ترجمة وتحرير: نون بوست
في مساء شتوي من كانون الثاني/ يناير، تحديدًا في غرينتش — البوابة البريطانية العريقة إلى العالم — سيطر القادمون الجدد على المشهد. تدفق نجوم الملاكمة إلى جنوب شرق لندن؛ أبطال الوزن الثقيل مثل أولكسندر أوسيك ودانييل دوبوا، وبطل الوزن المتوسط الفائق كانيلو ألفاريز، دخلوا عبر أبواب الكلية البحرية الملكية الفخمة، وياقات التوكسيدو تكاد تخنق أعناقهم المشدودة بالعضلات.
جذبهم إلى هذا الحدث رجل واحد فقط وهو الشخصية الأقوى في عالم الملاكمة، الشخص الوحيد القادر على استدعاء هذا العالم بأكمله بحركة إصبعه — تركي آل الشيخ.
خلال العشاء، جلس الرجل البالغ من العمر 43 عامًا في وسط الطاولة الرئيسية على شكل حرف U، بجانب فرانك وارين، أحد كبار منظمي النزالات في الرياضة، ومقعد واحد يفصله عن كانيلو ألفاريز، الذي يُعد من أبرز نجوم الساحة.
أُحضِر المُعلِّق الأسطوري مايكل بافر خصيصًا من الولايات المتحدة، بينما غاب بعض كبار المنظمين الذين كانوا قد ساهموا في بطولات كبرى، لفرط حرصهم على التواجد في هذا الحدث. وقف المسؤول الحكومي السعودي في مركز الصورة التذكارية تلك الليلة، ناظرًا إلى الكاميرا من وراء نظاراته الشمسية الشهيرة. اصطف خلفه أربعون من أقوى الشخصيات في عالم الملاكمة، تحت السقف الباروكي المزخرف للمبنى، الذي يُعرف بـ “كنيسة سيستين البريطانية”.
View this post on Instagram
يمكن قراءة المشهد كإشارة إلى تأكيد تركي آل الشيخ لمكانته في قلب المؤسسة البريطانية، لكن هذا ليس جديدًا على الرجل الذي عزف النشيد الوطني السعودي في استاد ويمبلي، الملعب الوطني لكرة القدم الإنجليزية، في أيلول/ سبتمبر الماضي. مدعومًا بالميزانية الضخمة للهيئة العامة للترفيه، الجهة الحكومية التي يترأسها آل الشيخ، استحوذت السعودية على عالم الملاكمة. فبعد أن كان تنظيم نزالات بين كبار النجوم أمرًا صعبًا، أصبح آل الشيخ يلعب دور الوسيط في تنظيم مواجهات كانت تبدو مستحيلة.
لم يقتصر الأمر على ذلك، بل استحوذ على جزء كبير من إعلام الملاكمة. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، اشترى مجلة “ذا رينغ” العريقة، ثم اشترى حسابًا على منصة “إكس” يعود لصحفي يتابعه أكثر من 300 ألف شخص، وأعاده إلى الحياة ليصبح الحساب الرسمي للمجلة.
قال تيرينس كروفورد، أحد أفضل ملاكمي العالم، لقناة “إي إس بي إن” العام الماضي: “المسألة ليست مسألة مال. تركي ينجح لأنه يعامل الملاكمين كأصدقاء وشركاء لا كأعداء يُستغلون. إنه هنا ليصلح أعظم رياضة في العالم، وسينجح في ذلك”.
رغم معرفة البعض بالدور الحكومي الرسمي الذي يشغله آل الشيخ وعلاقته الوثيقة بحاكم البلاد محمد بن سلمان، إلا أن تفاصيل كثيرة عن الرجل الذي يقود قلب الملاكمة النابض لا تزال مجهولة.
على مدار الأشهر الستة الماضية، أجرت مجلة ” ذي أثلاتيك” مقابلات مع أكثر من 40 شخصية من عالم الملاكمة، والديوان الملكي السعودي، وقطاع الأعمال الدولي. وتحدّثت الغالبية الساحقة منهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم — بعضهم خوفًا على أمنهم الشخصي، وبعضهم لتناول قضايا حساسة أو حماية علاقاتهم التجارية.
رسمت الشهادات صورة لرجل يعمل كمنظّم لامع على الساحة العالمية، لكنه جزء محوري من نظام يحكم بقبضة من حديد في بلاده. ومن بين ما كشفه المتحدثون:
- أن عدد المحتجزين بسبب تغريدات ناقدة لآل الشيخ أدى إلى أن يُطلق على أحد أجنحة سجن بالرياض اسم “جناح توتو”، نسبة إلى لقبه.
- تعود علاقة آل الشيخ بمحمد بن سلمان إلى أوائل الألفينات، عندما كانا يلعبان ألعاب الفيديو مثل “ليغ أوف ليجندز” و”أساسينز كريد” في فترة مراهقة ولي العهد.
- آل الشيخ كان من الشخصيات الأساسية خلال صعود محمد بن سلمان إلى السلطة.
- اكتسب سمعة في المجتمع السعودي المخملي بنوبات الغضب المحرجة.
