أمجد طه.. نموذح المتصهين المستلب وبوق الإمارات للتطبيع مع “إسرائيل”

“يأتي زمان يخرج فيه قوم يهود، وهم في الأصل ليسوا كذلك، إنما مسلمون يلعبون دور اليهود، يمثلون إسرائيل خير تمثيل، وسيأتي اليهودي الجديد الذي أسميه اليهودي الوظيفي، ويصلي العشاء معنا، وهذه مشكلة كبرى، لأنه سيقوم بالوظيفة التي كان يقوم بها الجنرال الإسرائيلي أو التاجر الصهيوني”.
بهذه الكلمات وصف المفكر وعالم الاجتماع المصري الراحل عبد الوهاب المسيري، المتخصص في تاريخ الحركة الصهيونية، الواقع وكأنه يعيش بيننا اليوم، وتنبأ قبل أكثر من عقد بظهور “الصهاينة العرب”، الذين تراهم اليوم على هيئة إعلاميين يتصدرون الشاشات، ومسؤولين يتقلدون مراكز عليا، وشيوخ يتبوؤون منابر الدين، ويتكلمون باسم “إسرائيل” لكن بلسان عربي.
أحد أبرز هؤلاء “المتصهينين” الذين تنطبق عليهم هذه الأوصاف هو المطبّع البحريني الإماراتي أمجد طه، الذي يقوم بوظائف اليهود، ويمثل “إسرائيل” خير تمثيل، ولا يتوانى عن إظهار عدائه للمسلمين أكثر من الغرب، ويدافع باستماتة عن الاحتلال وجنوده بطريقة تعجب منها الإسرائيليون أنفسهم، وكأن أقل ما يقال عنه إنه “صهيوني أكثر من الصهاينة أنفسهم”.
المسلم المعادي لكل ما هو إسلامي
تعود أصول أمجد طه إلى إقليم الأهواز الإيراني، الذي تسكنه أغلبية عربية، وهو بحريني الجنسية، يقيم في الإمارات التي منحته جنسيتها عقب اتفاقية التطبيع مع الاحتلال في أيلول/ سبتمبر 2020، فيما يبدو أنه مكافأة له على دعمه للتطبيع، كما انتقل إلى بريطانيا وتجنس هناك أيضًا.
يقدم طه نفسه كصحفي ومحلل استراتيجي ومعلق سياسي على الشؤون العربية، إلى جانب تعريف نفسه كخبير في الشؤون السياسية الاستراتيجية في الشرق الأوسط، ويشغل منصب الرئيس الإقليمي للمركز الثقافي البريطاني لدراسات وأبحاث الشرق الأوسط، وهو مؤلف كتاب بعنوان “خداع الربيع العربي” في عام 2016.
منذ ظهوره على الساحة السياسية، وإقحامه في صدارة المفكرين الموالين للإمارات، الدولة الخليجية التي تنشط بشكل خاص في محاربة الإسلام السياسي بكل أشكاله، أظهر طه عداءً للإسلاميين والمسلمين أكثر من الغرب أنفسهم، وروّج لروايات زائفة تربط المسلمين بالإرهاب، مستغلًا المخاوف الأمنية في الغرب لتبرير سياسات أبوظبي القمعية، إلا أن لديه العديد من الآراء التي أثارت الجدل خلال الفترة الماضية.
في الأسابيع الأخيرة، دأب أمجد طه على تأجيج المشاعر المعادية للمسلمين في أوروبا، من خلال التحريض عليهم، وعلى مساجدهم ومؤسساتهم الخيرية، والتأكيد على أن “بريطانيا لديها متطرفون أكثر مما في الشرق الأوسط”.
أدلى طه بهذه التصريحات خلال مقابلة مع قناة اليمين الشعبوي في بريطانيا “جي بي نيوز” (GB News)، المملوكة لقطب صناديق التحوط في المملكة المتحدة بول مارشال، الذي اشترى العام الماضي مجلة “ذا سبيكتاتور” البريطانية اليمينية، في صفقة بلغت قيمتها حوالي 131 مليون دولار، ومملوكة أيضًا لشركة الاستثمار الخاصة “ليجاتوم”، ومقرها دبي، مما أضاف بُعدًا غريبًا للمناقشة.
‘I think you have more extremists in the UK than you have in the Middle East.’
Political analyst Amjad Taha says the word Islamaphobia is used to stop criticism of muslims.
