حتى في أوقات الأزمات الاقتصادية العالمية، وعندما يتقلص الاقتصاد الوطني ويعاني المواطنون في دولة ما أشد المعاناة، تظل العديد من البلدان متشبثة بقوتها العسكرية، وتنفق المزيد والمزيد على ميزانيات الدفاع، التي تعتبرها معظم الدول لا غنى عنها بالنسبة لمواطنيها!
لكن ماذا لو كانت الجيوش أمرا غير ضروري بالمرة؟!
هناك ثلاثة وعشرون دولة في العالم لا تمتلك جيشا، وفي الحقيقة جميعها تبدو أوضاعها جيدة للغاية!
تختلف تلك الدول اختلافات جذرية فيما بينها، لكن معظمها دول صغيرة لا تمتلك قدرات عسكرية على الإطلاق، وكثير منها دول جزرية، منها على سبيل المثال كوستاريكا، الفاتيكان، ساموا، ناورو ودول أخرى.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك عدد من الدول التي لا تمتلك جيشا نظاميا بالمفهوم المعروف، وتشمل هذه الدول آيسلندا، هاييتي، موناكو، موريشيوس، فانواتو، وبنما.
كما تم تأسيس العديد من البلدان بدون جيش عندما حصلت على استقلالها، دول مثل ميكرونيزيا أو بالاو أو ساموا أو توفالو لم يرو حاجة لإنشاء جيش نظرا لصغر حجمها ولعدم وجود أعداء أجانب بالأساس.
هناك دول خضعت لعمليات نزع سلاح كاملة، مثل كوستاريكا وهييتي وغرينادا وبنما، وأوضح مثال على ذلك هو ما حل بالجيش في كوستاريكا، التي حلت جيشها بعد فترة صراع، قصيرة لكنها دموية.
وفي 1990 فككت بنما جيشها بعد غزو أمريكي أطاح بديكتاتور عسكري في البلاد، لكن قوات الشرطة البنمية لا تزال تحتفظ ببعض قدرات الجيوش.
الغريب أنه على العكس من العديد من الدول القومية العتيدة، فإن عدم وجود جيش في تلك الدول يُعد مصدر فخر للدولة ذاتها. بل إن ذلك ساعد تلك الدول في الاضطلاع بأدوار يمكن وصفها بـ”صناعة السلام الدولي”. كوستاريكا، على سبيل المثال، هي مقر جامعة الأمم المتحدة للسلام، وآيسلندا تشارك في جهود حفظ السلام في البوسنة والهرسك وفلسطين.
عدم وجود جيش يحرر أيضا نسبة كبيرة من الميزانية الوطنية التي يمكن تخصيصها للقطاعات العامة الأخرى مثل الصحة والتعليم. الإنفاق على الدفاع يستهلك 3.8٪ من الناتج القومي الأمريكي، و4.1٪ من الناتج الروسي. وفي عدد من الدول مثلا، يكون الإنفاق العسكري مبالغا فيه رغم عدم وجود تهديدات مباشرة، فالسعودية تنفق قرابة 9.3٪ من ناتجها القومي الإجمالي على العسكرة، بما يوازي 67 مليار دولار، والإمارات تنفق 4.7٪، بما يوازي 19 مليار دولار، في الوقت الذي تعاني فيه بعض تلك الدول، لا سيما السعودية، من فقر شديد في القطاعات الخدمية العامة والبنية التحتية مثل الصحة أو الطرق.
وفي نفس الوقت، تستطيع الدول الأخرى مثل كوستاريكا أو بنما الإنفاق على القطاعات الخدمية الأخرى بشكل أفضل.
في النهاية لا يمكن القول أن الدول -بالتأكيد- ستكون أفضل بدون وجود جيش، هناك مظلات أخرى لحماية الدول، آيسلندا على سبيل المثال هي عضو ي الناتو، وهو ما يعني أن الدول الأعضاء يتشاركون في حراسة المجال الجوي لآيسلندا. موناكو تحميها فرنسا وإيطاليا تحمي الفاتيكان.
أحيانا تتضخم العسكرية المحلية لتأكل الدولة ذاتها، كما هو الوضع في دولة الاحتلال الإسرائيلي، أو يتزايد باضطراد في الدول ما بعد الانقلاب، مثل مصر التي تزداد مخصصات الجيش فيها بشكل جنوني، ويسيطر الجيش فيها على مفاصل الدولة الرئيسية بمنأى عن المدنيين.
لكن في وجود تهديد وجودي حقيقي، فإن المطالبة بإلغاء الجيوش هو أمر من قبيل الانتحار. لكن الأخطر من إلغاء الجيوش أو تقليص ميزانياتها إلى الحد الأدنى هو تحويل العقيدة القتالية لجيش من الجيوش إلى اتجاه آخر خلاف الطرف الذي يمثل التهديد.
ففي حالة الجيش المصري على سبيل المثال، تحولت العقيدة القتالية للجيش من قتال “العدو الإسرائيلي”، إلى العمل سويا مع الأصدقاء في تل أبيب لمحاربة “الإرهاب” في سيناء، ومنذ توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، بدأت الولايات المتحدة في دعم الجيش المصري والدولة بقدر هائل من المساعدات المالية والعسكرية بناء على تغيير تلك العقيدة وحرفها عن إسرائيل.
الأمر ذاته ظهر جليا خلال قرار الولايات المتحدة قبل قرابة الشهرين الإفراج عن طائرات الأباتشي، إذ يحتاجها المصريون في قتال الجهاديين في سيناء، أو على الحدود الليبية.
نون بوست + أوزي