أسست كيانات سياسية ومدينة سورية مجلسًا للتعاون والتنسيق في الجزيرة السورية والفرات، يسعى إلى تضخيم أصوات المجتمع المدني في منطقة الجزيرة السورية لاستعادة التمثيل العربي من قوات سوريا الديمقراطية “قسد” التي تحتكر تمثيل المنطقة بما فيها المكوّن العربي.
ودخلت “قسد” في مفاوضات مع الحكومة السورية الجديدة، نتج عنها اتفاقيات لا تزال في مراحل تطبيقية وسط أحاديث عن مماطلات تسعى من خلالها “قسد” إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وإدارية.
مجلس التعاون والتنسيق
وفي خطوة تهدف إلى “توحيد الخطاب السياسي والإعلامي وجهود المجتمع المدني في منطقة الجزيرة السورية في مواجهة سلطات الأمر الواقع المتمثلة بـ “قسد”، ورفضًا لمشاريع الفيدرالية والتقسيم”، أعلنت كيانات سياسية ومدنية سورية تأسيس “مجلس التعاون والتنسيق في الجزيرة السورية“، بحسب بيان مشترك نُشر في 15 أبريل/نيسان الجاري.
واعتبر البيان، أن “قسد” لا تمثل المكون العربي في الجزيرة السورية، وإنما تفرض سلطتها كقوة أمر الواقع، لافتًا، إلى أن وجود موظفين ومجندين من المكون العربي في صفوفها لا يضفي عليها أي شرعية، ولا يجعل منها ممثلًا للمكون العربي الذي يشكل غالبية سكانية في المنطقة.
وأشار، إلى أن المكون العربي يعاني من سياسة وممارسات قسد الإقصائية، وبالتالي يرفض مجلس التعاون والتنسيق، أي ادعاء تمثيل “قسد” لعرب الجزيرة والفرات في أي مفاوضات مع الحكومة، وفي المحافل السياسية الداخلية والخارجية.
وأوضح الناطق باسم مجلس التعاون والتنسيق في الجزيرة السورية والفرات، هاشم الطريحي، أن تشكيل المجلس يهدف إلى تنسيق الجهود بين تجمعات وتيارات تجمعها هموم ورؤى مشتركة يحملها أبناء محافظات الجزيرة السورية التي لا تزال مناطقهم محتلة من قبل ميليشيات الأمر الواقع “قسد” وممارساتها وانتهاكاتها المستمرة، حسب تعبيره.
وقال خلال حديثه لـ “نون بوست”: إن “هدف المجلس توحيد الصوت العربي وكل صوت يؤمن بأن السقف الوطني هو الحل في الجزيرة السورية التي هي قلب سوريا الواحدة، وتفعيل الحراك السياسي والمدني بما ينسجم ويعكس موقف السكان برفض مشاريع وأجندة ميلشيات الأمر الواقع غير الوطنية”.
وأضاف، أن الإشارة إلى أن “قسد” لا تمثل إرادة أهلنا العرب الذين نحمل صوتهم، بل إنها لا تمثل الشريحة الأكبر من أهلنا الكرد والذين لم نرغب بالحديث نيابة عنهم في ظل عدم وجود ممثلين لديهم في المجلس والباب سيكون مفتوحًا أمامهم في المستقبل بناء على محددات وأطر وأهداف الثورة السورية.
وليس لدى المجلس علاقة مباشرة مع السلطات السورية إلا أنه يتخذ موقفًا وطنيًا سوريًا داعم لكل إنجاز أو عمل وطني، كما يثمن إنجازات الحكومة على كافة الأصعدة الدولية والإقليمية والداخلية، ويدعم الجهود الرامية إلى توحيد الصف السوري واستعادة سيادة الدولة على جميع الأراضي السورية، وحصر السلاح بيد الدولة، وإنهاء حالة الأمر الواقع الذي تعاني منه المحافظات الشرقية، وفق الطريحي.
ورأى الطريحي أن “قسد” استفادت من وجود القواعد الأمريكية، ومناخ التوازنات وصراع النفوذ الدولي بهدف بناء قوتها العسكرية والاقتصادية، وبالتالي فإن قرار دمشق في التفاوض معها بأنها قوى أمر واقع يهدف إلى تحقيق سيطرة الدولة على المناطق التي تحتلها “قسد” بأقل الخسائر الممكنة دون استنزاف دماء سورية على الجانبين.
وأضاف، أن المجلس -رغم المفاوضات بين الحكومة و “قسد”- يرى أن من واجبه توضيح موقفه وعكس إرادة أبناء الجزيرة التي تحاول “قسد” الادعاء بأنها تمثلهم، ليكون ذلك واضحًا أمام المجتمع الدولي وحتى السلطة السورية، ويؤثر على سياق المفاوضات، لذلك يسعى المجلس إلى نقل صوت أبناء منطقة الجزيرة.
