كيف تحول مشروع إسكان لمسلمي تكساس إلى ذريعة للعنصرية السياسية؟

ترجمة وتحرير: نون بوست
تصطنع أمريكا مرة أخرى حالة من الذعر الأخلاقي، وهذه المرة بسبب حي لم يتم بناؤه بعد.
ففي ولاية تكساس، أدى مجرد اقتراح مشروع “إيبك سيتي”، وهو مشروع إسكاني صديق للمسلمين يقوده مركز إيست بلانو الإسلامي (إيبك)، إلى إشعال عاصفة سياسية وإعلامية.
وهو يحمل كل السمات المميزة لقواعد اللعبة المألوفة: فقد أعيدت إلى الواجهة هستيريا “مسجد غراوند زيرو” التي حدثت في عام 2010، والتي تم تسليحها من قبل نفس الجهات الفاعلة وتغذيها نفس التيارات الخفية للعنصرية والإسلاموفوبيا والقلق القومي الأبيض.
أطلق حاكم تكساس، جريج أبوت، شرارةَ هذا الهلع في فبراير/ شباط عندما نشر على منصة “إكس”: “الشريعة الإسلامية غير مسموح بها في تكساس”.
جاء منشوره بعد فترة وجيزة من قيام إيمي ميكيلبورغ، المُحرّضة اليمينية المُتطرفة المعروفة بنشر معلومات مُضلّلة مُعادية للمسلمين، بوصف المشروع المُقترح زورًا بأنه “مدينة الشريعة”، وبدلًا من رفض هذه التهمة، ضخّم أبوت من شأنها، مُعاملًا العائلات المسلمة التي تبني منازل كتهديد يجب أخذه على محمل الجد.
وبعد شهر، في 25 مارس/ أذار الماضي، حذا المدعي العام في تكساس، كين باكستون، حذو أبوت؛ حيث بدأ تحقيقًا رسميًا في مشروع “إيبك سيتي” وطالب مطوريه والمسؤولين المحليين بتقديم سجلات بشأنه.
وعلى الرغم من تأطيره كخطوة قانونية روتينية، إلا أن التحقيق استهدف انتهاكات مفترضة لقانون الولاية – على الرغم من عدم وجود أي دليل على عدم قانونية المشروع أو أي محاولة لإنشاء نظام قانوني موازٍ – إلا أن ذلك لم يمنع مسؤولي تكساس من التذرع بحجج الأمن القومي لتجريم ما يعتبر في جوهره مشروع إسكاني.
بعد فترة وجيزة، قام أبوت بتصعيد الأمور أكثر من ذلك؛ حيث طلب من المطورين التأكيد “في غضون سبعة أيام على أنهم سيتوقفون فورًا عن بناء مشروعهم غير القانوني”، كان هذا طلبًا لا أساس له من الصحة زاد من حدة حالة الذعر المفتعلة بالفعل.
بعد أسبوعين؛ في 8 أبريل/ نيسان، أعلن باكستون عن سعيه لإزاحة السيناتور الجمهوري جون كورنين. وفي اليوم التالي، دعا كورنين وزارة العدل للتحقيق في المشروع، مرددًا نفس الخطاب المعادي للإسلام والمستهلك تحت ستار منع “التمييز الديني”.
إن استغلال الرجلين لنفس مشروع الإسكان الذي يقوده المسلمون للتنافس ضد بعضهما البعض في سباق يميني متشدد يكشف عن مدى الاستخفاف الذي يُصوَّر به المسلمون ككبش فداء. ومرة أخرى، لا يُصوَّر الوجود الإسلامي كحقٍّ يجب حمايته، بل كتهديدٍ يجب التحقيق فيه.
لا يتعلق الأمر بتقسيم المناطق أو البنية التحتية أو الامتثال القانوني، بل يتعلق بمن يُسمح له بالعيش المشترك، وبأي شروط.
يستند رد الفعل العنيف هذا إلى منطقٍ غير معلن ولكنه عنصريٌّ للغاية: أن المسلمين، من خلال تنظيمهم لمجتمع ما، فإنهم يثيرون الريبة بطبيعتهم، وأن مجرد اجتماعهم للعيش والعبادة وتربية العائلات يُصوَّر على أنه تهديد، كما لو أن الوجود الإسلامي نفسه يزعزع استقرار النسيج الاجتماعي الأمريكي.
تجريم المجتمع
إن الجدل الدائر حول “إيبك سيتي” يقدم حالة نموذجية لكيفية عمل الإسلاموفوبيا، ليس فقط كتعصب ديني، ولكن كنظام إقصاء عنصري عميق.
إن فكرة وجوب إثبات المسلمين ولاءهم أو فضيلتهم المدنية أو اعتدالهم من أجل بناء المنازل ليست مهينة فحسب، بل هي فكرة مجردة من الإنسانية، إنها تختزل حياة المسلمين في كونها تهديدًا محتملًا يجب مراقبته أو إدارته أو تحييده.