- يلعب دورًا رئيسيًا في التخطيط لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2034، ويتنافس مع رئيس نادي نيوكاسل ياسر الرميان، وعُرضت عليه حصة في نادي ميلان الإيطالي.
- أحد مرافقي آل الشيخ خلال التحضير لنزال بطولة العالم للوزن الثقيل كان شخصًا مطلوبًا لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي كمشتبه به في قضايا تجسس.
- المطربة المصرية آمال ماهر اختفت عن الأنظار لمدة عامين بعدما تقدمت ببلاغ تتهم فيه آل الشيخ بالاعتداء عليها، دون أن تُوجَّه إليه أي تهمة رسمية.
امتنع آل الشيخ عن الرد عندما تواصلت معه “ذي أثلاتيك”.
يقول أحد المقاتلين السابقين الذي أصبح مدرّبًا: “لطالما جذبت الملاكمة شخصيات كهذه. لكنك لن تسمع شيئًا من العاملين في المجال. الجميع مشغول بالاستفادة”. خلف ممرات الحلبة، والأحزمة الذهبية، والنظارات الشمسية الداكنة، هناك تركي آل الشيخ الذي لا يعرفه الكثيرون. ويقال إن الذهاب إلى سجن الحائر يشبه الذهاب “خلف الشمس”. ويقول أحد السجناء السابقين: “سمعت هذه العبارة منذ طفولتي. بمجرد أن تدخل هناك تكون قد اختفيت”.
يقع سجن الحائر في الصحراء على بعد 25 ميلاً جنوب الرياض، ولا تُعرف عنه الكثير من التفاصيل، ولكن يُعتقد أنه يؤوي حوالي 5000 سجين. وبين أعضاء القاعدة، والأمراء المعزولين، والمجرمين العاديين، أصبح جزء من السجن يحمل سمعة خاصة.
يقول سجين سابق سُجن بسبب انتقاده للحكومة عبر مواقع التواصل الاجتماعي: “كان هناك مجموعة نطلق عليهم ضحايا تركي. نسأل بعضنا: ‘ما قضيتك؟’ فيرد: ‘أنا من ضحايا تركي آل الشيخ، انتقدت تركي’.
ويضيف: “لقب تركي هو ‘توتو’، لذلك أطلقنا على الجناح اسم جناح توتو”. ويتابع: “أعرف شخصًا رد على إحدى تغريدات تركي منتقدًا خسارة فريقه، ولم يكن له علاقة بالسياسة. ومع ذلك، قال إنه سُجن بسبب تلك التغريدة فقط”.
تختلف المصادر حول مدى معرفة تركي آل الشيخ الشخصية بتلك الاعتقالات ومدى تورطه فيها. يشير بعضهم إلى أن هناك العديد من الأشخاص الذين يعملون تحت إمرته، وجميعهم يسعون بشدة لإرضائه. في المقابل يؤكد آخرون، بمن فيهم معتقلون سابقون وأشخاص عملوا معهم عن قرب، أن آل الشيخ كان متورطًا شخصيًا في بعض تلك الاعتقالات على الأقل.
عمل عبدالله العودة، المدير الأول لمكافحة الاستبداد في مركز ديمقراطية الشرق الأوسط، وهي منظمة أمريكية غير ربحية مختصة بالدفاع عن حقوق الإنسان، على توثيق حالات الأشخاص الذين سُجنوا بسبب انتقادهم لتركي آل الشيخ خلال السنوات العشر الماضية.
وقال العودة لـ”ذي أثلاتيك”: “تحققنا شخصيًا من التهم والأحكام الصادرة بحق أكثر من عشر حالات لأشخاص تم اعتقالهم في السعودية بسبب انتقادهم لتركي آل الشيخ”، موضحًا أن ادعاءاتهم قد تم التحقق منها ومقارنتها مع السجلات القضائية الرسمية.
وأضاف: “لم يكن معظم الضحايا ينتقدون الحكومة بشكل عام، بل كانوا ينتقدون قرارات اتخذها آل الشيخ في مجالي الترفيه أو الرياضة أثناء توليه مناصبه في الهيئتين”.
وتابعت “ذي أتلانتيك” مع رجل يقول إنه تلقى اتصالًا من رقم مجهول، حيث عرّف المتصل نفسه بأنه من جهاز أمن الدولة، وطلب منه الحضور إلى موقع عام.
وبعد ذلك، تم اقتياده إلى سيارة سوداء يقودها رجال ملثمون، حيث تم تعصيب عينيه وتكبيل يديه، ثم نُقل إلى الرياض. حسب روايته، عندما وصل إلى وجهته، أُزيلت العصابة عن عينيه ليجد نفسه في غرفة فاخرة، حيث دخل تركي آل الشيخ بنفسه.
ويدّعي الرجل أن آل الشيخ سأله عن سبب انتقاده له على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كان قد اتهمه في وقت سابق من ذلك اليوم بالتحيز أثناء توليه رئاسة وزارة الرياضة السعودية، رغم أن عدد متابعيه كان ضئيلًا.
ويقول الرجل إنه تعرض للصفع على وجهه ثلاث مرات من قبل آل الشيخ، الذي أمره بحذف المنشور أو مواجهة السجن. وبعد توسل الرجل وافق على حذف المنشور، ثم أُطلق سراحه وسط طريق سريع وطلب منه أن يجد طريقه بنفسه.
