في الثاني من أبريل/ نيسان 2025، وقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كعاهدته أمام الكاميرات، في حديقة البيت الأبيض، حاملاً لوحة كرتونية هي الأغلى ثمنًا في العالم، واحتوت هذه اللوحة قائمة أرقام فاتورة ضخمة قرَّر أن يرسلها للعالم كله.
قدَّم ترامب نفسه وكأنه المحاسب الصارم الذي قرَّر أخيرًا أن يراجع الفواتير المتراكمة على دول العالم، ولكن هذه اللوحة وتعريفاتها لم تستثن أيضًا الدول العربية التي طالتها حربه التجارية التي شنها على العالم أجمع، الحبيب والعدو، الصديق والخصم، ليُحدث زلزالاً في النظام العالمي التجاري.
منذ ذلك الحين، تتغير تفاصيل مَنْ يفرض الرسوم الجمركية على مَنْ، وكم تبلغ قيمتها، بشكل شبه يومي بسبب التحولات في سياسة إدارة ترامب التجارية التي تفرض رسومًا جمركية في يوم، ثم تؤجلها أو تعلِّقها في اليوم التالي، ما دفع الكثيرين إلى التساؤل عمَّن يتحمل العبء الاقتصادي لهذه السياسات، وتأثيرها على ميزانيات المستهلكين في المقام الأول.
تحولات التعريفات الجمركية
قد تكون التجارة الخارجية من الاستيراد والتصدير واحدة من أعظم الانجازات الفكرية للبشرية، فقد تجاوز البشر بفضلها حدود الجغرافيا، ولم يعد على الدولة صناعة كل شيء على أراضيها، وتحمُّل ما يترتب على ذلك من هدر للموارد، فإذا كانت إحدى الدول تفتقر إلى الأراضي الصالحة للزراعة، يمكنها استيراد حاجاتها الزراعية من دولة أخرى ذات مساحات مهولة من الأراضي الزراعية، بالمقابل، تركز الدولة الأولى على ميزاتها التنافسية حيث يستثمر الأفراد فيها بقطاعات تناسبهم.
وقد تكون هذه الدولة متقدمة صناعيًا وتكنولوجيًا، فيستثمر فيها الأفراد وقتهم في تعلم هذه المجالات بغية المشاركة في هذه القطاعات وتوفير تقنيات مفيدة، ومن خلال أرباحهم الناتجة من ذلك، يشترون المزروعات التي يحتاجون إليها، وفي المقابل، يحصل الأفراد المزارعون على التكنولوجيا التي تسهِّل حياتهم من خلال أرباحهم الناتجة عن تصدير محاصيلهم الزراعية.
يبدو كل ذلك منظومة مزدهرة لا يعكر صفوها شيء، ولكن في الحقيقة تواجه تلك الصورة الجميلة من التبادل التجاري الكثير من التحديات، وتشكل التعريفة الجمركية أو الرسوم الجمركية أحد أهم تلك التحديات التي تُحدث تشوهات في السوق السوق الحرة، وتلحق الضرر بالمستهلكين المحليين مع مرور الوقت.
وتُعرف الرسوم الجمركية بأنها ضريبة قسرية تفرضها الحكومة على السلع المستوردة من دول أخرى، ويتم دفعها بمجرد دخولها التراب الجمركي أو خروجها منه.

تشكل التعريفة الجمركية أحد أهم تلك التحديات التي تُحدث تشوهات في السوق.
قد تفرض الحكومة تعريفة جمركية على سلع محددة مستوردة من دولة واحدة أو أكثر، أو قد تفرض تعريفة جمركية شاملة تُؤثر على جميع السلع المستوردة من دول محددة.
عادةً ما تُحدد التعريفات الجمركية كنسبة مئوية من قيمة السلع المستوردة، فمثلاً، إذا استوردت شركة تفاحًا بقيمة 100 دولار من دولة تفرض تعريفة جمركية بنسبة 10%، فستضطر الشركة إلى دفع ضريبة قدرها 10 دولارات للحكومة المحلية.
