تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) أعلن عنه أبو بكر البغدادي أمير داعش في 9 أبريل من العام الماضي، مصرحًا بحل جبهة النصرة وأنها تابعة له وهو من أمدها بالمال والرجال والجولاني جند من جنوده.
فمن هي داعش؟
تنظيم داعش امتداد لـ “دولة العراق الإسلامية” والذي أعلن عنه أبو عمر البغدادي عام 2006 بعد اتحاد عدد من الفصائل الجهادية في العراق على رأسهم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين الذي كان تحت مسمى جماعة التوحيد والجهاد قبل مبايعة أبو مصعب الزرقاوي لأسامة بن لادن.
وتحت كل مسمى من هذه المسميات كانت هناك مرحلة لها حيثياتها المختلفة عن الأخرى.
بداية أنشئت جماعة التوحيد والجهاد بإمرة الأردني “أبي مصعب الزرقاوي” لمقاومة الاحتلال الأمريكي بالأساس، إلا أنه لم يلبث أن اعتمد استهداف الشيعة كخيار استراتيجي باعتبارهم مساندين للمحتل محاربين لأهل السنة وهذا كان أول خلاف بين جماعته والعشائر السنية والفصائل السنية الأخرى، لأن المليشيات الشيعية كانت ترد في عمق المناطق السنية.
وبعد مبايعة الزرقاوي للقاعدة في عام 2004 سار على نفس النهج مع توسع في نشاط التنظيم وزيادة أعداده خاصة من “المهاجرين” العرب أصحاب الأيدلوجية الجهادية خاصة السعوديين، وفي عهده أنشأ مجلس شورى المجاهدين بالاتفاق مع ست فصائل عراقية أخرى وكان هذا أول اجتماع بين فصائل المقاومة في العراق.
وعقب مقتل الزرقاوي تولى المصري أبو حمزة المهاجر قائد كتيبة “عائشة أم المؤمنين” المتنفذة في قيادة قاعدة العراق قيادة الأخير وبعد توليه سعى لإنشاء دولة أو إمارة إسلامية تجمع شتات الفصائل السنية، لكن سياسته كانت أكثر حدة من سلفه؛ فبعد إنشاء دولة العراق الإسلامية بإمرة أبو عمر البغدادي عمد المهاجر الذي كان القائد الفعلي للدولة – بحسب رسالة قاضي الدولة أبو سليمان العتيبي لقيادة القاعدة في أفغانستان – إلى إجبار الرافضين لمشروع الدولة من الفصائل الأخرى على بيعة البغدادي حتى وصل إلى قتال المنشقين عنه من تنظيم القاعدة ومن الجماعات الأخرى .
تسبب نهج المهاجر إلى نشوء ما يعرف بمجالس الصحوات بمساعدة أمريكية وإقليمية عربية – وهو خليط من العشائر السنية والفصائل التي كانت تقاتل الاحتلال الأمريكي – لطرد تنظيم دولة العراق الإسلامية من مناطق الوسط والشمال السنية خاصة محافظة الأنبار وهو ما نجح بسرعة رهيبة بعد أن فقد التنظيم حاضنته الشعبية ولجأ إلى الصحاري والمناطق النائية وقلت عملياته بنسبة كبيرة في مواجهة المحتل والقوات العراقية المساندة له واستمر على هذا الحال، إلا أن أواخر فترة المهاجرشهدت تصاعدًا في العمليات ضد الحكومة العراقية لم يلبث حتى قتل المهاجر والبغدادي في غارة أمريكية على محافظة صلاح الدين.
تولى بعدها قيادة الدولة الأمير الحالي لداعش “أبو بكر البغدادي” وفي عهده حصلت الثورة السورية التي كانت متنفسًا لتنظيمه فتدخلت الدولة تحت مسمى جبهة النصرة وظهرت بنهج مغاير تمامًا للدولة حتى حصل الخلاف بينها وبين قيادة الدولة في العراق بعد إعلان البغدادي عن حل جبهة النصرة وإعلان الدولة الإسلامية في العراق والشام.
الفراق بين القاعدة وداعش
يعود الخلاف بين القاعدة وفرعها في العراق إلى فترة الزرقاوي وكانت عبارة عن تباينات منهجية وسياسية وليست خلافات على البيعة كما هو ظاهر، فقد كانت قيادة القاعدة ترى تحييد إيران ومن خلفها الشيعة وتوجيه دفة المواجهة مع “رأس الأفعى” أمريكا وهو ما خالف فيه الزرقاوي القيادة العامة واعتبر استهداف الشيعة خيار استراتيجي لا غنى عنه.
واعتمد الزرقاوي على قاعدة التترس في مهاجمة الأمريكان وهو ما يوقع قتلى في صفوف المدنيين ويعتبرها أصل لا استثناء وهو ما قوبل باستهجان من القيادة العامة للقاعدة أظهرتها مراسلات كشف عنها أبو ماريا القحطاني الرجل الثاني في جبهة النصرة عبر حسابه على تويتر عمق الخلاف في هذه المسألة.
وفي فترة البغدادي/ المهاجر وصل الخلاف لمرحلة متقدمة فقد أعلنت “دولة العراق الإسلامية” بدون “إذن” قيادة القاعدة – بحسب أيمن الظواهري في شهادة مسجلة له على دولة العراق الإسلامية نشرت على مواقع جهادية – إلا أن القاعدة استوعبتهم واستمر الخلاف خاصة بعد توسع دولة العراق الإسلامية في المواجهة مع العشائر إلى أن حصل الهجوم على كنيسة سيدة النجاة في بغداد وهو ما قوبل باستنكار شديد من القاعدة كشفت عنه وثائق أبوت آباد.
جاء الإعلان عن دولة العراق والشام الإسلامية بدون إذن أو مشورة قيادة القاعدة تتويجًا لمرحلة أخيرة من الخلاف بينهما، فقد رفض البغدادي أمر الظواهري بحل دولة العراق والشام مؤكدًا تقديمه “أمر الله” على “أمر الظواهري” واستمر الشد والجذب لشهور في محاولة لإخضاع البغدادي ودولته إلى أن وصل فصله الأخير بإعلان تبرأ القاعدة من داعش وأنها ليست فرعًا لها، خاصة بعد المواجهات مع فصائل الجبهة الإسلامية والجيش الحر تطور فيما بعد إلى مواجهة دامية مع جبهة النصرة فرع القاعدة في الشام.
انعكاس الخلاف على الأرض ولمن الغلبة
شهدت الأوساط الجهادية انقسامًا بين النصرة بصفتها ممثلة لنهج لقاعدة وداعش بنهجها وسياستها المغايرة إلا أن مع بداية الخلاف كانت الكفة تميل لداعش خاصة مع خطاب المظلومية والغربة التي روجته طيلة سنين من عزلتها ولأنها تتحرر من أي سياسة متزنة بالمعايير العامة وهو ما يشبع رغبة الحماس والتهور لدى الشباب.
وافتعلت داعش مناخًا استقطابيًا في الإعلام كانت القاعدة حريصة على عدم إخراجه من الغرف المغلقة إلا أن الكفة لم تمل لها خاصة مع ظهور نهج داعش الإقصائي لاسيما لدى الأوساط الجهادية سبب ذلك هزة عند أنصارها خاصة في الخارج.
وأحدثت فتاوى منظرا التيار السلفي الجهادي أبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني انتكاسة في شعبية داعش إلا أن ذلك لم يدم بعد انتصاراتها في العراق ازدادت شعبية داعش في الأوساط الشبابية الجهادية؛ مما يجعل شعبية داعش في حالة مد وجذر.