لم يكن العدوان الغاشم الذي يشنه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ فجر الاثنين الماضي بأقل قسوة وضراوة من الحربين الأولى والثانية التي استهدفتا غزة عامي 2008 و2012 وأسفرت عن استشهاد المئات وإصابة الآلاف من أبناء شعبنا لكن ما يُميز المعركة الجديدة بين المقاومة الفلسطينية والجيش الذي يدعي “أنه لا يُهزم” أن الأولى فرضت معادلات جديدة لم يعرفها الصراع العربي _ الإسرائيلي من ذي قبل.
ربما أن يصادف العدوان على غزة وقتاً ينشغل فيه مليار ونصف مليار مسلم حول العالم في استقبال شهر رمضان المبارك واستغلال أوقاته بالعبادات لكن المقاومة في القطاع جعلت من اسم هذه المعركة “كلمات خالدة” في سجل التاريخ حينما أطلقت اسم “العاشر من رمضان” على العدوان المتواصل بشراسة لليوم الرابع على التوالي.
مفاجئات عديدة وعدت المقاومة في غزة وعلى رأسها كتائب عز الدين القسام الذراع المسلح لحرك “حماس” طيلة العامين الماضيين – عقب معركة حجارة السجيل في نوفمبر 2012 – وها هي اليوم تفي بوعودها فتلك المفاجئات من عمليات وصواريخ متوسطة وبعيدة المدى وضعت عشرات علامات الاستفهام أمام منظومة الكيان الصهيوني بأمنه وجيشه وقيادته السياسية .
وبرهنت المقاومة في غزة بكافة أجنحتها المقاتلة أن الكيان الصهيوني بات كبيت العنكبوت الهش الذي لا يصمد أمام ضرباتها ومفاجئتها الرمضانية الصادمة لأجهزته الأمنية، فقصف تل أبيب كان متوقعاً لدى أجهزة الأمن والاستخبارات الصهيونية لكن ضرب حيفا وما بعدها في شمالي الأراضي المحتلة “قلب المعادلة” رأساً على عقب.
ولم يكن ضرب حيفا وتل أبيب وبئر السبع وعسقلان وأسدود وديمونا وغيرها من عشرات البلدات والمغتصبات حول غزة بأقل ضرراً عل حكومة نتنياهو من العمليات النوعية التي نفذتها كتائب القسام ومن بينها “عملية وحدة الكوماندوز البحري” وتسلل مجموعة من الضفادع البشرية لسواحل عسقلان واقتحام قواعد بحرية إسرائيلية في “زكيم” والمجدل مرتين في أقل من 24 ساعة .. العملية التي وجهت ضربة قاسمة للمنظومة الأمنية الصهيونية التي باتت تسجل فشلاً تلو آخر في صراعها مع المقاومة الفلسطينية.
إذا عدنا للوراء قليلاً .. يبدو أن قادة الاحتلال لم يكن يدر في خلدهم أن يصل بهم الحال إلى ما وصل به اليوم بعد قصف المقاومة الفلسطينية بلدات في شمالي الأراضي المحتلة عام 48 وهي معادلة جديدة تدخلها المقاومة على الصراع مع الكيان.
فالتصريحات والتهديدات التي أطلقها قادة الاحتلال “السياسيون والأمنيون والعسكريون” تُثبت اليوم بما لا يدع مجالاً للشك أنها “اسطوانة مشروخة” وتأتي في سياق الحرب النفسية ضد سكان قطاع غزة ليس أكثر وربما بدأت آلة الحرب الإسرائيلية بتنفيذ وعيدها لكن ككل مرة عبر صب حمم صواريخ طائراتها الحربية والمروحية استهداف المدنيين الفلسطينيين العز
وفوجئت القيادة السياسية والأمنية الصهيونية بمدى صواريخ المقاومة التي دكت مدن وبلدات كان يعتبرها الكيان خطاً أحمراً كبلدة ديمونا النووية في النقب المحتل، وليست حيفا الساحلية بأقل خطراً من سابقتها . ولم يعد قصف المقاومة بالصواريخ لـ “تل أبيب” – العاصمة السياسية والاقتصادية للكيان بذات الزخم والقوة الإعلامية والمعنوية والعسكرية الذي كان عليه في معركة حجارة السجيل فالوقت يقلب المعادلات وبات الكف يُواجه المخرز بقوة غير مسبوقة.
المتابع للأحداث المتسارعة منذ السابع من تموز (يوليو) الجاري ومع أول صاروخ أطلقته طائرات الاحتلال على غزة وما يقابله من عشرات الصواريخ التي دكت بها المقاومة البلدات والمواقع والمغتصبات في غلاف غزة وفي جنوبي وشمالي الأراضي المحتلة حتى اللحظة يؤكد بما لا يضع مجالاً للشك أن فصائل المقاومة في غزة أبدعت وتألقت في “صراع الأدمغة” أو ما يُعرف بين الأوساط الأمنية بحرب العقول وحققت تفوقاً عسكرياً وأمنياً وإعلامياً ومعنوياً غير مسبوق على صعيد الصراع منذ عام 1948م.
وما يُدلل على ما سبق حالة التخبط والجنون الذي وصل له الاحتلال بقيادة “بنيامين نتنياهو” وما سبقه من انقسام وانفصال في الائتلاف الحكومي بين حزبي الليكود والعمل والاختلاف الذي شهدته اجتماعات المجلس الأمني المصغر “الكابنيت” على مدار جلساته المتكررة والطويلة ، وما خروج ليبرمان معلناً فك الشراكة مع نتنياهو قبل بدء شن العدوان على غزة إلا دليلاً قوياً على حالة الترهل والفشل الذي وصلت له المؤسسة الصهيونية.
وفي ظل تواصل العدوان على غزة ومعركة “عض الأصابع” – إن وفقنا في الاختيار – فمن المؤكد أن تشهد الأيام بل الساعات القليلة المقبلة تقدماً ملموساً على صعيد مفاجئات معركة العاشر من رمضان الأمر الذي يشكل ضربات في مقتل لحكومة نتنياهو المترهلة.