تاريخيًا، كانت الرسوم الجمركية غالبًا مصدرًا رئيسيًا لزيادة إيرادات الحكومة، وإحدى أهم الركائز التي تعتمد عليها الدول في سياساتها التجارية، وحماية المنتجين والمصنّعين المحليين والصناعات المحلية – وخاصة الناشئة منها – من المنافسة الأجنبية.
ويجادل المدافعون عن الحمائية لحجة أن التعريفات الجمركية وغيرها من أشكال الحماية من المنافسة الأجنبية ستجعل الصناعات المحلية أكثر إنتاجية وتنافسية، فرفع أسعار السلع المنتجة في الخارج، يجعل البدائل المنتجة محليًا أكثر جاذبية.
وفي حين بدت التعريفات الجمركية أداة مثالية لحماية التصنيع المحلي من الاختفاء تحت وطأة الواردات الأجنبية الأرخص، لا يبدو الأمر اليوم بهذه البساطة، فدول مثل الصين يمكنها التهرب من الرسوم الجمركية من خلال الاستثمار في التصنيع أو التجميع في دولة أخرى لا تخضع لنفس الرسوم.
ومع ذلك، منذ أواخر القرن التاسع عشر، استُخدمت الرسوم الجمركية في كثير من الأحيان لأغراض أخرى تجاوزت الحمائية، وباتت تُذكر اليوم كأدوات جيوسياسية توسعية ذات عواقب غير مؤكدة، بالإضافة إلى كونها أداة ضغط إضافية لممارسة النفوذ الاقتصادي على دولة أخرى، أو تحقيق أهداف سياسية خارجية غير ذات صلة في المفاوضات مع الشركاء التجاريين بشأن الهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات والإتجار بالبشر.
مِنْ يدفع ثمن الرسوم الجمركية؟
في بعض الحالات، تُطبق التعريفة الجمركية مباشرةً على المنتج النهائي، مثل اللحوم والأجبان والشوكولاتة والقهوة والفاكهة والمكسرات والمأكولات البحرية، وفي هذه الحالة، تُطبق التعريفة كرسوم ثابتة بناءً على نوع السلعة المستوردة.
وفي حالات أخرى، تُطبق التعريفة الجمركية على بعض المكونات المستخدمة في التصنيع، مثل الألومنيوم والنحاس والأخشاب والمعادن وأشباه الموصلات والصلب، وفي هذه الحالات، قد لا تكون زيادة سعر المنتج النهائي كبيرة، خاصةً إذا كان مصدر معظم المنتج النهائي محليًا.
عندما تفرض دولة تعريفة جمركية، فإن أي سلع أو خدمات متأثرة تدخل إلى ذلك البلد سيتم فرض ضريبة عليها، وتدفع الشركات المحلية المستوردة التعريفة الجمركية للحكومة، ما يسفر عن آثار جانبية غير مرغوب فيها، مثل ارتفاع الأسعار على المستهلكين.
تعد الرسوم الجمركية في الواقع تكلفة إضافية على المستوردين لممارسة أعمالهم، ولكن كغيرها من التكاليف الأخرى المرتبطة بتصنيع وبيع السلع والخدمات، عادةً ما تُدمج هذه التكلفة في السعر النهائي.
يتحمل المستهلكون عادةً عبء الرسوم الجمركية التي تُفرض على السلع المستوردة، إذ تنقل الشركات والمصنّعون هذه التكاليف إليهم كليًا أو جزئيًا، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات في متاجر البقالة وتجار التجزئة فور اضطرارهم إلى شراء سلع جديدة، وكذلك ارتفاع أسعار السيارات. هذا العبء الواقع على المستهلكين قد يعيد تشكيل ديناميكيات التجارة والعلاقات الدولية.
فعندما يحتوي أي منتج على جزء خاضع لتعريفة جمركية، تُدمج تلك التكلفة في السعر النهائي بطرق معقدة، لتصبح جزءًا من المبلغ الذي يدفعه المستهلك يوميًا، حتى قبل احتساب ضريبة المبيعات.
