أسئلة كثيرة تَرِدُ على خواطر المتابعين حتى المسلمين منهم (الأتباع الافتراضين) للخليفة البغدادي، بعد إعلان تنظيم داعش دولة الخلافة الإسلامية وصايته عليهم عبر وجوب طاعة الخليفة والهجرة لدولته من كل أصقاع الأرض، وإنذار المخالف بالتكفير ثم القتل ردةً لمخالفة طاعة ولي الأمر والخروج عليه.
لفظ (الخليفة) والقصة التاريخية
أثناء حياة النبي الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) كانت تسير أمور دولة الإسلام الناشئة بطريقة القيادة المركزية لشخص النبي باعتباره مصدر الارتباط مع وحي السماء الذي لا ينطق عن الهوى، استمر الحال على ذلك وطيلة حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) وكان كلما مر أمر مع الصحابة الكرام عادوا إلى رسول الله ليستشيروه فيه، فإما يحكم لهم باجتهاده بعد الشورى معهم أو ينتظر وحي السماء ليبلغ عن حكم أو هدي جديد .
حينما توفى النبي (صلى الله عليه وسلم) وانتقل إلى جوار ربه، اجتمع الصحابة لاختيار خليفة لقائدهم رسول الله حتى يُسيّر أمرهم ويستمر في بناء الدولة الإسلامية، بعد اجتهادات وصراعات واختلاف في الرأي (حيث كان الأمر جديدًا عليهم ولم تكن هناك وصية محددة واضحة من الرسول في هذا الأمر) اصطلح الصحابة على أن يكون أبا بكر الصديق قائدًا لهم ، وتوافقوا على تسميته “خليفة رسول الله” باعتباره من سينوب عنه في كل الأمور وبدأوا بالبيعة له والتي كانت عبارة عن إقرار منهم بالرضى بالخليفة الجديد، تشبه إلى حد كثير ذهاب الناخب في أيامنا هذه إلى اللجنة الانتخابية ليُدلي بصوته بأمانة للمرشح الذي يرضاه أن يكون رئيسه ويتولى شئون دولته .
بعد سنتين ونصف وحين توفي الخليفة أبو بكر الصديق اصطلح الصحابة على عمر بن الخطاب أن يكون قائدًا لهم، وأيضًا دون آلية واضحة في انتقال الحكم وتم أخذ البيعة (الرضى) من سكان المدينة المنورة على ذلك، وهنا احتار الصحابة في تسمية الخليفة الجديد فإن أطلقوا عليه لفظ الخليفة فيتوجب عليهم قول (خليفة خليفة رسول الله) وبذلك سيصعب عليهم مناداته فتشاورا وقرروا إطلاق لفظ (أمير المؤمنين) على عمر بن الخطاب الفارق، عندما علم عمر بذلك قال: لا أغير سنة سنها خليفة رسول الله أبي بكر، فقال له أهل الرأي من الصحابة: بل هي المصلحة يا أمير المؤمنين، وهكذا رأى القوم، فأقر بذلك رضي الله عنه، ثم استمر هذا الوصف على أمراء الدول الإسلامية اللاحقة وأصبح لفظ الخليفة يقال للتشريف اعتباريًا إلى أن جاءت الدولة العثمانية ، وأطلق فيها مسمى السلطان على الحاكم العام لأمور الدولة .
