في نوفمبر تشرين الثاني من عام 2010 واجهت الولايات المتحدة معضلة عويصة في العراق. فنوري المالكي الرجل الذي اختارته واشنطن قبل أربعة أعوام ليصبح رئيسا لوزراء العراق بعد أن كان شخصا شبه مغمور كاد أن يخسر انتخابات، لكنه قام بمناورات - بمساعدة من إيران – للبقاء في السلطة.
كانت الساعة تدق إيذانا باقتراب موعد انسحاب القوات الامريكية. وأخذ الدبلوماسيون الأمريكيون والساسة العراقيون يفكرون في بدائل لقيادة العراق. لكن العراقيين كانوا قد انتخبوا برلمانا عالقا ولم يكن هناك مرشحون يحظون بتأييد قاطع. وخوفا من الفوضى استقرت واشنطن مرة أخرى على المالكي.
وخلال اجتماع ساده التوتر في المنطقة الخضراء شديدة التحصين ببغداد جلس دبلوماسيان أمريكيان مع المالكي ورئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني ومع إياد علاوي السياسي الذي فاز تكتله بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات والذي كان تأييده ضروريا لحسم أي اتفاق. وفي وقت سابق من ذلك اليوم اتصل الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعلاوي ووعده بدعم أي حكومة تضم كل الأطياف الرئيسية في العراق.
وخلال الاجتماع فلتت الأعصاب. وقال شخصان على معرفة مباشرة بما دار في الاجتماع إن كلا من علاوي والمالكي هددا بالانسحاب وإن البرزاني وقف في مرحلة ما في طريق علاوي لمنعه من مغادرة الغرفة. وحثهم الدبلوماسيان الأمريكيان على تنحية الخلافات. وأخيرا وافق العراقيون على اتفاق نهائي تحددت تفاصيله في مذكرة مكتوبة.
وكان الاتفاق الذي وضعت لمساته النهائية في ذلك اليوم هو آخر اتفاق حقيقي لاقتسام السلطة في العراق ولاقى فشلا في ذات اللحظة تقريبا. وبسبب تعنت المالكي ومعارضيه لم يطبق الاتفاق على الإطلاق واتسعت الانقسامات الطائفية في البلاد. وحكم المالكي البلاد كمدافع عن الشيعة أكثر منه زعيما وطنيا لكل العراقيين.
والآن بينما يرسخ مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية السنة قبضتهم على غرب العراق ويعلنون خلافة إسلامية ويهددون بحرب أهلية جديدة تطالب واشنطن مجددا بأن يشكل قادة العراق حكومة شاملة تضم الأقليتين السنية والكردية.
لكن مسؤولين سابقين وحتى بعض المسؤولين في ادارة أوباما الحالية يقولون إن هذه المساعي قد تنهار أيضا. وكان من المتوقع أن يقع الاختيار على المالكي رئيسا للوزراء لفترة ثالثة بعد أن فاز ائتلافه في الانتخابات التي أجريت في أبريل نيسان. لكن مع تدهور الوضع الأمني تتصاعد الضغوط حتى من داخل قاعدة سلطته الشيعية كي يرحل. وحتى وإن رحل فستجد واشنطن مشقة على الأرجح في التأثير بقوة على الوضع.
ويقول أكثر من عشرة دبلوماسيين سابقين وحاليين إن العلاقات بين واشنطن وبغداد شابها تكرار زلات إدارة أوباما وسلفه الرئيس جورج بوش الابن. ويقول الدبلوماسيون إن واشنطن غير راغبة أو غير قادرة على التأثير على الساسة العراقيين ولا سيما الرجل الذي ساعدته على الصعود للسلطة.
قالت إيما سكاي وهي باحثة بريطانية في شؤون الشرق الأوسط وكانت مستشارة للجنرال الأمريكي ريموند أوديرنو من 2007 وحتى 2010 إنه رغم خسارة المالكي لانتخابات 2010 فقد خرج منها أقوى من ذي قبل. وقالت إنه “لم يواجه أي عواقب عندما تراجع عن التزاماته” بضم السنة للحكومة.
