منذ أن اختُطف الجنود الإسرائيليون الثلاثة مساء الخميس، 12 يونيو الماضي، والأوضاع تتسارع في فلسطين المحتلة، فلم يبدأ الأمر بالتهديدات الإسرائيلية بقصف غزة وقصفها بالفعل ولم ينته باعتقال المئات من الفلسطينيين والاشتباكات المتقطعة بين جنود الاحتلال والفلسطينيين، ووصلت الأحداث إلى ذروتها في الثلاثين من يونيو بعد أن أعلن جيش الاحتلال عن العثور على جنوده الثلاثة قتلى شمال الخليل.
وحينها قدرت مصادر عسكرية في جيش الاحتلال أن الجنود الثلاثة قتلوا في اللحظات الأولى لأسرهم وألقوا في حفرة في منطقة جبلية في حلحول، قضاء الخليل.
وحينها تداعى الإسرائيليون منادين بخطف الفلسطينيين وقتلهم، وتواصلت دعوات التحريض ضد الفلسطينيين ومطالب الثأر في “إسرائيل” في كل منصة متاحة، سواء في وسائل الإعلام أو في مواقع الانترنت، فيما تفاقمت المواجهات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال في القدس المحتلة، بعد استشهاد الطفل الفلسطيني محمد حسين أبو خضير.
وقد اندلعت مظاهرات صاخبة شارك فيها آلاف من اليهود في أنحاء متفرقة في القدس المحتلة، أطلقوا فيها شعارات” الموت للعرب” و” الانتقام”، وذلك احتجاجًا على مقتل الجنود الثلاثة، واعتدى عدد منهم على عابري طريق وعمال عرب، وأعلنت الشرطة أنها اعتقلت 47 متظاهرًا.
فقد أقدم ثلاثة مستوطنين في 2 من يوليو الجاري على اختطاف الطفل محمد حسين سعيد أبو خضير (15 عام) من بلدة شعفاط، قضاء القدس المحتلة، وقتله، بينما كان يتواجد بجانب دكان والده بجانب بيته والمسجد في شعفاط.
وذكر شهود عيان أن ثلاثة مستوطنين تقدموا إليه وقاموا بضربه وإدخاله بالقوة داخل سيارة ولاذوا بالفرار، الكاميرات في المنطقة وثقت رقم سيارة الخاطفين ووجوههم أيضًا، فيما ذكرت مصادر محلية أن “الفتى أبو خضير خطف من أمام مسجد في شعفاط أثناء توجهه لصلاة الفجر”.
وترددت حينها أنباء عن قتل الفتى وإلقاء جثته في أحراش قريبة من منطقة دير ياسين المحتلة، فيما أكدت مصادر عبرية نقلاً عن شرطة الاحتلال هذه الأنباء.
وإثر نبأ استشهاد الفتى بعد اختطافه وتعذيبه حتى الموت وحرقه، اندلعت المواجهات بين الفلسطينيين وجنود جيش الاحتلال.
من جانبها دفعت سلطات الاحتلال حينها بقوات كبيرة إلى القدس الشرقية المحتلة، ونصبت الحواجز وانتشرت بكثافة على نقاط التماس مع القدس الغربية المحتلة، في حين قام محتجون بتشويش حركة سير شبكة القطارات الخفيفة فاضطرت الشرطة إلى إغلاق محطة القطارات الواقعة في الحي الاستيطاني “بسغات زئيف” خشية اندلاع مواجهات.
ورغم المواجهات، قررت مخابرات الاحتلال الإسرائيلي احتجاز جثمان الشهيد الطفل بحجة تحويله للتشريح للتعرف على أسباب الوفاة، كما قررت منع إجراء جنازة له في مسقط رأسه في المخيم.
وفي ذات اليوم أعلنت إدارة معهد الهندسة التطبيقية “التخنيون” في حيفا، عن عزمها طرد الطالب الفلسطيني مراد أبو الهيجاء، الذي كتب بعد عملية اختفاء المستوطنين، وانطلاق مباريات كأس العالم بكرة القدم، “3 ــ 0” لفلسطين من دون أن تشارك الأخيرة في المباريات.
وأثارت هذه العبارة موجة تحريض هائلة ضد الطالب المذكور، وهددت الجامعة بطرده وإبعاده عن مقاعد الدراسة، فيما أنشأ مستوطنون عنصريون صفحة على “فايسبوك” للتحريض على أبو الهيجاء وتهديده بالقتل، وبالفعل تلقى الأخير اتصالات من مجهولين هددوه بالقتل.
في موازاة ذلك، كشف موقع “والا” الإخباري الإسرائيلي، أن الآلاف من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي نشروا في اليومين الماضيين على شبكة الإنترنت، آلاف الصور لهم وهم يحملون أسلحة ولافتات كُتب عليها: “دعونا ننتقم، يجب قتل الفلسطينيين”، إضافة إلى صور لجنود يحملون بنادق رشاشة يطلبون أن يُسمح لهم “برش الفلسطينيين أينما كانوا”.
وشكّلت هذه الخطوة امتدادًا لحالات سابقة كان فيها جنود الاحتلال يعلنون تضامنهم مع جنود آخرين تورطوا بقتل فلسطينيين أو التنكيل بهم.