الخلافة والدولة العصرية
حينما أصبح الصحابة أمام أمر واقع بعد وفاة النبي إما أن يعينوا قائدًا لهم أو ينتهي مشروع الدولة الإسلامية التي أسس لها النبي (صلى الله عليه وسلم)؛ اجتمع الأنصار (أهل يثرب الأصليين) تحت سقيفة بني ساعدة للتشاور في اختيار قائد منهم للمسلمين وقال أحدهم: يا معشر الأنصار والله إنكم خير من يستحقها بعد رسول الله فأنتم من نصرتم وآويتم المهاجرين (أهل مكة المهجرين بفعل جبروت قريش) وهنا قامت دولة الإسلام على أرضك، عندما علم بذلك عمر بن الخطاب أمسك بيد أبي بكر وأسرع إلى مكان السقيفة وقال: يا معشر الأنصار والله إنكم لخير من نصر وآوى، لكن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش وأمسك بيد أبي بكر الصديق وقال بايعت أبا بكر خليفة لرسول الله فأسرع الصحابة من بعده وبدأوا بالبيعة تباعًا ورضوا بأبي بكر خليفة وقائدًا لهم، ثم جاء من بعده عمر وهنا بدأت الدولة بالتوسع خاصة بعد فتوحات العراق والشام، وأصبحت الحاجة مُلحة أكثر للتنظيم ومأسسة الدولة،لافاجتمع ابن الخطاب الأمير مع أهل الشورى لديه ومن بينهم علي بن أبي طالب ليتشاورا في الطريقة الأفضل لتنظيم الدولة؛ فنتج عن ذلك وضع مراقبين في الأسواق وإنشاء دواوين للقضاء وبيت المال وسن القوانين للمحاربين في البلاد البعيدة، ثم تطور الأمر في زمن إمارة ذو النورين “عثمان بن عفان” و”علي بن أبي طالب” فأنشأ نظام الشرطة ونظام السجون. .
ما أود الإشارة له هنا أربعة أمور:
الأول: أن وجوب أن يكون الأمير قرشي كانت ضرورة سياسية في ذلك، حيث كانت قبيلة قريش هي الأقوى والتي اعتاد العرب على أن تكون السلطة لها فلو تم اختيار خليفة لدولة المسلمين حينها من أهل يثرب لكان ذلك بمثابة نهاية سلطة ونفوذ لدولة الإسلام ومشروع الدعوة التي ما زال طريًا في بدايته ولم يتصلب بعد.
الأمر الثاني: عدم وجود نص ديني في آلية اختيار القائد العام للدولة وترك ذلك لاجتهاد أهل الزمان والمكان ووفقًا للظروف المتاحة التي تحقق المصلحة، ونرى ذلك من خلال تعدد آلية انتقال الحكم واختلافها بين الأمراء الصحابة الأربعة الذين خلفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إدارة شئون الدولة .
الثالث: أن ما يطلق عليه اليوم دولة الخلافة وينادى لعودتها تنقسم إلى قسمين :
- دولة قيم وأخلاق وتواضع والتزام بتعاليم الدين الذي جاء لتحقيق مصلحة الإنسان والمجتمع.
- دولة تنظيم ناشئة ضعيفة لا تصلح لأن تكون نموذجًا، حيث كانت تتطور آلياتها مع الزمان وتستقي من تجارب الفرس والروم لتكون أفضل حالاً .
الرابع: أننا نستطيع أن نطبق المفاهيم السامية التي سادت زمن دولة الخلافة والتي حث عليها الدين وأصّلها من عدل وشورى وأمانة في الاختيار ونزاهة في القضاء واستقلاليته، وأيضًا من تواضع الأمراء والمساواة بين أفراد المسلمين وحتى غير المسلمين من ناحية الحقوق والواجبات إلخ ..، نستطيع أن نسقطها على واقعنا اليوم في عملية الانتخابات ووضع الدساتير العادلة التي تضمن لجميع الأفراد التساوي في حقوق الواجبات وتنظم علاقتهم بالسلطة الحاكمة وبذلك نحقق المفهوم الديني الإسلامي في نظرية الحكم ونطبق الروح الحقيقة التي جاءت بها دولة الخلافة وخلفاؤها الراشدين (رضوان الله عليهم).
الخليفة البغدادي وسيارة الهمر الأمريكية:
أما ما أطل به علينا تنظيم داعش مؤخرًا من إعلان دولة الخلافة الإسلامية وتعيين البغدادي خليفة لها بعد أن ظهر أخيرًا من سردابه الذي اختبأ به طويلاً، أطل برسالة مسجلة للمؤمنين وصورة (فوتغرافية) لا ندري صحة نسبتها إليه، ليعلن قبوله بوصاية خلافة جميع المسلمين مستحضرًا النصوص التاريخية المشوهة عن خلافة لم نجد رسمًا لها إلا في خياله المريض وخيال القطيع الذي معه .
