بعد تنصيب قائد الإنقلاب العسكرى الجنرال عبدالفتاح السيسى رئيساً لجمهورية مصر العربية بعد مقاطعة كبيرة للانتخابات المزعومة، مهزلة إنتخابية لم يتوقعها أفضل المتفائلين أن تكون بهذا الحجم، وبالرغم من أن هذه المحطة كانت محسومة مسبقاً ولن تؤثر فى مسار خارطة الطريق الذى ارتسمه قادة الانقلاب والمؤسسات الداعمة له، إلا أن المشهد بات مختلفاً الآن، وبات الوضع أكثر تعقيداً وخاصة لقائد الإنقلاب الذى خرج من الخفاء إلى العلن، وهذا يمثل بالفعل عقبة لرجل ظل دائماً يعمل فى الخفاء حتى وسط مؤسسته العسكرية فكان مديراً للمخابرات يعمل من وراء ستار، وبات ظهوره فى لقاءاته الصحفية أثناء الحملة الانتخابية مثيراً للجدل من حيث المستوى والركاكة سواء فى الخطاب أو طرح البرامج والحلول المحتلفة لمشاكل الدولة وتعقيداتها.
وبات الآن المشهد مغايراً، فيواجه السيسى العديد من التحديات أو المخاطر التى تهدد ليس مستقبله فقط بل مستقبل مصر الدولة .
ويمكن تقسيم التحديات التى سيواجهها السيسى إلى تحديات بنيوية وهى التى تتعلق بشكل النظام القادم، وتحديات الدولة والتى تتعلق بمشاكل الدولة وآليات إدارتها.
المحور الأول: التحديات البنيوية
توصيف نظام الحكم الحالي في مصر ليس بالأمر السهل أو الميسور. أما أسباب هذه الصعوبة فتعود, إلى أمرين رئيسيين: الأول: وجود مفارقة واضحة بين ظاهر النظام وباطنه. فالنصوص تقول شيئا بينما الواقع يقول شيئا آخر مختلفا, والدستور يقول شيئا بينما القوانين واللوائح تقول شيئا آخر مختلفا, والخطاب السياسي والأيديولوجي يقول شيئا بينما الأجهزة والمؤسسات تمارس سلوكا آخر مختلفا.
والثاني: فيعود إلى عدم تطابق الخصائص الظاهرة أو الباطنة لهذا النظام بالكامل مع أي من التصنيفات الأكاديمية المتعارف عليها.
ووفقاً للدكتور حسن نافعة أن أهم ما يلفت النظر في خصائص النظام المصري الحالي والذي أفرزته ثورة الجيش عام 1952 ليحل محل النظام “شبه الليبرالي” أو “شبه الديمقراطي” الذي ولد مع ثورة الشعب في 1919, أن ركائزه ومقوماته السياسية الأساسية ظلت كما هي دون تغيير, على الرغم من التحولات الهائلة التي طرأت على بنية المجتمع المصري وعلى مجمل السياسات والتوجهات الفكرية والأيديولوجية التي تبنتها ثورة يوليو/تموز على كافة الأصعدة, الداخلية والخارجية, وفي جميع المجالات, السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
فالنظام المصرى يرتكز فى مقوماته على ما أطلق عليه مفهوم “الدولة العميقة” أى المؤسسات التى تحكم مسارات الدولة المختلفة، وبعودة السيسى بمساعدة هؤلاء فإن كافة المؤشرات تشير إلى إستمرار هذه الخصائص فلم يجر أى متغيرات فى خصائص وبنية النظام السياسى المصرى منذ الانقلاب العسكرى 1954.
أولاً:- الشرعية المنقوصة
تبدو فكرة الشرعية من أهم الأفكار والمفاهيم داخل المنظومة الفكرية ذات التأثير في الحياة الثقافية والفكرية وكذلك السياسية، خاصة أن مفهوم الشرعية برز كترجمة لكلمة Legitimacy، وبرز في الاستخدام العربي كصفة للأفعال والأمور مثل السياسة الشرعية، والمقاصد الشرعية وغيرهما.
وتُعرِّف الموسوعة الدولية الاجتماعية مفهوم الشرعية بأنه “الأسس التي تعتمد عليها الهيئة الحاكمة في ممارستها للسلطة. وتقوم على حق الحكومة في ممارسة السلطة وتقبُّل المحكومين لهذا الحق”.