وقال علي الخضيري الذي عمل فترة طويلة مستشارا لعدد من السفراء الأمريكيين في بغداد إنه استقال بعد أن حذر في مذكرة في أكتوبر تشرين الأول 2010 من أن دعم الولايات المتحدة لحكم المالكي سيؤدي إلى دكتاتورية وتجدد الحرب الأهلية وإلى هيمنة إيران على العراق. وذكر أن مسؤولين أمريكيين وبريطانيين ممن اتفقوا معه في الرأي غادروا بغداد بحلول خريف 2010 لكن مذكرته وصلت مسؤولين كبارا في البيت الأبيض ورفضوا كلامه.
وإحقاقا للحق قال زلماي خليل زاد السفير الأمريكي السابق في بغداد إن المالكي اتخذ بعض الخطوات الإيجابية المبكرة منها تسهيل عملية زيادة عدد القوات الأمريكية في العراق والتصدي للميليشيات الشيعية في البصرة. لكن فترة حكمه اتسمت بتزايد الانقسامات.
وامتنع مكتب المالكي عن التعقيب على هذه الرواية وأشار إلى الأعباء التي يواجهها بسبب الأحداث الجارية ومساعيه لتشكيل حكومة جديدة. ولطالما ألقى المالكي باللوم على معارضيه في إفساد عمله كما أنه يشعر بأن واشنطن خذلته.
وعن أحوال المالكي في الأسابيع الأخيرة قال سامي العسكري وهو حليف وثيق لرئيس الوزراء “هناك مرارة في نبرة المالكي حين يتحدث… عن الدور الأمريكي وحتى عما يحدث في واشنطن والكلمات التي تلقى في الكونجرس وخطاب أوباما.” وأضاف “لا أمل… لديه. يقول إن علينا الاعتماد على أنفسنا.”
مذبحة منظمة
يرى بعض المسؤولين إن التحول المؤلم في العلاقات الأمريكية العراقية لا ينحصر في رجل واحد -هو المالكي- بقدر ما يتعلق بحدود القوة العسكرية والسياسية الأمريكية في إرساء دعائم الديمقراطية أو ممارسة نفوذ حاسم في الشرق الأوسط.
ولا يزال التناحر وانعدام الثقة يمزقان المنطقة بعد عقود من الحكم الشمولي من جانب قادة كانت تدعمهم واشنطن في الغالب. ورغم الربيع العربي لا يزال جيل من الساسة -مثل المالكي- يتشككون في إمكانية التوصل لتسوية سياسية أو إجراء انتخابات نزيهة.
قال جيمس جيفري السفير الأمريكي في بغداد من عام 2010 وحتى عام 2012 إن المساعي الأمريكية لإعادة رسم العراق لم تكن واقعية قط. وأضاف أن إدارة بوش لم توضح للرأي العام حجم المجهود المطلوب وإن إدارة أوباما بددت التأثير المحدود الذي كان قائما.
ومضى قائلا “كل هذا يستند إلى فرضية أننا نملك المهارة والصبر والمصلحة الوطنية ودعم الشعب الامريكي لنبقي قوة احتلال في بلد ونعيد بناء الأمة على المدى البعيد مثلما حدث في اليابان وألمانيا في منطقة أقل خصوبة بكثير. أتحدى الافتراض بأن بإمكاننا فعل ذلك.”
وقال روبرت فورد الذي خدم مرتين كدبلوماسي أمريكي بارز في بغداد إن واشنطن لم تكن في الغالب لتصبر على الساسة العراقيين “كي ينتهوا من مفاوضاتهم الطويلة والمملة.” لكنه قال إن الأمر كان يتطلب في الوقت ذاته “أن تمنحهم الوقت للتوصل لتسويات تتوافر لها مقومات البقاء.”