📺 Freeview 236, Sky 512, Virgin 604
🔓 Become a GB News Member: https://t.co/mNsRsGCG3N pic.twitter.com/ZcImiJkHXE— GB News (@GBNEWS) February 16, 2025
أحدثت القناة مؤخرًا ضجة حول كيفية قيام الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) بتمويل الرسوم الدراسية الجامعية لشخص أصبح شخصية رئيسية في تنظيم القاعدة، في إشارة إلى المسلم الأمريكي من أصل يمني أنور العولقي، الذي كان على رأس قائمة المطلوبين لليمن والولايات المتحدة في قضايا “الإرهاب”، وعدَّه مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) الملهمَ الروحيَّ لتنظيم القاعدة.
بالنظر إلى تركيز طه على “المتطرفين” في المملكة المتحدة، وتغطية “جي بي نيوز” لتنظيم القاعدة، فمن المدهش أن الصحفية والمذيعة البريطانية كاميلا توميني لم تسأله عن دعمه المتحمس لدولة الإمارات، التي أشارت تقارير إلى أنها تمارس “الإرهاب” من خلال تجنيد مقاتلين من تنظيم القاعدة لتنفيذ اغتيالات ذات دوافع سياسية في اليمن.
وتتوافق رواية طه المعادية للمسلمين مع أجندة الإمارات الأوسع نطاقًا، التي تقود منذ سنوات حملات شرسة ضد الحركات الإسلامية المعتدلة في الشرق، ثم انتقلت إلى ملاحقتهم في الغرب من خلال نشر الروايات المعادية للإسلام في الأوساط الأوروبية، وربط الإسلام بـ”الإرهاب”، لتبرير سحق المعارضة السياسية ذات الخلفية الإسلامية، وصرف الانتباه عن جرائم “الإسرائيليين”، تزامنًا مع زيادة وتيرة تطبيعها مع الاحتلال الإسرائيلي.
وبهذا يصبح أمجد طه أحد أذرع أبوظبي للظهور في وسائل الإعلام اليمينية المتطرفة لشيطنة المسلمين الأوروبيين، وتشويه صورتهم، ووصمهم بـ”الإرهاب”، والتشكيك في الأئمة والعلماء المسلمين، فضلًا عن تأليب الحكومات الغربية عليهم، ومطالبتها بتقييد حرياتهم وحظرهم.
ويتمتع طه في هذا الصدد بسجل طويل من الترويج للأكاذيب والمصطلحات المغلوطة.
ففي وقت سابق من يناير/كانون الثاني الماضي، زعم أن منطقة في سمول هيث تتبع مجلس مدينة برمنغهام “تخضع لسيطرة الإسلاميين”، وأنها متأثرة بجماعة الإخوان المسلمين، التي تكن لها أبوظبي العداء العلني، ويطلق رئيسها محمد بن زايد اسمها على جميع “المتطرفين”، سواء الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيم القاعدة أو الحركات الشعبية التي تمارس انتخابات ديمقراطية في المنطقة.
وادَّعى طه، المقرب من المسؤولين في الإمارات، في تغريدة طويلة أن 700 مسجد – من أصل ما يقرب من 2500 مسجد في المملكة المتحدة، التي يصل عدد المسلمين فيها إلى حوالي 4 ملايين نسمة – تخضع لسيطرة جماعات تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، التي تنشط في تجنيد أتباعها من باب إلى باب، وفي اتحادات الطلاب، مما يفسر تأثيرها على الاحتجاجات المؤيدة لحماس.
We come from the Middle East; we understand how terrorists’ migration tactics work. We put them in prison, you put them in your streets. Islamists bring darkness wherever they go. Visit Britain’s Birmingham, specifically the Small Heath area, and you will find an…
— Amjad Taha أمجد طه (@amjadt25) January 4, 2025
على عكس ما يروّج طه، يظهر البحث السريع على جوجل أن معظم أماكن العبادة، إن لم يكن كلها، داخل هذه المنطقة الصغيرة، مرتبطة بالجماعات السلفية والبريلوية والديوبندية والشيعية، ولا توجد مساجد يديرها الإخوان في هذه المنطقة على وجه التحديد، ولكن حتى لو كانت مثل هذه المساجد موجودة بالفعل، فإن مزاعم طه تتجاوز حدود السخافة.