ويجب التفرقة بين مفهوم الشرعية “Legitimacy” الذي يدور حول فكرة الطاعة السياسية، أي حول الأسس التي على أساسها يتقبل أفراد المجتمع النظام السياسي ويخضعون له طواعية، ومفهوم المشروعية ” legality ” بمعنى خضوع نشاط السلطات الإدارية ونشاط المواطنين للقانون الوضعي. أي أن الشرعية مفهوم سياسي بينما المشروعية مفهوم قانوني.
الأصل اللاتيني لكلمة ” Legitimacy ” هو “Legitimus” واستخدمه الرومان بمعنى التطابق مع القانون، ولقد أصبح خلال عصر النهضة يعبر عن العقل الخلاق والوعي الجماعي، ويعتبر ” جون لوك” أول من استخدم مفهوم الشرعية كأساس لتحليل ظاهرة السلطة. وتطور المفهوم في العصور الحديثة بحيث أصبح يُعبّر عن اختيار وتقبل المحكومين للحكام والنظام السياسي، وهكذا برز عنصرا الاختيار والرضا كعناصر أساسية لمفهوم الشرعية، ولقد طرحت العديد من التعريفات لمفهوم الشرعية، ويمكن رصد ثلاثة اتجاهات للتعريف:
1 – اتجاه قانوني: يُعرِّف الشرعية بأنها “سيادة القانون”، أي خضوع السلطات العامة للقانون والالتزام بحدوده، ويمتد القانون ليشمل القواعد القانونية المدونة (الدستور) وغير المدونة (العُرف)- ويقصد بالعُرف: مجموعة القواعد التي درجت عليها الجماعة فترة طويلة بلغت حد التواتر مع شعورهم بإلزام هذه القواعد.
2 – اتجاه ديني (القانون الإلهي): ويُعرِّف الشرعية بأنها “تنفيذ أحكام الدين (القانون الإلهي). وجوهره أن النظام الشرعي هو ذلك النظام الذي يعمل على تطبيق ويلتزم بقواعد الدين (القانون الإلهي)، ويجب فهم الدين بمعنى الحقيقة المُنزلة. ويضم هذا الاتجاه معظم علماء الدين في العصور القديمة والحديثة.
3 – اتجاه اجتماعي – سياسي: حيث تُعرَّف الشرعية بأنها “تقبُّل غالبية أفراد المجتمع للنظام السياسي وخضوعهم له طواعية؛ لاعتقادهم بأنه يسعى لتحقيق أهداف الجماعة، ويعبر عن قيمها وتوقعاتها، ويتفق مع تصورها عن السلطة وممارساتها”.
بالرغم من إجراء الإنتخابات الرئاسية والتى كان الهدف الرئيسى منها هو إيجاد شرعية جديدة كمحاولة لإنهاء شرعية الدكتور مرسى إلا أن الواقع أثبت أن الشرعية الجديدة التى يحاول السيسى فرضها مازالت منقوصة- وإن كانت باطلة فى الأساس- فيواجه النظام الحالى إشكالية الشرعية ما بين ادعاء أن قرارات 3 يوليو/تموز التي أعلنها الجنرال السيسي كانت تعبيرًا عن إرادة الشعب “المبهر” الذي قام بثورة 30 يونيو ، وهو ما تتمسك به قيادة القوات المسلحة والتيارات المؤيدة لها، وبين إصرار الرئيس دكتور محمد مرسى والإخوان المسلمين وتيارات الإسلام السياسي وقطاع شعبي كبير على أن ما جرى هو انقلاب عسكري مكتمل الأركان،وأن جميع الخطوات المترتبة على هذا تكون فاقدة الشرعية ويأتى على رأسها بالطبع الانتخابات الرئاسية التى فاز بها الجنرال السيسى.
