ترجمة وتحرير: نون بوست
في الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دون ضجة كبيرة عن مرشحه لمنصب المبعوث الخاص لمراقبة ومكافحة معاداة السامية. كان الرجل الذي اختاره هو الحاخام يهودا كابلون، وهو عضو متدين متشدد في حركة “حباد لوبافيتش”، وصديق قديم لميريام أديلسون وزوجها الراحل شيلدون أديلسون، وأحد أبرز أعضاء حملة ترامب الانتخابية وجامع التبرعات في القطاع اليميني المتطرف من المجتمع اليهودي الأمريكي.
من المؤكد أن كابلون سيعزز جهود إدارة ترامب لتجريم حتى أبسط الانتقادات الموجهة لإسرائيل، ناهيك عن أي اعتراض على الإبادة الجماعية المستمرة في غزة والفظائع المتصاعدة في الضفة الغربية. كما أنه مؤيد قوي لحملة القمع التي تشنها إدارة ترامب على حرية التعبير وحرية التعليم، ومن المؤكد أنه سيستخدم منصبه الجديد لمضاعفة جهود الدعوة إلى اتخاذ تدابير قسرية وتقييدية لتعريف معاداة السامية على أنها انتقاد إسرائيل ولا شيء غير ذلك.
ومن المفارقات أن ترشيحه – الذي لا يزال يتطلب تأكيدًا في مجلس الشيوخ – قد قطع بالفعل شوطًا طويلًا في إثبات حقيقة أن معاداة السامية لا تنبع من مؤيدي فلسطين، بل في الغالب الأعم من نفس المصدر الذي لطالما انطلقت منه: اليمين المتطرف، ذلك القطاع من المجتمع الأمريكي الذي، مثل كابلون نفسه، يدعم دونالد ترامب بحماسة شديدة.
وأعلن ترامب عن ترشيح كابلون لأول مرة عبر منصته الاجتماعية “تروث سوشيال”، وكانت ردود الفعل غير عادية للغاية. وكما هو متوقع، عادةً ما تفيض منصة “تروث سوشيال” بالثناء المُبجّل لترامب ولكل خطوة يقوم بها، مهما كانت حمقاء. لكن ليس هذه المرة. كان أول رد على إعلان ترامب عندما تحققت من المنصة هو: “إذًا، لقد استأجرت شيطانًا ليقوم بحراسة أمة مسيحية”،
وكانت هناك العديد من الردود الأخرى المشابهة، كانت هناك أيضًا بعض الردود التي تطرقت إلى جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين، وأحيانًا بلغة عنصرية ضد اليهود، وأحيانًا لم تكن كذلك، لكن الغالبية العظمى كانت عبارة عن مجازات وكليشيهات يمينية كلاسيكية معادية للسامية.
لم يكن هناك أي دعم يُذكر لإعلان ترامب على موقع التواصل الاجتماعي، والذي يُعد معبدًا لترامب، لكن الشكاوى ضد كابلون كانت في الغالب من منطلق الكراهية، لا العدالة.
كراهية اليهود كأداة سياسية ترامبية
لا يُخفي كابلون رغبته في استخدام قضية معاداة السامية كأداة سياسية، ولا يُولي أهمية كبيرة للسلامة الفعلية لليهود، أو حتى للشعب اليهودي ككل.
وفي حديثه عن دعمه لترامب في مقابلة أجريت معه في أكتوبر/ تشرين الأول 2024 مع مجلة “ميشباخاه”، وهي منصة إعلامية يهودية يمينية أرثوذكسية، قال كابلون: “زرتُ أبو ظبي مؤخرًا، حيث استطعتُ ارتداء الكيباه والتجول بحرية كيهودي دون خوف، بينما في الولايات المتحدة، توجد أماكن قد يكون فيها ذلك خطيرًا، مثل هارفارد وكولومبيا وكاليفورنيا”.
