إعلانات تغزو شبكات التواصل لغسل سمعة “ماروتا سيتي”.. من يبيع ومن يشتري؟

في إعلان تسويقي عابر على موقع التواصل الاجتماعي “إنستغرام”، تطلّ فتاة “مهندسة” تتجول داخل عقار في “ماروتا سيتي” في العاصمة السورية دمشق، المشروع السكني الذي ارتبط اسمه بالفساد وبالعقوبات الدولية على مدار العقد الماضي.

يستعرض الإعلان الذي يعود لإحدى شركات التطوير العقاري المحلية، تفاصيل العقار ومزاياه البيعية، بسعر يبدأ من 1200 دولار إلى 1800 دولار للمتر الواحد، أي ما يعادل (12 مليونًا و148 ألف ليرة سورية إلى 19 مليونًا و160 ألف ليرة سورية).

الشركة ذاتها بثّت مقاطع فيديو عدة، أحدها يعود إلى تاريخ 15 ديسمبر/كانون الأول من العام الحالي، يحمل عنوان “جولة في ماروتا سيتي” فيما يوحي أن الإعلان الترويجي لا يقتصر على بيع شقة واحدة بل توجه ضمني لبيع جماعي يشمل المشروع بأكمله. 

بتتبع وسم #ماروتا_سيتي تتوالى إعلانات ترويج مماثلة، بثت على فترات متقاربة، تشي بوجود مساعٍ حيّة وراء إحياء عملية بيع وشراء في مشروع سكني، كان مغناطيسًا استثماريًا لكسر جليد العقوبات الدولية.

ما قصة مشروع ماروتا سيتي؟

ولد مشروع “ماروتا سيتي” بالمرسوم التشريعي رقم (66) الصادر عام 2012، والذي نصّ على إحداث مشروعي “ماروتا سيتي” و”باسيليا سيتي” كـ”منطقتين تنظيميتين جديدتين في نطاق محافظة دمشق، بهدف تطوير مناطق المخالفات والسكن العشوائي”.

بحسب المرسوم، يتربع مشروع “ماروتا سيتي” في جنوب شرق المزة، فيما تعرف باسم بساتين الرازي، على مساحة وقدرها 214 هكتارًا. فيما تقع منطقة “باسيليا سيتي” التنظيمية جنوب المتحلق الجنوبي، حيث تقع أحياء القدم وعسالي وشارع الثلاثين، على مساحة وقدرها 890 هكتارًا، يضم 12 ألف وحدة سكنية. 

لم يكن المشروع مجرد تطوير عقاري، وإنما قلعة حصينة لمصالح الدائرة المقربة من نظام الأسد، وحملة دعائية متكاملة الأركان لدعم سردية النظام تروّج لـ”إعادة إعمار سوريا ما بعد الحرب”، تقوم على تهجير أصحاب الأراضي القاطنين فيما يعرف ببساتين الرازي في المزة إلى السكن البديل أو ما يعرف باسم “باسيليا سيتي” حيث المتحلق الجنوبي، وقيمة الأراضي الأقل سعرًا مقارنة بالمزة.

وتحقيقًا لذلك، أنشأ نظام الأسد عام 2016 شركة مساهمة مغفلة باسم “دمشق الشام القابضة” بموجب المرسوم رقم (19)، برأسمال قدره 133 مليون دولار، بهدف تمويل مشروع التنظيم العقاري عبر القروض والاعتمادات السنوية، كحل لأزمة السيولة آنذاك.

لاحقًا، أصبح المشروع وجهة استثمار لرجال أعمال كشفت العقوبات التي فرضها  الاتحاد الأوروبي مطلع عام 2019 عن عدد منهم، حين أعلن عن إدراج 11 رجل أعمال و5 كيانات تجارية على لوائحه لتورطهم في دعم النظام من خلال تطوير عقارات فاخرة ومشاريع سكنية، على رأسها شركة “أمان القابضة” لسامر الفوز و”مجموعة قاطرجي القابضة Katerji Holding Group” لحسام قاطرجي، وشركة “طلس غروب Talas Group” لأنس طلس وغيرهم.

من يروّج؟ 

خلال البحث الأولي في “إنستغرام” وتقصي الوسوم المرفقة مع كل مقطع فيديو، توصلنا إلى شركات وجهات عقارية رديفة، نشطت مؤخرًا في الترويج لبيع شقق في مشروع “ماروتا سيتي” لعدة أبراج مختلفة. 

