ترجمة وتحرير نون بوست
وقع الرئيس الأوكراني “بترو بوروشينكو” يوم الجمعة، وفي تحد للكرملين، اتفاقية تجارية مع أوروبا طال انتظارها بالرغم من معارضة موسكو لها بشدة، معلنًا أنه يود لو أن بلاده تصبح ليوم واحد عضوًا كامل العضوية في الاتحاد الأوروبي.
وبإمضائه هذه الاتفاقية، رفع الزعيم الأوكراني الجديد، وهو رجل أعمال كبير، رهانًا محفوف بالمخاطر في هذا التعامل مع الغرب، باعتبار أن البلد يمر بظروف سياسية صعبة راح ضحيتها مئات الأرواح مع فقدان شبه جزيرة القرم لصالح روسيا، ومع انطلاق حرب أهلية في الحدود الشرقية.
من خلال التوقيع على اتفاقية التجارة في بروكسل (مقر الاتحاد الأوروبي)، أحيا السيد بوروشنكو الاتفاق الذي رفضه من قبل، في نوفمبر الماضي، سلفه فيكتور يانوكوفيتش، فانطلقت أشهر من احتجاجات مؤيدة لأوروبا في كييف، العاصمة الأوكرانية، ودفعت بالغرب في أكبر اختبار لها مع روسيا منذ نهاية الحرب الباردة.
الاضطرابات أطاحت بالرئيس يانوكوفيتش ودفعت بالنشطاء المواليين لروسيا في شبه جزيرة القرم والمنطقة الشرقية دونيتسك للمطالبة بالانضمام لروسيا.
وقال الرئيس بوروشنكو، الذي فاز في الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا في مايو/ أيار ليشغل وظيفة شاغرة تركها الرئيس يانوكوفيتش عندما فر إلى روسيا في فبراير/ شباط، “إنه لحدث تاريخي بالنسبة لأوكرانيا”.
وقال إنه وقّع على الاتفاق بنفس القلم الذي كان سيستعمله سلفه للتوقيع على نفس الاتفاق، قبل أن يغير رأيه تحت ضغط من موسكو مما تسبب في سقوطه.
وتسبب هذا الاتفاق للشراكة بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا في انتكاسة شديدة للرئيس فلاديمير بوتين في روسيا الذي كان يهدف إلى إعادة تأكيد النفوذ الروسي في “الخارج القريب”، وهي الأراضي التي كونت الاتحاد السوفيتي السابق بحسب موسكو.
وقالت أماندا بول، الباحثة في مركز السياسة الأوروبية، “الخاسر الأكبر في كل هذا هو بوتين” مضيفة أنه اتخذ من خلق المشاكل داخليًا في أوكرانيا وسيلة لصد هذا التعاون، مما دفع بأوكرانيا إلى مزيد من التعويل على الأسلحة من الغرب من أي وقت مضى، وهو ما جاء بنتائج عكسية تمامًا لبوتين”.
وقعت مولدوفا وجورجيا، اثنين من الأراضي السوفيتية السابقة الأخرى واللتين سبق لهما أن جربا ضغط موسكو حتى لا يمضيا اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، أيضًا اتفاقات مع الاتحاد الأوروبي يوم الجمع، وفي تبليسي (عاصمة جورجيا) احتفل المواطنون بهذا الحدث، الذي تم بثه على جميع القنوات التلفزيونية المحلية الكبرى.
وكذلك هناك أيضًا ابتهاج في كييف (العاصمة الأوكرانية) بعد التوقيع على الاتفاق، فبعد ظهر يوم الجمعة، كان عدة مئات من الأشخاص مجتمعين في ساحة الاستقلال، النقطة المحورية لأشهر من الاحتجاجات في الشوارع، وكثيرًا منهم يحمل البالونات الزرقاء مع نجوم صفراء تجسيدًا لعلم الاتحاد الأوروبي، وأطلقوها في الهواء.
بعد أسابيع من تصريحات السيد بوروشنكو متعهدًا بختم الاتفاق، كان الكرملين قد أعد العدة لوضع تدابير انتقامية، بما في ذلك الانسحاب على الفور من التعامل التفاضلي للصادرات الأوكرانية إلى روسيا بموجب الاتفاقات السابقة بين جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.
في غضون دقائق من حفل التوقيع، نقلت وكالة الأنباء الروسية (إنترفاكس) عن نائب وزير الخارجية الروسي الذي حذر من أن “عواقب وخيمة” ستتبع إمضاء هذه الاتفاقية، كان التصريح نذير شؤم بالنسبة لموسكو باعتبار انتقال امتدادها الجغرافي نحو أوروبا، هذه الأراضي التي كانت لروسيا لمدة قرون.
في موسكو، اتهم السيد بوتين القادة الغربيين بمسئوليتهم عن الأزمة في أوكرانيا، قائلا إنها أجبرت كييف للاختيار بين روسيا والاتحاد الأوروبي.
وقال بوتين، بعد حفل لتلقي أوراق اعتماد الدبلوماسيين الأجانب: “إن الأزمة الحادة في هذا البلد المجاور تسبب لنا متاعب خطيرة”، مضيفًا أن “الانقلاب الدستوري في كييف ومحاولات فرض اختيار مصطنع على الشعب الأوكراني بين أوروبا وروسيا، دفعت المجتمع نحو الانقسام والمواجهة المؤلمة”.