وخلال اليوم التالي (3 يوليو) حاول مستوطنون اختطاف طفل آخر في القدس المحتلة، وقالت مصادر في حي بيت حنينا في القدس المحتلة إن المستوطنين اقتحموا الحارة من جهة المستوطنة، وحاولوا اختطاف الطفل محمد علي الكسواني 7 سنوات، أثناء لعبه مع أقرانه في الحي، إلا أن صراخ الأطفال وتجمع الأهالي حال دون ذلك.
فيما أكد “حسين أبو خضير” والد الشهيد محمد أن بحوزته شريطًا مصورًا يظهر وجوه القتلة بشكل واضح لكن شرطة الاحتلال لم تفعل شيئًا.
ورغم التعرف على جثمان الشهيد من قبل ذويه، نشرت الشرطة الإسرائيلية بيانا تقول فيه إن “معهد التشريح العدلي بأبو كبير جزم بصوره رسمية بأن الجثة تعود إلى محمد أبو خضير”.
وخلال ساعات اليوم، اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي 17 فلسطينيًا في حملة مداهمات واسعة نفذتها في أنحاء متفرقة من الضفة الغربية والقدس المحتلة، وبذلك ارتفع عدد المعتقلين منذ حملة الاحتلال إثر اختفاء الجنود إلى (658) أسيرًا.
المقاومة الفلسطينية أيضًا أطلقت عددًا كبيرًا من الصواريخ على جنوب إسرائيل، فيما نُشرت تغريدة على الحساب الرسمي لجيش الاحتلال الإسرائيلي عن احتمال حدوث تسرب نووي بعد سقوط صاروخين على مفاعل ديمونة، إلا أن متحدثًا باسم الاحتلال أعلن عن اختراق الحساب بعد أن تم حذف التغريدة.
وأمس – الجمعة 4 يوليو -، شيع آلاف الفلسطينيين جثمان الشهيد أبو خضير، في حي شعفاط بمدينة القدس المحتلة وسط أجواء مشحونة وهتافات تطالب بالانتقام من المستوطنين الفاعلين.
ورفع المشيعون الأعلام الفلسطينية، ورددوا الهتافات المنددة بجريمة الاحتلال والمطالبة بالرد عليها.
وانتظم آلاف الفلسطينيين خارج المسجد للصلاة على الجثمان قبل الانطلاق في مسيرة طافت الشوارع الرئيسة في بلدة شعفاط وسط صيحات “الله أكبر” و”لا اله إلا الله والشهيد حبيب الله” و”بالروح بالدم نفديك يا شهيد” و”خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود” و”على القدس رايحيين شهداء بالملايين”.
وعلى وقع زخات من الرصاص، أطلقها ملثم فلسطيني، وري أبو خضير الثرى في مقبرة بلدة شعفاط، شمالي القدس، الفلسطينيون الغاضبون طلبوا من الملثم إطلاق الرصاص مرة أخرى من سلاحه الرشاش ففعلها 3 مرات وسط صيحات: “الله أكبر”.
وأعطى التواجد المكثف للملثمين في جنازة الفتى الفلسطيني، طابعًا جديدًا افتقده الفلسطينيون منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1989.
وانتشرت التظاهرات في مدن الداخل المحتلة، حيث خرجت تظاهرات في مجد الكروم وجسر الزرقاء والفريديس وسخنين والطيبة والطيرة وباقة الغربية، وجت وغيرها، ورفع المتظاهرون خلالها الأعلام الفلسطينية رغم قوانين الاحتلال التي تحظر رفعه، ونادوا بشعارات تندد بجرائم الاحتلال.
وتواصلت أعمال الاحتجاج وتظاهرات الغضب التي امتدت إلى مدن الداخل الفلسطيني المحتل احتجاجًا على جرائم الاحتلال بالضفة وغزة وتنديدًا بجريمة قتل وإحراق الفتى المقدسي.
ودعت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الداخل إلى تشكيل لجان حماية شعبية محلية لحماية الممتلكات والتصدي لهذه الجماعات لمنعها من ارتكاب عمليات خطف أو جرائم بالبلدات.
وبعد أن ترددت أنباء عن دخول مجموعة من المستوطنين اليهود إلى قرية كفركنا في الداخل المحتل، شمال الناصرة، صباح اليوم السبت، خرج المئات من الأهالي، وخاصة الشباب، للتصدي لهم تحسبًا من محاولات اختطاف أو عمليات تخريب التي تنفذها عصابات “دمغة الثمن” اليهودية.
اليوم أيضًا أعلن الجيش الإسرائيلي عن إطلاق صاروخين من قطاع غزة تجاه إسرائيل، وكان الجيش الإسرائيلي أعلن، أمس، أن 150 قذيفة صاروخية تم إطلاقها من غزة باتجاه إسرائيل، منذ اختفاء المستوطنين الثلاثة.
المشهد لا زال شديد التعقيد، مشهد اختلف الفلسطينيون أنفسهم في تقييمه؛ ففي حين يقول البعض من السكان إن الأحداث التي شهدتها مدينة القدس منذ اختطاف وقتل أبو خضير فجر الأربعاء الماضي ستؤدي إلى انتفاضة جديدة، فان آخرون يرون أن الأحداث ما هي إلا سحابة صيف ستنتهي اليوم أو غدًا وتعود الأوضاع إلى طبيعتها.