وفقًا لهذه المزاعم، “يدير المسلمون في هذه المنطقة مجتمعًا خياليًا فاسدًا: إجبار النساء على ارتداء ملابسهن، واستجواب الغرباء والسائقين في الشوارع، وإجبارهم على جمع الأموال لصالح ‘جمعيات خيرية غير مسجلة’ (من المفترض أنها تحوّل الأموال إلى ‘حماس’)، واستجواب الأطفال حول آرائهم بشأن ‘إسرائيل’، والإعلان عن أن اليهود غير مرحب بهم ويعيشون تحت تهديد دائم بالهجوم”.
هذه الادعاءات المبتذلة والمليئة بالكراهية المعادية للإسلام، والتي تم استحضارها في أعقاب الحرب على الإرهاب، مصممة لتغذية أسوأ خيالات المحافظين الجدد، وتصوير المسلمين كأشرار في سردٍّ أقل ارتباطًا بالواقع، وأكثر ارتباطًا بإدامة الخوف في خدمة “إسرائيل”.
وفي الآونة الأخيرة، قوَّض طه مفهوم الإسلاموفوبيا، على الرغم من البيانات المتاحة التي تشير إلى زيادة في الهجمات العنصرية المعادية للإسلام، وزعم أنه أداة يستخدمها “الإسلاميون والجهاديون” لإسكات الانتقادات الموجهة إلى الجماعات التي يصفها بـ”المتطرفة”، مثل جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة.
You believe in freedom of speech? Good, here’s one. They throw around ‘Islamophobia’ to silence you while ISIS, Hamas, and Al-Qaeda spread their propaganda in the West. But standing against terror isn’t hate. It’s patriotism. If an Arab, French, German, or British citizen is… pic.twitter.com/D6pClHSWVs
— Amjad Taha أمجد طه (@amjadt25) February 19, 2025
ويستخدم طه الحجة القائلة بأن التشريعات القائمة الخاصة بالمساواة ومكافحة الكراهية توفر الحماية الكافية، وهو ما يثير التساؤل: هل يطبق طه نفس المنطق على “معاداة السامية”؟ بالطبع لا. وبدلًا من ذلك، يصر على أن ما يوحّد المسلمين (الإسلاميين) حقًا هو كراهيتهم لليهود.
تمامًا كما يفعل الكاتب والصحفي البريطاني المعادي للمسلمين دوغلاس موراي، الذي ينتمي إلى المحافظين الجدد، ويشغل منصب المدير المساعد لجمعية هنري جاكسون (مؤسسة بحثية ذات توجه محافظ جديد)، ويخوض موجةً من الكراهية الشخصية لتبرير شيطنته الصارخة للإسلام والمسلمين، ويدّعي – في تجلٍّ صارخ لكراهية المسلمين – أن معاداة السامية متأصلة في الإسلام والمسلمين.
ويشبه رفض طه للإسلاموفوبيا ما فعله موراي، الذي وصف الإسلاموفوبيا بأنها “مصطلح هراء”، ويعارض هجرة المسلمين إلى أوروبا، وينتقد بشدة التغيرات الديموغرافية في القارة، وأدلى بتصريحات زعم فيها أن العنف والإرهاب هما نتيجة مباشرة للإسلام، ودعا إلى الحد من الهجرة كخطوة أولى نحو “تقليل الإسلام”.
ويعتبر طه أن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) معادية للسامية، ويدّعي أن المقاطعة فشلت، خاصة في دبي، حيث نشر مقطع فيديو للرئيس التنفيذي لشركة “ستاربكس”، التي كبّدتها المقاطعة خسائر فادحة، مدعيًا أنه “يحتفل بالنكهات الجديدة والشراكات المحلية في دبي”.
To those boycotting Starbucks in the name of antisemitism, you failed, especially in Dubai. BDS lost. Humanity won. Here’s the Starbucks CEO in Dubai, celebrating new flavors, local partnerships, and the Dubai Chocolate Bar Matcha Latte.
How about London, Australia, or Canada? pic.twitter.com/X1bd3of8zi— Amjad Taha أمجد طه (@amjadt25) February 12, 2025
كما يستخدم معاداة السامية لإخفاء الكراهية والعنف الإسرائيليين، اللذين ارتكبهما مشجعو فريق “مكابي تل أبيب” لكرة القدم، الذين دعمهم الموساد في أمستردام، مدعيًا أن “ما حدث لهم يسلط الضوء على الأسباب التي تجعل الشعب اليهودي في حاجة إلى دولة خاصة به، ويثبت أن أوروبا فشلت في معالجة معاداة السامية”.