وتحتفظ موسكو بتأثير هائل في أوكرانيا، فخلال هذا الشهر علقت موسكو على كييف شحنات من الغاز الطبيعي عقب النزاع الذي طال أمده، ونفت روسيا أن يكون لها أي دور في العنف في شرق أوكرانيا، في المقابل يتهمها الغرب بدعم المتمردين المواليين للروس بالسلاح والمال الذي يمرعبر الحدود الروسية.
بالرغم من ضراوة حملة الكرملين لمنع إتمام اتفاق بين أوكرانيا وأوروبا، فقد كان رد فعل كبار المسئولين يوم الجمعة صامتًا نسبيًا، مما يعكس القبول، ليس فقط بحتمية توقيع السيد بوروشنكو للاتفاقية، ولكن أيضًا الظروف المتغيرة والمتمثلة في ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، أين لديها قاعدة بحرية.
وقال “كونستانتين سونين” نائب عميد المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو: “في الكرملين، هناك تهدئة ومحاولة لتقييم نتائج هذه الوضعية المحمومة على مدى الشهرين الماضيين”، مضيفًا “اعتقد أننا نعتقد كثيرًا في منطقية ما يقوم به الكرملين في حين أنه في الحقيقة فرضت عليهم كثير من الأحداث”.
واحدة من أسباب اعتراض بوتين للعلاقات السياسية والاقتصادية بين أوكرانيا والغرب هو القلق بشأن توسيع الناتو، ما من شأنه أن يشكل خطرًا على المصالح العسكرية الروسية خاصة في شبه جزيرة القرم.
وكانت روسيا تنظر لفترة طويلة إلى الاتحاد الأوروبي كحصان مطاردة لحلف شمال الأطلسي، ولكن في خطوة يمكن أن تساعد في تهدئة هذه المخاوف، قرر وزراء خارجية الناتو في بروكسل في وقت سابق من هذا الأسبوع أن لقاء قمة في سبتمبر سيعقد للنظر في مطلب تقدمت به جورجيا للانضمام للإتحاد الأوروبي في خطوة رسمية، والذي من المنتظر أن يتم رفضه.
وليس هناك فرصة للاعتراف بأوكرانيا وجورجيا ومولدوفا كأعضاء في الاتحاد الأوروبي في أي وقت قريب، فالرأي العام في أوروبا معاد إلى أي مزيد من التوسع في كتلة 28 دولة والتي ينظر إليها على أنها كبيرة جدًا وغير عملية أيضًا.
وقد أغضب موسكو جاذبية أوروبا لعدد كبير من الناس في الأراضي السوفيتية السابقة، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع جهود الرئيس بوتين لتشكيل كتلة اقتصادية منافسة ألا وهي الاتحاد الأوراسي، والذي سينطلق بداية من السنة المقبلة، وعدد المنضمين حتى الآن ثلاثة فقط وهم وروسيا وروسيا البيضاء وكازاخستان.
وإتمام هذه الصفقة التجارية، والتي لا تزال بحاجة إلى موافقة من البرلمان الأوكراني، يمكن أن يزيد من تأجيج التوترات داخل أوكرانيا وبين موسكو والغرب.
وبدأ مسئولون روس كبار يحذرون من أن الشركات الروسية والاقتصاد يمكن أن يعاني، إن غمرت أسواقها بالسلع منخفضة التكلفة من أوروبا والتي يجري شحنها عبر أوكرانيا، والتي ستكون معفاة من معظم الرسوم الأوروبية، في حين رفض خبراء آخرون تلك المخاوف قائلين إن روسيا بارعة جدًا في تحديد واعتراض مثل هذه السلع عبور الحدود.
القادة الأوروبيون المجتمعون الجمعة في قمة بروكسل والتي يهيمن عليها الجدل بشأن من الذي ينبغي أن يؤدي دور الذراع التنفيذية للسنوات الخمس المقبلة، أعلنوا أنهم سوف لن يفرضوا فورًا عقوبات إضافية على روسيا لتدخلها في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا، ولكن قالوا في بيان إن العقوبات الإضافية التي يجري إعدادها ويمكن نشرها “من دون تأخير” في صورة ما إذا لم تفعل روسيا شيئًا لكبح جماح العنف في شرق أوكرانيا.
أوروبا، مثل الولايات المتحدة، وحتى الآن تقتصر عقوباتها على تجميد الأصول وحظر السفر ضد مجموعة ضيقة من الشخصيات السياسية والعسكرية الروسية المشاركة في ضم شبه جزيرة القرم في مارس 2014.
وعين القادة الأوروبيين مهلة إلى يوم الإثنين المقبل للمتشددين الموالين لروسيا قصد ترك الحدود التي استولوا عليها من أفراد أوكرانيين، مع إطلاق سراح جميع الرهائن، والاتفاق على إجراءات للتحقق من وقف إطلاق النار، واستعراض “مفاوضات جوهرية” على خطة السلام التي اقترحتها السيد بوروشنكو.
في شرق أوكرانيا، في العاصمة الإقليمية المحاصرة من دونيتسك، “ألكسندر بوروداي” زعيم المتمردين من روسيا، قال للصحفيين إن الميليشيات الموالية لروسيا على استعداد لتمديد الهدنة حتى يوم الإثنين، ووافقت الحكومة الأوكرانية في وقت لاحق على هذا المقترح.
المصدر: NYTimes