كما جاء غياب أو حل المؤسسات السياسية المنتخبة التي تعبّر عن الإرادة الشعبية ليضع شكوكًا كبيرة حول مصداقية ومشروعية ما تتخذه السلطة الانقلابية من قرارات وما تصدره من قوانين ومدى الاستجابة الشعبية لتلك القرارات والقوانين، وخاصة فى ظل كم القوانين الهائل الذى أصدره الرئيس المؤقت عدلى منصور، فخلال 330 يومًا قضاها عدلى منصور، فى قصر الاتحادية، أصدر 28 قرارًا بقانون بموجب الإعلان الدستورى الصادر فى الثامن من شهر يوليو 2013، والدستور الجديد، واللذين منحاه سلطة التشريع حتى انتخاب البرلمان، وأثارت هذه القوانين جدلاً كبيراً، وربما تكون محطة جدل أخرى بعد إنتخاب مجلس النواب.
ويبدو التحدى الأكبر هو مدى قدرة هذا النظام الجديد/القديم على تجاوز الأزمات التاريخية لنظام ما قبل ثورة يناير 2011، ألا وهي أزمتي الشرعية والإنجاز. أما بالنسبة للشرعية فتعني تمثيل ودمج القطاعات الشعبية الأوسع داخل كتلة النظام الحاكم، بينما الإنجاز فيعني أنّ تحقيق ”تحديث“ للمؤسسات العامة هو كفيل بتحقيق التنمية الاقتصادية ورفع مستوى المعيشة بشكل محسوس من قبل غالبية المواطنين.
ثانياً:- الظهير السياسى والنخبة الجديدة
بالإضافة للفريق الرئاسى، والذى يبدو أنه سيكون عبئاً كبيراً فمعظم المقربين من الجنرال ينتمون إلى حقبة مبارك سواء كانت عسكرية أو رجال أعمال، تأتى أزمة الظهير الحزبى أو السياسى، حيث إن السيسى ليس له حزب سياسى، إنما ظهير شعبى بدا مرتبكاً وضعيفاً خاصة فى الانتخابات الأخيرة ،
منذ الانقلاب العسكرى عام 1954 وعقب ثلاثة أنظمة حاكمة، سعى كل نظام إلى تكوين نخبته الداعمة له وإنهاء النخبة السابقة لهذا النظام، فعل هذا عبدالناصر بنخبته العسكرية، والسادات بنخبة مزدوجة بين العسكر والاعلاميين، ومبارك بنخبة تجمع بين العسكر ورجال الأعمال، وبات التحالف الذى ضم رجال نخبة مبارك والعسكر الذى نجح فى الإنقلاب العسكرى من أخطر الملفات التى ستواجه السيسى مستقبلاً فنخبة رجال مبارك ورجال الأعمال تسعى لأن يكون لها دورها القديم فى إدارة مصالحها الخاصة، فالمعروف أن نخبة عهد مبارك اشد عتوا وثراءً وهى التى مازالت تحوذ اكثر من 95% من مقدرات الشعب المصرى حتى الان .. وعندما يأتى السيسى سيكون همه الاول بالضرورة القضاء على هذه الطبقه وسلبها بعض ما جنته ..هذا ما يشير اليه تاريخ السابقين وسنة الحياة ..
والاسباب واضحه وجلية السبب الاول ان كل رئيس جديد يحرص على الا يكون مدينا لاحد فهذا ينقص من سلطته وفى حالة بقاء نفوذ رجال الاعمال فسلطات النظام الجديد ستخضع لهم ولذلك فاجتثاث اصحاب النفوذ فى النظام القديم هو الهدف الاول للنظام الجديد ..
والسبب الثانى ان القضاء على طبقة القطط السمان مع تغيير النظام يصاحبه تأييد شعبى واسع ولا مانع ان يكون مصحوبا ببعض الشماته من فقراء الشعب المطحونين
السبب الثالث ان محاصرة اصحاب المال لسلبهم بعض المليارات التى حاذوها ظلما وعدوانا قد يعطى بعض الحل لمشاكل اقتصادية تعصف بالسلطه وتشل اداءها
ويبدو أن الصراع بدأ مبكرا بين عبد الفتاح السيسي المزهو بشعبيته من جانب، وبين الدولة العميقة التي تسعى لتقليم أظافر قائد الانقلاب من جانب آخر. ومن أبرز أعمدة الدولة العميقة في مصر، ثلاثي رجال الأعمال بقوتهم المالية الهائلة، وقادة الحزب الوطني المنحل بقواعدهم الشعبية، وأباطرة الإعلام الذين يملكون عشرات القنوات الفضائية يشكلون بها وعي الشعب. وظهر السيسي في حواراته التلفزيونية التي سبقت انتخابات الرئاسة واثقا بنفسه أكثر من اللازم، مستغنيا عن مساعدة الدولة العميقة، حتى أنه أفصح أكثر من مرة أنه سيضغط على رجال الأعمال الأثرياء لتحصيل مبالغ مالية كبيرة يحتاجها لمشروعات عملاقة، كما أنه طالبهم بدعمه اقتصاديا وتقليل أرباحهم بشكل بدا للكثيرين أنه ليس اختياريا، وهو ما أقلق رجال الأعمال، وجعلهم يشعرون بأنه ينوي التقرب من الشعب على حسابهم.
