“كونفرانس القامشلي”… بين تكريس هيمنة “حزب العمال” واحتكار الصوت الكردي

تمسَّكَت الأحزاب والقوى الكردية السورية بحلّ القضية الكردية عبر قيام دولة ديمقراطية لامركزية، وقدمت رؤية سياسية مشتركة لتكون إطارًا للحوار الوطني بينها أولًا، وبينها وبين دمشق والقوى الوطنية السورية ثانيًا.

وجاء ذلك في البيان الختامي لِـ”الكونفرانس وحدة الموقف والصف الكردي في روجآفايي كردستان”، الذي انعقد في 26 أبريل/نيسان الجاري بصالة قامشلو داخل “حديقة أزادي” في ريف الحسكة شمال شرق سوريا.

وعلى الرغم من مشاركة معظم التشكيلات المنضوية تحت المجلس الوطني الكردي ومجلس سوريا الديمقراطية (الذراع السياسي لـ”قسد”)، يرى شريحة واسعة من الكرد السوريين أن مخرجات المؤتمر لا تعكس تطلعاتهم، وتعتبرها محاولة لاحتكار صوتهم ضمن أجندة حزب العمال الكردستاني المهيمن على “قسد”. فما هو موقف هذه الشريحة؟ وهل تتصادم مطالبها مع اتفاقات دمشق–قسد؟

مخرجات المؤتمر الكردي

شاركت في “كونفرانس وحدة الموقف والصف الكردي”، نحو 400 شخصية سياسية، بينهم ممثلون عن حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM) من تركيا، وممثلون عن الاتحاد الوطني الكردستاني (PUK) من كردستان العراق، وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) والمجلس الوطني الكردي (ENKS)؛ إضافةً إلى ممثل عن الرئيس مسعود بارزاني، حميد دربندي، وممثل الخارجية الأمريكية، سكوت بولز.

وجاء في البيان الختامي للمؤتمر، أن المشاركين قدموا رؤية سياسية كردية مشتركة لديوان “الكونفرانس” تعبر عن “إرادة جماعية ومشروعًا واقعيًا لحل عادل للقضية الكردية في سوريا كدولة ديمقراطية لامركزية”.

كما دعوا إلى اعتماد الرؤية أساسًا للحوار الوطني، سواء بين القوى السياسية الكردية ذاتها، أو بينها وبين الإدارة الجديدة في دمشق، وقرروا تشكيل “وفد كردي مشترك في أقرب وقت للعمل على ترجمة هذه الرؤية إلى واقع سياسي بغية التواصل والحوار مع الأطراف المعنية”.

ويتكون ديوان “الكونفرانس الكردي” من رئيس المجلس الوطني الكردي، محمد إسماعيل، ومسؤولة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، إلهام أحمد، والرئيسة المشاركة لحزب الاتحاد الديمقراطي، بروين يوسف.

ونشرت قناة رووادو، مسودة الرؤية السياسية الكردية المشتركة لحل القضية الكردية في سوريا، تضمنت بنودًا في المجالين الوطني السوري، والقومي الكردي، جاء فيها: “في إطار الوحدة الوطنية السورية نسعى لتعزيز الدور والشراكة الوطنية على أساس العدالة، المساواة، الديمقراطية وحرية المرأة”.

وفي المجال الوطني السوري نصت على 15 بندًا كان أهمها:

  • سوريا لا مركزية، تضمن التوزيع العادل للسلطة والثروة بين المركز والأطراف.
  • حيادية الدولة تجاه الأديان والمعتقدات، وحق ممارسة الشعائر الدينية والاعتراف بالديانة الإيزيدية ديانة رسمية في الدولة.
  • إعادة النظر بالتقسيمات الإدارية الراهنة، بما يراعي الكثافة السكانية (الكتلة البشرية) والمساحة الجغرافية.
  • تشكيل جمعية تأسيسية برعاية دولية تضم ممثلي كافة المكونات السورية لصياغة دستور بمبادئ ديمقراطية، وتشكيل حكومة من كافة ألوان الطيف السوري ومكوناته بصلاحيات تنفيذية كاملة.

أما في المجال القومي الكردي نصت على 11 بندًا أبرزها:

  • توحيد المناطق الكردية كوحدة سياسية إدارية متكاملة في إطار سورية اتحادية.
  • ضمان تمثيل الكرد في مؤسسات الدولة التشريعية، القضائية، التنفيذية والأمنية.
  • تطوير البنية التحتية للمناطق الكردية وتخصيص نسبة من عائدات ثرواتها في التنمية والإعمار، بسبب تهميشها الممنهج وإهمالها المتعمد في المراحل السابقة.
  • إلغاء كافة السياسات والإجراءات والقوانين الاستثنائية التي طُبقت بحق الكرد مثل مشروع الحزام العربي وعمليات التعريب في المناطق الكردي.