يا أمير المؤمنين تذكر وأنت تهم بركوب سيارة الهمر الأمريكية أنك وحاشيتك كفرت وقتلت كل من خالفك بحجة أنهم نادوا بمصطلحات غربية وتشبهوا بالكفار كـ الحرية والعدل والمساواة.
يا أمير المؤمنين وأنت راكب سيارة الهمر وتنظر بإعجاب للبارودة الروسية (نوع صارخ) تذكر أن نظام الأسد الذي قتلنا وتركك تعبث في نادينا كما تشاء وأنت بزعمك أنه عدك الأول والأوضح أصبح على علاقة زواج دائم مع صانع بارودة (الكلاشنكوف) التي في يديك .
يا أمير المؤمنين وأنت تدعو من أسميتهم مؤمنين لمبايعتك وتتهم كل من يخالف بالخروج عن طاعة ولي الأمر، تذكر أنك خرجت عن خليفتك الافتراضي (الظواهري) وأنك خرجت عن رأي جماعة المسلمين حينما دعوك لتحتكم إلى القضاء والدين حينما بدأت تسرى كالسم في جسدهم الهزيل.
يا أمير المؤمنين حينما تخرج يدك من شباك الهمر الأمريكي لتحيي قطيعك الذين أسمتيهم مؤمنين، وأنت تهم بسرد الوعود لهم من تحقيق الأمن والأمان وتطبيق العدل وتنفيذ تعاليم الدين، تذكر أنك قتلت الضابط المنشق “أحمد جهار” لأنه استطاع أن يحصل على معونات طعام لشعبه الجائع من أيدي عدوك الأمريكي الكافر، وتذكر أنك قتلت الطبيب “أبو ريان” و”عبد الوهاب الملا” الذي قال كلمة حق في وجه سلطان جائر، تذكر أنك قتلت القائد “أبو بصير” و”أبو بكر الجولاني” لأنهم خالفوك وكشفوا زيفك وكذبك فكان جوابك بإسكات صوت الحق أن قتلتهم ومئات الصحفيين والممرضين والثوار الأحرار الذين لولاهم لما كنت مكانك اليوم .
يا أمير المؤمنين تذكر أن دولة قامت على القتل والسفك وتكفير المخالف وتخوينه لن تستمر، حتى وإن ظهر سلطانها تارة من الزمان فإن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
يا أمير (مؤمنيك) أني أنقض بيعتك وأرفض شهادة من بايعك وأدعو بالهداية والتبصر لمن دافع عنك، أنا وأنت وغيرنا سيقف أمام الله يوم الحق الأكبر وستسأل عن دم أحمد جهار وابن صطوف وعبدو الشيخ وغيرهم من الصادقين الكثير (يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم).
ختامًا: أرجو أن تتذكر يا خليفة السرداب المنتظر أن دولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة
دولة البغدادي (نظرة سياسية)
في الفترة القادمة سنجد الكثير من المبايعات من قبل الفصائل المسلحة على الأرض السورية خاصة وفي العراق، وستبدو دولة البغدادي وكأنها تتوسع قليلاً وربما نشهد عودة ذيولها في المناطق التي طردت منها في إدلب وحلب، لكن ما يجب وضعه في الحسبان أن دورها سيضعف سريعًا تعود للتفتت الأخير الذي سيهيئ لوضع ربما أفضل حالاً مما نمر به اليوم لمن أراد العمل والبناء، وأما الفصائل الموجودة اليوم على الأرض وبكل أطيافها إما سنشهد بينها اندماجًا حقيقيًا بعد معالجة الخلل الحقيقي في تنظيمها، وإما ستنهار انهيارًا جزئيًا مع الوقت .
ما هو الحل؟؟
الحل الأمثل في ظل الظروف القائمة أن نركز ونستمر في علاج عالم الأفكار القاتلة في مجتمعنا بشكل عام وخاصة في أماكن الصراع، مع المراقبة المستمرة لتطور الأحداث على الأرض محاولين إيجاد حاضنة جيدة للأفكار البناءة لتكون قاعدة انطلاق نحو تغيير حقيقي .