ترجمة وتحرير نون بوست
كانت الانتخابات البرلمانية في إندونيسيا في 9 أبريل الماضي سلمية وشفافة نسبيًا، مما يدل على مدى تقدم المسار الديمقراطي خلال السنوات الـ 15 الماضية على الرغم من الأضرار النفسية والبنيوية العميقة التي أحدثها الدكتاتور سوهارتو.
الحركة الشعبية التي أطاحت بسوهارتو كانت تسعى فقط للإصلاح، ولم تكن ثورية كما طالب بها جيل سوكارنو في الأربعينات من القرن الماضي، والنتيجة المؤسفة هي أن السكان عمومًا لا يزالوا يرزحون تحت وطأة إرث سوهارتو والمتمثل في الإفلات من العقاب لقوات الأمن، والفساد الهائل مع نموذج اقتصادي يخدم فقط النخبة.
والمنوال الديمقراطي الجديد لا يخدم الجماهير، ولكن بدلاً من ذلك، فهو يضعها في خدمة الأقلية صاحبة النفوذ والثورة، وإذا فشلت إندونيسيا في تغيير التمشي الديمقراطي بعد الانتخابات، فمن المرجح أن تصبح مثل الولايات المتحدة: أي ديمقراطية بالاسم فقط.
وبوضع الكثير من الثقة في العملية الانتخابية وحدها، تكرر إندونيسيا مخاطر النمط القديم المتمثلة في “الجماهير العائمة” أي مشاركة الجمهور من دون سيطرتها على العملية الانتخابية، وهو ما يمكن أن يكون مناسبًا للطبقة المتوسطة، ولكنه أبدًا لا يساعد المهمشين والفقراء.
والصعود الملفت في عالم السياسة لحاكم العاصمة جاكرتا “جوكو ويدودو” من عمدة إلى مرشح للرئاسة في أقل من عامين، يذكرنا كيف صعد “باراك أوباما” بسرعة في عالم السياسة ليصبح مرشحًا لرئاسة الحزب الديمقراطي قبل إتمام فترة ولايته الأولى في مجلس الشيوخ، مما يجعلنا نتساءل عمن يحرك خيوط هذه اللعبة الديمقراطية.
فأوباما قام بحملة انتخابية مفعمة بالأمل وذلك بعد اليأس الذي شعر به الكثير من الأمريكيين على إثر ولايتين رئاسيتين لجورج دبليو بوش، وما لحق أمريكا من هوان بعد دخولها في حرب مفتوحة على الإرهاب وتبعات ذلك على الاقتصاد حتى لم يعد للفقراء جهد لدعم الشركات الكبرى المفلسة (أنرون، هليبرتن).
ويواجه الإندونيسيين نفس الوضعية، فكما هو الحال في الولايات المتحدة، هناك عناصر رجعية قوية راسخة في المجتمع الإندونيسي، فبرابويو سوبيانتو، صهر سوهارتو، أقر بأنه أمر بخطف ناشطين من أجل الديمقراطية في نهاية عهد الديكتاتور السابق، وترشح بصفته الزعيم ذو القبضة الحديدية الذي تحتاج إليه اندونيسيا؛ فاجتذب قسمًا من الناخبين الذين يرون فيه شخصية قوية، وأعلن مؤخرًا أن الديمقراطية كما تطبق في الغرب “لا تتكيف مع “ندونيسيا”؛ مما بعث مخاوف من العودة إلى النظام الاستبدادي.
خمس سنوات من حكم أوباما للولايات المتحدة جعلت السياسة الخارجية مشوبة بالفظائع في خليج جوانتانامو والتدخل لمناهضة الديمقراطية في أمريكا اللاتينية، مع أعدادا قياسية من عمليات الترحيل، ونظام الرعاية الصحية الذي لا يزال يثري الشركات الخاصة على حساب الصحة العامة، والبنوك التي خلقت كارثة اقتصادية.
وبدلاً من فتح المجال الديمقراطي، أصبح من يملك الشجاعة الكافية للتحدث علنًا ضد النظام اليوم عرضة اليوم لأن يتعفن في السجن أو المنفى مثل تشيلسي مانينغ وإدوارد سنودن، وذلك بعد أن وضع أوباما نفسه، خلال حملته الانتخابية الأولى، على يسار السياسة التقليدية عبر خلفيته وخبرته في تنظيم المجتمع.
والرئيس الجديد لإندونيسيا يواجهه تحديات خطيرة، فالسعي لتحقيق النمو الاقتصادي عمّق الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ويبدو وكأن الإصلاح العسكري أصبح ذكرى بعيدة المنال، فالجنود لا يزالون خارج القانون المدني ويرتكبون عمليات القتل بحرية خارج نطاق القضاء، وقد أجبر عدم الاستقرار الظهور إلى الواجهة لبعض القضايا التي تحتوي على فرص التغيير الهيكلي، مثل إعادة النظر في قوانين الاستثمار ووضع ضوابط جديدة على صادرات التعدين، ولكن كما أظهرت السنوات الـ 15 الماضية، فإن مثل هذه التدابير يمكن تحويلها بسهولة لتساهم في مزيد من إثراء الأثرياء.
وما تحتاجه إندونيسيا اليوم ليس شخصًا كأوباما، ولكن رئيسًا قادرًا على القيام بتغييرات حقيقية في طريقة عمل الأشياء، ولكن للأسف، لا أحد من مرشحي الرئاسة اليوم يبدو قادرًا على متابعة التغييرات الهيكلية اللازمة لتحقيق العدالة والازدهار.
المصدر: رابلير