وخلال الأسابيع الماضية، اضطرت القوى والأحزاب السياسية الكردية إلى تأجيل المؤتمر القومي لأكثر من مرة، بسبب خلافات بين ممثلين عن الأطراف السياسية الرئيسية المتمثلة بحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) المهيمن على الإدارة الذاتية، والمجلس الوطني الكردي (ENKS).

بينما أُطلق المؤتمر نتيجة ضغوط أمريكية فرنسية، ورعاية رئيس كردستان العراق، مسعود برزاني، بهدف حل القضية الكردية في سوريا، إلا أن المؤتمر يصطدم بواقع التمثيل للمكون الكردي، ومحاولة هيمنة “PKK” من خلال احتكار قرار الكرد، والمكونات السورية في منطقة الجزيرة عبر ذراعه “حزب الاتحاد الديمقراطي” (PYD).

احتكار صوت الكرد في سوريا

رغم أن المشاركين في المؤتمر يشكلون غالبية الأحزاب الكردية في سوريا إلا أن شريحة واسعة من المكون الكردي تعتقد أن الأحزاب والقوى السياسية المشاركة لا تمثلهم، إنما تحاول احتكار صوت الأكراد السوريين في تقرير مصيرهم عبر التفاوض مع دمشق.

واعتبر الكاتب والسياسي الكردي السوري، حسن شندي، أن ما حدث في القامشلي لم يكن مؤتمرًا، بل كان “كونفرانسًا” أُعلن خلاله عن تقارب بين قطبي الاستقطاب الكردي في سوريا، حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) المدعوم من قنديل، والمجلس الوطني الكردي المدعوم من أربيل، بهدف ضم المجلس الوطني الكردي إلى الرؤية السياسية لحزب العمال الكردستاني في سوريا.

وقال شندي لـ “نون بوست”: “لا يمكن اعتبار الكونفرانس ممثلًا لجميع الشعب الكردي السوري، لأنه يمثل خطوة متقدمة نحو مصادرة القرار السياسي الكردي السوري لصالح أجندات خارجية، وبدلاً من أن يسهم في تعزيز الحقوق القومية الكردية، سيؤدي إلى فرض مزيد من الضغوط على الشعب الكردي وتشويه قضيته العادلة”.

ويضيف، أن الشعب الكردي السوري أصبح أكثر وعيًا وإدراكًا، خاصة بعد الأحداث الدامية في عفرين ورأس العين وتل أبيض، فقد أدركت الغالبية أن تنظيم “قسد” قائم على كتم صوت الناس ومصادرة آرائهم وممتلكاتهم وحقوقهم الأساسية في الحرية والعيش الكريم.

وأوضح، أنه رغم استيلاء قسد على خيرات شرق الفرات لأكثر من أربعة عشر عامًا، لا تزال المدن الكردية تعاني من انعدام الكهرباء وشح المياه، وانعدام الخدمات الأساسية، بينما تُنهب ثروات النفط والغاز. هذا الواقع كشف الوجه الحقيقي لـ “قسد” أمام الشعب.

ويتفق الكاتب والباحث السياسي، علي تمي، بأن الكونفرانس لا يمثل معظم الكرد، والعشائر والمجتمع المدني والنخب السياسية والثقافية، لأنه نتاج صفقة سياسية بين أربيل وقنديل، مؤكدًا “أن الكرد في سوريا تمت مصادرة قرارهم، بين أربيل وقنديل، لأن هكذا مؤتمرات تهدف لتكريس تدخلاتهم في شؤوننا الداخلية وبالتالي لوضعنا في مواجهة مكونات المنطقة”.

وتسيطر “قسد” على مناطق واسعة شمال شرقي سوريا تضم محافظتي الرقة والحسكة وأجزاء من محافظة دير الزور، وتسمى بالجزيرة السورية، يشكل المكون العربي الغالبية السكانية في المنطقة إلى جانب مكونات كردية وآشورية ويزيدية، بينما يعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي PYD العمود الفقري لها، ويعد امتدادًا لحزب العمال الكردستاني PYD المصنف على قوائم الإرهاب.