لم يوضح كابلون قط ما إذا كان شعوره هذا قد اختلف حيال هذا التصريح بعد شهر، عندما اختُطف تسفي كوجان، الحاخام الإسرائيلي المتشدد”، وقُتل في دبي. قد يرغب المرء في سؤال كابلون: متى حدث آخر شيء كهذا لشخص يهودي في هارفارد أو كولومبيا أو كاليفورنيا؟
هذا بالطبع ليس بالأمر المهم بالنسبة لكابلون، فحتى مقتل شخص يهودي هو أمر ثانوي، في أحسن الأحوال، بالنسبة إلى التجرؤ على معارضة الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة.
إن الغرض من “مكافحة معاداة السامية” ببساطة شديدة هو الدفاع عن إسرائيل ضد أي قوة قد تعارض أو تعرقل أو حتى تشكك في سياسات الفصل العنصري والطبيعة الاستعمارية والإبادة الجماعية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني.
إن كابلون واحد من الأقلية في المجتمع اليهودي الأمريكي التي تستخدم الادعاءات الزائفة بمعاداة السامية كأداة حزبية لصالح الحزب الجمهوري؛ حيث يدّعي أن الديمقراطيين وجو بايدن “لن يُصدروا حتى تصريحًا حول مكافحة معاداة السامية”.
للأسف، بالغ بايدن في الحديث عن معاداة السامية، وخلط بينها وبين انتقاد إسرائيل، ودافع مرارًا وتكرارًا عن إسرائيل ككيان “لا يمكن لأي يهودي في العالم أن يكون آمنًا بدونه”. وبينما يستخدم كابلون والجمهوريون انعدام الأمن لدى اليهود الأمريكيين كسلاح للدفاع عن إسرائيل، يستخدمه الديمقراطيون كأداة لتقويض الدعم للفلسطينيين، لكن كابلون يكره هذا النهج الأكثر دهاءً، وبالتالي ينكر الأهداف المتشابهة.
وفيما يتعلق بقضايا الحرم الجامعي، وضح كابلون لمجلة “ميشباخاه” أنه يدعم تصريحًا أدلى به ترامب في إحدى الفعاليات التي نظمها كابلون: “سأسحب اعتمادهم، وسينتهي هذا الوضع الرهيب”.
استكمال المسيرة المدمرة لسلفه
كما هو الحال في كل جانب تقريبًا من سياسات ترامب تجاه إسرائيل وفلسطين واليهود والمسلمين، فإن ترامب يبني على سياسات جو بايدن العنصرية والبشعة، قد يكون الديمقراطيون قادرين على النأي بأنفسهم عن سياسات ترامب في مجالات أخرى، ولكن بالنسبة لهذه الشبكة من إسرائيل وفلسطين والإسلاموفوبيا ومعاداة السامية، فإن كل ما يفعله ترامب ورفاقه هو تعزيز السياسات التي وضعها الديمقراطيون.
عندما وضع جو بايدن ديبورا ليبستادت في المنصب الذي يريد ترامب وضع كابلون فيه، وكانت أول شخص يشغل هذا المنصب على مستوى سفير، ردت بتأجيج نيران الاتهامات الكاذبة بمعاداة السامية المرتبطة بانتقاد إسرائيل، بدلاً من أن تحرك ساكنًا لمكافحة الظاهرة الحقيقية. في يونيو/ حزيران 2024، مثلا، وردًا على المواجهات الجارية في جامعة كولومبيا، اتهمت بشكل غير مباشر صحيفة واشنطن بوست بنشر معاداة السامية، وقالت: “أنا لا أقول إنهم ينشرون معاداة السامية عن قصد، ولكن عندما يتحدثون عن قيام يهود مدينة نيويورك الأغنياء بإجبار شرطة نيويورك على إزالة المخيمات… أشعر بالقلق”.
كانت تشير إلى تقرير نُشر في صحيفة الواشنطن بوست عن مجموعة من رجال الأعمال الأثرياء الذين حثوا عمدة نيويورك إريك آدمز على إرسال الشرطة لفض مخيم كولومبيا المناهض للإبادة الجماعية بعنف، وقد لمح العديد من المشاركين في ذلك المقال – بما في ذلك المشاركون في الدردشة، بالإضافة إلى قادة المنظمات اليهودية الكبيرة العريقة – إلى أن اتهام مجموعة من المليارديرات اليهود بمحاولة التأثير على العمدة هو أمر معادٍ للسامية.
