موجة وفيات في السجون المصرية.. “علامة تحذير” على سوء الأوضاع

ترجمة وتحرير: نون بوست

ذكرت منظمات حقوقية أن ما لا يقل عن اثني عشر معتقلًا لقوا حتفهم في السجون المصرية هذه السنة في ظل تدهور أوضاعهم.

ووفقًا للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، توفي 13 شخصًا في السجون خلال الأشهر الأولى من سنة 2025 بسبب الإهمال الطبي وسوء المعاملة والانتحار، في حين قدّرت مؤسسة كلوني للعدالة عدد الوفيات بـ11 شخصًا.

وأفاد نشطاء حقوقيون وصحفيون أن أربعة معتقلين لقوا حتفهم نتيجة الإهمال الطبي، في حين حاول رجلان آخران – أحدهما معتقل والآخر سجين سابق – الانتحار خلال شهر أبريل/ نيسان فقط. وكان معظمهم محتجزين في سجن بدر 3 القريب من القاهرة، وهو منشأة سيئة السمعة بسبب الانتهاكات التي تُرتكب بحق السجناء فيه.

وفي 12 أبريل/ نيسان، توفي المعتقل محمود أسعد، البالغ من العمر 26 سنة، أثناء احتجازه في قسم شرطة الخليفة بالقاهرة، وذلك بعد أيام قليلة من اعتقاله.

وذكر أحد أقارب أسعد بأن الشرطة أنكرت في البداية وفاته، ثم زعمت لاحقًا أنه توفي متأثرًا بجراح أصيب بها خلال شجار مع محتجزين آخرين. وأضاف القريب أن تسجيلات مصورة لجثمان أسعد أظهرت آثارًا واضحة للتعذيب.

وأمرت السلطات الأسرة باستلام جثمانه على الفور، إلا أنهم رفضوا ذلك وطالبوا بتشريح الجثة.

ووفقًا لوالدة أسعد، فقد جرى وضعه في الحبس الانفرادي وحرمانه من الطعام والزيارات العائلية بسبب تورطه المزعوم في الشجار.

وجاءت وفاته بعد وقت قصير من وفاة محمد حسن هلال في 8 أبريل/ نيسان. وكان هلال، طالب الهندسة البالغ من العمر 33 سنة، قد توفي أثناء احتجازه في سجن بدر 3 إثر إصابته بنزيف دماغي حاد، يُعتقد أنه ناتج عن الإهمال الطبي.

ووفقًا للصحفي المصري مسعد البربري، وصل هلال إلى وحدة العناية المركزة في مستشفى قصر العيني بالقاهرة “فاقدًا للوعي وفي حالة حرجة”. وأكدت التقارير الطبية أنه كان يعاني من كسور في الجمجمة وخضع لعملية جراحية في الدماغ لوقف النزيف.

وقال أقارب هلال إنه، رغم حالته الصحية الحرجة، ظل مقيدًا إلى سرير المستشفى.

وأفادت مؤسسة كلوني للعدالة أن إصابات هلال “يُشتبه في أن تكون ناتجة عن تعذيب شديد أو اعتداء بدني ممنهج”.

ومع ذلك، وفقًا للبربري، أفادت مصادر مطلعة على قضية هلال أنه رغم عدم وجود دليل على تعرضه للتعذيب أو الاعتداء خلال احتجازه، إلا أنه كان قد تعرض لـ “ضغوط نفسية شديدة”.

وقبل نقله إلى المستشفى، أفادت التقارير أن هلال عانى من صداع شديد يُعتقد أنه مرتبط بارتفاع مفاجئ في ضغط الدم.

علامة تحذيرية

لقد وثقت مؤسسة كلوني للعدالة وفاة معتقل آخر في سجن بدر 3، وهو ياسر محمد الخشاب، في 11 أبريل/ نيسان. وأفادت التقارير أن الخشاب توفي أثناء خضوعه لعملية جراحة قلب مفتوح في مستشفى السجن.

ووفقًا لأحمد العطار، مدير الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، فإن الأسباب الدقيقة لوفاة المعتقلين يصعب تحديدها.

وقال العطار لموقع “ميدل إيست آي”: “لا يمكننا دائمًا تحديد ما إذا كان السبب هو الإهمال الطبي. ولكن حتى إذا كانت هناك حالة واحدة لشخص توفي بسبب معاناته في الوصول إلى الدواء والعلاج المناسب، فإن ذلك يعد جريمة.”

