قبل ايام عدة، اصدرت «هيئة العلماء المسلمين في لبنان» وثيقة بعنوان «الحراك السني في لبنان» محورها إغلاق ملف الموقوفين الاسلاميين ووقف ما تسميه «التمييز الطائفي ضد أهل السنة والجماعة.»
تضمنت الوثيقة الآتي حرفيا: «إن الطائفة السنية في لبنان؛ جزء لا يتجزأ من الحراك السني الذي ينتفض ضد مشاريع الهيمنة على المنطقة من بغداد إلى بيروت. إن الطائفة السنية في لبنان، هي طائفة أساسية ومؤسسة للكيان، ولذلك فإنها، تتصدى لكل أشكال الانتهاكات التي تمارسها تشكيلات حزبية طائفية صنعت على عين الولاية والوصاية وتغوّلت على الشعب والجيش والمؤسسات، ومارست وتمارس عبر أذرعها وأقنعتها اﻷمنية والإعلامية والسياسية أحقر أشكال البغي والظلم، من نحر للقيم وعبث بالنظم وشراء للذمم. إن أهل السنة في لبنان هم المستهدفون بالملف الوحيد الذي لا تسري عليه قواعد المناصفة أو المثالثة أو المداورة وهو ملف الموقوفين الاسلاميين، فنحن وحدنا الذين لنا طابق خاص في سجن رومية دون سوانا، وعلى مدى سنوات».
ودعت «الهيئة» إلى مؤازرتها في مطالبها التالية:
ـ «إبطال الأحكام الصادرة ضد الاسلاميين، واعتبارها أحكاما باطلة بطلانا مبرما.
ـ إطلاق سراح كافة الموقوفين الاسلاميين ومحاكمة المسؤولين عن تأخير محاكمتهم وتعويض الموقوفين وعائلاتهم عن الأذى البالغ الذي لحق بهم.
ـ إلغاء آلاف مذكرات التوقيف الصادرة بحق شباب السنة، «والتي هي بمثابة مذكرة توقيف جماعي بحق الطائفة السنية».
ـ محاكمة كل من يثبت تورطه في دهم المنازل وانتهاك حرمات البيوت وترويع النساء واﻷطفال اﻵمنين.
ـ محاكمة كل من يثبت تورطه في انتهاك الحقوق القانونية والكرامة اﻹنسانية ﻷي موقوف.
ـ مباشرة تنفيذ الخطط والوعود الإنمائية لكافة مناطق أهل السنة المحرومة وتحديداً العاصمة الثانية طرابلس».
وقد تزامن صدور الوثيقة مع اطلاق سلسلة تحركات شعبية في عدد من المناطق ولا سيما في طرابلس وصيدا بعناوين مختلفة، كما كان لافتا للانتباه اعتذار «الهيئة» عن المشاركة في اللقاء الذي دعا اليه «ملتقى الاديان والثقافات للتنمية والحوار» تحت عنوان: «وثيقة للسلم الاهلي ودعم الحوار ورفض العنف»، على الرغم من ان وفدا من «الملتقى» زار، بتكليف من السيد علي فضل الله، مركز «الهيئة» في بيروت والتقى رئيسها الجديد الشيخ مالك جديدة وكانت الاجواء ايجابية خلال اللقاء.
كما ان بيان «الهيئة» تزامن مع عودة مسلسل العمليات الانتحارية في مناطق لبنانية عدة وتصدر المشهد العراقي الواجهة خصوصا بعد سيطرة تنظيم «داعش» ومجموعات سنية اخرى على عدد من محافظات العراق في اطار ما أسميت «الثورة السنية» ضد حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.
وبرغم ان العديد من القوى والحركات الاسلامية كانت تتهم النظامين السوري والايراني بالوقوف وراء نشاط «داعش» في سوريا، فان هذه التنظيمات قد وضعت حراك «داعش» عراقيا في خانة «الثورة السنية»، وحرصت، في الوقت نفسه، على الاستفادة المعنوية مما يجري في العراق.
لكن هل ينجح « الحراك السني» الذي اطلقته «هيئة العلماء المسلمين في لبنان» ولا سيما في ظل رئاسة الشيخ مالك جديدة؟ ولماذا غاب جديدة عن واجهة التحركات الأخيرة لمصلحة الشيخ سالم الرافعي (الرئيس الاسبق للهيئة)؟
من الواضع ان التحركات التي اطلقتها «الهيئة» ليست في مستوى التحركات التي كانت تجري سابقا في الشمال وفي مناطق اخرى من لبنان (بيروت وصيدا والبقاع) وخصوصا على صعيد الحضور الشعبي والتأثير السياسي والاعلامي، كما ان تزامن هذه النشاطات مع الاحداث الامنية واعتقال العديد من الشبكات التخريبية التي تقف وراء التفجيرات، ليس لمصلحة «الهيئة» وعناوين وثيقتها.
والاهم من كل ذلك ان الوضع في العراق يختلف عن الوضع اللبناني، كما أن الظرف السياسي الداخلي، وخصوصا استمرار التنسيق بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» واستمرار مظلة الدعم الدولي والاقليمي للاستقرار وما تمثله حكومة تمام سلام، كل ذلك لا يصب في مصلحة ما يسمى «الحراك السني في لبنان».
يقود ذلك الى الاستنتاج أن «هيئة العلماء المسلمين» ستجد نفسها امام تحديات جديدة، اضافة الى تحدي وضعها الداخلي الذي بدأ يشهد بعض التباينات في الاداء منذ انتخاب الشيخ مالك جديدة رئيسا، لعل أكثرها نفورا اصدار «الوثيقة» ـ البيان الذي حدد ثوابت «الهيئة» ومواقفها من التطورات الحالية، في محاولة واضحة من اجل رسم حدود معينة لسياسة الانفتاح التي يقوم بها الرئيس الجديد للهيئة، في ظل الترحيب الذي لقيه في أوساط لبنانية مختلفة.