يعلق العودة بالقول: “آل الشيخ يتصرف بهذه الطريقة لأنه يمتلك السلطة. لا يوجد حكم قانوني حقيقي — النظام ملكي استبدادي مطلق، دون رقابة قضائية أو تشريعية”.
وأضاف العودة: “هناك حالتان أبلغنا عنهما، يُقال إن آل الشيخ عرض فيهما أو دفع آلاف الريالات السعودية لإسكات الضحايا ومنعهم من الحديث عما تعرضوا له”.
في أيلول/سبتمبر 2019، تم اعتقال الداعية الإسلامي عمر المقبل بعد انتقاده لسياسات الهيئة العامة للترفيه التي يرأسها آل الشيخ واعتبارها تهديدًا للثقافة السعودية.
ووفقًا لمنظمات حقوقية، لا يزال المقبل رهن الاحتجاز رغم انتهاء مدة حكمه في آذار/ مارس الماضي. وفي تشرين الأول/ أكتوبر من نفس العام، سُجن الزعيم القبلي، فيصل بن سلطان بن حميد، لمدة خمسة أشهر بعد تغريدة انتقد فيها آل الشيخ.
يقول شخص مطلع على شؤون الديوان الملكي: “قد يبدو آل الشيخ في وضع آمن، لكنه يدرك تمامًا مدى سرعة انقلاب شخص مثل محمد بن سلمان عليه”، مضيفًا: “لذلك، هناك شعور دائم بضرورة القضاء على أي انتقاد شخصي فورًا، حتى لا يتفاقم الأمر ويجعل ابن سلمان يعتقد أنهم غير أكفاء أو يتسبب في مشاكل”.
كان أحمد محمد عمر من مشجعي نادي الأهلي المصري، الذي كان آل الشيخ قد استثمر فيه سابقًا. وعندما انتقل إلى السعودية للعمل في عام 2021، تم اعتقاله بسبب تغريدات انتقد فيها قرارات آل الشيخ نشرها قبل 18 شهرًا. بحسب مركز ديمقراطية الشرق الأوسط وعدة منظمات حقوقية أخرى، حُكم على عمر بالسجن لمدة 19 عامًا. وتقول عائلته إنها استنفدت جميع السبل القانونية للطعن في الحكم.
يضيف عبدالله العودة: “ظروف السجون السعودية عمومًا سيئة”، موضحًا أن “من يُعتقل لفترات قصيرة عادة ما يتعرض لإيذاء بدني أكبر. تتراوح درجات العنف من الضرب على يد الحراس إلى تلقي الصفعات على الوجه، وفي الحالات القصوى تعليق المعتقل من قدميه رأسًا على عقب. وقد تم توثيق جميع هذه الانتهاكات من قبل مركز ديمقراطية الشرق الأوسط في قضايا معتقلين انتقدوا تركي آل الشيخ”.
نشأ آل الشيخ في إحدى ضواحي الرياض، وكان من غير المتوقع أن يصل إلى هذا المستوى من السلطة. وُلد عام 1981 في أسرة من الطبقة المتوسطة؛ حيث كان والده موظفًا حكوميًا في وزارة الشباب، ووالدته مديرة مدرسة. عاشت العائلة في منزل أجداده، حيث بقي تركي هناك حتى أواخر العشرينيات من عمره. وقد وصف عائلته في بودكاست كويتي في كانون الثاني/ يناير 2024 بأنها “عائلة عادية”.
من 41 سنه … 🤷🏻♂️❤️ pic.twitter.com/xVP85oJENH
— TURKI ALALSHIKH (@Turki_alalshikh) September 7, 2024
كان هناك أمر واحد جعل حياة تركي آل الشيخ أقل اعتيادية: اسمه “آل الشيخ”، الذي يشير إلى انتمائه لإحدى أقوى العائلات في السعودية، والتي لا يفوقها مكانة إلا الأسرة الحاكمة، آل سعود.
تاريخيًا، هيمنت عائلة آل الشيخ على المؤسسة الدينية في المملكة، إذ يزعم أفرادها، بمن فيهم تركي، أنهم ينحدرون من مؤسسي المذهب الوهابي، العقيدة السائدة في البلاد. ينتمي تركي إلى فرع صغير من هذه العائلة الممتدة، مما جعل نشأته تبدو عادية نسبيًا، على الرغم من أن اسمه سيصبح ذا أهمية كبرى في السنوات اللاحقة.
بعد إنهائه دراسته، أرسله والده إلى كلية الملك فهد الأمنية ليتجه نحو مسار مهني في المجال العسكري. ويتذكر أحد معلميه أنه لم يكن طالبًا لامعًا، بل كان أكثر اهتمامًا بإضحاك زملائه من التركيز على دراسته. بعد تخرجه برتبة ملازم عام 2001، حصل آل الشيخ على وظيفة إدارية في جهاز أمن الدولة، حيث عُيّن في قسم المشتريات لمراقبة الجداول الحسابية وطلب الإمدادات.