ليس من المستغرَب إذًا أن نرى طه يحاول دعم هذيانه الموجَّه إماراتيًا من خلال الاستشهاد بشخصيات يمينية متطرفة ومعادية للإسلام، مثل الكاتب البريطاني إد حسين، الذي عمل مستشارًا سياسيًا مع القادة والحكومات في جميع أنحاء العالم، وفقد مصداقيته تمامًا، وهو عميل سابق للمحافظين الجدد.
حسين هو مؤسس منظمة “كويليام” الفكرية سيئة السمعة، وهي ما يُسمى بمركز أبحاث مكافحة التطرف، أشرف عليها وزير الدولة البريطاني للتعليم سابقًا مايكل جوف، للمشاركة في حرب باردة ضد المسلمين في بريطانيا، الذين لطالما كانوا هدفًا لممارساتها الضارة، حتى تم حلها في نيسان/ أبريل 2021، لكن إرثها السام لا يزال قائمًا، فعلى مدار 13 عامًا، روّجت لسياساتٍ ضارة بالمجتمع المسلم البريطاني.
ويكشف اعتماد طه على مثل هذه الشخصيات عن الفقر الشديد في حججه، وأجندته المعادية للمسلمين، التي ينحني لها بشغف شديد، والتي صُمِّمت على نطاق أوسع لتغذية أسوأ خيالات المحافظين الجدد، وتصوير المسلمين كـ”أشرار”، في سردٍّ لا يتعلق بالواقع، بقدر ما يتعلق بإدامة الخوف في خدمة الاحتلال الإسرائيلي.
في مقدمة صفوف المطبعين
في زمن أصبح فيه التطبيع غاية المنال للبعض، والهرولة المذلّة نحو السلام مع الكيان الصهيوني طموحًا، يُعرف طه بترويجه للتطبيع بين الدول العربية و”إسرائيل”، ويرى أنه ضرورة، رغم المآسي التي يواجهها سكان غزة، ويستخدم حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي لمدح “إسرائيل”، والإشادة بأخلاقياتها والتنوع الديني.
من الادعاءات التي يسوِّقها أمجد طه أن “للتطبيع مكاسب للفلسطينيين”، لكنه لا يدرك أن الاحتلال هو الرابح الوحيد من كل أشكال اتفاقيات السلام على حساب الشعب الفلسطيني أو الدول العربية والإسلامية، وسيحقق مكاسب تفوق بخطوات عديدة ما قد يحققه العرب أو المسلمون، وأن الفلسطينيين لن يحصلوا على أي حقوق أو مكاسب أو امتيازات من أي شكل من أشكال التطبيع مع “إسرائيل”، بل سيُسلبون المزيد والمزيد من فُتات حقوقهم التي كفلها القانون الدولي.
ويمثل طه نموذجًا لما يسميه عضو الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين في الكويت، عبدالله الموسوي، في كتابه “المتصهينون“، بـ”المتصهين الوقح”، الذي يرفع شعار “فلسطين ليست قضيتي”، ويدعو إلى التطبيع بتعالٍ وقسوة ونظرة دونية للشعب الفلسطيني، كأن يقول: “احمدوا الله أن الصهيوني المحتل قبل بإقامة علاقات معكم”.
طه هو أحد مؤسسي منظمة “شراكة” المؤيدة لـ”إسرائيل”، والتي نظَّمت، في أعقاب موجة التطبيع العربي مع “إسرائيل”، المعروفة بـ”اتفاقيات إبراهيم”، أول فاعلية عربية لها عبر الإنترنت لإحياء ذكرى الهولوكوست، والترويج لخطة عمل للتوعية بمكافحة معاداة السامية، وشارك فيها ممثلون عن الإمارات والبحرين والمغرب والسعودية، وحثَّ خلالها طه الدول العربية والخليجية على تثقيف الطلاب حول ما أسماه “الاضطهاد النازي لليهود في المناهج الدراسي”.
أما المؤسس المشارك الآخر لطه في “شراكة” فهو أميت ديري، الذي يركّز على الترويج لـ”إسرائيل” على الساحة الدولية، وأسس ويرأس منظمة “احتياطيون في الخدمة” (تم تغيير اسمها إلى “ديبلو آكت” DiploAct)، وهي منظمة إعلامية إسرائيلية تأسست في عام 2015، تُعنى بمحاربة حركة المقاطعة “بي دي إس”، والمجموعات الداعمة لها.