هذه التعريفات الجمركية لا تُرى في المتجر ولا على الإيصال، لكنها مُضمنة في سعر السلعة، فعلى سبيل المثال، قد تؤدي رسوم جمركية بنسبة 20% على سيارة مستوردة بقيمة 30 ألف دولار إلى سعر جديد قدره 36 ألف دولار.
ورغم أن الرسوم الجمركية تضر بالمستهلكين، فإنها غالبًا ما تفيد الدول التي تفرضها، إذ تمثل مصدرًا مباشرًا للإيرادات. كما تستفيد منها الشركات المحلية، إذ تجعل السلع المستوردة أغلى ثمناً، ما يمنح المنتجات المحلية ميزة تنافسية ويزيد من الإقبال عليها. وبهذا الشكل، تُبقي الرسوم الجمركية الأسعار مرتفعة — لكن لمصلحة المنتجين المحليين، لا المستهلكين.
وكلما زادت الرسوم الجمركية التي تفرضها دولة ما، زادت صعوبة تجنّب مواطنيها ارتفاع تكاليف السلع اليومية، ومع ارتفاع الأسعار، قد يضطر العديد من المستهلكين إلى خفض إنفاقهم، ما قد يؤدي عمومًا إلى إعاقة النمو الاقتصادي.
ومن المرجح أن يضطر المستهلكون إلى دفع أسعار أعلى، بل قد تقلص الرسوم الجمركية الخيارات المتاحة أمامهم في المتاجر، لأن بعض السلع أصبحت باهظة الثمن لدرجة يصعب معها استيرادها بعدما أصبحت عمليات الاستيراد غير مربحة.
مع ذلك، لا ترفع جميع الشركات أسعارها لتغطية تكلفة الرسوم الجمركية، بل قد تُضطر الصناعات التي تعتمد بشكل كبير على السلع المستوردة، مثل صناعة السيارات، إلى تسريح عمالها أو تخفيض الأجور لتعويض ارتفاع التكاليف وانخفاض المبيعات الناتجة عن انخفاض إنفاق المستهلكين، وقد تضطر شركات أخرى إلى تقليص شحنات الاستيراد أو إيقافها مؤقتًا، أو التفاوض على أسعار أقل مع مورديها الأجانب،
ومع ذلك، على عكس الشركات الكبيرة، تواجه الشركات الصغيرة، وخاصة تلك التي تعتمد على المواد المستوردة الخاضعة للتعريفات الجمركية، تحديات كبيرة، مثل عواقب زيادة التكاليف، وعدم تمتعها بنفس القوة التفاوضية مع الموردين الأجانب، ونتيجة لذلك، من المرجح أن يكون أصحاب الأعمال الصغيرة والموظفين الأكثر تضررًا.
وتختلف القيود المفروضة على الشركات الصغيرة – التي تُشكّل النسبة الأكبر في الكثير من البلدان، وتُوفّر غالبية الوظائف- مقارنةً بالشركات الكبيرة، ولا تقتصر هذه القيود على حجم أرباحها فحسب، بل تمتد إلى مدى تأثيرها على السياسات الاقتصادية.
إذًا، التعريفة الجمركية فعليًا هي رفع أسعار المنتجات المستوردة على المستهلكين المحليين، ويمكن أن تؤثر على مختلف الفئات السكانية، وتثقل كاهل المستهلكين ذوي الدخل المحدود بشكل خاص، فهم من سيدفعون الأثمان الباهظة لتغطية التكاليف، فتكون بذلك ضريبة على المواطنين لا على المنتجين الخارجيين.
ماذا يعني ذلك للمستهلك العربي؟
جادل ترامب بأن الرسوم الجمركية ستحمي الصناعات الأمريكية من المنافسة الأجنبية غير العادلة وستوفر المال للحكومة، ولكن بما أن الكثير مما نشتريه اليوم يعتمد على سلسلة توريد عالمية، فإن الرسوم الجمركية الأعلى تعني أنك ستشاهد على الأرجح أسعارًا أعلى أثناء شرائك سلعًا أو خدمات مستوردة.