حركات وتجمعات ناشئة
يضم مجلس التعاون والتنسيق في الجزيرة السورية والفرات ناشطين وسياسيين وشخصيات مدنية من محافظات، الحسكة، دير الزور، الرقة، ضمن حركات وتجمعات نشأت بعد سقوط نظام الأسد البائد، هي: حركة دحر، وحركة شرق، وتجمع الفرات المدني، واتحاد شباب الحسكة، وتجمع أبناء الجزيرة (تاج)، وسور الرقة، وحركة 8 كانون.
الناطق باسم مجلس التعاون والتنسيق في الجزيرة السورية والفرات، هاشم الطريحي، أشار إلى أن الحركات والتجمعات لها أعضاء ومناصرين من أبناء منطقة الجزيرة داخل سوريا وخارجها، وأن إعلان تشكيل المجلس شهد تفاعلًا واسعًا ما يعكس اهتمام شريحة واسعة من أبناء المحافظات الشرقية، كون الكيانات تضم فئات شبابية شاركت في الحراك الثوري ضد نظام الأسد البائد طيلة السنوات الماضية.
وتأسست حركة دحر في 7 من فبراير/شباط 2025 على يد أبناء محافظات الرقة ودير الزور والحسكة باعتبارها حركة وطنية سورية تهدف لمقارعة “قسد”، وتطمح إلى إنهاء سيطرتها وطردها وإعادة كتابة تاريخ الجزيرة ورسم مستقبل مختلف للمنطقة انطلاقًا من واقعها وهويتها الوطنية.
وتسعى الحركة إلى إيصال صوت ومعاناة أهالي الجزيرة إلى الشعب السوري خارج الجزيرة السورية وإلى العالم، والعمل على تنمية الجزيرة السورية، وتعزيز وعي سكانها بحقوقهم ورفض التهميش والتمييز الذي عانوه خلال عهد النظام البائد وسلطة “قسد”.
أما حركة شرق من أجل العدالة والكرامة فقد تأسست في 12 أبريل/نيسان الجاري، كحركة سياسية شعبية تنبثق من الجزيرة السورية، وتحمل رؤية وطنية شاملة لمستقبل سوريا بعد سنوات من الاستبداد والانقسام والصراعات.
وتهدف الحركة إلى وحدة سوريا وسيادتها الكاملة وترفض مشاريع التقسيم والتجزئة، وبناء دولة وطنية عادلة، وترفض الاستبداد والتدخلات الخارجية، وتعمل على تفعيل العمل المدني والسياسي، والتضامن والتكامل بين مكونات الشعب السوري.
بدروها، تأسست حركة “8 كانون” في 12 أبريل/نيسان الماضي، من أبناء وناشطي المنطقة الشرقية من مختلف الأطياف لتكون الحركة منصة جامعة للناشطين والإعلاميين والكفاءات الأكاديمية من أبناء الثورة السورية لبناء مستقبل سوريا على أسس العدل والعلم والكفاءة.
وتهدف الحركة إلى إعادة بناء الوعي المجتمعي وتعزيز الاستقرار، ودعم الكفاءات الوطنية وإعادة الإعمار، وتمكين الأفراد وتعزيز دورهم في المجتمع، وترسيخ ثقافة المواطنة وتعزيز دور القانون، دعم الإعلام الحر وتعزيز دوره الرقابي، وتعزيز العمل الجماعي والتنسيق المؤسساتي.
بينما تأسس تجمع “سور الرقة” في 24 مارس/أذار الماضي، ليكون صوت المدينة الحر ولسان حال أهلها ودافعًا عن حقوقهم وساعيًا لاستعادة القرار لأبنائها بعيدًا عن الاستقطاب والمصالح الضيقة.
ويهدف التجمع إلى فضح الانتهاكات التي تمارسها “قسد” وتسليط الضوء على معاناة أهل المدنية، وتعزيز الوعي الشعبي، ودعم المبادرات الشعبية الساعية للحفاظ على النسيج الاجتماعي والهوية التاريخية للرقة، فضلًا عن التواصل مع الجهات الفاعلة لنقل صوت أهل الرقة الحقيقي بعيدًا عن التلاعب السياسي.
بينما تأسس تجمع أبناء الجزيرة (تاج)، في 11 أبريل/نيسان الجاري، ليكون إحدى المنصات الوطنية التي تعبر عن طموحات وآمال أبناء منطقة الجزيرة، من أجل تحقيق مصالحهم وتطلعاتهم المشروعة والداعمة للخيارات الوطنية التي أفرزتها ثورة الشعب السوري.