هذه المنظمة – التي وُلدت بعد أن زار إسرائيليون الإمارات، وقرّروا إطلاق مشروع مشترك يُركّز على اللقاءات الشخصية، ويهدف إلى قيادة مبادرات اجتماعية لتعزيز الألفة مع “إسرائيل” في العالم العربي، وخلق تعاون بين الشباب في إسرائيل والدول العربية – تروِّج لاتفاقيات التطبيع العربي مع “إسرائيل”، وتسهِّل جولات للأفراد العرب من الإمارات والبحرين والمغرب والسعودية إلى “إسرائيل” ومعسكر أوشفيتز في بولندا، وتُعزّز العلاقات الوثيقة، وتواجه حركة المقاطعة “بي دي إس”.
تحت رعاية المنظمة حديثة التأسيس، ذهب طه في رحلة إلى “إسرائيل” مع الإماراتي ماجد السارة، في وقت سابق من كانون الأول/ ديسمبر 2020، على رأس وفد إعلامي بحريني وإماراتي، بهدف “تعزيز العلاقات الشعبية” بين الدول الخليجية و”إسرائيل”، في أعقاب توقيع “اتفاقيات إبراهيم”، التي أدّت إلى تطبيع العلاقات بين دول خليجية وعربية مع “إسرائيل”.
تشرفت بلقاء أصدقاء من الخليج العربي الذين يحلون ضيوفًا على إسرائيل.
لا شعور يضاهي شعور التلاقي والانفتاح والتآخي..
وللضيوف الكرام أقول: بكم نزلتم أهلًا ووطئتم سهلًا. مرحبًا بكم في أرض الضيافة في إسرائيل.. pic.twitter.com/rQkq5PAbrl— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) December 17, 2020
خلال هذه الزيارة التطبيعية، فعل طه ما لم يفعله سائح يهودي أجنبي؛ التقى بناشطين وطلاب وقادة إسرائيليين، من بينهم رئيس الاحتلال السابق رؤوفين ريفلين، ووزير الخارجية السابق غابي أشكنازي، بالتنسيق مع جيش الاحتلال، الذي كلَّف مجموعة خاصة لحمايته. كما شارك في حفل إضاءة الشموع بمناسبة عيد الحانوكا اليهودي، واستمع إلى قصص من المحرقة باللغة العربية في ياد فاشيم، وتجوّل في متحف “إسرائيل”، وتناول الطعام مع عائلات إسرائيلية.
وخلال لقاء مع الصحفي الإسرائيلي حنانيا نفتالي، عبَّر أمجد طه، إلى جانب الناشط الإماراتي ماجد السارة، عن فرحتهما بتواجدهما في “إسرائيل”، ودفاعهما عن جيش الاحتلال، وطالبا بشكر الجيش الإسرائيلي على “حماية البشرية”، مدّعيَين أنه “يحمي النساء والأطفال”، ووصفا ما يقوم به عناصره بأنه “بطولة حقيقية على الأرض، يجب على الناس أن تشيد بها”.
أثارت هذه التصريحات، التي ربما لن تتردد حتى على لسان المتحدث باسم جيش الاحتلال أو حلفائه في الولايات المتحدة، استهجانًا وردود فعل تجاوزت النشطاء العرب إلى بعض الإسرائيليين، الذين أصابتهم هذه التصريحات بالصدمة، ومن بينهم الصحفي الإسرائيلي نفسه، الذي أصابه الذهول، وسألهم باستغراب: “الجيش الإسرائيلي؟”.
وكانت الزيارة قد أثارت جدلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، وتسببت تصريحاته التي وصف فيها الإسرائيليين بأنهم “أهل الجود والكرم”، و”إسرائيل بالدولة الحرة”، في انتقادات حادّة، فيما بدا أنه نشر عدة مقاطع فيديو من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ليستفز الفلسطينيين، كما هو مطلوب منه تمامًا، ليردّوا برميه بالأحذية أثناء تصويره بعض المشاهد، وكان الاعتداء عليه رسالة مفادها أن الأرض لها أصحابها، وأن زيارته وتطبيعه مرفوضان.