هيمنة حزب العمال الكردستاني

يعد مؤتمر وحدة الصف الكردي امتدادًا لما تحدث عنه، عبدالله أوجلان. الذي يعتبر الزعيم الروحي لحزب العمال الكردستاني، بهدف تحويل نشاط الأحزاب والقوى العسكرية الكردية الموالية لحزبه إلى الحوار والتفاوض عوضًا عن لغة الحرب التي أضرت بالمكون الكردي بشكل رئيسي.

ورغم دخول “قسد” في مفاوضات مع الحكومة السورية في دمشق بعد اتفاق بين مظلوم عبدي، والرئيس السوري أحمد الشرع في 10 من مارس/أذار الماضي، إلا أنها لم تخط أية خطوات إيجابية وجدية في هذا المسار، بينما استمرت في ارتكاب انتهاكات وتجنيد القصر في مناطقها مع استمرار مطالبها بنظام الحكم اللامركزي، وهذا ما أكد عليه مؤتمر الحوار الكردي مجددًا ما يعطي انطباعًا باستمرار هيمنة حزب العمال الكردستاني على قرار “قسد”.

واعتبر الكاتب والباحث السياسي، علي تمي، أن هيمنة حزب العمال الكردستاني في كامل منطقة شرق الفرات واضحة ومكشوفة، بينما المؤتمر يأتي لشرعنة تواجد الحزب داخل سوريا، حيث يحاول التقرب من الولايات المتحدة وبالتالي إخراج المؤتمر من عمقه الوطني والتلاعب ببوصلته وتوجيهه نحو الخارج.

وأوضح، أنه يوجد تبادل بالأدوار بين قسد و”حزب العمال الكردستاني”، لأنهما من نفس منظومة، وتهدف إلى تكريس الهيمنة على قرار الكرد السياسي وبالتالي التفاوض نيابة عنهم مع الحكومة في دمشق، لذلك “أخاطب الحكومة بأن هؤلاء لا يمثلون الكرد في سوريا وبالتالي لا يحق لهم التفاوض نيابة عنا”.

كما يؤكد الكاتب السياسي، حسن شندي، أن الكونفرانس يمثل محاولة واضحة لتكريس هيمنة حزب العمال الكردستاني على القرار الكردي السوري، لأن الحزب كان مدعومًا من نظام الأسد الأب والابن، واستخدم المناطق الكردية السورية كساحة لهجماته ضد تركيا، كما حارب كل من نادى بالحرية والخلاص من النظام السوري المجرم، وكان سبّاقًا في الدفاع عن نظام الأسد، وله سجل حافل في خطف القاصرين والقاصرات من كرد سوريا للزج بهم في حروبه العبثية.

وقال خلال حديثه لـ “نون بوست”: “إن آلاف الشباب والشابات جندهم تحت ذريعة “تحرير كردستان”، بينما كان الهدف الفعلي هو خدمة مشاريع النظام السوري ومواصلة الحرب ضد الدولة التركية؛ لكن بعد سقوط النظام البائد، يسعى الحزب إلى شرعنة نفسه سياسيًا عبر استمالة المجلس الوطني الكردي، تحضيرًا لحروب جديدة لا علاقة للكرد السوريين بها، خدمة لأجندات خارجية تريد تفتيت سوريا”.

ويضيف، أن “قسد” عملت على استمالة المجلس الوطني الكردي عبر ضغوط أمريكية وفرنسية بهدف كسب شرعية سياسية تفتقدها، فهي تمتلك القوة العسكرية، لكنها تفتقد إلى الحاضنة السياسية، التي كان المجلس الوطني الكردي يحظى بها بدعم من الرئيس البارزاني.

وتابع، أنهم حذروا مرارًا من أن المجلس الوطني الكردي يضم أحزابًا غير وطنية، مرتبطة بالخارج وتعمل وفق أجندات لا تعارض حزب العمال الكردستاني بل تسعى للمحاصصة معه، وتجلى ذلك في انخراط المجلس الكونفرانس دون فرض شروط، كالإفراج عن المعتقلين، وإخراج كوادر حزب العمال الكردستاني من سوريا، ومحاسبة المجرمين، ودخول قوات البيشمركة. مؤكدًا، على ضرورة استعادة القرار السياسي للكرد السوريين.

رؤية متناقضة.. كيف تؤثر على اتفاق دمشق وقسد؟

اتصفت بنود مسودة الرؤية السياسية التي قدمتها الأحزاب والقوى السياسية الكردية المشاركة في الكونفرانس الكردي، بالتناقض، بسبب مطالبتها في اللامركزية تارةً، والدولة الاتحادية تارةً أخرى، فاللامركزية تعني إعطاء مجموعات محلية بعضًا من صلاحيات الحكم الذاتي، والدولة الاتحادية تعني الفيدرالية التي تكون فيه السلطات مقسمة دستوريًا بين وحدات إدارية مثل الأقاليم أو الولايات.