لكن لم يُجادل أحد في حقيقة أن هذا هو بالضبط ما فعلوه. إن الإشارة إلى أنهم قد فعلوا ما اتهموا به ولكن لا يمكن محاسبتهم عليه لمجرد أنهم يهود هي إشارة خاطئة في ظاهرها، وهي خدعة واهية لتجنب مناقشة القضية المطروحة من خلال تحويلها إلى جدال حول اتهام زائف بمعاداة السامية.
وهذا نموذج لكيفية اكتساب الاتهامات الباطلة بمعاداة السامية زخمًا، وهو أمر دأبت ليبستادت على فعله في مناسبات عديدة خلال فترة عملها، ولكن الآن بعد أن خرجت من منصبها، أصبحت أكثر انفتاحًا بشأن دوافعها وآرائها.
قالت ليبستادت في مقابلة نقلتها صحيفة “فوروارد”، بخصوص المقيمين القانونيين الذين يواجهون الترحيل لممارستهم حقهم في حرية التعبير دفاعًا عن فلسطين: “لدينا قوانين. طبّقوها”.
وأضافت: “وإذا خالف أحدهم القوانين، أو كذب في تأشيرته، أو خالف أحد القواعد الجامعية فمن المفترض أن يُؤدي ذلك إلى طرده أو فصله، عليه تطبيق القواعد. نحن أمة تحكمها القواعد”.
المشكلة، كما تعلم ليبستادت بالتأكيد، هي أن الأشخاص الذين تم طردهم بسبب احتجاجهم على الإبادة الجماعية لم يخرقوا أيًا من القواعد التي تشير إليها، ناهيك عن أي قوانين. لم يُطرد الطلاب المعنيين من الجامعة، وهو ما يمكن أن يهدد وضعهم القانوني إذا كانوا هنا بتأشيرات طلابية، لقد تم إلغاء تأشيراتهم بسبب خطابهم، وهي تعلم ذلك.
مع ذلك، تقول ليبستادت: “أنا لا أعارض الكثير من الأشياء التي يتم القيام بها. أتمنى فقط أن يتم القيام بها بمهارة أكبر”. بعبارة أخرى، فإنها تتمنى فقط لو أن إدارة ترامب عندما تنتهك حقوق محمود خليل، وروميساء أوزتورك، وبدر خان سوري، ومحسن مهداوي، وعددًا آخر من النشطاء لا يعرفه، أن تفعل ذلك بطريقة بهدوء أكبر حتى تثير جدلًا أقل. وهذا هو الإرث الذي سيبني عليه يهودا كابلون.
معركة حزبية
من المفارقات أن أحد المخاوف الرئيسية التي كانت لدى ليبستادت عندما تم ترشيحها من قبل بايدن هو أن الجمهوريين سيعرقلون ترشيحها لأنه يُنظر إليها باعتبارها منحازة للغاية لصالح الديمقراطيين.
لكن لا يبدو أن ترامب قلق بشأن ذلك مع كابلون، على الرغم من أنه أكثر انحيازًا للجمهوريين بشكل أكثر صراحة، وقد أثار بالفعل معارضة من ديمقراطي يهودي بارز واحد على الأقل.
قال النائب جيري نادلر من نيويورك على منصة “إكس”: ”لا تفوتني المفارقة بأن إدارة ترامب – التي تضم بالفعل معادين للسامية في صفوفها – تسعى إلى تعيين شخصية مثيرة للانقسام مثل الحاخام كابلون مسؤولًا عن مكافحة معاداة السامية”. ويواصل نادلر سرد عدد من الادعاءات الكاذبة الصريحة التي أدلى بها كابلون حول تقاعس بايدن والديمقراطيين المزعوم عن مكافحة معاداة السامية.