ويهدف التجمع إلى توحيد الجهود وبناء جسور التواصل بين كافة المكونات في الجزيرة السورية وتعزيز التنمية المستدامة وترسيخ قيم العدالة والمساوة والحرية، وتطوير المجتمع المحلي ودعم المشاريع التنموية والخدمية وتقديم الحلول الفعالة للقضايا التي تهم أبناء الجزيرة.
نواة كيان عربي للضغط على قسد
رغم عقد الرئيس السوري، أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، في 10 مارس/أذار الماضي، اتفاقًا لاستعادة سيطرة الدولة على مناطق شمال شرقي سوريا، ضمن خطة تمتد لنهاية عام 2025، إلا أن خطوات تنفيذ الاتفاق تواجه عراقيل مستمرة من قبل “قسد”، مع استمرار تصريحاتها المطالبة بنظام حكم لا مركزي.
وجددت مسؤولة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا، إلهام أحمد، في مقابلة على قناة “كوردستان 24″، تأكديها على استمرار الحوار مع الحكومة السورية في دمشق، معتبرةً، أن أي محاولة لفرض نظام مركزي ستقابل بالرفض، واعتبرت أن شكل الحكم المناسب يمكن في تبني نظام لا مركزي وإدارة ذاتية تضمن مشاركة جميع السوريين.
ويرى الباحث، في مركز عمران للدراسات، سامر الأحمد، أن مسار المفاوضات بين الحكومة السورية في دمشق وقسد، تستلزم رأي أبناء المنطقة لأنه بطبيعة الحال مصادر في الميدان من قبل سلطات الأمر الواقع المفروضة على السكان “قسد”.
ويضيف خلال حديثه لـ “نون بوست”، أن تأسيس مجلس التعاون والتنسيق مهم لنقل صدى الواقع وإيصال صوت أبناء المنطقة الشرقية الحقيقي للحكومة السورية والإعلام والمجتمع الدولي، معتبرًا أن تأسيس المجلس يعد خطوة ضاغطة على “قسد” بهدف استعادة الأراضي السورية وتخفيف الضغط الأمني وإيقاف منظومة الاستبداد التي تمارس ضدهم في الجزيرة السورية.
بينما اعتبر الباحث في الشأن الكردي، مهند الكاطع، أن تأسيس المجلس خطوة مهمة في ظل غياب صوت عربي مشترك في منطقة يشكل فيها العرب غالبية سكانية مهمشة محكومة بالنار والحديد من قبل “قسد” وما تبقى من فلول نظام الأسد البائد.
وقال في حديثه لـ “نون بوست: “إن المفاوضات الجارية بين الحكومة و”قسد” ذات طابع عسكري ترتبط بتفاهمات وتوازنات إقليمية ودولية، ويبدو أن الدولة جادة في مسار إنجاح المفاوضات وحريصة على نجاح خطواتها ومراحلها تجنبًا لأي خسائر بشرية، لكن التحديات تكمن في وجود أطراف داخل “قسد” ترتبط بأجنحة حزب العمال الكردستاني ومدعومة من إيران تحاول تعطيل هذا الاتفاق؛ ومن هنا يبرز دور مجلس التعاون في نشاطه السياسي ومحاولته نقل الصورة الحقيقية التي يعيشها أبناء المنطقة جراء ممارسات “قسد” خاصة بعد سقوط النظام”.
وأضاف، أن المجلس يعبر عن نواة حقيقية لتحالف تجمعات من أبناء الجزيرة تؤمن بوحدة سورية أرضًا وشعبًا ويسعى لدفع الأمور باتجاه تعزيز دولة المواطنة وليس لتشكيل حالة استقطاب قومي، لذلك لا استبعد انضمام أطراف كردية تؤمن بأهمية مسار العيش المشترك وقيم المواطنة في سورية المستقبل.
ويعتقد الباحث، أن المجلس الذي انضم إليه نحو 7 تجمعات وحركات وطنية من الحسكة والرقة ودير الزور يشكل بعدًا سوريًا وطنيًا جديدًا في معادلة الجزيرة قادرة عن التعبير ليس فقط عن مصالح الأغلبية العربية بل جميع أبناء الجزيرة المؤمنين بوحدة سورية، وبالتالي قد يشكل المجلس بهذا المعنى ومع حجم الكفاءات التي يضمها، خطوة للتمثيل وأداة للضغط على جميع المسارات والأجندة غير الوطنية في آن واحد.
ختامًا.. يمثل الإعلان عن مجلس التعاون والتنسيق في منطقة الجزيرة السورية والفرات محاولة جديدة لاستعادة قرار المكون العربي وصوته، خاصة مع مساعي “قسد” المستمرة لإقصاء المكون العربي وتحييده.. فهل يشكل الكيان نواة تحالف سياسي عربي في مواجهة “قسد”؟