عاشت كل المدن السورية مجازرا ومذابحا عدة سالت فيها الدماء الأطفال والشباب والكهول حتى اعتاد العالم رؤية صورهم الدامية، ولكن خلافا لبقية مدن سوريا عاشت الغوطة الشرقية مجزرة دون دماء، مجزرة لم يستخدم فيها النظا قذائف المدفعية والهاون ولا حتى صواريخ الطائرات، بل استخدم فيها عشرات الصواريخ المحملة بالغازات الكيمياوية السامة.
ويظهر على المصابين في المستشفيات حالة من الدهشة والعجز الجزئي عن الحركة، حيث يقول أحد المصابين أنه عاجز عن فتح أو تحريك عينيه بالإضافة إلى شعوره بحالة تآكل داخل العينين دون أن يستطيع شرح أي شيئ عن طريقة إصابته أو عن شهادة على ما حدث في المكان الذي كان فيه.
ويقول شهود عيان في المستشفيات الميدانية أن المصابين يعانون حالة توتر شديدة فور وصولهم وتبدأ أطرافهم في الارتعاش تدريجيا حتى يشتد الارتعاش وتصعب السيطرة عليهم حتى عبر الحقنات المخدرة، وفي اللحظات الأخيرة قبل استشهادهم يخرج زبد أبيض من أفواههم وأنوفهم يفقدون الحياة بعد خروجه بقليل.
وفي بيان صحفي للمكتب الطبي في حي جوبر قال متحدث أن “حجم الكارثة كبير جدا” وأن المستودع الخاص بمنطقة حي جوبر قد استنفذ كل مخزونه من المواد المخدرة والمسكنات المستخدمة في شكل حقن لتخفيف الآلام وتسكينها لدى الأعداد الكبيرة من المصابين الذين وصلوا المشفى، ويضيف “على الأقل وكحد أدنى استشهد بين يدي 50 صفل فقدوا حياتهم فور وصولهم أو قبل الوصول بقليل”.
واضاف المتحدث أن المواطنين “للأسف وقعوا في خطأ النزول للأقبياء في حين أن الغاز المستخدم ينزل بطبعه إلى الأسفل، الأمر الذي زاد من عدد الشهداء”، ومع ارتفاع عدد المصابين استنفذت الوحدات الطبية المتواجدة في المنطقة كل مدخراتها من الأدوية، ففي مستشفى حي جوبر فقط يقول المتحدث: “استخدمنا ما لا يقل عن 200 أنبوبة أوكسيجين، وآلاف الحقن.. لم يعد لدينا ما نقدمه للمصابين”.
ووصف شهود عيان مشاهد سقوط الصواريخ المحملة بالأسلحة الكيمياوية أنها تختلق عن الصواريخ العادية بصوتها الغريب وبضبابة بنفسجية تظهر بعد سقوط الصاروخ بقليل في حين لا تظهر ضبابة الانفجار التي تظهر عادة بعد سقوط الصواريخ المتفجرة، وعلق خبراء على هذا الأمر بالقول بأن هذه العلانات هي علامات سقوط الصواريخ المحملة بغاز السارين المحرم دوليا والذي تكفي جرعة بمقدار نصف مليغرام منه لقتل كهل قوي الجثمان.
فراس.ع أحد النشطاء الإعلاميين في زملكا في الغوطة الشرقية، استشهد بعد ساعات من حدوث الهجوم، وفور سقوط أول صاروخ كتب حسام قائلا: ” سقط أول صاروخ في منطقة تسمى المزرعة، وضجت البلدة كلها بعبارة واحدة “كيماوي.. كيماوي” وتابع حسام كتابة تعليقاته على ما حدث واصفا حالة الفزع التي عاشها متساكنون الحي الذي يسكن فيه فقال ” العديد من العائلات ماتت وهي نائمة، وربما كانت محظوظة تلك العائلات، لأنها لم ترَ الأهوال التي رآها الآخرون، ولم تتعثر بالجثث في شوارع زملكا، وإنما تابعت نومها دون أن يستيقظ أحد أفرادها ليجد نفسه وحيداً بلا عائلة في هذا العالم”.
وبحسب مراد الذي يعمل مسعفا فقد تحدث عن أول نداء استغاثة سمعها في ساعات الفجر قائلا: “في الساعة الثانية والنصف من بعد منتصف الليل سمعنا أصواتا غريبة كانت لإطلاق صواريخ، وسمعنا على اللاسلكيات نداءات تقول نحن نختنق” ثم أضاف مراد الحديث عن اصابته هو أصناء قيام باسعاف آخرين: “لكثافة الغاز وقلة عددنا كمسعفين فإن جميع من قام بالإسعاف أصيب”.
وأما أحمد وبعد نجاته من الموت بأعجوبة فيقول ” “فقدت الوعي، وعندما استيقظت وجدت نفسي في مشفى ميداني، ويقومون برش المياه عليّ، وقد جردوني من الملابس بسبب إصابتها بالمواد الكيميائية وإعطائي الأتروبين”.
وحسب تصريحات للمجلس الوطني السوري والائتلاف السوري لقوى المعارضة أدت الصواريخ الكيمياوية إلى استشهاد أكثر من 1300 شخص معظمهم من الأطفال، والمصابون يعدون بالآلاف، وحالاتهم منهكة جدا جراء الغازات التي استنشقوها والتي تستهدف الأعصاب بالأساس وتصيبها بالشلل.