وعندها يُصبح مشروع سكني مُقترح موضع تحقيق، ويُصبح المسجد مصدر قلق للأمن القومي، ويُصبح حيّ ما ساحة معركة في حملة سياسية؛ كل هذا ليس بالجديد.
فقبل خمسة عشر عامًا، قوبلت محاولة المسلمين لبناء “بيت قرطبة” (بارك 51) – وهو مركز إسلامي كان من المقرر بناؤه بالقرب من موقع هجمات 11 سبتمبر/ أيلول في مدينة نيويورك – بغضب مماثل، وفي ذلك الوقت أيضًا عملت وسائل الإعلام اليمينية والسياسيون ومن يُسمّون أنفسهم بالنشطاء المُناهضين للشريعة الإسلامية على زرع الخوف والتآمر لتحويل مشروع بناء محلي إلى تهديد وطني.
تم إلغاء المشروع في نهاية المطاف بعد سنوات من الضغط، وأُغلق العقار للهدم، وقيل إنه تم بناء عمارات فاخرة في الموقع بدلاً من ذلك.
إن ما يميز رد الفعل العنيف الحالي هو مدى عمق الطابع المؤسسي الذي يُضفى عليه؛ حيث لم يعد يقتصر على الخطاب السياسي والغضب الإعلامي، بل أصبح يتم من خلال التحقيقات والتهديدات الحكومية الرسمية.
في الوقت نفسه؛ يعكس هذا النمط من الغضب المصطنع إستراتيجية أوسع نطاقًا من التشهير الساخر الذي يهدف إلى الفوز في الانتخابات، وهي إستراتيجية لا تقتصر على الولايات المتحدة.
ففي المملكة المتحدة؛ اندلعت هجمات يمينية مماثلة على الجاليات المسلمة خلال الانتخابات العامة لعام 2024، عندما أثارت شخصيات من بينها نايجل فاراج وغيره من المعلقين اليمينيين المتطرفين غضبًا شعبيًا بسبب مزاعم لا أساس لها من الصحة بأن المسلمين البريطانيين يحاولون إنشاء “مناطق محظورة” أو بناء جيوب انفصالية.
وعلى غرار ما حدث في تكساس، استندت هذه المؤامرات على مجازات الإسلاموفوبيا القديمة لتصوير المشاركة المدنية للمسلمين على أنها تهديد متأصل، واستُخدمت لحشد الدعم الانتخابي من خلال تصوير المسلمين على أنهم تهديد داخلي.
يضاف هذا إلى تاريخ طويل من السياسة الأمريكية والروايات الإعلامية والمشاريع الإمبريالية التي هيأت الرأي العام لرؤية المسلمين – سواء في الداخل أو في الخارج – باعتبارهم مشاكل يجب التعامل معها أو القضاء عليها، فمن مراقبة المساجد وغوانتانامو إلى برامج مكافحة التطرف العنيف وحرب الطائرات المسيرة، تم تصوير المسلمين على أنهم تهديد ومحل اختبار في آن واحد.
إن الهستيريا التي تتكشف الآن في تكساس ليست سوى أحدث فصل في تلك القصة، وهي تكرار آخر لآلية ما بعد 11 سبتمبر/ أيلول التي لم تتوقف عن العمل أبدًا.
مفارقة قاسية
يتخذ هذا السياق الأوسع من بثّ الخوف ضد المسلمين بُعدًا قاسيًا للغاية في حالة “إبيك سيتي”.
وأكد المطورون أن المجتمع سيُشكّل، جزئيًا، ملاذًا للعائلات الأفغانية التي تسعى للسلام والاستقرار بعد فرارها من الحرب.
غير أن الحرب المعنية لم تكن مجرد واقع مؤسف، بل كانت من تدبير ودعم الحكومة الأمريكية نفسها التي تُصوّر وجودهم الآن كتهديد محتمل، ونفس الحكومة التي زعزعت استقرار أوطانهم تُشكك الآن في وجودهم في ضواحي تكساس.
إن هذا التنافر المعرفي قد يكون مثيرًا للضحك لو لم يكن بهذه الخطورة.
وهذا الخطر ليس نظريًا، فمناخ التحريض الذي يؤجج هذا الغضب أدى بالفعل إلى أعمال عنف تغذيها الكراهية؛ من تخريب المساجد إلى مقتل الطفل وديع الفيومي، البالغ من العمر ست سنوات في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 في إلينوي، والهجوم على سوق عيد الميلاد في ماغدبورغ في ألمانيا في ديسمبر/ كانون الأول 2024، مما يؤكد أن أذى الخطاب المعادي للإسلام يمتد بشكل روتيني ليصل أثره إلى العالم الحقيقي.
Hate has consequences.
All of the anti-Muslim bigotry being spread by the Far Right in Texas for the last few weeks is not only slanderous, it is dangerous.