وفي ظل الحرب التجارية، قد يكون من المستحيل تجنب تكلفة الرسوم الجمركية المخفية جزئيًا، لأن الكثير مما نشتريه اليوم مصنوع من قطع غيار ومواد من سلسلة توريد عالمية، وقد تكون المواد الخام والمكونات المُجمّعة، وحتى تصميم منتج واحد، مُستوردة من دول متعددة.
وإذا استمرت الحروب التجارية – التي أثّرت بالفعل على الأسواق المالية، ودفعت الشركات نحو حالة من عدم اليقين- وارتفعت الأسعار عالميًا، فإن ذلك قد يؤدي إلى زيادة تكاليف الواردات في البلدان العربية، خاصة إذا كانت تعتمد على استيراد المنتجات الأمريكية والصينية.
بالإضافة إلى ذلك، قد تتاثر الشركات العربية التي تصدِّر إلى الولايات المتحدة بسبب التعريفات الانتقامية التي قد تفرضها إدارة ترامب، بالإضافة إلى الرسوم والتدابير الانتقامية السابقة في جميع أنحاء العالم، والتي تمنَّى الجميع في العالم أن تكون مجرد كابوس خيالي لكن الواقع فاجأهم بقنبلة ترامب التي ألقاها، وترك دول العالم تبحث عن طوق نجاة.
وتباينت الحزمة الضخمة من الرسوم الجمركية بين الدول العربية التي لم يخرج منها أي تعليق، وكانت أعلاها من نصيب سوريا التي ستدفع 41% إذا أرادت تصدير زيت الزيتون والأقمشة القطنية و البهارات والتحف، أمَّا النفط العراقي والتمور أيضًا، وحتى الصناعات الكيماوية ستواجه تعريفة جمركية جديدة بنسبة 39%.
وتشمل قائمة الدول العربية الأعلى في الضريبة الجمركية أيضًا ليبيا التي تُفرض عليها ضريبة 31% على النفط والبتروكيماويات والخردة المعدنية، أمَّا الجزائر الجارة، وهي واحدة من أكبر موردي النفط والغاز إلى الولايات المتحدة، ستخضع هي الأخرى لـ30% جمارك على نفطها وتمورها وصناعاتها الدوائية.
وتواجه تونس 28% على زيت الزيتون ومعدات الكهرباء والنسيج، أما الأردن فهو أيضًا له نصيبه من الجمارك، إذ سيدفع 20% على صادراته من الفوسفات والأدوية ومنتجات البحر الميت، فكما قال ترامب “ليس هناك فرق بين دولة صديقة وعدوة، كلها ستدفع الجمارك”.
لكن هناك دول عربية كان نصيبها من الضرائب هو المعاملة بالمثل، وتشمل مصر والمغرب والسودان ولبنان واليمن وموريتانيا وعمان وجزر القمر، التي كان نصيب معظمها 10% من الضرائب الجمركية، كذلك كانت النسبة موحدة لدى دول الخليج، وهي 10%، وشملت قائمة ترامب الطويلة القطن المصري والفواكه والنسيج والنفط السعودي والمنتجات البلاستيكية، وحتى قطع السيارات المغربية.
ولفهم التأثيرات المتوقعة، لا بدَّ من معرفة خريطة التجارة العربية مع الولايات المتحده، فإجمالي التبادل يتجاوز 84 مليار دولار، ويزيد غير النفطي على 47 مليارًا، فالعرب يصدِّرون لأمريكا بأكثر من 12 مليارًا، ويستوردون منها بـ35 مليارًا، وبذلك يكون هناك عجز عربي لصالح الولايات المتحده بأكثر من 22 مليار دولار.
وبحسبة تقريبية لمتوسط إجمالي الرسوم الجديد على إجمالي التجارة العربية، فسوف يقدر بـ 17%، وعليه فإن الصادرات العربية إلى السوق الأمريكية ستتكبد عبئَا إضافيًا يقدر بملياري دولار تقريبًا، أما الواردات العربية من الولايات المتحدة، ستتكبد نحو مليار دولار إضافي مع ارتفاع التضخم بما يتخطى 2%، وبالتالي فإن إجمالي الأعباء الإضافية سيتجاوز 3 مليارات دولار، إذا أضفناها إلى العجز التجاري الموجود بالفعل تصبح التكلفة الإجمالية 25.5 مليار دولار تصب في خزينة أمريكا من التجارة في السلع غير النفطية فقط مع الدول العربية.