وانتخب أوباما في 2008 بعد أن طرح برنامجا تعهد فيه بإنهاء الحرب في العراق. وقد زار العراق مرة واحدة كرئيس. وبعد أن بارك استمرار المالكي في السلطة أكمل أوباما خطة بوش لسحب القوات الأمريكية وسرعان ما حول تركيزه إلى أمور أخرى وأنهى المؤتمرات المتكررة التي كان بوش يجريها مع المالكي عبر الدوائر التلفزيونية المغلقة وسلم ملف العراق إلى نائبه جو بايدن.
وامتنع البيت الأبيض عن الرد على طلبات متكررة للتحدث عن علاقة واشنطن بالمالكي.
وفقد المالكي الذي زار واشنطن مرتين في السنوات الثلاث الأخيرة ثقته مع تقلب الموقف الأمريكي.
قال كين بولاك المسؤول السابق في البيت الأبيض والمخابرات المركزية الأمريكية وخبير الشؤون العراقية “أعتقد أنه يجد صعوبة بالغة في كشف أغوارنا لأننا نأتي أمورا كثيرة لا تبدو له متسقة. أظن أنه يرانا مبعث إحباط شديد ويجد صعوبة بالغة في معرفة ما يدور بخلدنا.”
وذكر بولاك الذي التقى المالكي في مارس آذار وأطلع المسؤولين الأمريكيين في وقت لاحق على نتائج زيارته أن رئيس الوزراء العراقي بدا منشغلا تماما بفكرة تهميش معارضيه السياسيين بعد انتخابات أبريل نيسان. وقال إن المالكي لم يبد اهتماما يذكر بالمصالحة أو التنمية الاقتصادية.
وأضاف بولاك الذي يعمل الآن مع مركز بروكينجز للأبحاث “كنا نبذل قصارى جهدنا لدفعه للكلام عن شيء آخر غير الحديث عن مذبحة منظمة لمعارضيه… ولم يستجب رغم كل ما ألقيناه من طعم.”
شخصية طموحة للغاية
المالكي ليس صنيعة أمريكية.. فقد أمضى سنوات في المنفى عضوا في جماعة شيعية سرية تسمى الدعوة مراوغا قناصة يتبعون حزب البعث الذي كان يهيمن عليه السنة في عهد صدام حسين. لكن واشنطن كان لها دور في صعود ذلك السياسي المتجهم البالغ من العمر 64 عاما.
وفي عام 2006 عندما صعد المسلحون السنة نشاطهم وجد إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء العراقي آنذاك -وهو شيعي- أنه لا يتمتع بثقة الزعماء الشيعة والأكراد والسنة وكذلك واشنطن.
ومع حرص إدارة بوش على إقناع الرأي العام بأهمية الحرب ومستقبل العراق لجأت إلى المالكي كمرشح توافقي. وصلت ووزيرة الخارجية آنذاك كوندوليزا رايس إلى العراق في زيارة لم يعلن عنها مسبقا واجتمعت مع المالكي وغيره من قادة العراق.
وفي مقر السفير الأمريكي خليل زاد أبلغ المالكي مسؤولين أمريكيين بأن هدفه الأول سيكون تخفيف حالة عدم الثقة بين الجماعات الدينية في العراق.
وقال خليل زاد للصحفيين في الآونة الأخيرة “كان يعتبر قوميا عربيا… كان ملفه نظيفا مع إمكانية أن يكون زعيما قويا.”
لكن فورد الدبلوماسي السابق قال إن الأمريكيين أساءوا تقييم المالكي.
وقال “عندما دعمنا المالكي في 2006 ليصبح رئيس وزراء العراق الجديد لم نكن ندرك إلى مدى يمكن أن يكون سياسيا محنكا.. ولم نكن ندرك إلى مدى يمكن أن يصمد.”
