لقاء السوداني والشرع: هل يعيد بناء الجسور بين العراق وسوريا؟

في سابقة، ومفاجأة شكلت صدمة لدى الكثير من سياسي الأحزاب العراقية، التقى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الخميس الماضي، بالرئيس السوري أحمد الشرع في العاصمة القطرية الدوحة بعد ترتيبات أشرف عليها الديوان الأميري القطري.

ويعد لقاء السوداني بالشرع تطورًا لافتًا للغاية في مسار علاقات البلدين بعد سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد والهجمة الإعلامية التي شنتها بعض الأحزاب ووسائل الإعلام العراقية على السلطة الجديدة وحالة التوجس التي رافقت ذلك.

زيارة غير معلنة

وكشف مسؤول مقرب من الحكومة العراقية أن رئيس الوزراء العراقي التقى بالرئيس السوري وأمير دولة قطر في زيارة سريعة أجراها السوداني إلى الدوحة يوم الخميس، مبينًا أن “اللقاء الثلاثي جاء بسبب الأحداث المتسارعة التي شهدتها المنطقة وخاصة ما يجري في سوريا، حيث أكد رئيس الوزراء على أن العراق يراقب عن كثب التطورات الحاصلة في هذا البلد الجار، والتواجد العسكري للكيان الغاصب على أرضه”.

وفي الوقت الذي أكد فيه المسؤول العراقي تأكيد رئيس الوزراء العراقي وحثه الرئيس السوري على محاربة تنظيم داعش وحفظ الأمن والحدود، كشف بيان للرئاسة السورية أن اللقاء تناول العلاقات الثنائية في إطار حرص الجانبين على إعادة تفعيل مسارات التعاون العربي المشترك، والتأكيد على عمق الروابط التاريخية بين شعبي البلدين.

كما أكد بيان الرئاسة السورية على ضرورة احترام البلدين سيادة واستقلال كل منهما ورفض كافة أشكال التدخل الخارجي، فضلًا عن مناقشة عدة ملفات أهمها أمن الحدود المشتركة وتعزيز التنسيق الميداني والاستخباراتي، وتفعيل العلاقات التجارية البينية وتسهيل حركة البضائع والأفراد عبر المعابر الحدودية وتشجيع الاستثمارات المتبادلة.

ويعد لقاء السوداني بالشرع الاتصال الثاني الذي يجري على أعلى المستويات بين البلدين منذ 8 من كانون الأول/ ديسمبر الماضي وسقوط نظام الأسد، حيث تواصل الجانبان للمرة الأولى هاتفيًا في الثاني من أبريل/ نيسان الماضي.

تنسيق مشترك

من جانبه، أوضح فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء العراقي، أن اللقاء جاء بهدف تعزيز العلاقات الخارجية للعراق والانفتاح الإستراتيجي تجاه الدولة السورية، لافتًا إلى أن اللقاء جاء كذلك لتعزيز التنسيق الأمني والاستخباري مع دمشق.

وتابع الشمري أن بغداد تعمل على تصفير الأزمات في المنطقة، والاتجاه نحو الاستقرار، فضلًا عن تعزيز الاستقرار الإقليمي عبر العمل على إنجاح القمة العربية المرتقبة ببغداد، والتي ستشكل “فرصة مهمة للتلاقي العربي”.

من جانبه، أوضح الباحث السياسي رياض العلي أن تداعيات الأزمة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، وتغير موازين القوى في المنطقة، دفع العراق للخروج من حالة التوجس والتردد تجاه الانفتاح على سوريا، لا سيما أن العراق كان يراقب الوضع السوري عن كثب منذ شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي.

وتابع العلي -في حديثه لـ”نون بوست”- أن حالة الانفتاح الدولي على سوريا، سواء من الدول العربية أو الأوروبية، دفع العراق لحسم موقفه، لا سيما أن أوضاع الشرق الأوسط غير مستقرة أمنيًا وسياسيًا، وبالتالي، هناك حاجة عراقية ملحة للتنسيق الأمني مع سوريا، وضبط الحدود المشتركة، في ظل تراجع أعداد القوات الأميركية في سوريا، وسحب قرابة ألف جندي أميركي من قاعدة كونيكو السورية في الأيام الثلاثة الماضية، بما يعني أن هناك ضرورة عراقية لاستمرارية استقرار الحدود المشتركة التي أرّقت الأمن العراقي في السنوات الماضية.