أما أوضح تصريحاته فكانت من نصيب الحزب الوطني، حينما أكد أنه لا عودة لأوضاع ما قبل ثورة يناير، وشدد على أن حملته لا تضم أحدا من نظام مبارك، وهو ما أغضب كوادر الحزب الوطني الذين كانوا في صدارة المشهد يوم 30 يونيو وبذلوا جهدا بارزا لحشد الناس ضد الإخوان.
فرغم مواقفهم الداعمة للانقلاب، وسياساتهم المؤيدة لخارطة الطريق، وآرائهم الممجدة لقائد الانقلاب، والمجملة لأفعاله.. لم يبق أحد منهم في منصبه بعد دخول عبد الفتاح السيسي قصر الرئاسة. ولم يشفع لهم التمجيد، والإشادة، والتهليل، والتأييد، والدعم، والتصفيق من البقاء في مناصبهم كمستشارين لقائد الانقلاب.
ثالثاً: إشكالية العلاقة بين النظام والجيش
ظل الجيش منذ انقلاب 1954 يدير المشهد فى مصر سواء مباشرة (عبدالناصر) أو بلباس مدنى (السادات – مبارك) فعودة الجيش إلى الحكم بطريقة مباشرة عبر حكم الجنرال السيسى يعيد إلى الأجواء مستقبل العلاقة بين الدولة والجيش ومن يحكم من وخاصة فى ظل التشريعات والقوانين التى أصدرها المؤقت عدلى منصور والتى تزيد من هيمنة الجيش على مقدرات الدولة الإقتصادية،فباتت الدولة ومؤسساتها كجزء تابع للقوات المسلحة، وبالرغم من النظرةالطيبة إجمالاً من الشعب إلى الجيش ، إلا أن بروز الجيش فى الصورة قد يؤدى إلى تغير تلك العلاقة وهو ما أكده إستطلاع رأى مركز “بيو”، فخلال عام واحد وقبل وصول السيسى إلى الرئاسة انخفض دعم الجيش. 56 % يقولون إن للجيش تأثير جيد على البلاد فيما يقول 45 ٪ إن له تأثير سلبي. قبل عام، كان 73 ٪ من المستطلعين يصفون تأثيره بالإيجابي و24 ٪ بالسلبي. في استطلاع 2011، بعد أسابيع من الإطاحة حسني مبارك، كان 88 ٪ يرون أن الجيش له تأثير جيد، في حين كان 11٪ يرونه سلبيا.
تظل الإشكالية الحقيقية في النظم الشمولية، التي تنتمي إليها معظم منطقتنا العربية، هي أن المؤسسة العسكرية لا تبدو كشخصية اعتبارية، ولكنها غالبا ما تتداخل قياداتها مع مؤسسة الحكم في الدولة لأسباب عائلية أو عرقية أو طائفية.
وبالطبع مع المتغيرات الجديدة وبروز الجيش كقوة مؤثرة فى المشهد السياسى ستنخفض تلك التقييمات وترتفع النظرة السلبية تجاه الجيش فى ظل الممارسات التى يقوم بها.
المحور الثانى : تحديات الدولة
أولاً:- الأزمة السياسية الداخلية:
تأتي الأزمة السياسية الداخلية في مقدمة التحديات التي تواجه السيسى، حيث يترقب المصريون إلى معرفة رؤية السيسى في معالجة حالة الاستقطاب السياسي التي يشهدها الشارع المصري منذ تنحي مبارك في 11 فبراير 2011 والتي زادت حدتها في الفترة التي تلت الانقلاب العسكرى في 3 يوليو 2013، وتحول مصر إلى فسطاطين: فسطاط الشرعية يعتبر الآخر فسطاط الانقلاب، وفسطاط ثورة 30 يونيو/حزيران يعتبر الآخر فسطاط العنف والخروج على القانون، مع استشراء حالة الإنكار بين الطرفين لكل منهما.
