته رسميًا إلى شعبة المخابرات العسكرية في العام 2022، وهو ما بقي يثير علامات استفهام حول الفصيل بالنسبة للحكومة التي حاولت تجنب أي عمليات عسكرية واشتباكات ضده.
معتبرًا في حديثه لـ”نون بوست” أن حادثة قتل عناصر اللواء للقيادي البارز “الدروبي”، والذي كان له خلافات سابقة تعود لسنوات مع “العودة” هي القشة التي قصمت ظهر اللواء، عدا عن انزعاج دمشق من تحفظات اللواء ورغبته في التكتل كقوة مستقلة عن الجيش السوري الجديد في محافظة درعا.
صراعٌ خفيٌّ
بدأت بوادر الصراع الخفي بين وزارة الدفاع السورية واللواء الثامن في شباط/ فبراير الفائت، عقب تصريح وزير الدفاع في الحكومة السورية مرهف أبو قصرة، لصحيفة “واشنطن بوست”، والذي أشار فيه إلى أن “نحو 100 فصيل مسلح في سوريا، وافقوا على الانضمام إلى وزارة الدفاع باستثناء عدة فصائل من بينها اللواء الثامن بقيادة أحمد العودة، الذي قاوم محاولات وضع وحدته تحت سيطرة الدولة”.
مؤكدًا أن “المجموعات التي ستنضم إلى الوزارة لن يُسمح لها بالبقاء في وحداتها الحالية، بل سيتم حلّها بالكامل ودمجها ضمن الجيش السوري الجديد”.
تصريح أبو قصرة لاقى ردًا سريعًا من الفيلق الذي أشار في بيان له، أن “أبناء الجنوب كانوا منذ البداية من الداعين إلى إنشاء وزارة دفاع وطنية تعمل وفق قواعد عسكرية منضبطة، تضمن تمثيل جميع مكونات سوريا دون إقصاء، وتستفيد من خبرات الضباط والثوار الأحرار لضمان أمن البلاد واستقرارها”.
مضيفًا أن تصريحات الرئيس أحمد الشرع، أكدت على وجود تنسيق مستمر بين إدارة العمليات العسكرية وفصائل الجنوب، مشددًا على أن هذا التعاون كان له دور أساسي في إسقاط النظام السابق.
ومع وصول الإدارة الجديدة لدمشق كان من أولياتها بحث مستقبل الفصائل العسكرية المنتشرة على مساحة البلاد، فقد أثمرت آنذاك سلسلة لقاءات بين الرئيس أحمد الشرع، وزعماء الفصائل، عن اتفاق يقضي بحل الفصائل ودمجها في الجيش السوري الجديد، مع الانخراط تحت مظلة وزارة الدفاع.
وقد كانت الإدارة الجديدة حادة ومباشرة وواضحة في مسألة حل الفصائل والانضمام إلى الجيش الجديد مع التلويح بخيار القوة العسكرية مع الفصائل التي قد ترفض هذا التوجه.
ولطالما أثار اللواء الذي استطاع تحصيل دعم روسي مخاوفَ من ارتباطاته، ومحاولته التترس ضد الحكومة السورية في المحافظة التي تعيش على صفيح ساخن بسبب التدخلات الإسرائيلية في ريفها الغربي، وما يمكن أن تشكله تلك التدخلات من حالة تناغم تستغلها “إسرائيل”، في ظل وجود حالة تترس فصائلي مناهض للحكومة أيضًا في السويداء المحاذية لدرعا، ما يعني احتمالية قيام سيناريو مشابه لتجربة حفتر في ليبيا.
ويمكن القول، إن نجاح الحكومة في دمج عناصر اللواء ضمن الجيش السوري بشكل سلس، بعد حلّه قد يساهم بشكل كبير في الحفاظ على العناصر المحلية وتقليل الاضطرابات ولا سيما في المحافظة ذات الطابع العشائري.
كما أن حلّ اللواء هو تفكيك للفيلق الروسي الخامس وإنهاء العمل بوثيقة تشكيله، ما يعني إعادة رسم قواعد الاشتباك الدولي والإقليمي من جهة، واستعادة دور الحكومة الجديدة السيادي وخاصة في غرفة الاتصال الساخن التي تضم قوات الفصل الأممية و”إسرائيل”.