واتضح من خلال الفحص أن من بين الشركات: 

  • شركة أسماء (Esma): تأسست بحسب التعريف المعلن، عام 1985 في سوريا، مقرها الرئيسي في دمشق، في رصيد الشركة أربعة أبراج سكنية معروضة للبيع هي: 
  • شركة الديوان المتحدة: دخلت الشركة إلى السوق السورية عام 2006، كشركة فرعية عن شركتها الأم (كويتية الأصل)، يقع مقرها الرئيسي في دمشق في المنطقة الحرة بالبرامكة. من خلال تتبع وسم #ماروتا_سيتي تبين أن الشركة المذكورة “ديوان” متعهدة عن بيع برج “الضحى” (M 63) في المشروع ذاته. 
  • شركة السرايا: تعرف عن نفسها بأنها “شركة محدودة المسؤولية تعمل في مجال الاستشارات والتسويق العقاري”، لا يوجد تاريخ للنشأة أو التأسيس، تشرف الشركة على بيع شقق سكنية فيها وهي: برج الياسمين (M 83)، أمان تاور (Aman Tower)، في تاور (TC111)، B130 131، H47، 74 75 M 2، M75، B 127، M70 71. 
  • مؤسسة محمد علي الديري للتطوير العقاري: معنية ببيع شقق في برج Elegance Hof S171
  • شركة العمار للهندسة والاستثمار والتسويق العقاري لصاحبها عمار صبحي القيسي، ولعل من أبرز الأبراج التي تشرف عليها الشركة المذكورة: أبراج النيربين T92. 

بحسب الموقع الرسمي لمشروع ماروتا سيتي، فإن آخر عروض لبيع وشراء في المشروع، معظمها أسهم، يعود إلى تواريخ متقاربة، فبينما كان آخر عرض للبيع بتاريخ 22 كانون الثاني 2022، أعلن عن آخر عرض للشراء في المشروع ذاته بتاريخ 13 ديسمبر/كانون الأول عام 2021. 

من يشتري ويبيع؟ 

أحصينا في مجموعة على منصة فيسبوك، مخصصة للمالكين والسماسرة في مشروع “ماروتا سيتي”، (76) إعلان بيع وشراء، منذ سقوط النظام حتى تاريخ كتابة هذا التقرير، منها (46 بيع) و(30 شراء)، معظمها نُشر من قبل حسابات حديثة النشأة أو مجهولة الهوية. 

وخلافًا لما هو عليه الحال في مشروع “ماروتا سيتي” فإن حركة البيع والشراء في “باسيليا سيتي” لم تتعدَ المنطقة المحاذية لنهر عيشة، بحسب سمسار عقاري تحفظ عن ذكر اسمه لاعتبارات شخصية.

تواصلت “نون بوست” مع أحد الناشطين في الإعلانات الترويجية لمشروع “ماروتا سيتي” فضل عدم الكشف عن اسمه لاعتبارات مهنية، يقول إنه وعقب سقوط النظام أصبحت عقارات المشروعين في حالة شلل تام في البيع والشراء. ولكن قبل شهر من الآن بدأت حركة طلب ملحوظة للشراء في منطقة “ماروتا سيتي”، معظمهم مغتربون. 

من حيث البيع، أكد المصدر أن أصحاب الشقق والمتعهدين، بينهم أسماء تجار ورجال أعمال معروفين، هم من باشروا البيع في المشروع، موضحًا بأنهم من غير المحسوبين على النظام السابق، وإنما “أجبروا على الاستثمار في المشروع”، بحسب تعبير المصدر.

وعن الأبراج السكنية والتجارية المرتبطة برجال أعمال وشخصيات محسوبة على نظام الأسد، أصر المصدر على نفي توقف مشاريعهم عن متابعة البناء أو أي محاولة للبيع أو الشراء فيها، بينما أنكرت مصادر أخرى معرفتها بالأمر.

في حين، أكد المصدر ذاته استئناف شركات مقاولة ومتعهدين عمليات البناء وصبّ الطوابق الأولى في عدد من المشاريع والأبراج الأخرى عقب سقوط النظام.

خلال البحث، لوحظ من صفحة إحدى الشركات العقارية الفاعلة في الترويج لمشروع “ماروتا سيتي” عبر معرفها الرسمي على فيسبوك أنها قد أعلنت بتاريخ 27 فبراير/شباط عن انتهاء أعمال صب سقف القبو الثالث في أحد أبراج المشروع، تلاه إعلان بتاريخ 19 مارس/آذار عن صب سقف القبو الثاني. أي بعد 20 يومًا فقط وهو ما قد يعني أن عمليات البناء، ورغم استمرار العقوبات الدولية، شهدت انتعاشًا غير مسبوق عقب سقوط النظام، بعد ركود دام سنوات. 

غير أن تكرار نفي المصدر عن وجود حركة بيع وشراء في المشاريع العائدة لرجال أعمال النظام السابق، مقرونًا بالإشارة إلى وضع الملف بيد “محافظة دمشق”، يفتح الباب أمام احتمالات يصعب تجاهلها حول ما يجري.

مع ذلك، أشار المصدر إلى تردد أنباء في الأوساط المعنية عن احتمال انخراط شركات عربية، بينها أطراف “قطرية”، في استئناف أعمال البناء والإعمار في مشروع “ماروتا سيتي”، دون صدور تأكيدات رسمية حتى الآن. 