وأضاف العطار أن ما هو واضح هو أن ظروف الاحتجاز في السجون المصرية تتدهور بشكل حاد، موضحًا أنه مع تقدم أعمار السجناء وحرمانهم بشكل منهجي من العلاج، فإن الوضع سيزداد سوءًا.

وقال أحمد عطا لله، مدير الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، لموقع “ميدل إيست آي”: “خصوصًا بالنسبة للمعتقلين الذين في الستينيات أو السبعينيات من أعمارهم، فإنهم لا يتلقون العلاج الطبي الكافي للعيش حياة طويلة.”

ووثقت منظمات حقوقية تزايد الانتهاكات في السجون المصرية منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة في سنة 2014.

بينما تبقى الأرقام الرسمية مكتومة في السرية، يُقدّر أن عدد السجناء في مصر تحت حكم السيسي قد وصل إلى حوالي 120,000 سجين بحلول سنة 2022، رغم أن سعة السجون كانت تبلغ 55,000 سجين فقط في سنة 2020.

لقد أدت الزيادة في عدد السجناء إلى اكتظاظ خطير، وتدهور البنية التحتية، وتفاقم ظروف الاحتجاز السيئة.

ويقول نشطاء إن سلسلة الوفيات الأخيرة بين المعتقلين تعد “علامة تحذيرية تشير إلى تفاقم أزمة حقوق الإنسان في البلاد” ودليلًا على الطابع المنهجي لانتهاك حقوق المعتقلين.

ووفقًا للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، فإن “الإهمال الطبي” هو سبب الوفاة في غالبية الحالات. وتشير المنظمة إلى أن 86 بالمائة من المعتقلين الذين توفوا هذه السنة كانوا من السجناء السياسيين.

“منهارًا نفسيًا”

بالإضافة إلى الوفيات، حاول شابان – معتقل ومعتقل سابق – الانتحار في الأسابيع الأخيرة.

ففي 9 أبريل/نيسان، نُقل المعتقل المفرَج عنه مؤخرًا سامح سعودي إلى المستشفى بعد أن قام بجرح معصميه خلال بث مباشر عبر الإنترنت. وأفاد الناشط الحقوقي والصحفي المصري هيثم أبوخليل أن سعودي كان “منهارًا نفسيًا” بعد الإفراج عنه.

وفي سجن بدر 3، وبعد وقت قصير من وفاة هلال، عُثر على علاء جمال، البالغ من العمر 29 سنة، مشنوقًا داخل زنزانته.

ووفقًا لمركز الشهاب لحقوق الإنسان، فإن جمال، الذي كان يقضي حكمًا بالسجن لمدة 15 سنة، قد تعرّض لـ”انتهاكات، ومنع من الزيارات، ومصادرة متعلقاته الشخصية” قبل محاولته الانتحار.

وذكرت المنظمة الحقوقية أن جمال كان قد حصل مؤخرًا على زيارة طال انتظارها من عائلته، إلا أن ضابطًا في أمن الدولة يُدعى مروان حماد، منع أفراد أسرته من إدخال الأغراض التي كانوا قد أحضروها له.

وبعد تهديده بالانتحار احتجاجًا على ذلك، تم وضع جمال في الحبس الانفرادي. وعُثر عليه لاحقًا مشنوقًا في زنزانته في 14 أبريل/ نيسان. وأخبرت مصادر مطلعة على القضية موقع “ميدل إيست آي” أن جمال نجا من الموت ويتلقى حاليًا العلاج في المستشفى.

وعلم موقع “ميدل إيست آي” أن معتقلي سجن بدر 3 قد بدأوا إضرابًا جزئيًا عن الطعام في مطلع شهر أبريل/ نيسان احتجاجًا على منع الزيارات.

ولكن بعد وفاة هلال ومحاولة انتحار جمال، صعدوا من إضرابهم إلى إضراب كامل عن الطعام، حيث قام بعضهم بتعطيل كاميرات المراقبة وإشعال النيران داخل الزنازين.

وفي بيان لها، سلّطت مؤسسة الشهاب لحقوق الإنسانالضوء على “الزيادة الكبيرة في الانتهاكات داخل سجن بدر 3″، وما صاحبها من “ارتفاع حاد” في عدد وفيات المعتقلين.

موجات من الإضرابات عن الطعام

وشهد مجمع سجون بدر، الذي افتُتح في 2021 ووصفه السيسي بأنه دليل على إصلاح السجون في مصر، موجات متتالية من الإضرابات عن الطعام من قبل المعتقلين احتجاجًا على ظروفه السيئة والانتهاكات المتصاعدة.