وبمرور الوقت بدأ يتضح أن المالكي يرى الأمور من منظور تحدده الحرب ضد حزب البعث الذي شبهه بالحزب النازي في ألمانيا. وفي الوقت ذاته ظل يسعى لحشد السلطة تدريجيا في مكتب رئيس الوزراء.
وأنشأ المالكي قيادات للعمليات تتجنب المنظومة العسكرية التقليدية التي أصرت واشنطن على أن تشمل السنة والأكراد. وخلال فترة ولايته الثانية شغل المالكي منصبي وزير الدفاع والداخلية وعين موالين له في مناصب عسكرية رفيعة فيما كانت الولايات المتحدة تسعى لتعزيز الجيش العراقي.
وقال فورد “على مدى أعوام لم نبد رد فعل قويا إزاء هذه التحركات في حين ازداد نفور عناصر رئيسية في المشهد السياسي العراقي من المالكي وفريقه.”
وبحلول عام 2009 أسس المالكي وحدة خاصة للجيش تعمل مباشرة تحت أمرة مكتبه العسكري ووجهت لها اتهامات بارتكاب تجاوزات. وفي 2010 تكشفت واحدة من أكثر القضايا اللافتة حين اكتشف مفتشون في مجال حقوق الإنسان اعتقال ما لا يقل عن 400 سني في الموصل ضمن حملات عسكرية واحتجازهم دون اتهامات وما تردد من مزاعم عن تعذيبهم في منشأة بمطار عسكري في بغداد.
وقال المالكي إنه لم يعلم بأمر المعتقلين إلى أن أبلغه مفتشو حقوق الإنسان. وألقى باللوم في عمليات الاحتجاز والانتهاكات على بعثيين تسللوا إلى صفوف قواته الأمنية.
وقال كريستوفر هيل سفير واشنطن لدى العراق في 2009 و2010 إن الولايات المتحدة حاولت بالفعل الضغط على المالكي لإنهاء حكمه الطائفي لكنها فشلت. وأضاف أن زيادة عدد القوات الأمريكية في 2007 وتمرد العرب السنة على المتشددين المتحالفين مع تنظيم القاعدة كانا من العوامل التي ساعدت على إضعاف المتشددين المسلحين لكنها لم تسهم في القضاء على الانقسامات الطائفية. وقال هيل “لم تتم تسوية أي شيء في 2007.”
وتذكر كيف قاوم المالكي دفع أموال لمقاتلي العشائر السنية التي كان دعمها مهما لإنهاء أسوأ أعمال قتل طائفية منذ عام 2003.
وقال هيل “كنت أضطر للذهاب إليه وأحيانا كل أسبوع لأتأكد فقط أن الأمور تسير على ما يرام حقا… ولم تكن لغة الجسد تظهر إيمانا بالمشروع بأكمله.”
كارثة متوقعة
يرى كثير من المسؤولين الأمريكيين والبريطانيين المشاركين بشكل مباشر في الأحداث أن مارس آذار 2010 هو الشهر الذي بدأ فيه عقد العراق ينفرط من جديد ويزداد التوتر في العلاقات بين واشنطن والمالكي.
وبحلول ذلك الوقت كانت الحرب الطائفية قد هدأت ومرت الانتخابات البرلمانية التي أجريت في ذلك الشهر بشكل سلمي ونزيه نسبيا. وحل ائتلاف دولة القانون الذي ينتمي له المالكي في المركز الثاني بفارق بسيط عن ائتلاف يغلب عليه السنة ويقوده علاوي وهو شيعي علماني شغل منصب رئيس الوزراء بشكل مؤقت.
وقال المسؤولون إن المالكي لجأ للمحكمة الدستورية للحصول على حكم يسمح له وليس لعلاوي بتشكيل حكومة. وكان ائتلاف علاوي قد حصل على 91 مقعدا بينما حصل ائتلاف المالكي على 89 مقعدا. وبدا أن الحكم ينتهك الدستور العراقي الذي ساعد خبراء أمريكيون على صياغته.