ورغم أن المنطقة بأكملها ستتأثر، كلٌّ بحسب حجم تبادلها التجاري، فإن التقديرات تختلف بشأن العبء الفعلي على المستهلكين، فقد تعني الرسوم الجمركية للمستهلك العربي زيادة في أسعار المواد الخام والسلع الاستهلاكية اليومية كالأدوية والملابس والأغذية والأجهزة الإلكترونية والسيارات المستوردة من أمريكا، التي ستصبح أغلى في السوق، مما يؤثر على الاقتصاد المحلي، ويقلل من قدرة المستهلكين على الشراء، وقدرة الشركات على الاستيراد، مما يعني ارتفاعًا في التضخم، ولو مؤقتًا.
كما يمتد التأثير إلى الصناعات المحلية والشركات الصغيرة التي قد تجد صعوبة في التكيف مع الأسعار المرتفعة، خاصة إذا كانت تعتمد بشكل كبير على مدخلات الإنتاج الأمريكية، وقد تضطر هذه الشركات إلى رفع الأسعار أو البحث عن بدائل محلية.
وقد تختار بعض الشركات إيقاف بيع بعض المنتجات أو الانتقال إلى مصادر أخرى، مما قد يؤدي إلى تراجع تنوع المنتجات المتاحة أمام المستهلك في السوق، وفي الحالات القصوى، قد تُشعل فتيل اضطرابات اقتصادية أكبر.
وبما أن التعريفات الجمركية تؤثر على أسعار السلع المستوردة، يُحذّر الخبراء من أنها قد تُفاقم عدم المساواة، فالأفراد ذوي الموارد المالية المحدودة، قد يتحملون عبئًا أكبر من غيرهم، مما يُرهق الميزانيات بشكل كبير.
وغالبًا ما تنفق الأسر ذات الدخل المنخفض نسبة أعلى من دخلها على الاحتياجات الأساسية، سواءً كانت طعامًا أم منتجات أساسية أخرى مثل الصابون أو معجون الأسنان، لهذا السبب، حتى الزيادات الطفيفة نسبيًا في الأسعار ستكون لها آثار غير متناسبة.
في نهاية المطاف، قد تزيد الرسوم الجمركية الأعباء على الأسر، وترفع تكلفة المعيشة الإجمالية، فبمجرد أن تبدأ أسعار الواردات بالارتفاع، سيرتفع مستوى المعيشة، وسيتعين على الأجور تعوض بعض هذه التكاليف المرتفعة.
إلى جانب ضغوط الأسعار المباشرة، يحذر الخبراء أيضًا من أن الرسوم الجمركية قد تُسهم في البطالة أو انخفاض الدخل في المستقبل، فإذا تضررت أرباح الشركات أو غيّرت مصادر توريدها، فقد تسريح عمالها، وغالبًا ما تكون الأسر ذات الدخل المنخفض أول من يفقد وظائفه، وهذه القطاعات السكانية هي الأكثر عرضة للخطر.
في المقابل، هناك من يبدو أكثر تفاؤلاً، ويرى أن هذا الوضع الجديد الذي فرضه ترامب قد يعيد رسم خريطة مسارات التجارة العالمية، ويدفع الدول العربية إلى تعزيز تبادل الصَّادرات والواردات وتوسيع شراكاتها بين الدول، حيث سيبحث مصدر آخر للحصول على سلع أرخص كالصينية أو الأوروبية، وهو ما قد يصب في صالح المستهلكين.