ويرى الباحث والصحفي، سامر الأحمد، أن بنود ورقة الرؤية المشتركة حملت تناقضات سياسية، لا سيما بند إعادة النظر بالتشكيل الإداري بالجغرافية السورية، والحديث عن مناطق كردية بشكل صرف، واعتبار سوريا دولة اتحادية، وديمقراطية لا مركزية، وحيادية الدولة وعلمنتها وما إلى ذلك..

وقال خلال حديثه لـ “نون بوست”: إن بنود الرؤية تخالف الإعلان الدستوري السوري، وتخالف اتفاق مظلوم عبدي والشرع، إلا أن الحكومة السورية غير معنية لأنه يحمل مطالب سياسية، بينما المفاوضات بين عبدي والشرع كانت أمنية إدارية وقسد ملزمة بها”.

ويضيف الأحمد أن المطالب السياسية لفئة ولجماعة تقدم للسلطة، لكن آلية التنفيذ على أرض الواقع تحتاج إلى نقاشات طويلة، والدولة لا تأخذ بهذا النهج، وإنما عبر عقد اجتماعي يضمن تنازل الجماعات عن بعض حقوقها للحفاظ على مركزية وسلطة الدولة، والحديث عن الورقة يمكن أن يؤخذ في اللجنة الدستورية القادمة.

واستطاعت “قسد” عبر الكونفرانس، سحب الشرعية من المجلس الوطني الكردي الذي كان يضم عشرات الأحزاب الكردية السورية، ويمثلهم في الائتلاف ولجنة التفاوض واللجنة الدستورية، وباتت الممثل الوحيد للكرد جميعًا، بعدما فقدت الحركة السياسية الكردية جزء كبيرًا من ثقلها الوطني والإقليمي لصالح سلطة عسكرية متهمة بارتكاب انتهاكات شملت الأحزاب التي يمثلها المجلس في وقت سابق إضافةً إلى ارتباطها بحزب العمال الكردستاني.

بينما يرى الباحث في الشأن الكردي، مهند الكاطع، أن مسودة بنود الرؤية السياسية والبيان الختامي ليس جديدًا على طرق القوى الكردية السورية، وخاصة التابعة لأربيل، وتعد محاولة لاستنساخ تجربة إقليم شمال العراق في سورية، وطرح مطالب ذات طابع قومي أحادي لا تأخذ بعين الاعتبار التحديات الديموغرافية والجغرافية والتاريخية الذي يجعل تجربة أكراد سورية مختلفة عن تجارب الأكراد في العراق أو إيران أو تركيا.

وقال خلال حديثه لـ “نون بوست”: “لا يمكن أبدًا للأكراد تحقيق أي مطالب ذات طبيعة قومية مبنية على المحاصصات في سوريا، خاصة أنهم لا يشكلون كثافة وغالبية سكانية في أي منطقة سورية، كما أن المطالب تهدد وحدة سورية وتكون مقدمة لشرخ في البنية الاجتماعية السورية”.

ويضيف، أن “قسد” تقوم بمفاوضات مع الإدارة السورية لذلك ستحاول استغلال المؤتمر لتعزيز موقفها التفاوضي، والقول إنها اليوم تمثل وحدة الصف الكردي وبالتالي تعتقد أنها تستطيع من خلال ذلك للضغط السياسي اتجاه القبول بطروحات المحاصصات الإدارية والسياسية.

وتابع أن “قسد” تهمل حقيقة ديموغرافية ساطعة بأن الأكراد في المناطق التي تسيطر عليها في المحافظات الشرقية، يشكلون أقل من 10% من الكتلة السكانية، ونحو 5.3 % من مجموع سكان سورية، وبالتالي لا يمكن لأي مجتمع في سورية اليوم أن يضع أهدافا ومطالب قومية وطائفية على حساب دماء وتضحيات الشعب السوري.

ختامًا.. تحاول قوات سوريا الديمقراطية “قسد” الهيمنة على الأصوات السياسية للأكراد السوريين، بينما تهمش المكونات العربية والإيزيدية والأشورية في منطقة الجزيرة السورية، بأنها ممثلة عنهم، لاستخدامها في مفاوضات المحاصصة السياسية والإدارية مع الحكومة السورية الجديدة، على الرغم من أنها سلطة أمر واقع.. فهل تنجح محاولات “قسد” في الحصول على امتيازات أم أنها ستقع في فخ الأطماع مجددًا؟