جاءت نقطة التحوّل في مسيرته المهنية بعد سنوات قليلة، إذ يتمتع كبار الأمراء في السعودية بحاشيات وحراسات خاصة. تم إعادة تعيين آل الشيخ للعمل في مكتب الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض آنذاك، والذي أصبح لاحقًا ملك السعودية.
في تلك الفترة، لم يكن من المتوقع أن يعتلي سلمان العرش، وخلال عمله في ديوانه، سرعان ما توطدت علاقة آل الشيخ بابنه السابع، الذي كان يصغره بأربع سنوات فقط. وحسب مصادر مقربة من الديوان الملكي، كان الاثنان يقضيان ساعات طويلة في لعب ألعاب الفيديو مثل “ليغ أوف ليجندز” و”أساسنز كريد”، بالإضافة إلى مشاهدة عروض المصارعة (WWE) حتى ساعات متأخرة من الليل.
آنذاك، كان هذا المراهق يُعرف ببساطة باسم “محمد”، أما اليوم فقد بات يُعرف اختصارًا بلقبه الأشهر: “إم بي إس”— محمد بن سلمان، أقوى شخصية في الشرق الأوسط.
كان آل الشيخ شخصية مؤثرة في حياة ولي العهد المستقبلي، إذ يروي مقربون من القصر الملكي أن تركي كان يتسلل بمحمد بن سلمان من القصر لاستكشاف الرياض حين كان الأخير ممنوعًا من الخروج بأمر من والده.
ووصفت مصادر عدة العلاقة المبكرة بين الاثنين بأنها “صداقة وثيقة للغاية”. ويقول شخص مطلع على شؤون الديوان الملكي: “تركي يمتلك مهارات اجتماعية غريبة لكنها جذابة ومرحة”، مضيفًا: “كان أيضًا الشخص الذي ينظم الحفلات، ويؤمن العازفين، ويوفر كل ما يلزم لهذه المناسبات”.
رغم علاقاته الوثيقة بالنخبة، ظل تركي آل الشيخ يعاني من قلة المال. ففي منشورات حذفها لاحقًا من حسابه على منصة “إكس”، تحدث عن اضطراره لبيع مجوهراته لدفع مهر زواجه، وعن أنه لم يكن يستطيع شراء أكثر من شطيرة واحدة من متجره المفضل. مع ذلك، واصل تعزيز موقعه داخل دوائر النفوذ، فتزوج من ابنة مدير ديوان سلمان، وحضر محمد بن سلمان حفل الزفاف إلى جانب عدد من أبرز الشخصيات الدينية في السعودية.
تدريجيًا، ومن خلال تنقله بين المناصب الحكومية بما يخدم مصالح سلمان، بدأت مهارات آل الشيخ الاجتماعية تكرّسه كلاعب رئيسي في أوساط الطبقة العليا السعودية؛ إذ ترتفع قيمة الشخص أو تنخفض تبعًا لمدى قربه من أحد الأمراء.
ويقول أحد المطلعين على شؤون القصر: “تركي ذكي جدًا في قراءة سياسات الديوان الملكي”، مضيفًا: “لديه قدرة دقيقة على استشعار المزاج. يعرف متى يغضب محمد بن سلمان فيبتعد، ومتى تحين اللحظة المناسبة للتقرب منه”.
لم تبدأ ملامح القوة الحقيقية بالظهور لدى آل الشيخ إلا بعد وفاة الملك عبد الله، الأخ الأكبر لسلمان، عام 2015. فقد تحرك محمد بن سلمان بسرعة لضمان اعتلاء والده العرش بدلاً من أي من أبناء عبد الله، فاستبعد حلفاء الفروع الأخرى للعائلة من المناصب حتى قبل إعلان الوفاة رسميًا. وكان بحاجة إلى شخصيات موثوقة لترسيخ سلطته. كان التهديد الأكبر آنذاك يتمثل في محمد بن نايف، ابن شقيق سلمان. ولتهدئة التوترات داخل العائلة، سُمي محمد بن نايف وليًا للعهد في البداية.
في عام 2017، استُدعي محمد بن نايف إلى غرفة في قصر الصفا بمكة المكرمة، حيث كان آل الشيخ وعدد من الموالين لمحمد بن سلمان في انتظاره، مطالبين إياه بالتنازل عن ولاية العهد.
وأظهرت لقطات بثها التلفزيون الرسمي السعودي محمد بن نايف وهو يصافح محمد بن سلمان في اليوم التالي، ناقلًا السلطة إليه وقد بدت عليه علامات الارتباك. وخلال المشهد، ظهر آل الشيخ وهو يضع عباءة سوداء (بشت) على كتفي محمد بن نايف في لفتة رمزية لإظهار الاحترام.
وحسب ما كشفه مصدر مطلع، ونقلته صحيفة “الغارديان“، بعث محمد بن نايف برسالة نصية إلى مستشار له قال فيها: “حين بايعت، كان هناك مسدس موجه إلى ظهري”.
واصل آل الشيخ ترسيخ موقعه، ولعب دورًا محوريًا في واحدة من أبرز حملات محمد بن سلمان الداخلية: “تطهير الريتز كارلتون”، حيث تم اعتقال أكثر من 300 من كبار رجال الأعمال وأفراد العائلة المالكة واحتجازهم في فندق فاخر بالرياض، حيث جُرّدوا من أصولهم تحت شعار “مكافحة الفساد”. وحسب عدة مصادر مطلعة، لعب آل الشيخ دورًا في تلك الحملة أيضًا، وهو ما أكدته تقارير لوسائل إعلام كبرى مثل صحيفة “نيويورك تايمز“.