في حديثه لـ”نون بوست”، يرى رشيد حوراني وهو باحث في الشؤون العسكرية بمركز جسور للدراسات، أن تأثير تفكيك الفيلق الثامن على الملف الأمني جنوب سوريا، يكون عبر ثلاث نقاط:
أولًا: إن تسليم اللواء الثامن كافة مقدراته العسكرية والإعلان يعني فكفكة أحد الأذرع التي ممكن أن تلعب بها الدول وتوظفها وتستخدمها لصالح تدخلها على الساحة السورية، ولا سيما الجانب الروسي.
ثانيًا: توحيد عمل القوى الأمنية والعسكرية في فرض الأمن والاستقرار في المنطقة الجنوبية.
ثالثًا: هي رسالة لكل الفصائل سواء في السويداء أو شمال شرق سوريا والتي لا تزال ترفض التعاون مع الحكومة، بأن الحكومة ماضية بكافة الأساليب السلمية والعسكرية والقانونية لدمجها في مؤسستها العسكرية، لأن عدم الانصياع لحكومة دمشق هو محكوم بقوانين يجب أن تعمل بموجبها كافة القوات المنتشرة على الساحة السورية.
مستقبل درعا
مع حالة التعقيد الأمني والسياسي الذي يحيط بمحافظة درعا، ولا سيما في الأشهر التي تلت سقوط النظام، ومع تفكيك اللواء الثامن يُعاد الآن رسم الخارطة العسكرية في الجنوب السوري، ذي الحساسية الإقليمية، والذي يتطلب استقرارًا أمنيًا واسعًا، يساعد بعودة النشاط الاقتصادي في المحافظة التي تعتبر صلة الوصل مع الأردن فالخليج العربي.
ومن جهة أخرى، ترتيب الأوراق العسكرية، وانتشار وحدات من الجيش السوري النظامي والأجهزة الأمنية في مناطق كان اللواء يتمركز فيها مثل بصرى الشام، ومناطق في الريف الشرقي، والمساهمة بشكل مباشر في ضبط عمليات تهريب المخدرات، والأهم قطع الطريق أمام الولاءات الإقليمية.
حسب محمد السكري، الباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، فإن درعا باتت على أبواب إنهاء الفراغ بينها وبين دمشق، الفراغ الذي استغلته “إسرائيل” في تهديداتها المستمرة، إضافة لتحقيق هدف مهم جدًا يتمثل في تقليل حدة الاستقطاب أو الاستثمار بكرت الجنوب، ورسم الصورة الأمنية الجديدة للجنوب السورية مع ما يرافق ذلك من تمهيد حلحلة ملف السويداء من منطلقات توافقية.
ويعتبر السكري في حديثه لـ”نون بوست”، أن الأبواب باتت مشرعة الآن لعودة منظومة الجيش السوري إلى جنوب سورية، بالمعنى المؤسساتي أيضًا، وزيادة قدرات الجيش السوري البشرية والمواردية العسكرية.
والأهم -حسب السكري- إعلاء حكومة دمشق من شأن “الحسم الأمني” عبر التفاوض بدلًا من القتال، حيث يبرز ذلك نجاعة الدبلوماسية الوطنية في تحقيق أهداف حسم احتكار العنف والسلاح بيد الدولة، كمقدمة لعودة هيكلية الدولة على حساب مجموعات ما دون الدولة التي نشطت خلال فترة الثورة السورية، وبالتالي هو مشهد جزئي يتكامل مع مشاهد أخرى ضمن الإطار الأمني كاستراتيجية أمنية ستصل نتيجتها لإعادة إنتاج المؤسسة العسكرية.
ختامًا.. يمكن القول إن المحافظة درعا ستقف أمام اختبارات حقيقية مستقبلًا، بعد طي ملف “اللواء الثامن”، وبسط الحكومة السورية نفوذها على مناطق أوسع في المحافظة، وما يمكن أن يثير ذلك مخاوف “إسرائيل” التي كانت تفضل قوات اللواء الثامن المضمون روسيًا على وجود قوات الحكومة السورية والتي ما تزال “إسرائيل” تنظر إليها ككلّ على أنها قوات متشددة معادية.