بعد أشهر قليلة من هذه الزيارة، هنأ الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، أمجد طه بعيد ميلاده، واصفًا إياه بـ”الصديق وجسر السلام الحقيقي والمعرفة والاحترام المتبادل”. ولم يتأخر رد طه على تغريدة أفيخاي، قائلًا: “شكرًا يا الطيب، جعل كل أيامك سعادة وسلامًا وصحة وتوفيقًا”، وهو ما أثار استنكار الكثيرين بسبب مواصلة أمجد طه حملاته التطبيعية.
عيد ميلا سعيد صديقي الغالي أمجد @amjadt25 وكل عام وانت بخير وصحة وسلامة يا رب! انت جسر حقيقي للسلام والمعرفة والاحترام المتبادل! دام عزك pic.twitter.com/zYryHotQb3
— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) March 11, 2021
وأشاد طه -في سياق تسويقه المجاني المتواصل للتطبيع مع الكيان الصهيوني- بجيش الاحتلال الذي يرتكب جرائم إبادة جماعية، ويقتل الأطفال في غزة. وفي إحدى المرات، قال: “يجب على الإنسانية أن تشكر جنود إسرائيل الذين يحاربون الإرهاب”.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2024، سافر طه إلى أستراليا “نيابة عن الصندوق القومي اليهودي في أستراليا”، حيث روَّج لـ”اتفاقيات إبراهيم” باعتبارها “ليست ناجية من السابع من أكتوبر فحسب، بل تم استخدامها أيضًا كقناة للمساعدات الإنسانية، ورؤية لمستقبل من النمو المشترك”، مشيرًا إلى أن “المزيد من الدول العربية والإسلامية، مثل السعودية وإندونيسيا وتونس وغيرها، من المرجح أن تنضم إلى اتفاقيات التطبيع، أو ربما تنشئ اتفاقياتها الخاصة”.
وفي موقف مناوئ للمقاومة الفلسطينية، تتبناه تل أبيب وأبوظبي، زعم طه أن أستراليا تتحول إلى “أستراليا ستان” – وهي، كما يصفها، “نسخة متطرفة من أمة كانت ذات يوم تدافع عن التنوع والسلام” – بعد رؤية الحشود تحتفل علنًا، في بلد مسالم، بسلسلة من القادة “الإرهابيين القتلى”، في إشارة إلى قادة حماس وحزب الله الذين استهدفتهم “إسرائيل” منذ بدء الحرب الأخيرة على غزة.
ولا يخفى على أحد الدور الذي لعبه -وما زال يلعبه- الصندوق القومي اليهودي في نهب أراضي فلسطين، وبناء المستوطنات، واستقبال المهاجرين اليهود من أنحاء العالم، وتوطين العمالة اليهودية منذ النكبة، مستندًا إلى سيولة التمويل وتواطؤ القوى الدولية، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وبريطانيا، فضلًا عن تولّيه بعد ذلك مهمة تغطية جرائم الحرب عبر بناء المستوطنات فوق الأنقاض المدمَّرة، وإعادة تشجير وزراعة مئات الأفدنة فوق المقابر الجماعية لأصحاب الأرض.
“أنا صهيوني”
تمتد علاقات طه بـ”الدعاية” الإسرائيلية بشكل خبيث إلى ما هو أبعد من “شراكة” والصندوق القومي اليهودي، فهو كاتب في صحيفة “إسرائيل هيوم” اليمينية، التي تُعتبر على نطاق واسع بوقًا لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والتي استثمر قطب الكازينوهات ورجل الأعمال الملياردير الصهيوني شيلدون أديلسون، المموِّل المؤيد لكراهية الإسلام، في عام 2018، ما لا يقل عن 50 مليون دولار في هذه الصحيفة العبرية التي يديرها قريبه.
بالإضافة إلى ذلك، يرتبط طه بحنانيا نفتالي، وهو من دعاة حرب الإبادة الجماعية التي تشنها “إسرائيل”، و”المساعد الرقمي” السابق لنتنياهو، والمعروف بترويجه للأكاذيب والصور المزيّفة، ففي وقت مبكر من الإبادة الجماعية للفلسطينيين، نشر نفتالي صورة لأطفال فلسطينيين قتلى مع الرسالة: “يجب على العالم أن يشكرنا على تدمير هذه القنابل الموقوتة الصغيرة. في الواقع، نحن نمنع وقوع أحداث مماثلة لدول أخرى في السنوات القادمة”.