يقول أحد الأشخاص، الذين اطلعوا على روايات معتقلين سابقين: “الأشخاص الذين تعرضوا للتعذيب في الريتز كارلتون تعرفوا عليه”، مضيفًا: “خلال بعض جلسات التحقيق، كانوا يسمعون صوت آل الشيخ وشخص آخر يدخنان الشيشة، مع أصوات فقاعات الدخان والموسيقى الخلفية تتسلل إلى آذانهم”.
ومع ترسيخ محمد بن سلمان لسلطته، بدأ دور آل الشيخ يتبدل. ففي عام 2018، انتقل من رئاسة الهيئة العامة للرياضة إلى رئاسة الهيئة العامة للترفيه، بعد إقالة سلفه بسبب استقدامه عروضًا لفرقة “سيرك دو سوليه” اعتُبرت مخالفة للتقاليد.
يصف أحد المعارضين الهيئة العامة للترفيه بقوله: “إنها مزيج من الخبز والسيرك. الحكام يطعمون الناس ويمتعونهم لإخفاء استبدادهم المتزايد وإخماد أي بوادر للمعارضة”.
وبعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018 على يد عملاء مرتبطين بالدولة السعودية، كتب آل الشيخ أغنية ونشرها علنًا يعلن فيها براءة سعود القحطاني، المستشار المقرب من محمد بن سلمان، والذي حمّلته تحقيقات الاستخبارات الأمريكية (CIA)، والبريطانية (MI6)، والسلطات التركية مسؤولية الجريمة.
قال خاشقجي في تصريحات خاصة نقلتها لاحقًا مجلة “نيوزويك“، إن آل الشيخ والقحطاني كانا المستشارين السياسيين الوحيدين لمحمد بن سلمان، مضيفًا: “هما يتصرفان بعقلية العصابات”، وتابع: “الناس يخافون منهما، ومن يتحداهما قد ينتهي به المطاف في السجن”.
تحدث آل الشيخ علنًا عن شغفه بكتابة القصائد والأغاني. ففي نيسان/أبريل الماضي، أعلن عن إنتاجه فيلمًا عن رياضة الفنون القتالية المختلطة (UFC) بعنوان “المقاتل” (Brawler) بالتعاون مع رئيس المنظمة دانا وايت.
كما كتب عام 2023 فيلم رعب بعنوان “تشيللو”، من بطولة جيريمي آيرونز وإخراج دارين لين بوسمان، مخرج أربعة أجزاء من سلسلة أفلام “سو”. ووفقًا لقاعدة بيانات الأفلام ” آي إم دي بي”، بلغت ميزانية “تشيللو” 17 مليون دولار، لكنه لم يحقق سوى 5310 دولارات في شباك التذاكر.
استثمر آل الشيخ بكثافة وبشكل مثير للجدل في كرة القدم المصرية بين 2017 و2019 — إذ اشترى ناديًا وغيّر اسمه إلى “بيراميدز”، ونقله إلى القاهرة — قبل أن يستحوذ على نادي ألميريا الإسباني من الدرجة الثانية مقابل 20 مليون يورو (17.2 مليون جنيه إسترليني).
لاحقًا، وفي ظهور له عبر بودكاست كويتي، زعم أنه أجرى محادثات مع نادٍ مجهول في الدوري الإنجليزي الممتاز بشأن صفقة شراء، وأشار إلى أن وكيل اللاعبين الراحل مينو رايولا عرض عليه فرصة للاستثمار في نادي ميلان.
وفي إطار عمله في الهيئة العامة للترفيه، نظم آل الشيخ سلسلة مهرجانات موسيقية ضخمة وحفلات رقص في الصحراء، ضمن محاولة لتحديث صورة البلاد وجذب الجيل الشاب سريع النمو.
حيال ذلك، يقول خبير بشؤون السعودية: “أعتقد أن لديه واحدة من أكثر الوظائف تعقيدًا في المملكة دون شك”، موضحًا: “إنه يقف في مواجهة مباشرة مع السلطات الدينية التي كانت تهيمن سابقًا على الحياة الاجتماعية. وكون شخص من آل الشيخ هو من جلب حفلات الرقص إلى الرياض يحمل دلالة رمزية بالغة”.
مع ذلك، أثار آل الشيخ الجدل بسلسلة من التصرفات العلنية المثيرة كثير منها تمحور حول قضايا تافهة.
ففي إحدى المرات، خلال جائحة كوفيد-19، نظّم مباراة خيريّة في لعبة الفيديو “فيفا 20” ضد سعود السويلم، الرئيس السابق لنادي النصر. وأثناء المباراة، حيث لعب بفريق ألميريا، تلقّى هدفين في الدقائق الأولى، فما كان منه إلا أن رمى وحدة التحكم باتجاه التلفاز، محطمًا إياه بالكامل.
