بداية؛ أكثر الأسلحة التي أجادت #داعش استخدامها هو الإعلام، خطابا وتنفيذا وتسويقا، وهو ما أعطاها تلك الهالة الأسطورية التي سهّلت عليها الانتشار على الأرض.
المقطع عظيم من الناحية الفنيّة – كما هي عادة مقاطع داعش – سواء بالتصوير متعدّد الزوايا، أو بأدوات التصوير عاليّة الدقّة، أو بالمونتاج السريع خلال يوم، والذي يدلّ فعلا على أن مؤسسات داعش الإعلامية، هي مؤسسات إنتاج وتنفيذ بمعنى الكلمة!
يرافق مقاطع داعش – عادة – الخطاب الالكتروني المخيف الذي تستخدمه للانتشار، ففي الوقت الذي تختصر به علينا خوارزميات الفيسبوك رؤية هذا الانتشار؛ هناك آلاف المغرّدين الرسميين الذين يعملون كجيش الكتروني حقيقي، أو المناصرين الذين ينشرون، أو الرمزيات التي تستخدمها الدولة لتسهل انتشار منتجاتها ذاتيا .. عدا عن المنتديات الجهادية المنتشرة ..
تعكس هذه الناحية تمويلا عالياً لدى داعش، ووعياً لأهمية هذا السلاح، في الوقت الذي لم تستطع به الثورة حتى الآن تشكيل جسم – عدا عن توحيد خطاب – إعلامي يليق بحجمها ووجعها !
أراد البغدادي أن يكون أول ظهور له في #العراق، الموصل تحديدا .. ورافق هذا ارتداؤه للسواد، رمز الخلافة العباسية من بين كل الخلافات التاريخية التي مرّت على المنطقة، بجانب ارتباط اسمه منذ الناحية الأولى ببغداد.
هذه الرمزيات تؤكد الفكرة التي تحدّث عنها الأستاذ حسن أبو هنيّة، بأن داعش هو فصيل عراقي بالدرجة الأولى، ولم تكن #سوريا بالنسبة له أكثر من ساحة فوضى يمكن له استخدامها بنفطها وقمحها ومناطقها المحررة وشبابها لإعادة ترتيب أوراقه هناك ..
بمعنى، كل الخطاب الديني هو غطاء لعمل عسكري وسياسي واقتصادي – مافيوي بين قوسين – بحت !
ومع ضخامة الحدث – عودة الخلافة التاريخية ! – كما يفترض، إلا أن الخطبة كانت أشبه بخطب الجمعة التي نسمعها في مساجدنا، ببدايتها ونهايتها، حتى في موضوعها الذي تحدث عن فضل رمضان وأجره بداية، قبل أن ينتقل – بذكاء – إلى الجهاد وفضل القتال في سبيل الله ومركزيّته في الدين، مضمّنا ذلك ومستشهدا عليه بظهور واضح للآيات والأحاديث ..
هذه الخطبة ليست لنا، أو للغرب، أو للفصائل التي تحارب داعش .. يبدو أن هذه الخطبة كانت تحديدا لأهل الموصل، خصوصا مع إقامتها في المسجد الكبير بالموصل، وخطابها البسيط السلس القريب من الناس، وبعده عن الحديث السياسي الظرفي وإشكالاته بل وحتّى عن الخطاب الطائفي الذي قد يخيف الناس – خصوصا بعد تجربة المالكي -، ولغتها المستعطفة التي تقول للناس أعدنا لكم الخلافة لكن لا نعدكم بما يعدكم الملوك، وتستسشهد بكلمات أبي بكر الصديق التي تستأمن الجانب: “ولّيت عليكم ولست بخيركم” ..
يذكر أن الخطاب العدمي الذي لا يقوم على مشروع معين وإنما على القتال وحسب والتي تمثله داعش، كان واضحا تماما في ثنايا الكلام.
البغدادي الشخص:
* ليس ذا شخصية كاريزمية، ظهر ذلك من تقليدية خطبته .. مع رمزيتها العالية وقتا وتفاصيلاً!
* ليس ذا علم شرعي، إذ كيف يستخدم في خطبة تدشين الدولة الإسلامية حديثا ضعيفا (أوله رحمة، أوسطه مغفرة، آخره عتق من النار)
* لا ينفي ذلك – بالطبع – كونه عسكريا من الطراز الأول (يظهر ذلك ببنيته الأربعينية القوية،بالإضافة لتاريخه العسكري)، وأمنيا متوّجسا (يظهر ذلك في عيونه المتحركة طوال الخطبة، وتماسكه وهدوءه مع ذلك).
وبحسب التسريبات التي ترد عن بنية داعش، والذي أكدّه ظهور البغدادي الذي يعد ضعيفا؛ فيبدو فعلا أن مكانة البغدادي في التنظيم هي مكانة رمزيّة تأخذ شرعيتها بالتقادم من ناحية، وبالنسب لآل البيت من ناحية أخرى .. إلا أن الأمر الفعلي هو للصف الأول بعده مباشرة – والذي يقال بأنهم بعثيون سابقون كحجي بكر وغيره -، ثمّ أكدّه أخيرا ظهور البغدادي – الرجل الأول – وإخفاء وجوه من يلونه مباشرة !
أخيراً .. الناس منهكة، وتريد أن تعيش، أن تعيش وحسب!
هؤلاء الناس الذين قدموا ليسمعوا داعش حتى ملؤوا المسجد، والذين سأموا وتعبوا من سياسات المالكي المستبدة من ناحية، والطائفيّة من ناحية أخرى، فأرداوا أن يجربوا شيئا آخر ولو لحظيا، ليتركوا السؤال اليوم:
هل سيكون بديل سياسة المالكي الطائفية، خلافة داعش الإسلامية؟
هذا يحتاج أكثر من مجرد خطبة جمعة لنعرف ذلك، والأيام حبلى بالتغييرات.