وقالت الباحثة البريطانية سكاي إن مسؤولي الأمن القومي الأمريكي اختلفوا على كيفية الرد. ورأى البعض أن واشنطن يجب أن تدعم حق علاوي في تشكيل حكومة مما يعزز النظام السياسي بالعراق.
وأضافت سكاي التي تعمل الآن في جامعة يال في رسالة بالبريد الإلكتروني “أعتقد أنه لو كانت الولايات المتحدة قد وافقت على هذا النهج لربما أدى إلى اتفاق بين النخبة على تقاسم السلطة بشكل حقيقي.”
وقال هيل السفير الأمريكي وقتها إن الانقسامات الطائفية جعلت من المستحيل أن يصبح علاوي رئيسا للوزراء. وبعد الانتخابات رفضت الأحزاب الدينية الشيعية التي شكلت غالبية البرلمان أن تدعمه.
وقال هيل “لم يكن هذا ليحدث… لم يكن هناك سبيل مطلقا للتأثير على عمل على غرار انقلابات أمريكا اللاتينية في الخمسينات.”
ولم يتسن الاتصال بعلاوي للتعقيب على هذه الرواية. وانتقد بعض الدبلوماسيين والمسؤولين العسكريين الغربيين إدارة أوباما لاختيار هيل -الذي لم يكن بالخبرة الكافية في شؤون الشرق الأوسط- سفيرا لها.
وقال جيفري الذي شغل منصب هيل في أغسطس آب 2010 إنه مع طول عملية اختيار رئيس وزراء جديد استخدم الدبلوماسيون الأمريكيون كل ما أوتوا من نفوذ للتوسط في اتفاق حتى وهم يبحثون عن بديل للمالكي.
وقال جيفري “كانت هناك معارضة شديدة له ولاسيما في الجيش الأمريكي لذا كنت على استعداد لأن نسعى لتأجيل ذلك الشيء ونرى إن كنا سنجد بدائل.. ولم نجد بديلا قط.”
واستغرق الأمر قرابة عشرة أشهر حتى أواخر ديسمبر كانون الأول 2010 للانتهاء من تشكيل حكومة. وشعر المسؤولون الأمريكيون بالقلق من أن يؤدي الفراغ السياسي إلى إشاعة الفوضى مع انسحاب القوات الأمريكية.
وقالت سكاي إن واشنطن وإيران أوضحتا في النهاية أن المالكي هو اختيارهما.
وقال الخضيري مستشار السفراء الأمريكيين إن إيران وقائد قوة القدس السرية في طهران الجنرال قاسم سليماني لعبا دورا محوريا في كسب دعم زعماء شيعة آخرين للمالكي. وضغطت إيران على جماعة شيعية كبيرة موالية لرجل الدين مقتدى الصدر -الذي اختلف مع المالكي- لدعمه.
وبعد ذلك بعام رحلت آخر القوات المقاتلة عن العراق حاملة معها ما تبقى من النفوذ الأمريكي في البلاد وتاركة وراءها زعيما يعاني العديد من نقاط الضعف.
وعن الكارثة العراقية الحالية قال الخضيري “لم تكن واردة وحسب بل كانت متوقعة وكان يمكن منعها.”
كشف وفضح
في 15 ديسمبر كانون الأول عام 2011 شهد وزير الدفاع الأمريكي آنذاك ليون بانيتا جنوده في مطار بغداد شديد التحصين وهم ينكسون علم القوات الأمريكية في العراق إيذانا بانتهاء مشروع واشنطن في العراق.
وقال بانيتا في حفل متواضع غاب عنه أكبر سياسيي العراق الذين وصفوا الانسحاب بأنه انتصار للسيادة العراقية “التحديات لاتزال قائمة والولايات المتحدة ستكون مستعدة للوقوف إلى جانب الشعب العراقي.”
أما إلى أي مدى وقفت إدارة أوباما إلى جانب العراق بعد عام 2011 لمنع تفاقم انقساماته الطائفية فمسألة قابلة للجدل.