وقد وثقت منظمات حقوقية العديد من حالات وفاة السجناء ومحاولات الانتحار في السجن، وتحدثت بالتفصيل عن الانتهاكات مثل منع الزيارات، والتعرض المستمر لأضواء الفلورسنت على مدار 24 ساعة، والإهمال الطبي والتعذيب، بما في ذلك الصعق بالكهرباء والتقييد بالسلاسل على الجدران.

وفي مايو/ أيار 2024، تعرض السجن لانقطاع في التيار الكهربائي استمر لمدة ثمانية أيام، مما أدى إلى تعطيل أنظمة التهوية وسط ارتفاع درجات الحرارة.

وطوال فترة انقطاع التيار الكهربائي، استمرت كاميرات المراقبة في العمل، وظل السجناء معرضين للأضواء الفلورية على مدار الساعة.

وعندما رد المعتقلون بالإضراب عن الطعام، قامت سلطات السجن بتنفيذ عملية نقل قسري لحوالي 50 معتقلًا ممن شاركوا في الإضراب.

وتم تقييد من تبقى بالأصفاد كلما خرجوا من زنازينهم، كما خضعوا لعمليات تفتيش متكررة داخل الزنازين وتفتيشات ليلية.

وفي 9 يوليو/ تموز، حاول معتقل الانتحار أثناء زيارة والدته بعد أن رفضت سلطات السجن طلبه للسماح لها بإحضار كتبه لاستخدامها في امتحاناته الطبية، ثم توفيت والدته بعد يومين من هذه الحادثة.

“بلد المنشأ الآمن”

ووفقًا لأحد الباحثين في الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، الذي رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية، فإن الإهمال الطبي في السجون المصرية نابع من ازدراء ممنهج من قبل السلطات تجاه السجناء السياسيين.

وقالوا: “عندما يتعلق الأمر بالمسائل الطبية، إذا كنت مريضًا وتعاني من حالات طبية خطيرة، فلا أحد يهتم. أنت تستحق ذلك لأنك مجرم.”

وقالت سارة حمزة، الباحثة القانونية ومديرة البيانات في المفوضية المصرية للحقوق والحريات، لموقع “ميدل إيست آي”: “منذ منتصف سنة 2024، شهدنا زيادة في حالات الاحتجاز، والاكتظاظ، وتدهور صحة المعتقلين، والعنف الخطير داخل أقسام الشرطة ومراكز الاحتجاز.”

وفي الأشهر الأخيرة، تمتع النظام المصري بتقليص التدقيق الدولي في انتهاكات حقوق الإنسان بفضل دوره في حرب إسرائيل على غزة وأهميته الإستراتيجية في المنطقة بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وقال عطا الله: “منذ أن وصل الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة، لم تُطرح أي أسئلة من الولايات المتحدة بشأن حقوق الإنسان. ولا توجد أي تصريحات تشير إلى حقوق الإنسان.”

وفي يوم الأربعاء، أصدرت المفوضية الأوروبية مبادئ توجيهية جديدة، وضعت فيها مصر إلى جانب ست دول أخرى ضمن قائمة “دول المنشأ الآمنة”.

وفي يناير/ كانون الثاني من هذه السنة، وافق الاتحاد الأوروبي على دفع مبلغ 1 مليار يورو (8.6 مليار دولار) إلى القاهرة، وهو جزء من دفعة غير مسبوقة تبلغ 7.5 مليارات يورو، تهدف إلى تعزيز الاقتصاد المصري المتعثر والحد من الهجرة إلى أوروبا.

وقد استندت حزمة المساعدات على تقييم أجري في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والذي أشار إلى أن القاهرة اتخذت “خطوات ذات مصدقية” لمعالجة الانتهاكات المتعلقة بالحبس الاحتياطي وقانون الإجراءات الجنائية.

ومع ذلك، قال نشطاء حقوقيون إن التقييم كان “مضللًا عن عمد” وأن الاتحاد الأوروبي قدم “تنازلًا تلو الآخر” للتعجيل بدفع المبلغ في مسعاه للحد من الهجرة.

وقال عطا الله: “لا يجب أن نتوقع رؤية تغيير. فالناس يتقدمون في العمر أكثر فأكثر، ومع الإهمال وسوء المعاملة، ربما ستزداد أعداد الوفيات.”

المصدر: ميدل إيست آي