لو كان شخصا عاديا لما جذب انتباه أحد اغضبه وكسره جهاز التلفزيون لأنه خسر لعبة الكترونية، ولكن أن يكون مستشارا ل #ولي_العهد والملك القادم لأكبر دولة مصدرة للنفط فذلك يستوقف العالم بأسره🤔لذلك لا استغراب لأفعال #مبس الطائشة الحمقاء #السعودية #عيدكم_مبارك #خليك_بالبيت #فيروس_كورونا pic.twitter.com/xkDihbxddM
— ناصر بن راشد النعيمي (@AlnuaimiNasser1) May 23, 2020
في عام 2019، تم تصوير آل الشيخ وهو يثور غضبًا على مصور اقترب منه أكثر من اللازم. وفي كأس العالم 2018، نشر آل الشيخ مقطع فيديو بعد خسارة السعودية 5-0 أمام روسيا في المباراة الافتتاحية للبطولة، حيث كرر مرارًا أن الفريق “سوّد وجهه”.
وفي وقت سابق من ذلك العام، أثار آل الشيخ أزمة دبلوماسية بعدما وصف وزيرًا كويتيًا بـ”المرتزق” عقب شكره لقطر على مساعدتها للكويت في رفع الحظر الذي فرضه “فيفا” على البلاد.
ينقل مصدر مقرب من دوائر الساسة السعوديين قوله: “هذه هي سمة كبار مستشاري محمد بن سلمان؛ يفتعلون الأزمات، ويأتي هو لإنقاذهم… العصابة المحيطة بمحمد بن سلمان شديدة النفوذ، ولا أحد يجرؤ على الاقتراب من تركي آل الشيخ”.
وأثار آل الشيخ جدلاً خارج السعودية أيضًا، لاسيما خلال إقامته في مصر، حيث ارتبط اسمه بحادثة شغلت الرأي العام، بطلتها المغنية المصرية الشهيرة آمال ماهر.
في آذار/ مارس 2018، أفادت عدة صحف مصرية بأن آمال ماهر تقدمت ببلاغ رسمي تتهم فيه آل الشيخ بالاعتداء عليها بالضرب على عينها، ما أسفر عن إصابتها بكدمة سوداء. وكانت آمال ماهر قد نفت، قبل الحادثة بأسابيع قليلة، شائعات ارتباطها بآل الشيخ الذي كانت قد تعرفت عليه من خلال علاقاته القوية بصناعة الترفيه في مصر.
ووفقًا لمصادر أمنية مصرية نقلت عنها وسائل الإعلام، تم تحويل البلاغ إلى النيابة العامة، وأُخطرت السفارة السعودية في القاهرة بضرورة مثول آل الشيخ أمام جهات التحقيق. كما أظهرت تسجيلات مصورة آمال ماهر وشقيقها أثناء دخولهما محكمة جنوب القاهرة في منطقة زينهم.
لكن التطورات جاءت سريعة؛ فبعد أربع ساعات فقط من نشر الخبر، تم حجب موقعي الصحيفتين اللتين انفردتا بتغطيته. وعند عودتهما لاحقًا، كانت جميع المواد المتعلقة بالحادثة قد أزيلت. لاحقًا، تعرض محل شقيق آمال ماهر للتخريب، فيما نشرت المغنية عبر حساباتها منشورات غامضة — حُذفت لاحقًا — أكدت فيها أنها “لن تقبل بالظلم”، مشيرة إلى تلقيها وعائلتها “تهديدات وإهانات” عبر هواتفهم المحمولة.
بعد ظهورها في حفل بالأهرامات في حزيران/ يونيو 2020، اختفت آمال ماهر عن الأنظار لأكثر من عامين، لتُحذف أغانيها من موقع يوتيوب وتعلن، في حزيران/ يونيو 2021، اعتزالها الفن لأسباب “شخصية وخارجة عن إرادتها”.
في حزيران/ يونيو 2022، وجهت النائب البرلمانية المصرية آمال عبد الحميد رسالة إلى رئيس الوزراء قالت فيها: “من المؤسف والمريب والمخيف أيضًا، أن يتحول غياب فنانة بحجم آمال ماهر إلى لغز وجدل وشائعات وشكوك. وما هو أكثر أسفًا هو الإصرار على الصمت والغموض، وخلق بيئة خصبة للشائعات”.
لم يعلق آل الشيخ علنًا على هذه الاتهامات، كما لم يتم رفع أي قضية رسمية ضده. ورفضت الشرطة المصرية الرد على استفسارات وجهتها لها مجلة ” ذي أثلاتيك”.
وفي السنوات الأخيرة، عادت آمال ماهر للغناء في السعودية، وأصدرت بيانات علنية نفت فيها تعرضها لأي اعتداء من قبل آل الشيخ، موضحة أن فترة غيابها الطويلة كانت نتيجة مضاعفات إصابتها بكوفيد-19. وقالت عبر مقطع فيديو على إنستغرام: “أعتذر عن الفترة الماضية، لم أتمكن من التواجد معكم. لقد أصبت بفيروس كورونا، لكن الحمد لله تعافيت، وأردت أن أطمئنكم”.