آثار جانبية تتجاوز حدود المستهلكين
تُقدم الدراسات أدلة دامغة على أن الرسوم الجمركية يمكن أن تُعيق النمو الاقتصادي، وأن الحمائية في نهاية المطاف تضر بالاقتصاد، مما قد يكون له تأثير يتجاوز حدود المستهلكين، وذلك عبر عدد من الأسباب:
- سوء تخصيص الموارد: تخلق التعريفة الجمركية دافعًا لدى المستثمرين بأن يستغلوا وجود هذه التكاليف الإضافية، ويستثمروا في صناعات ذات جودة رديئة، وبالطبع لولا وجود حماية الجمارك لما استطاعت هذه الجودة المتدنية المنافسة دوليًا.
- انخفاض ثقة المستثمرين: نظرًا لتأثير الرسوم الجمركية على الشركات والمستهلكين، فإنها غالبًا ما تُقوّض ثقة المستثمرين، مما يؤدي إلى انخفاض أسعار الأسهم، ويمكن أن يؤثر هذا سلبًا على أي شخص يمتلك أموالًا في السوق، وخاصةً أولئك الذين يقتربون من سن التقاعد.
- الإجراءات الانتقامية: عندما تفرض دولة تعريفة جمركية تستهدف شريكًا تجاريًا محددًا، قد يفرض هذا الشريك المتضرر تعريفة مماثلة أو أعلى على السلع والخدمات التي تُصدرها الدولة ردًا على ذلك، ما يزيد من التوترات التجارية بين الدول، ويُلحق الضرر بالشركات، ويُصعّب عليها المنافسة عالميًا.
يمكن أن تُلحق ردود الفعل الانتقامية هذه الضرر بشركات التصدير المحلية، وتُضعف القدرة التنافسية للصادرات من خلال زيادة تكلفة المنتجات، وقد تتطور العلاقة إلى حلقة مُفرغة من الانتقام، تُعرف أحيانًا بـ”الحرب التجارية“، وتؤدي في نهاية المطاف إلى تقليل حجم التبادل التجاري، وارتفاع الأسعار في جميع أنحاء العالم.
وإذا قامت الدول المتضررة بسياسات انتقامية، فإن ذلك قد يسهم في ضغوط اقتصادية وتضخمية مطولة، وقد تصل الخسارة في الاقتصاد العالمي 1.4 تريليون دولار، وسيكون العبء الضريبي على الولايات المتحدة 6 تريليونات دولار.
وبالنسبة للعديد من الاقتصاديين، ستؤثر هذه الرسوم سلبًا على سوق الأسهم، وتُؤدي إلى انخفاض الوظائف وزيادة تكاليف الاستهلاك، ويقول آخرون إنها تهدد بدفع العديد من الدول في حالة ركود اقتصادي وضعف النمو الاقتصادي وتفاقم عدم المساواة، مما قد يؤدي إلى ركود تضخمي إذا ما أحدثت آثارًا اقتصادية أوسع نطاقًا، مثل اضطرابات في سلاسل التوريد أو التجارة العالمية.
وبحسب خبراء، فإن الرسوم الجمركية المرتفعة من شأنها أن تُعيق اندماج الدول النامية – التي ترتبط ثرواتها ارتباطًا وثيقًا بثروات أكبر اقتصاد في العالم – في الاقتصاد العالمي، مما يحد من وصولها إلى الأسواق الدولية، وقد يُعيق التنمية الاقتصادية، وقد لا تتمكن هذه الدول، ذات الموارد المحدودة، من شراء سلع مُعينة للاستهلاك.
في النهاية، يبقى هذا الوضع تحذيرًا للبلدان العربية للخروج من بوتقة الاستغلال الأمريكي، والبحث عن فرص جديدة لتنويع اقتصاداتها قبل فوات الأوان، فقد بات على الجميع تذكر أن رسوم ترامب الجديدة فُصِّلت بين الدول على أساس الدول المطيعة التي خضعت للنرجسية السياسية الأمريكية، وتلك التي تتجرأ وترد بالمثل وترفع رأسها أمام القرارات الأمريكية التي سماها ترامب “إعلانات يوم التحرير”، لتعود بلاده غنية وعظيمة حتى لو ذهب بقية العالم الى الجحيم.