In Houston, TX, twenty kids in Paul Revere Middle School ganged up against three Afghan refugee girls who were wearing… pic.twitter.com/rpgp2F1moE
— Dr. Yasir Qadhi (@YasirQadhi) April 10, 2025
عندما يشير مسؤولو الدولة إلى أن مشاريع المسلمين مشبوهة – عندما يشير المحافظون إلى أن بناء المنازل قد يكون جزءًا من مؤامرة أجنبية – فإنهم يضفون الشرعية ويشجعون على أكثر العناصر كراهية في المجتمع.
ولكن هذه المرة، يحدث شيء مختلف أيضًا: المقاومة؛ ففي وقت سابق من هذا الشهر، اجتمع قادة الجالية المسلمة واليهودية في مؤتمر صحفي مشترك لإدانة التحقيقات في مدينة “إيبك سيتي”.
كانت رسالتهم واضحة: هذه ليست مجرد قضية إسلامية فحسب، بل قضية حقوق مدنية، إنها قضية تتعلق بالحرية الدينية، والحماية المتساوية، وحق جميع الناس في تنظيم حياتهم دون مضايقات الدولة أو تشويه سمعتهم.
إن هذا التضامن بين الأديان مهم، ففي مناخ يتم فيه غالبًا عزل المسلمين وتقديمهم ككبش فداء، يمكن للوقوف مع الجماعات المهمشة الأخرى – لا سيما تلك التي لها تاريخها الخاص من التمييز – أن يساعد في تعطيل السردية القائلة بأن المجتمعات المسلمة “مختلفة” أو أنها تشكل تهديدًا فريدًا.
كما يذكرنا هذا بأن المعركة الحقيقية ليست على مشروع واحد فقط، بل على نوع المجتمع الذي نريد أن نعيش فيه.
اختبار حاسم
على الرغم من حالة التضامن المتزايدة، يجب الحرص على عدم تفريغ هذه اللحظة من قيمتها؛ فالتحالفات بين الأديان قيمة، لكنها يجب ألا تصرف الانتباه عن الأنظمة الأساسية التي ترسخ القمع العنصري والديني.
لقد ساعدت الصهيونية، كنظام للسلطة السياسية والمؤسسية، في تشكيل سياسات خارجية وداخلية تجرّم الهوية الإسلامية وتقمع المعارضة، لا سيما من خلال شبكة الإسلاموفوبيا والمنظمات المؤيدة لإسرائيل مثل رابطة مكافحة التشهير.
في عام 2010، كانت رابطة مكافحة التشهير من بين أكثر الجماعات التي عارضت مشروع بيت قرطبة، مما ساعد على تأجيج موجة من الهستيريا المعادية للإسلام التي اجتاحت معظم أنحاء البلاد.
وبعد مرور أكثر من عقد من الزمن، قدم رئيسها التنفيذي، جوناثان غرينبلات، اعتذارًا عن هذا الموقف واصفًا إياه بأنه موقف خطأ، لكن التراجع جاء بعد وقت طويل من وقوع الضرر، مع استمرار المنظمة في دعم السياسات التي تجرد الفلسطينيين من إنسانيتهم وتعزز الروايات المعادية للإسلام.
في عام 2023؛ أدان ائتلاف يضم أكثر من 60 جماعة مسلمة وعربية وأخرى حليفة رابطة مكافحة التشهير بسبب تأجيجها للكراهية ضد الفلسطينيين، مستشهدين بمنصاتها التي تستضيف متحدثين معادين للمسلمين ودفاعها عن عنف الدولة الإسرائيلية، ويجب أن يكون هذا بمثابة تذكير بأن التضامن القائم على المبادئ يتطلب الفطنة: لا يمكننا أن الاعتماد على الجماعات المتواطئة في نفس الأنظمة التي نكافح من أجل تفكيكها.
إن الجدل الدائر حول مشروع “إيبك سيتي”، مثل الجدالات التي سبقته – سواء في المملكة المتحدة أو نيويورك أو في جميع أنحاء أوروبا – ليس لغزًا قانونيًا أو أزمة علاقات عامة، بل هو اختبار؛ إنه اختبار لمعرفة ما إذا كانت الولايات المتحدة ستستمر في التعامل مع الوجود الإسلامي على أنه أمر مشبوه بطبيعته، أو ما إذا كانت ستبدأ أخيرًا في الالتزام بالمبادئ الدستورية التي تدعي أنها تتمسك بها، واختبار لمعرفة ما إذا كان سيُسمح للمسلمين الأمريكيين بالازدهار بشروطهم الخاصة، أو فقط في ظل ظروف من الاعتذار والاسترضاء والرقابة المستمرة.
وكما حدث مع مسجد غراوند زيرو، قد لا ينتهي الأمر على خير. ولكن الغضب في هذه المرة لا يقابل بالصمت أو الاستسلام، بل بالتضامن والنقد والمقاومة، وهذا وحده يستحق الاهتمام والبناء عليه.
المصدر: ميدل إيست آي