ترجمة وتحرير: نون بوست
لا تُعد السفارة العمانية في روما محطة نموذجية للقيام بجولة رومانسية في “المدينة الخالدة”، لكن يبدو أنها مارست سحرها على وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، والمبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف؛ فقد التقيا هناك لإجراء جولة ثانية من المحادثات حول الملف النووي في 19 أبريل/ نيسان، وانتهى اللقاء بتصريحات متفائلة وتوافق على جولة مباحثات ثالثة.
أشاد عراقجي بـ”الأجواء الإيجابية نسبيًا”، وهو تصريح لافت من نظام يهتف قادته أحيانًا “الموت لأمريكا”. كان دونالد ترامب أكثر تفاؤلا، حيث قال إن إدارته عقدت “اجتماعات جيدة جدا” بشأن إيران (رغم أنه قال الشيء ذاته عن التعريفات الجمركية وروسيا وأوكرانيا).
لا تقل “المحادثات الفنية” التي تبدأ اليوم أهمية عن اللقاءات السابقة، فالتفاوض على اتفاق نووي عمل معقد؛ ولا يمكن للمبعوثين رفيعي المستوى فعل الكثير، والاجتماع بين الخبراء يعني أن أمريكا وإيران تتجهان إلى مناقشة التفاصيل.
كل هذا جيد، لكنه يعني أيضًا أن الجزء السهل قد انتهى. تريد كل من أمريكا وإيران التوصل إلى اتفاق: هذا أمر واضح، ويأملان في تحسين خطة العمل الشاملة المشتركة، وهي الاتفاقية الموقعة عام 2015 بين إيران وسبع قوى عالمية، والتي تخلى عنها ترامب بعد ثلاث سنوات.
سيواجه الرئيس الأمريكي ثلاث عقبات كبيرة. الأولى هي التعامل مع المتشددين في إدارته، فقد أرسل ويتكوف رسائل متناقضة حول ما تريده أمريكا من الاتفاق. ففي مقابلة مع قناة “فوكس نيوز” في 14 أبريل/ نيسان، أشار إلى أنه سيسمح لإيران بمواصلة تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67 بالمئة، تمامًا كما نصت عليه خطة العمل الشاملة المشتركة، وفي اليوم التالي غيّر رأيه وقال إن على إيران “وقف وإلغاء” برنامج التخصيب.
الهدف الأول واقعي، أما الهدف الثاني فليس كذلك. يقول عراقجي إن إلغاء التخصيب غير مطروح للنقاش، وقد جاء تراجع ويتكوف تحت ضغط المتشددين في واشنطن غير الراضين عن تنازله عن مطلب رئيسي في وقت مبكر جدا.
حتى لو تمكن ترامب من إلغاء جميع العقوبات الأمريكية، فقد تظل لدى الشركات الغربية مخاوف مبررة من الاستثمار في دولة يعمّها الفساد وتصنّفها الولايات المتحدة كدولة راعية للإرهاب منذ عام 1984.
يأتي التحدي الثاني من إيران، فهي تريد أن يكون الاتفاق الجديد أكثر ديمومة وأكثر ربحية من خطة العمل الشاملة المشتركة، وهذا يعني أنها ستسعى إلى الحصول على ضمانات بأن ترامب (أو أي رئيس مستقبلي) لن يتراجع عن الاتفاق مرة أخرى.
تريد إيران أن يصادق مجلس الشيوخ على الاتفاق، وهو ما لم يتحقق في خطة العمل الشاملة المشتركة. لكن هذا الضمان ليس قاطعا، فالمعاهدات يمكن إلغاؤها، وهناك سوابق لرؤساء تخلوا عنها من جانب واحد.
يفضل بعض المسؤولين الإيرانيين ضمانة أكثر إثارة للمخاوف؛ فقد أمضوا السنوات القليلة الماضية في تكديس مخزون كبير من اليورانيوم المخصب والآلاف من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وهم يأملون في الاحتفاظ ببعض منهما في إيران في منشأة تحت إشراف الأمم المتحدة، وفي حال تخلت أمريكا عن الاتفاق مرة أخرى، يمكن أن تسحبها من المخازن وتعيد إحياء برنامجها النووي. من شأن هذه الضمانة أن تمنح طهران بعض النفوذ، لكن ذلك سيجعل أمريكا تتردد في الموافقة على مثل هذه الشروط.
