ترجمة وتحرير نون بوست
إنه تقدم مثير للإعجاب، فقبل أقل من عقدين كانت إندونيسيا ديكتاتورية في عهد سوهارتو، أما الآن، فعلى الناخبين في ذلك الأرخبيل والبالغ عددهم 240 مليون نسمة أن يذهبوا لصناديق الاقتراع لاختيار رئيس جديد للبلاد مع وعود بارتفاع نسبة الإقبال.
كانت الحملات الانتخابية هادئة وخالية من العنف، على الرغم من أن الخطاب الديني – الإسلامي بالطبع – لم يغب أبدًا عن النقاشات حول مختلف القضايا.
الديمقراطية في البلاد لم تزل في بدايتها، وستكون هذه هي المرة الأولى التي يتنحى فيها رئيس انتخب شعبيًا بعد سنتين باهتتين من الحكم كرئيس، كما أن الانتخابات بالغة الأهمية إذ أنه لا أحد من المتنافسين الرئيسيين يشبه أي زعيم قاد إندونيسيا من قبل.
جوكو ويدودو (يسار الصورة)، والذي يُعرف عالميًا باسم جوكوي، بدأ حياته كبائع أثاث متواضع، ثم أصبح رئيس بلدية واقعي، براغماتي وغير فاسد، ولا ينتمي لأي من السلالات السياسية والاقتصادية وأتباعهم، ظهر جوكوي حتى وقت قريب في الصدارة بفارق كبير، لكن ظهر مرشح آخر، برابوو سوبيانتو (يمين الصورة)، وبهذا ازدادت حدة المنافسة.
جنرال سابق، لديه المال، صورة قوية أمام الرأي العام، وحملة انتخابية جيدة. كلا الرجلين استطاعا تقديم أنفسهما بشكل جيد للغاية، لكن ما تراه الإيكونوميست أن التغيير الحقيقي لن يأتي إلا في وجود جوكوي وليس سوبيانتو.
إندونيسيا في مفترق طرق .. بالفعل!
إنه يمثل شيئًا جديدًا ومختلفًا لإندونيسيا، فالرجل البالغ من العمر 53 عامًا هو الأول من ذلك الجيل السياسي ليصل إلى هذه المرحلة منذ الاحتجاجات الشعبية في أواخر التسعينات والتي أطاحت بسوهارتو، صعود جوكوي لم يكن متصورًا من دون اللامركزية السياسية التي تحقق نجاحًا كبيرًا في الديمقراطية الإندونيسية، بدأ حياته السياسية كرئيس لبلدية سولو، وهي مدينة متوسطة الحجم في جاوة، الجزيرة الأكثر اكتظاظًا بالسكان، قبل أن يصبح حاكمًا ذو شعبية هائلة في جاكارتا العاصمة في عام 2012، وهنا صنع الرجل سمعته بما يستطيع عمله عبر كفاءته ونظافة حكومته التي حازت على إعجاب الكثيرين ودفعته في النهاية إلى السباق الرئاسي.
جوكوي لديه سجل جيد في التعامل مع مخاوف الإندونيسيين العاديين مثل: المرور، الصرف الصحي، رشاوى الموظفين، كما أنه قادر على التعامل بشكل أكثر أريحية من غيره مع المسيحيين أو العرقية الصينية.
في الواقع، لقد حاول خصومه استخدام أصوات المتعصبين دينيًا باتهام جوكوي بأنه مسيحي، ورغم أن إندونيسيا لا مكان فيها لليبرالية الاقتصادية، إلا أن الرجل أقل قومية في هذا الجانب من خصمه، ولذلك يريد المستثمرون الأجانب انتصار جوكوي حيث قال إنه يتفهم الحاجة لتخفيض الدعم على الوقود ولتعزيز التعليم.
القلق حول جوكوي هو أنه قد يكون غير قادر على إدارة سياسات البلاد العليا، وهذا عائد بشكل ما إلى افتقاده الخبرة، فوجهات نظره بشأن السياسة الخارجية لا تزال غير معروفة، كما أن حملته التي اعتمدت على الهواة تثير القلق، حيث اعتمدت أساسًا على افتراض الصدق في الرجل وأن سجله رائع بما فيه الكفاية! كما أن هناك خطر من اهتزاز صورته خارجيًا حيث يعتمد على المخضرمة في حزبه “ميجاواتي سوكارنوبوتري” ابنة مؤسس إندونيسيا الحديثة ورئيسها السابق، والتي ظهرت في عدة مناسبات ناقمة على ترشيح جوكوي ودعمها له.
أما السيد برابوو فقد انتهز تلك الفرصة؛ مما يجعل السباق شديد الصعوبة والتقارب، مؤتمراته الانتخابية هي أكثر حيوية بكثير ممن تلك التي يقيمها جوكوي والذي يفتقد للكاريزما، لكن نجاح الرجل الذي كان في وقت ما، نسيب سوهارتو، سيمثل ردة إلى الماضي المظلم، كقائد سابق للقوات الخاصة سيئة السمعة في إندونيسيا، فإن برابوو لديه سجل سيء في حقوق الإنسان، مرة في تيمور الشرقية، ومرات خلال الاحتجاجات المناهضة لسوهارتو، إنه أستاذ المال السياسي، الذي يستفيد من وجود أصدقائه الذين يمتلكون محطات التلفزة والصحف، كما أنه لا يهتم أبدًا بالمستثمرين الأجانب، من الواضح أنه يريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في إندونيسيا.
هل يستطيع برابوو فعل ذلك؟ هذا أمر آخر، لكن لا يجب السماح له بالمحاولة أصلاً! التصويت لجوكوي هو مقامرة حيث إن حكومته ستواجه مخاطر سياسية جسيمة، لكنه كان يدير أكبر مدن البلاد بشكل رائع، ورؤيته للمستقبل حتى الآن هي الأفضل مقارنة ببرابوو العائد من الماضي.
رأي الإيكونوميست: جوكوي هو الخيار الصحيح لإندونيسيا
المصدر: إيكونوميست