لا تكمن المشكلة في أن نادلر مخطئ من الناحية الواقعية؛ فهو ليس كذلك. لكن الديمقراطيين استخدموا ببساطة معركة زائفة ضد معاداة السامية لقمع الانتقادات الموجهة لإسرائيل والدفاع عن جرائمها ضد الفلسطينيين، وفي معظم الأحيان، تجاهلوا معاداة السامية التي تنبع من نفس المكان الذي تنبع منه دائمًا: اليمين المتطرف.
وهو نفس المكان الذي يتقيأ من نفس المكان الذي يتقيأ العنصرية والإسلاموفوبيا وكل تعصب آخر يمكننا تسميته. لكن اليمين المتطرف منقسم بشكل حاد حول إسرائيل، بينما ترى الحركة الداعمة لحقوق الفلسطينيين إسرائيل بشكل سلبي، مع اختلافات في مدى قسوة هذه السلبية. لذا، إذا كان المرء يتطلع حقًا إلى حماية إسرائيل من خلال هذه اللعبة، فإن اليمين يمثل هدفًا أكثر تعقيدًا.
في النهاية، لا يرغب نادلر وليبستادت حقًا في مكافحة معاداة السامية، الأمر الذي يتطلب ربطها بجميع أشكال الكراهية، بما في ذلك الكراهية ضد الفلسطينيين، إنهم يريدون استخدام اتهامات زائفة بمعاداة السامية للدفاع عن إسرائيل، ربما بنبرة أكثر دهاءً وأقل استبدادًا مما يستخدمه ترامب.
لدى كابلون استراتيجية مختلفة، فهو يريد استخدام كامل قوة السلطة التنفيذية ليس فقط لقمع أي معارضة لسياسات إسرائيل وأفعالها الوحشية، بل أيضًا لترسيخ مستقبل القومية البيضاء الذي يتوق إليه بشدة ويدعمه بقوة هو و”قادة” يهود آخرون مثل ميريام أديلسون وستيفن ميلر وجاريد كوشنر والسفير السابق لدى إسرائيل ديفيد فريدمان.
يؤمن هؤلاء “القادة” بأحد أمرين، إما أنهم لم يتعلموا شيئًا من التاريخ ويعتقدون بسذاجة أن اليهود سيكونون بمنأى عن الاستبداد الذي يرغبون في فرضه، أو أنهم، كغيرهم من أفراد الفئات المهمشة الذين يتعاونون مع المستبدين مثل ترامب، يعتقدون أنهم سيبقون هم والجزء الذي ينتمون إليه من المجتمع اليهودي في مكانهم المميز بينما يعاني بقيتنا من نفس مصير رفاقنا المهمشين.
وفي كلتا الحالتين، سيستخدم كابلون قريبًا مزاعم معاداة السامية بشكل أكبر من ذي قبل لتأجيج نيران الكراهية ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين وكل من يعتبر نفسه حليفًا لهم. وكما قال كابلون لـ”ميشباخاه”: “لقد كرر ترامب وجهة نظره مرات عديدة في الاجتماعات التي عقدناها، معلنًا أن إسرائيل هي خط الدفاع الأول ضد الإسلاموية. لقد قالها مرارًا وتكرارًا: إذا سقطت إسرائيل، لا سمح الله، في قبضة الإرهاب، فإن الولايات المتحدة ستكون الهدف التالي”.
وفي كلتا الحالتين، سيستخدم كابلون في المدى القريب مزاعم معاداة السامية بشكل أكبر من ذي قبل لتأجيج نيران الكراهية ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين وأي منا يعتبر نفسه حليفًا لهم. وكما قال كابلون لـ”ميشباخاه”: “لقد كرر ترامب وجهة نظره مرات عديدة في الاجتماعات التي عقدناها، معلنًا أن إسرائيل هي خط الدفاع الأول ضد الإسلاموية. لقد قالها مرارًا وتكرارًا: إذا سقطت إسرائيل، لا سمح الله، في قبضة الإرهاب، فإن الولايات المتحدة ستكون الهدف التالي”. وهذا يخبرك بكل ما تحتاج إلى معرفته.
المصدر: موندويس