ترغب إيران أيضًا في الحصول على ضمانات اقتصادية، إذا لا يكفي من وجهة نظرها رفع العقوبات، بل يجب تقديم وعود بفوائد ملموسة. كانت خطة العمل الشاملة المشتركة مخيبة للآمال في هذا الصدد، فقد سمحت لإيران بتصدير المزيد من النفط، لكنها لم تفتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
في عام 2016، وهو أول عام كامل بعد توقيع الاتفاق، بلغت تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة في إيران 0.7 بالمئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، حسب أرقام البنك الدولي، وهي زيادة ضئيلة مقارنةً بنسبة 0.5 بالمئة عام 2015.
كانت العقوبات إحدى العوائق، فقد ألغت خطة العمل الشاملة المشتركة بعضًا منها لكنها أبقت على البعض الآخر. كما تشكل إيران نفسها عائقًا، فحتى لو تمكن ترامب من إلغاء جميع العقوبات الأمريكية، فقد تظل لدى الشركات الغربية مخاوف مبررة من الاستثمار في دولة يعمّها الفساد وتصنّفها الولايات المتحدة كدولة راعية للإرهاب منذ عام 1984.
استقرت إيران على استراتيجية ذكية للتعامل مع ترامب: مخاطبة غرائزه التجارية حيث صرحت أنها تريد تريد بناء 19 مفاعلًا نوويًا؛ وستتم دعوة الشركات الأمريكية لتقديم عروضها.
وتتمثل إحدى الوسائل الممكنة لحل هذه المشكلة إقناع دول الخليج بالتبادل التجاري والاستثمار في إيران، وهذا يأخذنا إلى التحدي الثالث الذي يواجهه ترامب: فهو بحاجة إلى دعم الدول الأخرى، ويبدو أن السعوديين مستعدون للمساعدة.
في 17 أبريل/ نيسان، قام وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان بزيارة إلى إيران، هي الأعلى مستوى لمسؤول سعودي منذ 1997. يشير ذلك إلى قلق المملكة من الحرب، وحرصها على أن تعقد أمريكا الصفقة. ويعتزم ترامب زيارة ثلاث دول خليجية الشهر المقبل، مما سيمنحه فرصة لطلب مساعدتها في التوصل إلى اتفاق مع إيران.
في الوقت نفسه، عليه التعامل مع بنيامين نتنياهو الذي يشكك في الصفقة ويفضل القيام بضربة العسكرية. زار رئيس الوزراء الإسرائيلي واشنطن مرتين منذ تنصيب ترامب في يناير/ كانون الثاني، وبعد مكالمتهما الهاتفية الأخيرة في 22 أبريل/ نيسان، صرح الرئيس الأمريكي بأنهما “على وفاق في كل القضايا”. في الوقت الحالي، يبدو ترامب قادرا على كبح جماح نتنياهو، لكن ذلك قد يصبح أصعب إذا استمرت المحادثات عدة أشهر.
من جانبها، استقرت إيران على استراتيجية ذكية للتعامل مع ترامب: مخاطبة غرائزه التجارية. كان من المقرر أن يُلقي عراقجي في 21 أبريل/ نيسان كلمة في المؤتمر السنوي حول السياسة النووية الذي تنظمه مؤسسة كارنيغي، وهي مؤسسة بحثية أمريكية.
أُلغي خطابه في اللحظة الأخيرة، لكنه نشره لاحقًا على الإنترنت، قائلًا إن إيران تريد بناء 19 مفاعلًا نوويًا؛ وستتم دعوة الشركات الأمريكية لتقديم عروضها. وكتب وزير الخارجية الإيراني: “هناك عقود محتملة بعشرات المليارات من الدولارات متاحة للتنافس. السوق الإيرانية كبيرة بما يكفي لإنعاش الصناعة النووية المتعثرة في الولايات المتحدة”.
يوجد في العالم حوالي 65 مفاعلًا نوويًا قيد الإنشاء، وتُعدّ فرصة بناء 19 مفاعلًا آخر الفرص الكبيرة في هذا المجال. قد تتردد الشركات الأمريكية في تقديم عروضها للمشروع، وقد يبدو ازدهار البنية التحتية النووية في إيران بدعم من شركات أمريكية أمرًا غريبًا، لكن كل شيء ممكن في عالم ترامب.
المصدر: إيكونوميست