كما يحلّ أمجد طه ضيفًا دائمًا على المنابر الإعلامية الإسرائيلية أو الداعمة للاحتلال، مثل قناة “i24NEWS” الإسرائيلية الناطقة بالعربية، التي يعبّر فيها دائمًا عن دعمه لدولة الاحتلال، ويدّعي تراجع الدعم الشعبي للقضية الفلسطينية. ومن ثم تحتفي المنصات الإسرائيلية الناطقة بالعربية بتصريحاته المؤيدة للاحتلال والتطبيع، وتُصوّره على أنه “صوت شجاع” يعبّر عن شريحة واسعة داخل الدول العربية.
الدعم العربي والغربي لإسرائيل هو ردّ طبيعي على الجرائم الهمجية التي ارتكبها دواعش غزة وقاموا بنشرها. إزاء هذه الأعمال، لا يمكن إسكات الأصوات العربية التي تقول كلمة حق، لأنّ السكوت هو الجريمة بعينها.
استمعوا إلى أمجد طه وهو صوت شجاع من الخليج: @amjadt25 pic.twitter.com/t2Tux4lV85— إسرائيل في الخليج (@IsraelintheGulf) October 11, 2023
كما أظهر دعمه الثابت لنظام الإرهاب الصهيوني، وعبَّر عن حبه للاحتلال، متحدثًا باسم الشعب البحريني، ونطق كذبًا بقوله: “اليوم نقف مع إسرائيل، ونزدهر معًا، ونقاتل ضد عدو واحد. نعيش في سلام ورفاهية، وفي تفاهم ديني وثقافي متبادل”. وأضاف: “ليس العمل التجاري فقط، بل كل شيء، من أجل أن يعيش شعب إسرائيل والبحرين والإمارات في مكان صحي وآمن وأكثر سعادة”.
ليس هذا وحسب، بل قال، معترفًا عن نفسه، إنه “صهيوني”، وأشار إلى أن هذه الكلمة لا تؤثر به، وقال: “من الآن فصاعدًا، لا ينبغي لأحد أن يسكتنا أبدًا بوصفنا صهاينة. في الواقع، إذا كان كونك صهيونيًا يعني البناء والتطوير وإسعاد الناس والبشرية، فنحن جميعًا كذلك”. ويؤكّد طه في كل مرة يتحدث فيها أنه يستحق هذا اللقب بجدارة.
ولا يدّخر الرجل وقتًا أو جهدًا لشيطنة منتقدي “إسرائيل”، فهو أكثر صراحة في معاداة إيران من المسؤولين الإسرائيليين المتطرفين أنفسهم، ويصف المنظمات الفلسطينية، مثل السلطة الفلسطينية وحماس، بـ”الإرهاب”. لكن هذا العداء ظهر أكثر بعد طوفان الأقصى، فتعامى عن جرائم المحتل، وتعاون معه، وتفانى في خدمة الاحتلال، خافضًا له جناح الذل من النذالة والعمالة.
ومنذ بدء حرب الإبادة الجماعية التي تشنها “إسرائيل” على غزة، لم يَحِد طه عن الرواية الإسرائيلية، متبنِّيًا رواية تراجع عن فصولها الصهاينة أنفسهم، وتفانى في تلميع جيش الاحتلال، حتى إنه تجاهل المجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال، ولم يُعر أكثر من 50 ألف شهيد فلسطيني أي اهتمام. وبدلًا من ذلك، طالب الحاضرين خلال مؤتمر مركز حوار الحضارات والتسامح الدولي، الذي عُقد في أبو ظبي، بدقيقة صمت، والصلاة من أجل عائلة بيباس الإسرائيلية التي قتلها جيشها، ثم أفرجت المقاومة عن جثامينها من غزة، مردِّدًا رواية الاحتلال بأن حمـاس قتلتهم.
في اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى، أشارت إليه صحيفة “هآرتس” العبرية باعتباره نموذجًا لدعم “إسرائيل” الذي لم يعد أمرًا محرَّمًا في العالم العربي، واستشهدت بتغريدة نشرها أمجد طه باللغة العبرية، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ادعى فيها: “في العالم العربي والإسلامي والحر، ندعم إسرائيل وندين الهجمات الإرهابية الفلسطينية. وكما ترون في فيديوهات اليوم، إنه صراع بين أمة متحضرة وميليشيات همجية”.