فاستمرار مظاهرات مؤيدي الشرعية في محافظات عديدة وتنظيم مسيرات يومية يمثل ضغطًا مستمرًا على السلطة القائمة كما يزيد من الضغوط الخارجية ويقلّل من مصداقية ادعاء أن ما حدث في 30 يونيو/حزيران كان ثورة، خاصة مع عزوف من قاموا بحشود 30 يونيو/حزيران عن النزول إلا تحت ضغط وبدعوة صريحة من الجنرال السيسي شخصيًا.
الضبابية وعدم وضوح الرؤية بالنسبة للمستقبل يخلق حالة من القلق وعدم الثقة خاصة فيما يتعلق بالموقف من الجيش وانقسام الرأي العام حوله ما بين اتجاه عام لرفض تولي الجيش السلطة واتجاه آخر يؤيد ذلك باعتباره الحل الأسهل للموقف.
استمرار تشتت التيارات السياسية وتفرقها وعدم بلورة قوى سياسية مدنية حقيقية تساندها قواعد شعبية، في مقابل تنظيم تيارات الإسلام السياسي بقيادة الإخوان المسلمين والذي يزداد قوة بزيادة التعاطف الشعبي معه.
ويأتى ملف المصالحة على رأس المهام العاجلة التى تصنع الاصطفاف الوطنى، حيث السؤال عن الطريقة التى سيتم التعامل بها مع جماعة الإخوان، وكيف يمكن إنهاء صورة الأمة المنقسمة أمام العالم لتظهر مصر كشعب ودولة واحدة، وهو ما يتطلب إعادة بناء العلاقات السياسية على أساس من التنافس، وفتح الباب للمشاركة لكل من يقبل بدستور 2014، و30 يونيو و25 يناير لينضم إلى العملية السياسية من دون إقصاء أو استبعاد، مع ضرورة دمج الشباب فى الحياة السياسية، ويبدو أن هذا التحدى من التحديات التى يصعب تجاوزها أو التعامل معها فى ظل العقلية الجديدة التى تحكم، التى تصنف المعارضة أياً كانت توجهاتها بأنها غير وطنية ولا تدعم المشروع الوطنى الجديد.
ثانياً:- الأزمة الأمنية
تواجه مصر أزمة أمنية ذات شقين:
الشق الأول: يتعلق بالمظاهرات الطلابية اليومية التي تتطور في أحيان كثيرة إلى اشتباكات تسفر عن وقوع إصابات أو قتلى،. ويشمل هذا الجانب المظاهرات التي تنظمها القوى السياسية سواء الرافضة لعزل مرسي أو المؤيدة لعزله، لكنها رافضه لـ”حكم العسكر”، أو لممارسات النظام الجديد في مصر ومن بينها إصدار قانون التظاهر، والتي يحظر التظاهر إلا بالحصول على تصريح مسبق.
الشق الثاني: يتعلق بهجمات مسلحة طالت منشآت وعناصر أمنية في عدة مناطق أبرزها شبه جزيرة سيناء، شمال شرق. وهو ما أدى إلى إطلاق الدولة ما أسمته بـ “حملة مكافحة الإرهاب” والتي تتضمن قيام عناصر من الجيش والشرطة بشن حملة عسكرية موسعة، لم تنته بعد، ضد ما تصفهم بالعناصر “الإرهابية”، و”التكفيرية” و”الإجرامية” في بعض المناطق بسيناء، والتي تتهمها بالوقوف وراء الهجمات المسلحة، ويمكن جمع التحديات الأمنية فى عدة نقاط أهمها:
- موجة العمليات العسكرية التي تستهدف عناصر الأمن من الشرطة المدنية والقوات المسلحة في سيناء بشكل عشوائي، والتي أدت إلى حالة من الاضطراب الأمني نتج في أحد أسبابه من انشغال نسبي للقوات المسلحة لدعم عناصر الشرطة المدنية.