وبينما كان بانيتا يتكلم كانت قوات حكومية قد أحاطت بمنزل طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي وأكبر مسؤول سني بالعراق والذي اتهمه المالكي ومسؤولون آخرون بأن له صلة بعمليات قتل وتفجير وهو اتهام نفاه مرارا.
وبعد أربعة أيام أصدرت وزارة الداخلية العراقية أمرا باعتقال الهاشمي. وفر من بغداد إلى إقليم كردستان العراق وحكم عليه بعد ذلك بالإعدام غيابيا.
وقال مسؤولون إن رد الفعل الأمريكي كان ضعيفا للغاية لأسباب منها اعتقاد مسؤولي إدارة أوباما بأن المزاعم المثارة حول بطانة الهاشمي لها سند ومنها أنه لم يهرع عدد كبير من السنة للدفاع عنه.
وأبدى المسؤولون الأمريكيون انزعاجا أكبر إزاء خطوة اتخذها المالكي بعد عام ضد مسؤول سني بارز آخر هو وزير المالية رافع العيساوي الذي يحظى بشعبية وذلك لمزاعم بأن له صلات بمسلحين. وفي ديسمبر كانون الأول 2012 احتجزت القوات الحكومية عددا من حرس العيساوي الشخصي مما أثار احتجاجات في محافظة الأنبار مسقط رأس العيساوي الذي استقال في مارس آذار 2013.
وقال مسؤول أمريكي طلب عدم ذكر اسمه “كانت قصة العيساوي قصة مختلفة. ثار قلق كبير حول ذلك الأمر. وعبرنا عن قلقنا بوضوح شديد.” لكن هذه المسألة لم يسلط عليها الضوء في واشنطن حيث كان تركيز البيت الأبيض منصبا على تفاقم الصراع في سوريا.
كانت السفارة الأمريكية ترى في العيساوي -وهو جراح سابق- سنيا معتدلا بالإمكان التعامل معه. وقالت سكاي إن مسؤولي المخابرات الأمريكية تحروا أمر الاتهامات المنسوبة له وخلصوا إلى أنها باطلة.
وقال المسؤول إن الدبلوماسيين الأمريكيين سعوا في حالة العيساوي وآخرين إلى منع المالكي وغيره من السياسيين من تأجيج التوترات الطائفية.
وتابع قائلا “منعناهم من القيام ببعض الأمور لكننا لم نستطع منعهم في أمور أخرى… وأظن أن هذا هو ما قادنا إلى الوضع الذي نحن فيه الآن.”
ويقول البعض إن إدارة أوباما لم تتحل بالجرأة الكافية.
قال بولاك “كان يجب أن نقف ونكشف عن الأفراد ونفضحهم … البيت الأبيض لم يقل شيئا ولم يناقش الجانبين ثم جاء بكل هذه الأعذار لعدم فعله شيئا لأنه في الحقيقة لم يكن يريد أن يفعل شيئا.”
واليوم -ومع سعي أوباما لدفع القيادة السياسية بالعراق لصد تنظيم الدولة الإسلامية- فإن عليه أن يتغلب على شكوك العراقيين الذين يعتقدون أن الولايات المتحدة مازالت تدعم المالكي حتى في الوقت الذي تؤازر فيه السنة والأكراد. أما الأكراد الذين كان زعيمهم البرزاني مؤيدا للمالكي في 2010 فيشعرون بالظلم أيضا. وهم الآن يتهمون المالكي بعدم الالتزام بشروط الاتفاق.
وبينما يواجه العراق تفككا محتملا قال السفير الأمريكي السابق جيفري إن المعضلة الأساسية نشأت خلال الاحتلال الأمريكي وتتمثل في أن الديمقراطية مكنت أغلبية شيعية تخشى حكامها السنة السابقين.
قال “كلنا نسعى للديمقراطية وهذا ما كنا نفعله هناك. والديمقراطية قادت إلى هذه النتيجة.”
المصدر : رويترز