وفيما يتعلق بدعوة محمد شياع السوداني لأحمد الشرع لحضور القمة العربية، يرى العلي أن هذه الدعوة، التي كانت قبل يومين من لقاء السوداني بالشرع، جاءت انطلاقًا من حرص بغداد على نجاح القمة العربية التي ستعقد في أيار/ مايو القادم، وحضور الرؤساء والأمراء، مبينًا أنه، وفي حال لم يدعُ العراق سوريا لحضور القمة، فإن ذلك كان سيؤثر على القمة العربية المزمعة، مع احتمالية فشلها مسبقًا إذا امتنع قادة خليجيون عن حضورها، وفق قوله.

وفيما يتعلق بتطور خطوات الحكومة العراقية وخروجها من ضغط الأحزاب والميليشيات الرافضة لدعوة الشرع للقمة العربية أو لقاء رئيس الوزراء العراقي به، يؤكد الباحث في الشأن الأمني حسن العبيدي أن الوضع الآن ليس كما كان عليه في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، مبينًا أنه، ومع مجيء دونالد ترامب للبيت الأبيض، واتساع رقعة الحرب إلى اليمن، وتهديد واشنطن لطهران بضربة عسكرية، كل هذه العوامل دفعت وشجعت الحكومة العراقية على الإفلات من حالة الطوق الذي كان مفروضًا على الدبلوماسية العراقية، والحد من قدراتها.

وفي حديثه لـ “نون بوست”، بيّن العبيدي أن الوضع الأمني الآن يصب في مصلحة الحكومة العراقية، لا سيما مع التسريبات التي تؤكد أن الفصائل العراقية الآن باتت في حالة سبات عملياتي، خوفًا وتوجسًا من رد أميركي عسكري قد يؤدي بالعراق إلى الفوضى أو إعادة رسم سياسات الحكم فيه، وفق العبيدي، وهو ما شجع السوداني على المضي في الدبلوماسية العراقية، وتقديم مصلحة العراق على بقية الاعتبارات.

تنسيق اقتصادي

بالنظر للبيان الصادر عن كل من العراق وسوريا، لم يركز الجانبان على الجانب الاقتصادي بذات القدر الذي ذُكر فيه الجانب الأمني والسياسي، لكن بما أن الاقتصاد يُعد الذراع الطولى للسياسة كما يصف علماء الاقتصاد، فإن العراق، وباعتباره دولة مستهلكة وغير صناعية، فإن الانفتاح الاقتصادي على سوريا قد يصب في مصلحته، وذلك وفق ما يراه الخبير الاقتصادي محمود مصطفى.

وفي حديثه لـ “نون بوست”، يشير مصطفى إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين كان يناهز مليار دولار عام 2024 قبل سقوط نظام الأسد، بيد أنه تراجع لنحو 5% فقط بعد ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، وهو رقم يُعد ضئيلًا جدًا مقارنة بما كان عليه حجم التبادل التجاري بين البلدين قبل الثورة السورية، والذي بلغ ذروته بنحو 8 مليارات دولار سنويًا.

وبيّن مصطفى أنه، وفيما إذا أُعيد فتح الحدود بين البلدين، فإن حجم التبادل التجاري سيتصاعد تدريجيًا، لا سيما أن البنية التحتية الصناعية في سوريا متوفرة بشريًا وماديًا، بالخصوص في ظل إعادة إعمار المصانع المتعلقة بالنسيج والملابس وغيرها، مشيرًا إلى أن البضائع السورية كانت حاضرة بقوة في الأسواق العراقية، وهو ما سيصب في مصلحة العراق وسوريا معًا.

واختتم مصطفى أن تطبيع العلاقات السورية العراقية سيصب في مصلحة البلدين، لا سيما في الجانب الاقتصادي، حيث يمكن لبغداد أن تجد لها سوقًا نهمة للنفط في سوريا، حيث لا تملك سوريا أي بلد مجاور مصدر للنفط باستثناء العراق، فضلًا عن إمكانية التعاون في مجال الزراعة والمياه وغيرها.

نُظر للقاء السوداني بالشرع كحدث تاريخيّ في مسيرة علاقات البلدين التي لم تشهد صفاءً على مدى العقود السبعة الماضية إلا في مراحل محددة لم تستمر طويلًا، بيد أن تغير منظومة الحكم في سوريا وتوجه الأخيرة نحو البراغماتية العملية قد يجعل علاقات دمشق ببغداد تسير في المسار الصحيح، خاصة إذا ما نجحت بغداد في مساعيها الرامية للعب دور إقليمي بارز، وتصفير الأزمات مع محيطها العربي والإقليمي.