في قبضة “المحافظة”

في 15 أبريل/نيسان الجاري، تعهد محافظ دمشق، ماهر مروان، في جملة تصريحات رسمية هي الأولى حول مشروعي “ماروتا سيتي” و”باسيليا سيتي” بإنصاف السكان وجمع شكاويهم فيها أمل. 

غير أن إشارة المحافظ مروان إلى “تسهيل مهام المستثمرين والمتعهدين” القائمين في مشروع أُقيم على أراضٍ صودرت قسرًا من السكان الأصليين يثير تساؤلات، خاصة وأن بعض المتعهدين وشركات المقاولة في “ماروتا” هي واجهات اقتصادية لدوائر محسوبة على النظام السابق.

تكمن الخطورة في المرسوم 66 أن العقود المُبرَمة بين الأهالي والجهات المنفّذة في عهد النظام السابق تعطي الأهالي صفة شاغلي العقار الجديد لا مالكيه. في المقابل، تُمنح الشركات الاستثمارية المنفذة حقّ استيفاء الرسوم والأقساط، ومنح التراخيص، والتعاقد مع شركاتٍ أخرى بشكلٍ مستقلّ، ومحاصصتها لمشاريع تعود ملكيّتها إلى القطاع العام، ممثلة بـمحافظة دمشق، بنسبة أكثر من 50%”.

في مفارقة تختزل مشهد الفساد المنظم، ارتأت محافظة دمشق في عهد الأسد، الشريك الأبرز في مشروعي ماروتا وباسيليا سيتي، تبني سياسة تقوم على جباية مستحقات بناء المشروع من أصحاب الأراضي والمنازل، الذين باتوا يدفعون أثمانًا مضاعفة على نحو منتظم دون انقطاع أقصاه ثلاثة أشهر، لقاء الاحتفاظ بمساكنهم الأصلية. 

بحسب تقارير صحفية، بلغ عدد العائلات التي أجبرت على إخلاء منازلها منذ عام 2015 (7500) عائلة، استحقت (5500) عائلة منها مساكن بديلة، لكن أحدًا لم يتسلّم منزله، رغم مرور نحو عشرة أعوام على عمليات الإخلاء.

وجهة نظر اقتصادية

يرى المحلل الاقتصادي د.فراس شعبو، الخبير في العلوم المالية والمصرفية، أن هناك عدة سيناريوهات قد تفسّر رواج هكذا إعلانات، وتعكس جميعها “واقعًا مريبًا” يدور خلف الكواليس.

يدور أول هذه السيناريوهات حول “محاولة تدوير سياسية واقتصادية للمشروع” عقب سقوط النظام لتسويقه على أنه “مشروع عمراني صرف” غير مرتبط بأسماء تستهدفها العقوبات الدولية، أو إعادة تموضع مصالح داخلية وخارجية لتحافظ على أصولها داخل المشروع عبر الترويج المسبق والبيع للجهة الجديدة.

أما ثانيها؛ فقد يكون ملامح تسوية رشحت نتائجها عن بعض الاقتصاديين ورجال الأعمال المحسوبين على النظام، “كما نسمع عن سماح الحكومة الحالية باستمرار هكذا مشاريع لقاء شروط معينة”، وفق تعبير شعبو.

كذلك يرجح المحلل شعبو احتمالًا ثالثًا وهو أن يكون تضليل للرأي العام واستجرار عملاء خارجيين، قبل اتخاذ قرارات دولية أو محلية، لإعادة توزيع الأملاك. 

أما رابع السيناريوهات فهو أن يكون “محاولة استغلال الفراغ الأمني والمؤسساتي الذي حدث عقب سقوط النظام لتصفية الأصول عبر واجهات إعلامية جذابة للخروج بما يمكن الخروج به من سوريا”. ورغم تعدد الاحتمالات يبقى الترويج أمر غير طبيعي في ظل العقوبات والوضع الحالي، بحسب وصف شعبو. 

وحول “من يبيع ويشتري” يعتقد شعبو أن المالكين الأصليين قد يحاولون البيع للخروج بأقل خسارة ممكنة، أو مستفيدين من النظام السابق في محاولة للتخلص من أصولهم قبل تدويرها أو مصادرتها، أو قد يكونون مضاربين جدد يبحثون عن فرصة بيع بسعر منخفض بظل ظروف الغموض القانوني، أو جهات خارجية تحاول شراء أصول تحت مسميات محلية.

وعن حقيقة الحسابات الوهمية والمستحدثة التي نشطت مؤخرًا في إعلانات البيع، يرجح شعبو أن سببها قد يعود إلى “الخوف من التتبع القانوني أو تهرب متعمد أو احتمال وجود نشاط لأمر معين داخل سوريا قد لا ندركه.. خاصة وأن هناك شبكات تمويل كانت أذرعًا للنظام السابق لا تزال نشطة إلى اليوم وهو أمر غير مخفي”.