ونطق أمجد طه بلسان إسرائيلي، منتقدًا عناصر حماس، ووصفهم بأنهم “جبناء مموَّلون من إيران، لم يهاجموا إلا عندما علموا أن الإسرائيليين يصلّون في أعيادهم”، ثم خاطب الإسرائيليين بما يحبّون أن يسمعوه، موجّهًا رسائل دعم وتضامن معهم، وكتب: “كونوا أقوياء وردّوا بقوة. لقد تغيّر العالم، والإرهابيون وحدهم هم من يقفون إلى جانب هذه الميليشيات. ستستمر محادثات التطبيع، وستنضم دول أخرى. هؤلاء البرابرة الذين يحاولون إيقافها لن ينجحوا”.
وفي حديثها عن تغطية الإعلام العربي، استعانت الصحيفة ذاتها برأي طه، الذي انتقد التغطية الإعلامية العربية للعدوان الإسرائيلي على غزة، مدّعيًا أن “التقارير الانتقائية تغذّي الغضب والكراهية لإسرائيل”، وأن “العديد من وسائل الإعلام العربية مُدانة بالتغطية الأحادية الجانب والمنحازة لصالح حماس، مع إهمال الصورة الأوسع”.
وفي سلسلة فيديوهات نشرها على قناته بـ”يوتيوب”، التي أنشأها – على ما يبدو – بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على غزة، يرتمي أمجد طه في أحضان الاحتلال، فيهاجم المقاومة الفلسطينية واللبنانية وقادتها، ويصفها بـ”الإرهاب”، زاعمًا أن “إسرائيل” هي من تحاول الوصول للسلام، ويطالب بالقضاء على حركة حماس والسيطرة على قطاع غزة، كما هاجم السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وطالب بإسقاطها، مدّعيًا أنها “فاسدة ولا ترقى لأن تكون هي الحاكمة في فلسطين”.
لذلك، اقتبس نتنياهو في خطابه أمام الكنيست، في تشرين الأول/ أكتوبر 2014، من مقال لطه، اجتز فيه أكاذيب الدعاية الإسرائيلية المضلِّلة بحذافيرها، وتجرّأ على المقاومة الفلسطينية، واستعان في خطابه بحديث طه عن إيران والضربات الأخيرة، مدّعيًا أن المنطقة العربية تدعم الهجمات على إيران وحماس في قطاع غزة، وترفض التواجد الإيراني وأفعاله في الشرق الأوسط.
“هذه أمة يحترمها العالم وانتصارها انتصار على التطرف والإرهاب من أجل مستقبل الشرق الأوسط”.. في خضم الانتقادات التي تتالى عليه داخل إسرائيل، نتنياهو يلجأ للاقتباس من مقال للمجنس الإماراتي أمجد طه اجتر فيه أكاذيب البروباغندا الإسرائيلية بحذافيرها.. #شاهد pic.twitter.com/BHutz3jdvO
— مجلة ميم.. مِرآتنا (@Meemmag) October 28, 2024
بعد أيام من خطاب نتنياهو، دعا طه الدول الغربية إلى السير على نهج أبو ظبي في عدم التسامح مع النشطاء المدافعين عن القضية الفلسطينية، ومعاداة السامية، والإخوان المسلمين. وجاءت تصريحاته تعليقًا على رفع متظاهرين في أستراليا صور لبعض وجوه المقاومة.
في المرة القادمة التي يعلّق فيها أمجد طه على الأحداث الجارية في المنطقة وأوضاع المسلمين في أوروبا، يجب تذكّر أن مزاعمه حول “التطرف” هي جهد محسوب لشيطنة المسلمين، وتعزيز أجندة مؤيدة لـ”إسرائيل”، وتأجيج الانقسام الذي يخدم مصالح الإمارات، وصرف الانتباه عن الإبادة الجماعية للفلسطينيين.
في النهاية، لا يتعدَّى أمجد طه كونه بوقًا سطحيًّا للمصالح الإماراتية والإسرائيلية الإبادية والمناهضة للإسلام، متنكرًا في هيئة صحفي ومعلق سياسي منهزم من الداخل، مستلب في طبعه، لا يؤمن بلغة المقاومة والجهاد، ويحاول إقناع نفسه بأن السلام مع الكيان الصهيوني هو غاية المنال، ويعمل بنشاط نحو تصفية القضية الفلسطينية، وتشويه كل ما هو إسلامي.