- العنف المفرط في التعامل مع المتظاهرين أيًا كانت المبررات والذي أدّى وسيؤدي إلى إراقة الدماء وهو ما يخلق حالة من الاحتقان الشعبي ضد السلطة القائمة بصفة عامة وضد الأجهزة الأمنية وعناصر القوات المسلحة التي تواجه الجماهير، وزيادة احتمالات الصدام العنيف معها على نطاق واسع.
- عودة ظاهرة البلطجية بغطاء أمني ودفعهم للاحتكاك الخشن والمسلح بالمسيرات المؤيدة للشرعية بما في ذلك المسيرات النسائية تحت مظلة أنهم يمثلون الأهالي الشرفاء المؤيدين “لثورة 30 يونيو/حزيران المجيدة”، واحتمالات تطور هذه الظاهرة لتصل إلى حالة من الانفلات الأمني العام.
- حالة الاضطراب الأمني والقلق الشعبي تؤدي إلى زيادة الطلب على اقتناء الأسلحة غير المرخصة، وهو ما يشجع على زيادة عمليات تهريب وتجارة السلاح وما تمثله من مخاطر على الأمن، وزيادة احتمالات الصدام الأهلي.
- ظهور بوادر عودة الفتنة الطائفية من جديد في ظل تأييد الكنيسة الأرثوذكسية ومشاركتها ممثلة في رأس الكنيسة البطريرك تواضروس في أحداث 30يونيو/حزيران وقرارات 3 يوليو/تموز ودعوتها للمشاركة في المسيرات والتظاهرات والاعتصامات المؤيدة للسيسي، وهو ما ظهر في بعض مناطق الصعيد وسيناء من إحراق لكنائس ومنازل مسيحية وإن كانت هناك تعمية إعلامية حول تلك الحوادث وما تمثله من مخاطر.
- استمرار المسيرات اليومية للجموع ورهان السلطات على الحل الأمني في التعامل معها، كما وقع في فض اعتصامي رابعة والنهضة، والمسيرات التي أعقبت ذلك، وسقط خلالها مئات القتلى بالرصاص الحي.
كل ذلك يخلق بيئة أمنية غير مستقرة سواء فيما يتعلق بشبه جزيرة سيناء وما تمثله من حساسية خاصة بالنسبة للعلاقات مع إسرائيل ومواقفها من الاضطرابات الأمنية في سيناء، وما يتعلق أيضًا بالأوضاع في قطاع غزة والمنطقة الحدودية في رفح.
ففي الأشهر السبعة الأولى التي أعقبت إطاحة مرسي، تجاوزت وتيرة الوفيات ذات الصلة بالأعمال الإرهابية في مصر أسوأ سنوات التسعينيات. ووفقاً لبعض التقارير، فإن ما يقدَّر بـ 281 مصرياً لقوا مصرعهم في هجمات إرهابية في الفترة بين 3 تموز/يوليو و31 كانون الثاني/يناير، بمن فيهم 224 من أفراد الشرطة والجيش و57 مدنياً. ولا يشمل هذا الرقم المسلحين الذين يتم احتسابهم ضمن الأرقام منذ التسعينيات.
كما أن مواقع الهجمات الإرهابية الحالية مهمة هي الأخرى. فقد كانت مثل هذه الهجمات تحدث في مصر قبل تموز/يوليو 2013. وفقاً لويكي ثورة، فقد سقط نحو 28 ضحية خلال السنة التي أمضاها مرسي في منصبه (تموز/يوليو 2012-حزيران/يونيو 2013)، كلهم أو معظمهم في سيناء. ولكن في الفترة ما بين تموز/يوليو وكانون الثاني/يناير، وقعت 106 من 281 من حالات الوفاة الناجمة عن الإرهاب في البر المصري في اثنتي عشرة محافظة مختلفة. ولا تظهر وتيرة الهجمات أي مؤشّر على التباطؤ. إذ تكشف قراءة متأنّية ووجيزة لمقالات الأهرام على الإنترنت في شباط/فبراير 2014، والتي بالكاد تقدم ملخصاً شاملاً للهجمات، أن 23 من أفراد قوات الأمن قد قتلوا في الهجمات في ذلك الشهر وحده، وجميعهم من خارج سيناء.