سيكون كأس العالم 2034 أكبر حدث رياضي في تاريخ السعودية، وسيؤدي تركي آل الشيخ دورًا محوريًا فيه، كعضو في لجنة التخطيط للبطولة. ومع ذلك، فإن شغفه الحقيقي هو رياضة الملاكمة. فخلال السنوات الأخيرة، عانى آل الشيخ من مشكلات صحية خطيرة.
منذ عام 2015، تم تشخيصه بعدة أنواع من السرطان، أخطرها ورم في دماغه بالقرب من الغدة النخامية، مما استدعى أن يقضي معظم عامي 2018 و2019 في نيويورك لتلقي العلاج.
في حديثه مع البودكاستر الكويتي عمار تقي، أوضح آل الشيخ أن إحدى العمليات الجراحية أدت إلى خطأ طبي تسبب له في جرح ظل ينزف لمدة 50 يومًا، تلاه أشهر من الالتهابات. وحسب آل الشيخ، فإن حياته الثانية لها هدفان: خدمة محمد بن سلمان — وخدمة رياضة الملاكمة. ويبدو أن حبه للملاكمة صادق، إذ يعتبر الملاكمين لاري هولمز وروبرتو دوران من المفضلين لديه، رغم أن مسيرتيهما كانتا قد تراجعتا مع بداية طفولته.
عندما كشف المدرب البريطاني المخضرم جو غالاغر في شباط/ فبراير عن إصابته بسرطان الكبد والأمعاء في مرحلته الرابعة، كان آل الشيخ قد بادر بالفعل للتواصل معه بعدما سمع عن مرضه عبر مجتمع الملاكمة. وعرض عليه المساعدة بكل الطرق الممكنة، بما في ذلك ربطه بأطباء متخصصين كان قد التقى بهم خلال رحلة علاجه. ويروي إيدي هيرن، أحد أبرز شخصيات الملاكمة، قصة استدعائه من عطلته بسبب نفوذ آل الشيخ.
دفع آل الشيخ باتجاه بدء استثمارات السعودية في رياضة الملاكمة بعد عودته من رحلة علاجه، مستفيدًا من الزخم الذي خلقه نزال أنتوني جوشوا مع آندي رويز جونيور في كانون الأول/ ديسمبر 2019.
وسرعان ما بدأت الفعاليات تتسارع مع إدراجها رسميًا تحت مظلة “موسم الرياض”، المبادرة الرئيسية للهيئة العامة للترفيه التي تجمع بين الرياضة والثقافة وتتيح الوصول إلى التمويل اللازم.
ونجح في التوسط لإقامة نزالات صعبة — شملت أسماء مثل تايسون فيوري، وديونتاي وايلدر، وأولكسندر أوسيك — بالإضافة إلى مواجهتي القمة بين أرتور بيتربييف ودميتري بيفول، واللتين اعتبرتا من أرفع مباريات الملاكمة في السنوات الأخيرة.
وفي مقاطع فيديو نشرها آل الشيخ عبر وسائل التواصل الاجتماعي في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، تظهر التحضيرات لموسم الرياض المقبل، ولم يكن هناك ما يلفت النظر سوى وجود شخصية نحيلة بلحية مشذبة قصيرة.
🇸🇦❤️💪🏻 pic.twitter.com/mzcZfEpkbr
— TURKI ALALSHIKH (@Turki_alalshikh) October 11, 2024
مع ذلك، يشير عدد من المطلعين على شؤون الديوان الملكي إلى أن الشخص الظاهر في الصورة قد يكون أحمد المطيري، المعروف أيضًا باسم أحمد الجبرين. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، وجه إليه مكتب التحقيقات الفيدرالي تهمة العمل “كوكيل غير مسجل لحكومة أجنبية”، حيث قام بتجنيد موظفين في تويتر لتسريب معلومات حول معارضين مشتبه بهم.
ويزعم المحققون في مكتب التحقيقات الفيدرالي أن المطيري “أقنع موظفين آخرين باستخدام بيانات اعتمادهم للوصول غير المصرح به إلى معلومات غير علنية تتعلق بالأفراد وراء بعض حسابات تويتر”.
1/4 #FBI San Francisco is seeking Ali Alzabarah (https://t.co/DbJ5RvefJu)and Ahmed Almutairi (https://t.co/Hg0xEfJE2i) for allegedly acting as unregistered agents of a foreign government pic.twitter.com/ZMUE0nYFvK
— FBI SanFrancisco (@FBISanFrancisco) November 7, 2019
وأضافوا: “سعى ممثلون عن المملكة العربية السعودية والعائلة المالكة، بشكل خاص، إلى الحصول على معلومات شخصية عن مستخدمي المنصة الذين انتقدوا النظام… وشملت هذه المعلومات عناوين البريد الإلكتروني، وأرقام الهواتف، وعناوين بروتوكول الإنترنت، وتواريخ الميلاد”. في ذلك الوقت، أصدرت تويتر بيانًا أكدت فيه التزامها بـ”حماية المحادثة العامة” من استغلال الدول. وقد أكد مكتب التحقيقات الفيدرالي لمجلة “ذي أثلاتيك” أن المطيري لا يزال مطلوبًا.
