يبدو أن هذا البلد لديه مشكلة في التعرف على نماذج جيدة من الشباب المسلم تصلح لأن تكون قدوة، أو على الأقل هذا ما تقوله الحكومة. من المؤكذ أن مقاطع اليوتيوب التي يظهر فيها شباب بريطانيون تهيأوا للقتل في العراق تحكي قصتها الخاصة بها: فبالنسبة لعدة مئات من مواطنينا، يحقق القتل في الصحراء لهم من إثبات الذات ما لا يحققه إدخال ورقة في صندوق الاقتراع في بلادنا.
هؤلاء الحمقى من القتلة الصغار بالطبع معتوهون، ولكنهم أيضا خطرون. والأهم من ذلك أنهم نتاج فشل أسطوري، فهم خرجوا من أحياء بريطانية ومدارس بريطانية تهيمن عليهم مشاعر الكراهية للمنطق والعقل وممارسة حق الانتخاب.
ما من شك في أن أسبابا في غاية التعقيد تقف وراء هذه الظاهرة، ولا يمكن توجيه إصبع الاتهام أو اللوم إلى سبب واحد بعينه، واعتباره مسؤولا عن سقوط هؤلاء الفتية في العدمية والعنف. إلا أنه يتوجب علينا التأمل في شيء واحد، ألا وهو الرسائل المتضاربة التي يتلقاها هؤلاء والضرر الذي يمكن أن تلحقه بهم.
فعلى سبيل المثال، في نفس الإسبوع الذي شهد إصدار أحكام بسجن مراسلي الجزيرة لسبعة أعوام في مصر، توجه رئيس وزراء أستراليا بالتهنئة إلى النظام الجديد في مصر لنجاحه في قمع الإخوان المسلمين. لعل طوني أبوت قصد تهنئة النظام على عمليات الخطف والاختفاء والتعذيب الدوري بحق السياسيين الديمقراطيين، هذه العمليات التي شوهت صورة ذلك البلد خلال الشهور القليلة الماضية.
ولعلنا نفترض أيضاً أن تصريحاته تلك تشكل ما يشبه التأييد الضمني للأحكام الجماعية بالإعدام الصادرة عن محكمة صورية لم تتجاوز مدة تداولها الساعة، كما تمثل تصفيقاً حاراً للذين قاموا بالانقلاب الدموي على أول حكومة منتخبة في تاريخ مصر.
ولكن بإمكاننا أيضاً التركيز على ما يجري عندنا، ولا أقل في هذا المجال من إعلان ديفيد كاميرون مؤخراً عن إجراء “مراجعة” في جماعة الإخوان المسلمين. يترأس فريق “المراجعة” السير جون جينكينز، سفيرنا في المملكة العربية السعودية، وهي الدولة التي بالطبع لها أسبابها القوية التي تجعلها تكره الديمقراطية.
من الطبيعي أن تقوم الحكومة بإجراء المراجعة التي تريد متى ما أرادت، إلا أن ما رافق إعلان كاميرون من ضجيج فيما وراء الكواليس بدا غير طبيعي. قيل لنا بأن الأجهزة الأمنية كانت قلقة، وكانت هناك إيماءات بمخاطر تهدد أمن المملكة المتحدة وهمسات حول ارتباطات ما بمؤامرات غير محددة المعالم قيل إنها تحاك في الخارج.
ما كان غائباً هو الإقرار بأنه فقط ما قبل عامين بقليل كان حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين قد فاز بالأغلبية في انتخابات حرة ونزيهة، وبأنه بعد اثني عشر شهراً فقط أطيح به في انقلاب عسكري. أخيراً وصلت الديمقراطية إلى مصر، ولكن حينما ركلها العسكر وأطاحوا بها لم نسمع الكثير من صرك الأسنان في قلاع الحرية في الغرب.
من الخطأ الجسيم الظن بأن مثل هذه الازدواجية في المعايير تمر دون أن تلاحظ أو أنها لا تلعب دورها الكامل في حالة الإحباط والفوضى التي نشاهدها في أماكن مثل العراق. في العالم الحديث ليس بإمكانك أن تمارس النفاق سراً.
بالطبع، إدارة مصالح الدول الكبرى في الخارج ليس بالأمر اليسير، وكثيراً ما تجد الحكومات نفسها مضطرة إلى تقديم تنازلات حيث يحتمل أنها تفضل ألا تفعل ذلك. ولكن، ورغم ذلك، المراجعة التي تجريها الحكومة بشأن الإخوان المسلمين غير لائقة على الإطلاق سواء من حيث المبدأ أو من حيث التوقيت.
مجرد النظر إلى ضحايا الانقلاب العسكري على الديمقراطية على أنهم خطر، حتى لو كنت تسعى لإقامة جسور مع الجنرالات الذين أطاحوا بالمنظومة الديمقراطية، ينال من صدقية الالتزام بدعم نضال الشعوب لبناء الديمقراطية في البلاد التي تعاني من الطغيان. وحينما يكون ديمقراطيون وفي نفس الوقت مسلمون هم موضوع الحسبة، فعليك أن ترتدي قبعة واقية حينما تذهب إلى شرق لندن أو إلى مدينة برادفورد لتروج لقيم الديمقراطية
لا يعرف عن الولايات المتحدة لطف تقديراتها حينما يتعلق الأمر بالعنف السياسي والإرهاب في الشرق الأوسط. إلا أن مسؤولاً أمريكياً كبيراً رافق وزير الخارجية جون كيري في سفرياته الأسبوع الماضي كان في غاية الوضوح حينما تكلم عن الإخوان المسلمين. بدا الرجل أكثر دراية بالتاريخ المصري المعاصر من رئيس الوزراء الأسترالي، وأقل رغبة من السيد كاميرون في القيام بالأعمال القذرة نيابة عن آل سعود، وذلك حين أعلن صراحة بأنه لا يوجد أي دليل يربط الإخوان بالإرهاب.
كان محقاً بالتأكيد، فعلى مدى عقود كان الإخوان دعاة تغيير سلمي في المنطقة، وحينما تسنى أخيراً إجراء انتخابات نافس حزبهم فيها وفاز عن جدارة. في الشرق الأوسط تندر المؤشرات على الالتزام بحق الاقتراع العام، فإذا ما وجدنا ما يدل على ذلك علينا أن ندعمه ونرعاه بعناية.
المصدر: ديلي تيليغراف