الدولة الإسلامية بالعراق والشام تعيّن خليفة لها، خليفة يظهر في فيديو مطالبا المسلمين بطاعته، موشحا بثوب أسود وعمامة سوداء تدل على قتامة المشهد السياسي والديني في العراق وسورية.
ظهر إبراهيم عواد السامرائي المكنى بـ “أبي بكر البغدادي” على منبر أحد مساجد محافظة الموصل العراقية مطالبا جمع المسلمين بتثبيته خليفة عليهم، وإعانته على أعباء مهمته الجسيمة. ظهر البغدادي بعمامة سوداء ترمز إلى انتمائه إلى آل بيت النبوة مؤكدا بأنه يقبل النصح، ظهر “الخليفة” الجديد رافعا لواء الدين طالبا التجمع حوله.
ظهور “البغدادي” أثار جدلا بين إعلان بطلان الخلافة حيث أنّ رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير ممدوح أبو سوا قطيشات صرّح بأن إعلان أمير تنظيم “دولة العراق والشام” الخلافة يعد من قبيل “اللغو الذي لا يقدم ولا يؤخر في واقع تنظيم الدولة بأنه حركة مسلحة قبل إعلان البيعة وبعد إعلان البيعة”، وأضاف أنه “لا سلطان حقيقياً لهذا التنظيم على أرض سوريا أو أرض العراق، ولا يتحقق به الأمن والأمان في الداخل أو الخارج، ولا يمكن أن يكون لدولة الخلافة وجود حقيقي بدون سلطان حقيقي على الأرض”.
تصريح أعقبه بيان لعرّاب ما سمي بالثورات العربية رئيس اتحاد العلماء المسلمين يوسف القرضاوي اعتبر فيه أن “إعلان الخلافة الإسلامية من قبل تنظيم الدولة بالعراق يفتقد لأي معايير شرعية وواقعية، ويطالب جميع الفصائل الإسلامية بالعالم باحترام المفاهيم الإسلامية التي لها جلالها بين الناس، كما حذر من فتح باب الفوضى في الاجتهادات، بعيداً عن أهل الحل والعقد للأمة الإسلامية من علمائها وفقهائها ومتخصصيها”.
جدل فقهي وسياسي أدخل المنطقة في مرحلة جديدة قد تؤدي إلى ظهور دولة جديدة تقوم على جزء من أرض العراق وجزء من أرض سوريا. دولة قد تولد وسط خلافات مذهبية تفتح الباب مشّرعا على حرب طائفية سيكون وقود رحاها الأبرياء الذين لم يتجاوزوا بعد أثار التدخل الأمريكي في العراق.
“البغدادي” أسير الأمس في سجن غونتنامو أمير اليوم للدولة الإسلامية بالعراق والشام، “البغدادي” ليس سوى نتاج سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ احتلال العراق وحتى اليوم، فالفوضى الطائفية، وسعي الأكراد للاستقلال مع اليد الطولة لإيران في عراق ما بعد صدام حسين، ليست سوى عوامل مساعدة على انتاج تنظيم غاية في التطرف قد يهدد أمن المنطقة بأسرها.
ظهور “داعش” سيفتح المنطقة أمام تحالفات جديدة، حيث أن “إيران روحاني” تدفع نحو الانفتاح على العملاق الأمريكي واستمالته عاملة على تحقيق تنافر بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية اللاعب الأبرز في منطقة الشرق الأوسط ذات التوجه السني والداعمة لإسقاط نظام الأسد العلوي الحليف الأستراتيجي لإيران والداعم الأبرز لحزب الله الحزب المهيمن بقوةالساح على المشهد السياسي في لبنان.
أبرز الخاسرين في معركة النفوذ هم السنة الذين وقعوا بين مطرقة النظام العلوي في سوريا ونظام نوري المالكي الشيعي في العراق وسندان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الذي لا يتوانى لحظة في تصفية من يخالفه حتى وإن كانوا من أهل السنة. لكن المتأمل في خارطة العراق يدرك بأن السنة يتواجدون في أفقر المناطق بأض الرافدين، وبالتالي إذا ما تحققت نبوءة تقسيم البلد سيجد السنة أنفسهم محاصرين بالفقر والتطرف والتشييع.
يبدو أن الجماعات الدينية المتطرفة لا تعيش إلاّ تحت مظلة الغباء والسذاجة، إذ بالأمس القريب خرج على شاشات التلفاز زعيم جماعة بوكو حرام النيجيرية معلنا أن عدد من الفتيات المسيحيات اللواتي اختطفهن تنظيمه قد دخلن الإسلام، عارضا صورهن وهن يرتلن آيات من القرآن الكريم، وهو ما أعطى ذريعة للتدخل الأجنبي في البلاد. بنفس الغباء والسذاجة أعلن تنظيم “داعش” قيام الخلافة الإسلامية في العراق ما قد يؤدي لعودة القوات الأمريكية إلى أرض العراق.
يبدو أن هذه التنظيمات لم تتونى في تأكيد الصورة النمطية التي يصورها الإعلام الغربي عن العرب والمسلمين، بأنهم دعاة عنف وتطرف ولا يمكن أن يكونوا يوما من المساهمين في بناء الحضارة الإنسانية. فتنظيم “داعش” اختار الطريق الأسهل والأغبى، لأنّ الزمن اليوم لم يعد زمن الإسلام الجهادي ولا حتى الإسلام السياسي الذين كانا وبالا على الأمة.
فالإسلام السياسي تراجع بالسودان قرونا من خلال انقلاب عمر البشير على الصادق المهدي وبنفس القتامة أعاد مصر إلى الوراء من خلال تعطيل الدورة الاقتصادية للبلاد منذ 30 يوليو 2013، حين قام وزير الدفاع غبد الفتاح السيسي بتنحية الرئيس محمد مرسي وما أعقبه من اعتصامي ميداني رابعو والنهضة ما أدى إلى شل الحركة الاقتصادية بالبلاد. أمّا الإسلام الجهادي فقد أسقط كيان الدولة في كل من أفغانستان والصومال وقد يلتحق بركب الدول المنهارة كل من ليبيا والعراق.
يبدو أن المنطقة ستدخل حقبة جديدة من الصراع والتناحر الذي قد يؤدي إلى تغير الخارطة الجغراسياسية للبلاد قد تخرج المستفيد الأبرز منها الدولة العبرية، من خلال إضعاف مصر (اقتصاديا) وسوريا (دفاعيا) مع انهيار الدولة في العراق وتواصل الصراع المذهبي بين سنة وشيعة لبنان ما أدى إلى شغور منصب الرئاسة منذ 22 من نيسان.