يُعد تركي آل الشيخ شخصية محورية في الفعاليات التي تعزز القوة الناعمة للمملكة، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، لكنه أيضًا يرتبط بعلاقات وثيقة مع دوائر القوة الصلبة المحيطة بمحمد بن سلمان، وهي الروابط التي ساهمت في تصنيف السعودية كدولة منتهكة لحقوق الإنسان. وتعكس الثقة الممنوحة له في كلا الدورين مدى أهميته بالنسبة لابن سلمان، لكنها في الوقت ذاته تزيد من مكامن ضعفه.
أما سعود القحطاني، أحد المقربين القلائل من محمد بن سلمان إلى جانب تركي آل الشيخ، فقد اختفى عن الأنظار بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي، ولم يظهر مجددًا إلا في السنة الماضية. ومع ذلك، لم تُطرح تساؤلات جادة حول مكانة آل الشيخ بجانب ولي العهد.
يقول مصدر مطلع على شؤون الديوان الملكي: “أعتقد أن محمد بن سلمان ينظر إلى تركي باعتباره صاحب رؤية في مجال الترفيه. فهو يرسم صورة لدولة تعرض أفلام الأبطال الخارقين وتبني مدن ملاهٍ مستوحاة من الرسوم المتحركة. هذا تحديدًا ما كان يدور في ذهنه — وقد بدأ بتحقيقه مع تركي منذ البداية، وبالفعل، تركي أنجز ذلك”.
مع ذلك، تشير مصادر متعددة مطلعة على موازين القوى إلى أن آل الشيخ ينافس حاليًا ياسر الرميان، محافظ صندوق الاستثمارات العامة والمسؤول عن ملف نادي نيوكاسل، لكسب مزيد من النفوذ لدى محمد بن سلمان.
وحسب مصادر مطلعة على سير المفاوضات، نشب خلاف بين الطرفين حول استثمار المملكة مليار دولار في إحدى المنصات الإعلامية عبر وحدة متخصصة بالرياضة تابعة لصندوق الاستثمارات العامة. وكان آل الشيخ يضغط بقوة لدفع الصفقة قدمًا، بينما فضل الرميان التركيز على صفقة محتملة مع شبكة رياضية قطرية. وفي النهاية، انتصر آل الشيخ بتمرير اقتراحه.
في الأشهر الأخيرة، رصد كثيرون فتورًا علنيًا في العلاقة بين الرجلين. ويروي مصدر مطلع على كواليس المجتمع السعودي: “خلال مأدبة عشاء في موسم الرياض، كانت هناك طاولة مخصصة لكبار الشخصيات. دخل تركي آل الشيخ القاعة، وتوجه مباشرة إلى المقعد المجاور لياسر الرميان. وقف ياسر بانتظار التحية، لكن تركي تجاهله تمامًا، ولم يتبادل معه أي كلمة. انتظر الرميان نحو ثلاثين ثانية قبل أن يجلس، وكان المشهد بمثابة صراع صامت على النفوذ: لا تعبث معي، سأزيحك تدريجيًا”.
يرى البعض في الطبقة الحاكمة أن تصرفات آل الشيخ لا تتماشى مع أهداف “رؤية 2030″، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتحسين الصورة الدولية للمملكة. ويعتقد هؤلاء أن العوائد على بعض الاستثمارات ضئيلة، وأن شخصية آل الشيخ — بما تحمله من مظاهر جدلية — لا تخدم الصورة التي يسعى محمد بن سلمان إلى ترسيخها.
ويقول مستشار في الديوان الملكي: “بعض آل الشيخ هم مواطنون عاديون، وبعضهم يقتربون من النخبة الحاكمة، لكنهم لم يلعبوا أدوار الأمراء. تصرفات تركي، وعدم التزامه بالبروتوكول، تثير الاستياء في الأوساط العليا”.
رغم الانتقادات، أحدث آل الشيخ تحولًا في عالم الملاكمة. فقد اختاره محمد بن سلمان من الصفوف المتوسطة، ويتفق الجميع على أن صعوده يعود بالكامل لثقة ولي العهد به، إذ إنه لا يمتلك قاعدة قوة سياسية مستقلة. ويقول أحد المراقبين: “سيقترب يومًا من الشمس أكثر مما ينبغي”.
مساء السبت، يعود آل الشيخ إلى صدارة المشهد الرياضي، حيث يستضيف ملعب في لندن مباراة ملاكمة كبرى بين كريس يو بانك الابن وكونور بين، أبناء خصمين شهيرين من تسعينيات القرن الماضي، في مواجهة تعد الأكبر منذ سنوات في الساحة البريطانية.
صعد آل الشيخ من الظل إلى مكانة شبه ملكية، وأصبح اليوم في قلب مؤسستين تاريخيتين، يعمل حرسهما الجديد على محاربة الفساد، وضخ استثمارات ضخمة، وتأمين موقعهما في النظام العالمي الجديد، وسط تساؤلات أخلاقية متزايدة.
خلال السنوات الأخيرة، كانت قصة المملكة أيضًا قصة الملاكمة. فهل سيكون تركي آل الشيخ هو من يقودها إلى المستقبل؟ أينما توجه، سواء نحو السجون أو تحت أضواء الحلبات الساطعة، فإن أثر خطواته سيمتد من ويمبلي إلى الرياض، ومن واشنطن إلى الحائر.
المصدر: ذي أثلاتيك